السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
=====
رحلة الصمود والصراع مع الحياة – قصة كفاح
الأخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه القصة وصلتني على بريدى وترددت كثيرًا في نشرها لأسباب قد تقفوا على بعضها من خلال مروركم بمحتواها لكني رأيت فيها عبرًا ورحلة صمود وتحدي يعجز عنها كثير من الناس لذا توكلت على الله وقمت بمراجعتها لغويا ونشرتها إليكم لتعم بها الفائدة وأتذكر وأنا أقدم لها مقولة الزعيم المصري مصطفى كامل – رحمه الله – (( إن الصخور والعقبات تسد الطريق أمام الضعفاء بينما يرتكز عليها الأقوياء )) وإليكم القصة :
قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي وقد تقولون أنها ضرب من الخيال وقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي ، لتعرفوا أنني ما عانقت اليأس فيها يومًا لأنني توكلت على ربي وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل عشت طفولة بائسة أقل ما يقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لا تكاد تجد ما تسد به رمقها من الجوع ، لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتي البائسة ، ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل الحارة لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي حرمنا منها .
كانت أسرتي أسرة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص، فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه ما يشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها وكان أبي يعمل مستخدما في أحد المعارض وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر بأمان بل كثيرا ما تتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر وكان أبي إنسانًا سلبيًا قانعًا من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع لا يعلم عنهم شيئًا وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثارًا سلبية جعلته لا مباليا بكل ما حوله وكنت أشفق عليه أحيانًا وأنا أراه كثير الصمت والشرود ولا يحرك ساكنا .
أما والدتي !!!! فأعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة ، فالحقيقة أشد إيلاما" ، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما" أنها زوجة وأم،، وكانت دائما" تنظر إلى ما في أيدي الآخرين وتحسدهم وتطلبهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات أما إخوتي فحدث ولا حرج فهم يعيشون على طرقات الشوارع ، وأغلبيتهم انحرفوا عن جادة الصواب،، حتى إخوتي،(البنات) لم يقمن وزنا" للأخلاق ولا للشرف ولا حتى لنظرة
المجتمع،،والكارثة، أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع ابتدائي فإنهم يتركون الدراسة من غير سبب في ظل هذه الأحداث من حولي ، عشت هذه الطفولة البائسة وأنا كارهة لوضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف وأسمى لقب في الوجود ، كنت متمسكة بدراستي وبقوة وكنت من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي وانحرافهم جميعا ، وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسـار حياتي للأبد وفيه بدأت مأساتي الحقيقية والتي لولا إيمانــي بالله لما تجاوزتها .
فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى هذا المستوى تقدم رجل لخطبتي من أبي وكان عمري حينها (١٥عامـا) أما هو فكان عمره ( ٦٠ عامــا) ومصاب بالضغط والسكر وزيادة عليها كان مدمنا" وتاجر للمخدرات ؛ رمما جعلته تجارته هذه تجني أرباحا كثيرة، وهو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أبي وأمي يسيل ولا يكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان، ومن دون تردد وافقا ولم يأخذا أذني،، فصرخت في وجهيهما وقلت:لا أريده، أريد أن أكمل دراستي زوجوه أختي الكبرى ولكن لا حياة لمن تنادي ، فقد تم زفافي وسط جو كئيب ولم تبالي أمي بي أتعلمون ما أول شيىء وضعته أنا في حقيبتي؟! وضعت دروسي وكتبي ، ودخلت داري الجديدة ، عفوا أقصد سجني ، ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع.الذي اغتال آدميتها ونقاءها.
خمس سنوات مرت من عمري دفعت ثمنها كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غاليا" وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط والنعال _أكرمكم الله_ والحبس والحرمان من الطعام ،،، كل ذلك لم يقهرني بقدر ما قهرني وجعلني أنزف من الداخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة،، أصبحت أشبه هيكل عظمي نتيجة الهم والغم، ولكن الله الرحيم يشاء أن يهبني أطفالا" يشغلونني ، أنجبت ولدين وبنت خلال( 5 سنوات) فقط. كان عمري حينها(20) وعاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع ما مررت به في طفولتي ولكن أنى لي ذلك وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة. فبمجرد أن يشرب الخمر فإنه يقوم بضربي وإياهم.. أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وإياهم ونحن جالسين خوفا من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعد.. أما حين يكون بحاجة إلى المخدر ولا يجده فإنه يقوم بتحطيم الأثاث وطردي وأطفالي إلى الشارع، وكثيرا" ما يقوم جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة وشفقة بنا لعلكم قد تتساءلون عن دور والداي ؟
أسمحوا لي أن أصدمكم:فقد كانا لا يحركا ساكنا" كعادتهما كنت أدعوا الله في الليالي المدلهمة أن يفرج كربتي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي على احتماله ، وقد استجاب الله لدعائي ، ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادوني: ( يا أم فلان ، زوجك...زوجك!!!) ركضت أنا وأطفالي مسرعين لنرى ما حدث ، لقد قام زوجي بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين، فتطاعنا بالسكين، فطعنة زوجي ومات على الفور لقد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي الشرطة وكانت شفتاه تميلان إلى اللون الأبيض من هول الموقف. أما عيناه فقد كانت زائغتان ينظر إلى الناس من حوله بذهول...
أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربة ،،، لا أدري هل هي لحظات سعادة أم شماتة انتظرتها من زمن طويل أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة ، لم أشعر إلا وأنا أردد لاشعوريا"
: الحمد لله، الحمد لله بعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته وأصدرت عدالة السماء حكمها فمات بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي .
كنت أنظر في منزلي وبصقت على دولاب ملابسه وعلى كؤوس خمره وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفالي بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته وأنا التي لم أراهم منذ سنتين كانت أول كلمه قالتها لي أمي حتى قبل أن تسلم علي قالت : (الله يرحمه هل عنــده ورث ؟؟؟!!!) ولولا خوفي من الله لطردتها ،، ومن تصاريف الله أن زوجي كان مديونًا وحين علمت أسرتي بذلك لم أعد أراهم فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئا" إضافيا" أنا وأطفالي وشعرت بالألم الممزوج بالقهر .فيالها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي عقدها أهلي مع ذلك الجلاد،،
وفضل أهلي الهرب بعيدا" عني وجلست أفكر فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري وعندي 3 أطفال وليس لدي أي مصدر للرزق وأمامي طريقان:
الأول هو طريق الكفاح والصبر
والثاني هو طريق الكسب السريع حيث أبيع أنوثتي للراغبين في امرأة وحيدة مثلي . واخترت الطريق الأول بلا تردد،،، وكان أول ما فعلته أنني بعت آخر قطعة ذهب ورحلت عن منزلي الأول الذي شهد أسوأ ذكرياتي وانتقلت أنا وأطفالي إلى مدينة بعيده واستأجرت غرفة صغيرة بحمامها فقط،،واشتريت موقدا صغيرا وسريرا مستعمل لي ولأطفالي، وبعض الأواني القديمة المستعملة،، وأنا أعترف لكم بأن هذه الغرفة حقيرة حتى في نظر الفقراء. ولكن ما جعلها مثل الحلم في نظري هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعا".
بدأت أبحث عن عمل شريف، ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيرا فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة وأحسنوا إلي فجزاهم الله عني خير الجزاء ، ووجدت عمل حكومي كمستخدمة في أحد المدارس الثانوية القريبة من بيتي ، ولا أنســــى أول راتب قبضته في حياتي كان بسيط ولكن دموعي انهمرت لحظة استلامه بكيت كثيرا وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعاب وطعاما" طيبا" ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ دجاجا" لأطفالي واشتريت لهم بسكويتا " وشوكولاته.. كنت أرى السعادة في أعينهم .
مرت سنة كاملة وأنا في وظيفتي استطعت أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات،، وذات يوم.
سألت نفسي: لماذا لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية ؟ عرضت الأمر على مديرتي فشجعتني وقدمت أوراق انتسابي وكان صدفه أن ابني البكر يدرس في الصف الأول ابتدائي وأنا أول ثانوي،، اجتهدت في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاه على عاتقي كأم وموظفة وطالبه!!!
وفي خلال3سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة بنسبه ٩٧% بكيت كثيرا وأنا أرى بداية الخير وأرى ثمار جهدي بدأت تنضج انتقلت من عملي مستخدمة وقدمت على وظيفة كاتبه في إحدى الدوائر الحكومية.براتب جيد بالإضافة إلى
تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة[قسم تربية إسلامية] استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة ومطبخ ودورة مياه ولأول مرة يدخل tv إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفه من البنك أثثت فيها الشقة]] وبدأت ارتاح في حياتي،خاصة أن أطفالي دخلوا المدارس وأصبحوا متفوقين دراسيا وأخلاقيا" حاولت أن أعوض أطفالي واشتري لهم كل ما تهفوا إليه أنفسهم.. وكونت علاقات صداقة مع زميلاتي وأخوات لي في الله كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات وزيارات ، وكل ذلك من أجل أن أرفه أبنائي..
مرت أربع سنوات عصيبة حصلت من خلالها على البكالوريوس بتقدير عام امتياز مع مرتبه الشرف ، وبعدها تم وبفضل الله تعييني في مدرسة ثانوية..كان ابني الكبير في الثالثة عشر من عمره واحتضنني وقال : أنت أعظم أم أنا فخور بك . واحتضنتهم جميعا" وظللنا نبكي بلاشعور لساعات ولأول مره أقبض مرتبا" ضخما" تصدقت بنصفه كشكر لله ونصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع ما يحتاجون ، وبدأت أدخر جزء كبير من مرتبي لكي أبني به منزل خاص لي ، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير امتياز مع مرتبه الشرف ، وبدأت في بناء منزلنا مكون من طابقين به عشر غرف وصالتين ومطبخ ومستودع وحديقة كبيرة ومسبح ،، ثم قدمت على الدكتوراه وكان مشوارها صعبا" جدا" جدا" جدا" خاصة أن أطفالي بدأوا يكبرون وكان الإرهاق يكاد يقتلني وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة وبين مذاكرتي للدكتوراه وأبحاثي وبين مذاكرة أولادي وبين الإشراف على البناء والتأثيث، والذي كان أثاثا" ضخما" ورائعا"
وحصلت على درجة الدكتوراه وتم تعييني كأستاذة في الجامعة وكان عمري حينها ٣٧ أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت ؟
لقد فكرت بأمــــي ، ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح،، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك ؟
ولكن لا تعتقدوا أني عاقة لوالدتي أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى ! بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مره ووجدتها كما هي لم تتغير ، أما أبي فقد توفي بعد زوجي بسنة وقد كنت أرسل لها من مرتبي ، وأما إخوتي وأخواتي فلم يكن يشرفني التعرف إليهم أو تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من أجل أبنائي ، أبتسمــ*_*ــت الحياة لي بعد عبوس طويل .
وأنا الآن أخبركم عن وضعي أنا وأبنائي: أنا الآن لي مركزي الاجتماعي وأعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقين..
أما أبنائــــي: فقد تخرجوا جميعا" من جامعاتهم العلمية فابني الكبير أصبح طبيبــا" جراحــا"، وابني الثاني مهنــــدس معمــاري ، وابنتي الصغرى طبيبــة أطفــــال ، وقد زوجتهم جميعا" وأصر ابني الأكبر أن يعيش هو وزوجته معي فملأ علي البيت بالحياة وضحكات أحفادي ، وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري . والحمــــد لله..
قصتي هذه أهديها لكل يائس،ومحبط،، لعل بها من بصيص الأمل ما يبدد لحظات اليأس في حياته ، وصدقوني لو استسلمت لليأس ولحظاته المريرة لما وصلت إلى هذه الحيــــاة التي أعيشها الآن بفضل الله ثم بفضل تمسكي بالأمل وصدقوني ومن تجربه خضتها واستطعت النجاح فيها، ليس هناك أجمل من التفـــــــــــــاؤل، والتشبث بالأمل حتى وإن كان صغيرًا .
كاتبة القصة إحدى زميلات الأخت صاحبة القصة وكتبتها عن لسانها شخصيًا ولقربها الشديد منها وصدق الله العظيم
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الله كريم فلا يتسلل اليأس لقلوبكم أبدًا .
=====
رحلة الصمود والصراع مع الحياة – قصة كفاح
الأخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه القصة وصلتني على بريدى وترددت كثيرًا في نشرها لأسباب قد تقفوا على بعضها من خلال مروركم بمحتواها لكني رأيت فيها عبرًا ورحلة صمود وتحدي يعجز عنها كثير من الناس لذا توكلت على الله وقمت بمراجعتها لغويا ونشرتها إليكم لتعم بها الفائدة وأتذكر وأنا أقدم لها مقولة الزعيم المصري مصطفى كامل – رحمه الله – (( إن الصخور والعقبات تسد الطريق أمام الضعفاء بينما يرتكز عليها الأقوياء )) وإليكم القصة :
قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي وقد تقولون أنها ضرب من الخيال وقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي ، لتعرفوا أنني ما عانقت اليأس فيها يومًا لأنني توكلت على ربي وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل عشت طفولة بائسة أقل ما يقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لا تكاد تجد ما تسد به رمقها من الجوع ، لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتي البائسة ، ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل الحارة لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي حرمنا منها .
كانت أسرتي أسرة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص، فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه ما يشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها وكان أبي يعمل مستخدما في أحد المعارض وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر بأمان بل كثيرا ما تتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر وكان أبي إنسانًا سلبيًا قانعًا من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع لا يعلم عنهم شيئًا وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثارًا سلبية جعلته لا مباليا بكل ما حوله وكنت أشفق عليه أحيانًا وأنا أراه كثير الصمت والشرود ولا يحرك ساكنا .
أما والدتي !!!! فأعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة ، فالحقيقة أشد إيلاما" ، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما" أنها زوجة وأم،، وكانت دائما" تنظر إلى ما في أيدي الآخرين وتحسدهم وتطلبهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات أما إخوتي فحدث ولا حرج فهم يعيشون على طرقات الشوارع ، وأغلبيتهم انحرفوا عن جادة الصواب،، حتى إخوتي،(البنات) لم يقمن وزنا" للأخلاق ولا للشرف ولا حتى لنظرة
المجتمع،،والكارثة، أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع ابتدائي فإنهم يتركون الدراسة من غير سبب في ظل هذه الأحداث من حولي ، عشت هذه الطفولة البائسة وأنا كارهة لوضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف وأسمى لقب في الوجود ، كنت متمسكة بدراستي وبقوة وكنت من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي وانحرافهم جميعا ، وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسـار حياتي للأبد وفيه بدأت مأساتي الحقيقية والتي لولا إيمانــي بالله لما تجاوزتها .
فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى هذا المستوى تقدم رجل لخطبتي من أبي وكان عمري حينها (١٥عامـا) أما هو فكان عمره ( ٦٠ عامــا) ومصاب بالضغط والسكر وزيادة عليها كان مدمنا" وتاجر للمخدرات ؛ رمما جعلته تجارته هذه تجني أرباحا كثيرة، وهو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أبي وأمي يسيل ولا يكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان، ومن دون تردد وافقا ولم يأخذا أذني،، فصرخت في وجهيهما وقلت:لا أريده، أريد أن أكمل دراستي زوجوه أختي الكبرى ولكن لا حياة لمن تنادي ، فقد تم زفافي وسط جو كئيب ولم تبالي أمي بي أتعلمون ما أول شيىء وضعته أنا في حقيبتي؟! وضعت دروسي وكتبي ، ودخلت داري الجديدة ، عفوا أقصد سجني ، ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع.الذي اغتال آدميتها ونقاءها.
خمس سنوات مرت من عمري دفعت ثمنها كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غاليا" وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط والنعال _أكرمكم الله_ والحبس والحرمان من الطعام ،،، كل ذلك لم يقهرني بقدر ما قهرني وجعلني أنزف من الداخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة،، أصبحت أشبه هيكل عظمي نتيجة الهم والغم، ولكن الله الرحيم يشاء أن يهبني أطفالا" يشغلونني ، أنجبت ولدين وبنت خلال( 5 سنوات) فقط. كان عمري حينها(20) وعاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع ما مررت به في طفولتي ولكن أنى لي ذلك وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة. فبمجرد أن يشرب الخمر فإنه يقوم بضربي وإياهم.. أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وإياهم ونحن جالسين خوفا من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعد.. أما حين يكون بحاجة إلى المخدر ولا يجده فإنه يقوم بتحطيم الأثاث وطردي وأطفالي إلى الشارع، وكثيرا" ما يقوم جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة وشفقة بنا لعلكم قد تتساءلون عن دور والداي ؟
أسمحوا لي أن أصدمكم:فقد كانا لا يحركا ساكنا" كعادتهما كنت أدعوا الله في الليالي المدلهمة أن يفرج كربتي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي على احتماله ، وقد استجاب الله لدعائي ، ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادوني: ( يا أم فلان ، زوجك...زوجك!!!) ركضت أنا وأطفالي مسرعين لنرى ما حدث ، لقد قام زوجي بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين، فتطاعنا بالسكين، فطعنة زوجي ومات على الفور لقد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي الشرطة وكانت شفتاه تميلان إلى اللون الأبيض من هول الموقف. أما عيناه فقد كانت زائغتان ينظر إلى الناس من حوله بذهول...
أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربة ،،، لا أدري هل هي لحظات سعادة أم شماتة انتظرتها من زمن طويل أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة ، لم أشعر إلا وأنا أردد لاشعوريا"
: الحمد لله، الحمد لله بعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته وأصدرت عدالة السماء حكمها فمات بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي .
كنت أنظر في منزلي وبصقت على دولاب ملابسه وعلى كؤوس خمره وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفالي بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته وأنا التي لم أراهم منذ سنتين كانت أول كلمه قالتها لي أمي حتى قبل أن تسلم علي قالت : (الله يرحمه هل عنــده ورث ؟؟؟!!!) ولولا خوفي من الله لطردتها ،، ومن تصاريف الله أن زوجي كان مديونًا وحين علمت أسرتي بذلك لم أعد أراهم فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئا" إضافيا" أنا وأطفالي وشعرت بالألم الممزوج بالقهر .فيالها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي عقدها أهلي مع ذلك الجلاد،،
وفضل أهلي الهرب بعيدا" عني وجلست أفكر فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري وعندي 3 أطفال وليس لدي أي مصدر للرزق وأمامي طريقان:
الأول هو طريق الكفاح والصبر
والثاني هو طريق الكسب السريع حيث أبيع أنوثتي للراغبين في امرأة وحيدة مثلي . واخترت الطريق الأول بلا تردد،،، وكان أول ما فعلته أنني بعت آخر قطعة ذهب ورحلت عن منزلي الأول الذي شهد أسوأ ذكرياتي وانتقلت أنا وأطفالي إلى مدينة بعيده واستأجرت غرفة صغيرة بحمامها فقط،،واشتريت موقدا صغيرا وسريرا مستعمل لي ولأطفالي، وبعض الأواني القديمة المستعملة،، وأنا أعترف لكم بأن هذه الغرفة حقيرة حتى في نظر الفقراء. ولكن ما جعلها مثل الحلم في نظري هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعا".
بدأت أبحث عن عمل شريف، ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيرا فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة وأحسنوا إلي فجزاهم الله عني خير الجزاء ، ووجدت عمل حكومي كمستخدمة في أحد المدارس الثانوية القريبة من بيتي ، ولا أنســــى أول راتب قبضته في حياتي كان بسيط ولكن دموعي انهمرت لحظة استلامه بكيت كثيرا وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعاب وطعاما" طيبا" ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ دجاجا" لأطفالي واشتريت لهم بسكويتا " وشوكولاته.. كنت أرى السعادة في أعينهم .
مرت سنة كاملة وأنا في وظيفتي استطعت أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات،، وذات يوم.
سألت نفسي: لماذا لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية ؟ عرضت الأمر على مديرتي فشجعتني وقدمت أوراق انتسابي وكان صدفه أن ابني البكر يدرس في الصف الأول ابتدائي وأنا أول ثانوي،، اجتهدت في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاه على عاتقي كأم وموظفة وطالبه!!!
وفي خلال3سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة بنسبه ٩٧% بكيت كثيرا وأنا أرى بداية الخير وأرى ثمار جهدي بدأت تنضج انتقلت من عملي مستخدمة وقدمت على وظيفة كاتبه في إحدى الدوائر الحكومية.براتب جيد بالإضافة إلى
تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة[قسم تربية إسلامية] استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة ومطبخ ودورة مياه ولأول مرة يدخل tv إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفه من البنك أثثت فيها الشقة]] وبدأت ارتاح في حياتي،خاصة أن أطفالي دخلوا المدارس وأصبحوا متفوقين دراسيا وأخلاقيا" حاولت أن أعوض أطفالي واشتري لهم كل ما تهفوا إليه أنفسهم.. وكونت علاقات صداقة مع زميلاتي وأخوات لي في الله كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات وزيارات ، وكل ذلك من أجل أن أرفه أبنائي..
مرت أربع سنوات عصيبة حصلت من خلالها على البكالوريوس بتقدير عام امتياز مع مرتبه الشرف ، وبعدها تم وبفضل الله تعييني في مدرسة ثانوية..كان ابني الكبير في الثالثة عشر من عمره واحتضنني وقال : أنت أعظم أم أنا فخور بك . واحتضنتهم جميعا" وظللنا نبكي بلاشعور لساعات ولأول مره أقبض مرتبا" ضخما" تصدقت بنصفه كشكر لله ونصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع ما يحتاجون ، وبدأت أدخر جزء كبير من مرتبي لكي أبني به منزل خاص لي ، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير امتياز مع مرتبه الشرف ، وبدأت في بناء منزلنا مكون من طابقين به عشر غرف وصالتين ومطبخ ومستودع وحديقة كبيرة ومسبح ،، ثم قدمت على الدكتوراه وكان مشوارها صعبا" جدا" جدا" جدا" خاصة أن أطفالي بدأوا يكبرون وكان الإرهاق يكاد يقتلني وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة وبين مذاكرتي للدكتوراه وأبحاثي وبين مذاكرة أولادي وبين الإشراف على البناء والتأثيث، والذي كان أثاثا" ضخما" ورائعا"
وحصلت على درجة الدكتوراه وتم تعييني كأستاذة في الجامعة وكان عمري حينها ٣٧ أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت ؟
لقد فكرت بأمــــي ، ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح،، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك ؟
ولكن لا تعتقدوا أني عاقة لوالدتي أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى ! بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مره ووجدتها كما هي لم تتغير ، أما أبي فقد توفي بعد زوجي بسنة وقد كنت أرسل لها من مرتبي ، وأما إخوتي وأخواتي فلم يكن يشرفني التعرف إليهم أو تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من أجل أبنائي ، أبتسمــ*_*ــت الحياة لي بعد عبوس طويل .
وأنا الآن أخبركم عن وضعي أنا وأبنائي: أنا الآن لي مركزي الاجتماعي وأعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقين..
أما أبنائــــي: فقد تخرجوا جميعا" من جامعاتهم العلمية فابني الكبير أصبح طبيبــا" جراحــا"، وابني الثاني مهنــــدس معمــاري ، وابنتي الصغرى طبيبــة أطفــــال ، وقد زوجتهم جميعا" وأصر ابني الأكبر أن يعيش هو وزوجته معي فملأ علي البيت بالحياة وضحكات أحفادي ، وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري . والحمــــد لله..
قصتي هذه أهديها لكل يائس،ومحبط،، لعل بها من بصيص الأمل ما يبدد لحظات اليأس في حياته ، وصدقوني لو استسلمت لليأس ولحظاته المريرة لما وصلت إلى هذه الحيــــاة التي أعيشها الآن بفضل الله ثم بفضل تمسكي بالأمل وصدقوني ومن تجربه خضتها واستطعت النجاح فيها، ليس هناك أجمل من التفـــــــــــــاؤل، والتشبث بالأمل حتى وإن كان صغيرًا .
كاتبة القصة إحدى زميلات الأخت صاحبة القصة وكتبتها عن لسانها شخصيًا ولقربها الشديد منها وصدق الله العظيم
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الله كريم فلا يتسلل اليأس لقلوبكم أبدًا .
تعليق