السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
(مدمن تائب) رسالة إلى أمي العزيزة يرحمها الله
هذه رسالة من أعماق قلبي ومن كل جوارحي،
بكل أيام الألم والندم والحسرة..
إنّها رسالة اعتذار أقدمها لك من قلب كان في
يوم من الأيام كسيف يقطع حياتك ويجرح إحساسك
من قلب كان لا يعرف الرحمة وكان عاق في أبسط
حقوقك.
أمي الغالية... يرحمها الله
أحسست اليوم بأنني محتاج أن أتقدم لكِ برسالة
اعتذار أصدق اعتذاري إلى أحسن أم.. لأنني لم أكن
أبدا ذلك الابن الوفي البار في حقك.
كنت أقابل مجهودك بجحود وقد تربيت في حنانك وصبرك.
.. ولم أرد الجميل إليك....
أسفي يا أمي.. خانتني العبارة وثقلت الكلمات
وضاعت الحروف عندما تذكرتك فالأمر ليس حملا
يطوق عنقي فحسب فأمثالك يا عزيزتي يطوقون أطفالهم
بكل المحبة والحنان..
أسفي لك يا أمي وأنت تحت الثرى بأن تسمعي كلماتي
وحرقة قلبي وشوقي إليك ونظرة إلى وجهك وقبلة على يدك..
أقدم اعتذاري إلى قلبك الحنون لقد عشت حياتك بين انتظار
وخوف.. وجلبت لك الليالي السوداء.. وأذقتك قسوة النكران
والجحود، تلك الصفات التي لا تليق بأي إنسان عاقل أصبحت
جميعها ملتصقة بي مثل جلدي بعد أن شملتني غيبوبة الإدمان
وعصفت بي عواصف التعاطي حتى ذهب العقل مني وأصبحت
مجرد مدمن لا شعور له، ولا إحساس، وهل يكفي اعتذاري لك
عن ما بدر مني وهل يكفي انشغالي عنك..؟
سؤال وألف سؤال يدور في خاطري عندما أتذكرك، لقد أبعدني
الإدمان وحرمني منك لمدة عشرين سنة، لقد صارعتني بها
الكثير والكثير وحاولت مساعدتي وكنت تحاولين التقرب مني وأنا أبعد عنك.
عزيزتي الغالية...
لو سالت دموعي حتى جرت بها الأرض لما غسلت ما ألحقته بك
من مصاعب وأحزان..
رغم إحساسي الغائب وشعوري المعدوم بسبب تعاطي المخدرات
والكحول.. ولا أَنسَ يا أمي عباراتك ودموعك ووصاياك التي لا يمكن
أن أنساها، بل أتذكرها... وأسمعها حرفا حرفا كنت وفي أثناء التعاطي
لا أدري ما تقولين ولم أستوعب كل هذه المعاني وأنا تحت تأثير
المخدرات والكحول، وقد وصلت سمومها مشاعري وإحساسي وعقلي..
لقد أفقدني هذا السم البغيض البصر والبصيرة، كانت المخدرات لعنة
أصابتني ببصري ونزعت الرحمة من قلبي..
عزيزتي الغالية
صحيح أن عيناي مفتوحتان ولكن كنت لا أدري سوى أصدقاء السوء
وصحيح أن قلبي كان ينبض ولكن ليس به رحمة.
وأفقدني البصيرة فلم أصغ إلى توجيهاتك ونصائحك التي لم أقدر
ثمنها في وقتها ولم أعرف قيمتها إلاّ بعد أن فقدتك وفقدت كل شيء بعد رحيلك عني.
هذه الكلمة ذاتها كنت تعلنيها للناس بأنني في الغد سوف أكبر
وتعتمدين على ساعدي الذي حل محل أكتافي.
أمي ماذا عساي أن أقول لك وأنا الذي أرغمتك على الخروج من
المنزل في منتصف الليلة الشديدة البرد إلى الشارع.. وأخرجتك من
البيت بعد أن قمت بركلك عدة ركلات وأنا تحت تأثير المخدر واستبدلتك
بمدمن ليؤنس وحشتي ويرافق وحدتي في المنزل..
أقول لك آسف وماذا عسى الأسف أن ينفع وأنا الذي أخذت جميع
ما تملكين من الذهب والمال الذي لم يكن أصلا ذا قيمة كبيرة
وأنت تتوسلين بأن لا أشتري به مخدرا بل أصرفه فيما يعود علي بالنفع..
سامحيني.. سامحيني.. يا أمي..
أمي الغالية
أتذكر عندما فاجأتك بأحد أصدقاء السوء وقمت باطلاعه على
أثاث المنزل لأنه يرغب في أخذ كل ما في البيت حتى يزودني
بالمخدرات حيث أنني اتفقت معه على ذلك مسبقا..
ونظرتِ إلي بكل حسرة وألم وحرقة أغمي عليك لحظتها لم
يحس ضميري لذلك الموقف، لن أنسى مثل هذه المواقف وتلك التي لم أذكرها لك.
أتذكر يا أمي كيف كنت أسيطر على السعادة والحزن وكيف كنت أتحكم على حياتك.
وأتذكر كيف كنت تبحثي عن الحلول السريعة لإنقاذي من هذه
المشكلة ولكن عطفك وحنانك كان دائما يساعدني على أن أتعاطي أكثر وأكثر...
سامحيني يا أمي على ما بدر مني من أضرار وسلوك مشين
لك ولكن لتعلمي يا أمي بأنّ حياتي قد تغيرت الآن وأصبحت
ذلك الرجل الذي كنت تتمنينه طوال عمرك، وقد منحت حياتي
لخدمة الجميع ومساعدة الناس لعل الله أن يساعدني..
أمي العزيزة...
ها أنا الآن ذلك الرجل الذي كنت ترتجينه..
لقد أصبحت يا أمي أرتاد المساجد لطلب العلم بدلا من الجلوس
على أرصفة الطرقات والبحث عن المخدرات.
ودخولي المسجد هو الخطوة الأولى نحو العودة إليك نادما أقبل
الأرض التي تمشين عليها وأقدم اعتذاري وأسفي بل أصدق
الاعتذار إليك يا أمي..
أمي أرقدي حيث أنتي واعلمي بأني سوف أكون ذلك الرجل
الذي كنت تتمنينه دائما إن شاء الله تعالى.
رحمك الله يا أمي وأسكنك فسيح جناته..
ابنك التائب ـ يوسف الصالح
المصدر مجلة شهد الفتيات العدد الثاني عشر
صيد الفوائد
تعليق