هذه قصة واقعية نقلتها لكم من بريد الجمعة لعبد الوهاب مطاوع رحمة الله عليه
وهى لسيده فاضلها تحملت و صبرت فمن الله عليها من نعمه
و اترككم مع القصه
بداية القصة :كنت قد نويت أن أكتب لكم منذ زمن بعيد, لكن ظروفي
حالت دون ذلك, والآن فإني أشعر بأنه قد آن الأوان لكي أطلعكم
علي تجربتي مع الحياة.
فأنا سيدة في الثامنة والثلاثين من العمر نشأت في أسرة ميسورة
الحال وعشت في كنفها حياة هادئة إلي أن تخرجت في الجامعة..
وعقب التخرج التحقت بعمل ممتاز يدر علي دخلا كبيرا..
وأحببت عملي كثيرا وأعطيته كل اهتمامي, وتقدمت فيه
سريعا حتي تخطيت كثيرين من زملائي.
وكنت خلال مرحلة الجامعة قد ارتديت الحجاب بإرادتي واختياري,
وبدأ الخطاب يتقدمون إلي, لكنني لم أجد في أحدهم مايدفعني
للارتباط به, ثم جرفني العمل والانشغال به عن كل شيء آخر حتي
بلغت سن الرابعة والثلاثين وبدأت أعاني النظرات المتسائلة عن
سبب عدم زواجي حتي هذه السن.
وتقدم لي شاب من معارفنا يكبرني بعامين .. وكان قد أقام عقب
تخرجه عدة مشروعات صغيرة باءت كلها بالفشل.. ولم يحقق أي
نجاح مادي, وكان بالنسبة لي محدود الدخل, لكني تجاوزت عن
هذه النقطة ورضيت به وقررت أنني بدخلي الخاص سوف أعوض
كل مايعجز هو بإمكاناته المحدودة عنه.. وستكون لنا حياة
ميسورة بإذن الله.
وبدأنا نعد لعقد القران وطلب مني خطيبي صورة من بطاقتي
الشخصية ليستعين بها في ترتيب القران.. ولم أفهم في ذلك الوقت
مدي حاجته لهذه الصورة لكني أعطيتها له.
وفي اليوم التالي فوجئت بوالدته تتصل بي تليفونيا وتطلب مني
بلهجة مقتضبة مقابلتها علي الفور.. وتوجست خيفة من لهجتها
المتجهمة, وأسرعت إلي مقابلتها.
فإذا بها تخرج لي صورة بطاقتي الشخصية وتسألني هل تاريخ
ميلادي المدون بها صحيح ؟ وأجبتها بالإيجاب وأنا أزداد توجسا وقلقا,
ففوجئت بها تقول
لي:إذن فإن عمرك يقترب الآن من الأربعين.
وابتلعت ريقي بصعوبة ثم قلت لها بصوت خفيض إن عمري34 عاما.
فقالت إن الأمر لا يختلف كثيرا لأن الفتاة بعد سن الثلاثين تقل
خصوبتها كثيرا وهي تريد أن تري أحفادا لها من ابنها.. لا أن تراه
هو يطوف بزوجته علي الأطباء جريا وراء الأمل المستحيل
في الإنجاب منها.
ولم أجد ماأقوله لها لكني شعرت بغصة شديدة في حلقي..,
وانتهت المقابلة وعدت إلي بيتي مكتئبة.. ومنذ تلك اللحظة لم
تهدأ والدة خطيبي حتي تم فسخ الخطبة بيني وبينه وأصابني ذلك
بصدمة شديدة لأنني كنت قد أحببت خطيبي وتعلقت بأمل السعادة
معه.. لكنه لم ينقطع عني بالرغم من فسخ الخطبة, وراح يعدني
بأنه سيبذل كل جهده لإقناع والدته بالموافقة علي زواجنا.. .
ووجدت أنني في حاجة إلي وقفة مع النفس ومراجعة الموقف كله..
وانتهيت من ذلك إلي قرار ألا أمتهن نفسي أكثر من ذلك وفعلت
ذلك ورفضت الرد علي اتصالات خطيبي السابق.
ومرت ستة أشهر عصيبة من حياتي.. ثم أتيحت لي فرصة السفر
لأداء العمرة, فسافرت لكي أغسل أحزاني في بيت الله الحرام ..
وأديت مناسك العمرة ..
ولذت بالبيت العتيق وبكيت طويلا ودعوت الله أن يهييء لي من أمري
رشدا, وفي أحد الأيام كنت أصلي في الحرم وانتهيت من صلاتي
وجلست أتأمل الحياة في سكون فوجدت سيدة إلي جواري تقرأ
في مصحفها بصوت جميل وسمعتها تردد الآية الكريمة وكان
فضل الله عليك عظيما فوجدت دموعي تسيل رغما عني بغزارة,
وألتفت إلي هذه السيدة وجذبتني إليها , وراحت تربت علي ظهري
بحنان وهي تقرأ لي سورة الضحي إلي أن بلغت الآية الكريمة
ولسوف يعطيك ربك فترضى في حياتي مع أني قد رددتها
فخيل إلي أنني أسمعها لأول مرة
مرارا من قبل في صلاتي .. وهدأت نفسي, وسألتني السيدة الطيبة
عن سبب بكائي فرويت لها كل شيء بلا حرج, فقالت ان الله قد
يجعل بين كل عسرين يسرا, وإنني الآن في العسر الذي سوف يليه
يسر بإذن الله ..
وان ماحدث لي كان فضلا من الله لأن في كل بلية نعمة خفية كما يقول العارفون,
وشكرتها بشدة علي كلماتها الطيبة ودعوت لها بالستر في الدنيا وفي الآخرة,
وانتهت فترة العمرة وجاء موعد الرحيل , وبعد انتهاء اجراءات المطار,
وخرجت فوجدت أقرب صديقاتي وزوجها في صالة الانتظار فهنأني بسلامة العودة
وسألت عما جاء بهم للمطار فاخبرونى انهم بانتظار صديق الزوج عائد علي نفس
الطائرة التي جئت بها.
ولم تمض لحظات إلا وجاء هذا الصديق فإذا به هو نفسه جاري
في مقاعد الطائرة, ثم غادرت المكان انا ووالدي .. وما أن
وصلت إلي البيت وبدلت ملابسي واسترحت بعض الوقت حتي
وجدت صديقتي تتصل بي وتقول لي إن صديق زوجها معجب بي
بشدة ويرغب في أن يراني في بيت صديقتي في نفس الليلة لأن
خير البر عاجله,ثم أخبرتني أن زوجها يسهب في مدح صديقه
والإشادة بفضائله ويقول عنه أنه رجل أعمال شاب من أسرة
معروفة وعلي خلق ودين ولا يتمني لي من هو أفضل منه لكي يرشحه للارتباط بي.
وخفق قلبي لهذه المفاجأة غير المتوقعة.. واستشرت أبي..ولم تمض أيام أخري
حتي كان قد تقدم لي ..
ولم يمض شهر ونصف الشهر بعد هذا اللقاء حتي كنا قد تزوجنا وقلبي يخفق
بالأمل في السعادة,
وحديث السيدة الفاضلة في الحرم عن اليسر بعد العسر يتردد في أعماقي.
وبدأت حياتي الزوجية متفائلة وسعيدة ووجدت في زوجي كل
ماتمنيته لنفسي في الرجل الذي أسكن إليه من حب وحنان وكرم
وبر بأهله وأهلي,غير أن الشهور مضت ولم تظهر علي أية
علامات الحمل, وشعرت بالقلق خاصة أنني كنت قبد تجاوزت
السادسة والثلاثين وطلبت من زوجي أن أجري بعض التحاليل
والفحوص خوفا من ألا أستطيع الإنجاب,فضمني إلي صدره وقال
لي بحنان غامر إنه لا يهمه من الدنيا سواي..
وإنه ليس مهتما بالإنجاب, لأنه لا يتحمل صخب الأطفال
وعناءهم, لكني أصررت علي مطلبي .. وذهبنا إلي طبيبه كبيره
لأمراض النساء وطلبت مني إجراء بعض التحاليل, وجاء موعد
تسلم نتيجة أول تحليل منها ففوجئت بها تقول لي إنه لا داعي
لإجراء بقيتها لأنه مبروك يامدام.. أنت حامل !
فلا تسألوا عن فرحتي وفرحة زوجي بهذا النبأ السعيد..
وغادرت عيادة الطبيبه وأنا أشد علي يدها شاكرة لها بحرارة.
وفي ذلك الوقت كان زوجي يستعد للسفر لأداء فريضة الحج,
فطلبت منه أن يصطحبني معه لأداء الفريضة وأداء واجب الشكر
لمن أنعم علي بهذه النعم الجليلة, ورفض زوجي ذلك بشدة وكذلك
طبيبتي المعالجه لأنني في شهور الحمل الأولي .. لكني أصررت
علي مطلبي وقلت لهماان من خلق هذا الجنين في أحشائي علي
غير توقع قادر علي أن يحفظه من كل سوء, واستجاب زوجي
لرغبتي بعد استشارة الطبيبه واتخاذ بعض الاحتياطات الضرورية
وسافرنا للحج وعدت وأنا أفضل مما كنت قبل السفر.
ومضت بقية شهور الحمل في سلام وإن كنت قد عانيت معاناة
زائدة بسبب كبر سني, وحرصت خلال الحمل علي ألا أعرف نوع
الجنين لأن كل مايأتيني به ربي خير وفضل منه, وكلما شكوت
لطبيبتي من إحساسي بكبر حجم بطني عن المعتاد فسرته لي بأنه
يرجع إلي تأخري في الحمل إلي سن السادسة والثلاثين .
ثم جاءت اللحظة السحرية المنتظرة وتمت الولادة وبعد أن أفقت
دخلت علي الطبيبه وسألتني مبتسنه عن نوع المولود الذي تمنيته
لنفسي فأجبتها بأنني تمنيت من الله مولودا فقط ولا يهمني نوعه..
ففوجئت بها تقول لي:
إذن مارأيك في أن يكون لديك الحسن والحسين وفاطمة!
ولم أفهم شيئا وسألتها عما تقصده بذلك فإذا بها تقول لي وهى
تطالبني بالهدوء والتحكم في أعصابيإن الله سبحانه وتعالي قد
من علي بثلاثة أطفال, وكأن الله سبحانه وتعالي قد أراد لي أن
أنجب خلفة العمر كلها دفعة واحدة رحمة مني بي لكبر سني,
وأنها كانت تعلم منذ فترة بأنني حامل في توءم لكنها لم تشأ أن
تبلغني بذلك لكيلا تتوتر أعصابي خلال شهور الحمل ويزداد
خوفي. ولم أسمع بقية كلامها فلقد انفجرت في حالة هستيرية من
الضحك والبكاء وترديد عبارات الحمد والشكر لله.. وتذكرت سيدة
الحرم الشريف.. والآية الكريمة.. ولسوف يعطيك ربك فترضي..
وهتفت إن الحمد لله.. الذي أرضاني وأسبغ علي أكثر مما حلمت
به من نعمته.
أما زوجي الذي كان يزعم لي أنه لا يتحمل صخب الأطفال
وعناءهم لكي يهون علي همي بأمري فلقد كاد يفقد رشده حين
رأي أطفاله الثلاثة وراح يهذي بكلمات الحمد والشكر لذي الجلال
والإكرام حتي خشيت عليه من الانفعال. وأصبح من هذه اللحظة لا
يطيق أن يغيب نظره عنهم.
رد الأستاذ عبدالوهاب مطاوع رحمه الله:
سئل الإمام الشافعي رضي الله عنه ذات يوم: أيهما أفضل للمؤمن: أن يبتلي أم أن يمكن أي أن يحقق له الله كل مايرجوه لنفسه.
فقاله: وهل يكون تمكين إلا بعد ابتلاء ؟
ثم أشار في إجابته علي السؤال إلي قصة سيدنا يوسف عليه السلام وماتعرض له من ابتلاء تلو الابتلاء حتي جاءه الفوز العظيم كذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء, وأشار إلي قول يوسف في الآية الكريمة بعد أن مكن له ربه إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين يوسف90.
فالتقوي والصبر إذن هما مفتاحا نيل الرجاء وتحقق الأمنيات والتمكين في الدنيا.
ونحن جميعا نطلب السعادة لأنفسنا في الحياة.. ونكاد في بعض الأحيان نردد ماقالته الممثلة الفرنسية جولييت في خطابها الشهير الي من أحبته بإخلاص ثلاثين عاما أو تزيد وهو الأديب الفرنسي فيكتور هوجو: لو كان للإنسان ان يشتري سعادته بحياته لأنفقت عمري من زمن بعيد!
ولكن من منا يلزم نفسه في سعيه إلي سعادته وتحقيق أحلامه في الحياة, بالتقوي والصبر إلي أن تهبط عليه جوائز السماء للصابرين المتقين ؟ ولاشك في أنك قد صبرت علي الإيلام والإيذاء المعنوي اللذين تعرضت لهما في تجربتك السابقة وقرنت الصبر بالتقوي والالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية, فما أسرع ماجاءتك جوائز السماء تتري.., ليس فقط بتحقيق أمنياتك في الزواج والسعادة والإنجاب, وإنما أيضا بما هو أكثر من كل ما رجوت لنفسك وأبعد من كل ماتطاول إليه خيالك ذات يوم.. فكأنما أراد الله سبحانه وتعالي أن يفح من تشككت من قبل في قدرتك علي الإنجاب وكرهت لابنها أن يتعلق بالأمل الضعيف في إنجاب طفل واحد منك, فيقول لها ولأمثالها: إنني أنا الله أقول للشيء كن فيكون وأرزق من أشاء حين أشاء بغير حساب نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين56 يوسف.. فإذا كانت سيدة الحرم المكي الشريف قد حدثتك وهي تسري عنك عن فضل الله الذي قد يتمثل من حيث لا ندري في البلية, فلقد كانت تشير في حديثها إليك عن الألطاف الخفية التي يقول عنها العارفون إنها قد تصاحب الابتلاء حين تجيء إلينا أقدارنا ببعض مانكره تمهيدا لأن تحمل إلينا فيما بعد كل مانحب ونرجو.
ولقد جاءك برهان ربك علي أن مابكيت له من فشل تجربتك السابقة في الارتباط, لم يكن كله ابتلاء.. وإنما كان تمهيدا لأن يحقق لك ربك فوق كل ماكنت ترجين بنفسك من سعادة ورجاء, إذ من يستطيع أن يجزم أنك لو كنت قد تزوجت خطيبك السابق كنت ستسعدين به كما تسعدين الآن بحياتك مع زوجك المحب البار بأهله وأهلك والذي تظاهر بعدم رغبته في الإنجاب لكيلا يجرح مشاعرك أو يثير شكوكك في مستقبل حياتك معه.
بل ومن يستطيع أن يجزم أنك لو كنت قد تزوجته كنت ستنجبين منه هؤلاء الأطفال الثلاثة الذين أهداهم لك ربك تعويضا لك عن سنوات الصبر والانتظار ؟
إننا نعرف جيدا ان لخصوبة الرجل الأثر الأكبر في تحديد نوع الجنين وعدد الأجنة التي تحملها المرأة, فكيف كانت ستتحقق إذن تلك الألطاف الخفية وتهديك السماء هذه الزهرات الثلاث دفعة واحدة لو كنت قد نلت ماأسفت علي ضياعه منك في حينه.
أليس هذا دليلا جديدا علي صدق مقولة الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما: من رضي بحسن اختيار الله له لم يعدل بما اختاره الله له شيئا!
لقد اختار لك الله سبحانه وتعالي ياسيدتي, فكان اختياره لك أفضل وأكرم مما اخترت أنت لنفسك من قبل.. وحق عليك الشكر آناء الليل وأطراف النهار, فالشكر حافظ النعم كما يقولون, ولاشك في أنك من الشاكرين المبتهلين إلي ربهم أن يجعلهم أهلا لما أنعم الله به عليهم ويحفظ عليهم نعمته.. فهنيئا لك سعادتك وجوائز السماء التي تضيء حياتك وشكرا لك علي رسالتك الجميله .
وهى لسيده فاضلها تحملت و صبرت فمن الله عليها من نعمه
و اترككم مع القصه
بداية القصة :كنت قد نويت أن أكتب لكم منذ زمن بعيد, لكن ظروفي
حالت دون ذلك, والآن فإني أشعر بأنه قد آن الأوان لكي أطلعكم
علي تجربتي مع الحياة.
فأنا سيدة في الثامنة والثلاثين من العمر نشأت في أسرة ميسورة
الحال وعشت في كنفها حياة هادئة إلي أن تخرجت في الجامعة..
وعقب التخرج التحقت بعمل ممتاز يدر علي دخلا كبيرا..
وأحببت عملي كثيرا وأعطيته كل اهتمامي, وتقدمت فيه
سريعا حتي تخطيت كثيرين من زملائي.
وكنت خلال مرحلة الجامعة قد ارتديت الحجاب بإرادتي واختياري,
وبدأ الخطاب يتقدمون إلي, لكنني لم أجد في أحدهم مايدفعني
للارتباط به, ثم جرفني العمل والانشغال به عن كل شيء آخر حتي
بلغت سن الرابعة والثلاثين وبدأت أعاني النظرات المتسائلة عن
سبب عدم زواجي حتي هذه السن.
وتقدم لي شاب من معارفنا يكبرني بعامين .. وكان قد أقام عقب
تخرجه عدة مشروعات صغيرة باءت كلها بالفشل.. ولم يحقق أي
نجاح مادي, وكان بالنسبة لي محدود الدخل, لكني تجاوزت عن
هذه النقطة ورضيت به وقررت أنني بدخلي الخاص سوف أعوض
كل مايعجز هو بإمكاناته المحدودة عنه.. وستكون لنا حياة
ميسورة بإذن الله.
وبدأنا نعد لعقد القران وطلب مني خطيبي صورة من بطاقتي
الشخصية ليستعين بها في ترتيب القران.. ولم أفهم في ذلك الوقت
مدي حاجته لهذه الصورة لكني أعطيتها له.
وفي اليوم التالي فوجئت بوالدته تتصل بي تليفونيا وتطلب مني
بلهجة مقتضبة مقابلتها علي الفور.. وتوجست خيفة من لهجتها
المتجهمة, وأسرعت إلي مقابلتها.
فإذا بها تخرج لي صورة بطاقتي الشخصية وتسألني هل تاريخ
ميلادي المدون بها صحيح ؟ وأجبتها بالإيجاب وأنا أزداد توجسا وقلقا,
ففوجئت بها تقول
لي:إذن فإن عمرك يقترب الآن من الأربعين.
وابتلعت ريقي بصعوبة ثم قلت لها بصوت خفيض إن عمري34 عاما.
فقالت إن الأمر لا يختلف كثيرا لأن الفتاة بعد سن الثلاثين تقل
خصوبتها كثيرا وهي تريد أن تري أحفادا لها من ابنها.. لا أن تراه
هو يطوف بزوجته علي الأطباء جريا وراء الأمل المستحيل
في الإنجاب منها.
ولم أجد ماأقوله لها لكني شعرت بغصة شديدة في حلقي..,
وانتهت المقابلة وعدت إلي بيتي مكتئبة.. ومنذ تلك اللحظة لم
تهدأ والدة خطيبي حتي تم فسخ الخطبة بيني وبينه وأصابني ذلك
بصدمة شديدة لأنني كنت قد أحببت خطيبي وتعلقت بأمل السعادة
معه.. لكنه لم ينقطع عني بالرغم من فسخ الخطبة, وراح يعدني
بأنه سيبذل كل جهده لإقناع والدته بالموافقة علي زواجنا.. .
ووجدت أنني في حاجة إلي وقفة مع النفس ومراجعة الموقف كله..
وانتهيت من ذلك إلي قرار ألا أمتهن نفسي أكثر من ذلك وفعلت
ذلك ورفضت الرد علي اتصالات خطيبي السابق.
ومرت ستة أشهر عصيبة من حياتي.. ثم أتيحت لي فرصة السفر
لأداء العمرة, فسافرت لكي أغسل أحزاني في بيت الله الحرام ..
وأديت مناسك العمرة ..
ولذت بالبيت العتيق وبكيت طويلا ودعوت الله أن يهييء لي من أمري
رشدا, وفي أحد الأيام كنت أصلي في الحرم وانتهيت من صلاتي
وجلست أتأمل الحياة في سكون فوجدت سيدة إلي جواري تقرأ
في مصحفها بصوت جميل وسمعتها تردد الآية الكريمة وكان
فضل الله عليك عظيما فوجدت دموعي تسيل رغما عني بغزارة,
وألتفت إلي هذه السيدة وجذبتني إليها , وراحت تربت علي ظهري
بحنان وهي تقرأ لي سورة الضحي إلي أن بلغت الآية الكريمة
ولسوف يعطيك ربك فترضى في حياتي مع أني قد رددتها
فخيل إلي أنني أسمعها لأول مرة
مرارا من قبل في صلاتي .. وهدأت نفسي, وسألتني السيدة الطيبة
عن سبب بكائي فرويت لها كل شيء بلا حرج, فقالت ان الله قد
يجعل بين كل عسرين يسرا, وإنني الآن في العسر الذي سوف يليه
يسر بإذن الله ..
وان ماحدث لي كان فضلا من الله لأن في كل بلية نعمة خفية كما يقول العارفون,
وشكرتها بشدة علي كلماتها الطيبة ودعوت لها بالستر في الدنيا وفي الآخرة,
وانتهت فترة العمرة وجاء موعد الرحيل , وبعد انتهاء اجراءات المطار,
وخرجت فوجدت أقرب صديقاتي وزوجها في صالة الانتظار فهنأني بسلامة العودة
وسألت عما جاء بهم للمطار فاخبرونى انهم بانتظار صديق الزوج عائد علي نفس
الطائرة التي جئت بها.
ولم تمض لحظات إلا وجاء هذا الصديق فإذا به هو نفسه جاري
في مقاعد الطائرة, ثم غادرت المكان انا ووالدي .. وما أن
وصلت إلي البيت وبدلت ملابسي واسترحت بعض الوقت حتي
وجدت صديقتي تتصل بي وتقول لي إن صديق زوجها معجب بي
بشدة ويرغب في أن يراني في بيت صديقتي في نفس الليلة لأن
خير البر عاجله,ثم أخبرتني أن زوجها يسهب في مدح صديقه
والإشادة بفضائله ويقول عنه أنه رجل أعمال شاب من أسرة
معروفة وعلي خلق ودين ولا يتمني لي من هو أفضل منه لكي يرشحه للارتباط بي.
وخفق قلبي لهذه المفاجأة غير المتوقعة.. واستشرت أبي..ولم تمض أيام أخري
حتي كان قد تقدم لي ..
ولم يمض شهر ونصف الشهر بعد هذا اللقاء حتي كنا قد تزوجنا وقلبي يخفق
بالأمل في السعادة,
وحديث السيدة الفاضلة في الحرم عن اليسر بعد العسر يتردد في أعماقي.
وبدأت حياتي الزوجية متفائلة وسعيدة ووجدت في زوجي كل
ماتمنيته لنفسي في الرجل الذي أسكن إليه من حب وحنان وكرم
وبر بأهله وأهلي,غير أن الشهور مضت ولم تظهر علي أية
علامات الحمل, وشعرت بالقلق خاصة أنني كنت قبد تجاوزت
السادسة والثلاثين وطلبت من زوجي أن أجري بعض التحاليل
والفحوص خوفا من ألا أستطيع الإنجاب,فضمني إلي صدره وقال
لي بحنان غامر إنه لا يهمه من الدنيا سواي..
وإنه ليس مهتما بالإنجاب, لأنه لا يتحمل صخب الأطفال
وعناءهم, لكني أصررت علي مطلبي .. وذهبنا إلي طبيبه كبيره
لأمراض النساء وطلبت مني إجراء بعض التحاليل, وجاء موعد
تسلم نتيجة أول تحليل منها ففوجئت بها تقول لي إنه لا داعي
لإجراء بقيتها لأنه مبروك يامدام.. أنت حامل !
فلا تسألوا عن فرحتي وفرحة زوجي بهذا النبأ السعيد..
وغادرت عيادة الطبيبه وأنا أشد علي يدها شاكرة لها بحرارة.
وفي ذلك الوقت كان زوجي يستعد للسفر لأداء فريضة الحج,
فطلبت منه أن يصطحبني معه لأداء الفريضة وأداء واجب الشكر
لمن أنعم علي بهذه النعم الجليلة, ورفض زوجي ذلك بشدة وكذلك
طبيبتي المعالجه لأنني في شهور الحمل الأولي .. لكني أصررت
علي مطلبي وقلت لهماان من خلق هذا الجنين في أحشائي علي
غير توقع قادر علي أن يحفظه من كل سوء, واستجاب زوجي
لرغبتي بعد استشارة الطبيبه واتخاذ بعض الاحتياطات الضرورية
وسافرنا للحج وعدت وأنا أفضل مما كنت قبل السفر.
ومضت بقية شهور الحمل في سلام وإن كنت قد عانيت معاناة
زائدة بسبب كبر سني, وحرصت خلال الحمل علي ألا أعرف نوع
الجنين لأن كل مايأتيني به ربي خير وفضل منه, وكلما شكوت
لطبيبتي من إحساسي بكبر حجم بطني عن المعتاد فسرته لي بأنه
يرجع إلي تأخري في الحمل إلي سن السادسة والثلاثين .
ثم جاءت اللحظة السحرية المنتظرة وتمت الولادة وبعد أن أفقت
دخلت علي الطبيبه وسألتني مبتسنه عن نوع المولود الذي تمنيته
لنفسي فأجبتها بأنني تمنيت من الله مولودا فقط ولا يهمني نوعه..
ففوجئت بها تقول لي:
إذن مارأيك في أن يكون لديك الحسن والحسين وفاطمة!
ولم أفهم شيئا وسألتها عما تقصده بذلك فإذا بها تقول لي وهى
تطالبني بالهدوء والتحكم في أعصابيإن الله سبحانه وتعالي قد
من علي بثلاثة أطفال, وكأن الله سبحانه وتعالي قد أراد لي أن
أنجب خلفة العمر كلها دفعة واحدة رحمة مني بي لكبر سني,
وأنها كانت تعلم منذ فترة بأنني حامل في توءم لكنها لم تشأ أن
تبلغني بذلك لكيلا تتوتر أعصابي خلال شهور الحمل ويزداد
خوفي. ولم أسمع بقية كلامها فلقد انفجرت في حالة هستيرية من
الضحك والبكاء وترديد عبارات الحمد والشكر لله.. وتذكرت سيدة
الحرم الشريف.. والآية الكريمة.. ولسوف يعطيك ربك فترضي..
وهتفت إن الحمد لله.. الذي أرضاني وأسبغ علي أكثر مما حلمت
به من نعمته.
أما زوجي الذي كان يزعم لي أنه لا يتحمل صخب الأطفال
وعناءهم لكي يهون علي همي بأمري فلقد كاد يفقد رشده حين
رأي أطفاله الثلاثة وراح يهذي بكلمات الحمد والشكر لذي الجلال
والإكرام حتي خشيت عليه من الانفعال. وأصبح من هذه اللحظة لا
يطيق أن يغيب نظره عنهم.
رد الأستاذ عبدالوهاب مطاوع رحمه الله:
سئل الإمام الشافعي رضي الله عنه ذات يوم: أيهما أفضل للمؤمن: أن يبتلي أم أن يمكن أي أن يحقق له الله كل مايرجوه لنفسه.
فقاله: وهل يكون تمكين إلا بعد ابتلاء ؟
ثم أشار في إجابته علي السؤال إلي قصة سيدنا يوسف عليه السلام وماتعرض له من ابتلاء تلو الابتلاء حتي جاءه الفوز العظيم كذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء, وأشار إلي قول يوسف في الآية الكريمة بعد أن مكن له ربه إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين يوسف90.
فالتقوي والصبر إذن هما مفتاحا نيل الرجاء وتحقق الأمنيات والتمكين في الدنيا.
ونحن جميعا نطلب السعادة لأنفسنا في الحياة.. ونكاد في بعض الأحيان نردد ماقالته الممثلة الفرنسية جولييت في خطابها الشهير الي من أحبته بإخلاص ثلاثين عاما أو تزيد وهو الأديب الفرنسي فيكتور هوجو: لو كان للإنسان ان يشتري سعادته بحياته لأنفقت عمري من زمن بعيد!
ولكن من منا يلزم نفسه في سعيه إلي سعادته وتحقيق أحلامه في الحياة, بالتقوي والصبر إلي أن تهبط عليه جوائز السماء للصابرين المتقين ؟ ولاشك في أنك قد صبرت علي الإيلام والإيذاء المعنوي اللذين تعرضت لهما في تجربتك السابقة وقرنت الصبر بالتقوي والالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية, فما أسرع ماجاءتك جوائز السماء تتري.., ليس فقط بتحقيق أمنياتك في الزواج والسعادة والإنجاب, وإنما أيضا بما هو أكثر من كل ما رجوت لنفسك وأبعد من كل ماتطاول إليه خيالك ذات يوم.. فكأنما أراد الله سبحانه وتعالي أن يفح من تشككت من قبل في قدرتك علي الإنجاب وكرهت لابنها أن يتعلق بالأمل الضعيف في إنجاب طفل واحد منك, فيقول لها ولأمثالها: إنني أنا الله أقول للشيء كن فيكون وأرزق من أشاء حين أشاء بغير حساب نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين56 يوسف.. فإذا كانت سيدة الحرم المكي الشريف قد حدثتك وهي تسري عنك عن فضل الله الذي قد يتمثل من حيث لا ندري في البلية, فلقد كانت تشير في حديثها إليك عن الألطاف الخفية التي يقول عنها العارفون إنها قد تصاحب الابتلاء حين تجيء إلينا أقدارنا ببعض مانكره تمهيدا لأن تحمل إلينا فيما بعد كل مانحب ونرجو.
ولقد جاءك برهان ربك علي أن مابكيت له من فشل تجربتك السابقة في الارتباط, لم يكن كله ابتلاء.. وإنما كان تمهيدا لأن يحقق لك ربك فوق كل ماكنت ترجين بنفسك من سعادة ورجاء, إذ من يستطيع أن يجزم أنك لو كنت قد تزوجت خطيبك السابق كنت ستسعدين به كما تسعدين الآن بحياتك مع زوجك المحب البار بأهله وأهلك والذي تظاهر بعدم رغبته في الإنجاب لكيلا يجرح مشاعرك أو يثير شكوكك في مستقبل حياتك معه.
بل ومن يستطيع أن يجزم أنك لو كنت قد تزوجته كنت ستنجبين منه هؤلاء الأطفال الثلاثة الذين أهداهم لك ربك تعويضا لك عن سنوات الصبر والانتظار ؟
إننا نعرف جيدا ان لخصوبة الرجل الأثر الأكبر في تحديد نوع الجنين وعدد الأجنة التي تحملها المرأة, فكيف كانت ستتحقق إذن تلك الألطاف الخفية وتهديك السماء هذه الزهرات الثلاث دفعة واحدة لو كنت قد نلت ماأسفت علي ضياعه منك في حينه.
أليس هذا دليلا جديدا علي صدق مقولة الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما: من رضي بحسن اختيار الله له لم يعدل بما اختاره الله له شيئا!
لقد اختار لك الله سبحانه وتعالي ياسيدتي, فكان اختياره لك أفضل وأكرم مما اخترت أنت لنفسك من قبل.. وحق عليك الشكر آناء الليل وأطراف النهار, فالشكر حافظ النعم كما يقولون, ولاشك في أنك من الشاكرين المبتهلين إلي ربهم أن يجعلهم أهلا لما أنعم الله به عليهم ويحفظ عليهم نعمته.. فهنيئا لك سعادتك وجوائز السماء التي تضيء حياتك وشكرا لك علي رسالتك الجميله .
اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إجمعنا بالأزواج الصالحين اللى يقروا أعيننا ونقر أعينهم عاجلاً غير أجلاً يا رب العالمين
تعليق