نحو نفس مطمئنة واثقة
الدكتور طارق بن علي الحبيب
الأستاذ المشارك واستشاري
ورئيس قسم الطب النفسي بكلية الطب والمستشفيات الجامعية
بجامعة الملك سعود في الرياض .
مقدمة
قال تعالى : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
نحو نفس مطمئنة واثقة
** إن علاجاتنا النفسية لن تكون كافية وحدها لطمأنينة ابن آدم .. إن لم يجتمع معها طمأنينة الروح ..
نحو نفس مطمئنة واثقة
** أدعو إلى الدين بجانبه السلوكي .. وبجانبه الانفعالي .. وبجانبه المعرفي ..
نحو نفس مطمئنة واثقة
( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )
نحو نفس مطمئنة واثقة
** النفس لن تستقر إن لم يسمح لها أن تنطق ذاتها ..
** لن تستقر إن لم يسمح لها أن تعبّر عن ذاتها ..
نحو نفس مطمئنة واثقة
** كيف أعرف نفسي واثقاً أو غير واثق ؟!!
.. إن المتكبر في الأمة أهون خطراً من الضعيف الذليل الخائف أيها الكرام ..
** إن الإيثار أن تعطي وأنت قادر على المنع ..
نحو نفس مطمئنة واثقة
إن التواضع أن تتنازل وأنت قادر على قول لا ..
هذا هو المؤثر الحقيقي .. هذا هو المتواضع الحقيقي ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ..
أيها الإخوة الفضلاء .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أيها الإخوة الأكارم ، إن الله سبحانه وتعالى حينما خلق هذا الإنسان ، خلق فيه النفس والجسد والروح ..
وما كان للنفس أن تستقر حقيقة الاستقرار إن لم تطمئن الروح ..
وما كان لنفس أن تستقر أيضاً حقيقة الاستقرار إذا كان البدن مُعنّىً بأشياء يمكن علاجها ولم يستطع أن يتعامل معها ذلك الإنسان ..
إذن ، بهذه التركيبة الثلاثية الله سبحانه وتعالى خلق فيه هذه النفس هذا هو الركن الأول
والركن الثاني ـ وليس ترتيباً حسب الأهمية ـ هي الروح
و الأمر الثالث هو ركن الجسد
الله سبحانه وتعالى حينما خلق هذه الأمور أراها كما هي أيها الفضلاء ( القمر والشمس والأرض )
تسير في منظومة متناسقة متناغمة ، أرأيتم لو أن القمر تقدم قليلاً أو أن الشمس قد تأخرت قليلاً
أو أن الأرض قد حادت ذات اليمين أو ذات الشمال فإن هذه المنظومة ـ ولاشك ـ ستضطرب !!
كذلك الإنسان : في جسده ، في نفسه ، في روحه .
إن لم تتناسق وتتناغم هذه مع بعضها البعض فإن هذا الكيان سيضطرب ..
إن الإسلام حينما جاء بهذه الأطروحة الدينية لم يتجه إلى روح ابن آدم فحسب كما سنرى بعد قليل إن شاء الله ..
وإنما اتجه إلى نفسه واتجه إلى بدنه أيضاً ..
إذن ، يجب أن يكون هناك توازن في إشباع كل ركن من هذه الأركان الثلاثة ..
أقول أيها الأكارم :
حينما خلق الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان .. هذا المخلوق .. خلق فيه النفس والجسد والروح ..
وحينما نتكلم عن النفس : ما هية هذه النفس : رغباتها ، شهواتها ؟! ..
وحينما نتكلم عن الروح في تعريفنا لها لأن تعريف النفس والروح كما تعلمون غير واضح
حتى الآن بشكله الدقيق ، أقول :
هذه الروح ما الذي نعني بها في علاقة الفرد بربه ؟ هذا ما نشير إليه ..
خلق هذه النفس وخلق الروح والجسد .. ولكي يستقر الإنسان يجب أن يتم الإشباع الحقيقي
لكل ركن من هذه الأركان الثلاثة
والشرط الآخر : يجب أن يتناسق هذا الإشباع مع بعضه البعض ..
هنا يتحقق المطلب الحقيقي ، هنا يتحقق الاستقرار الحقيقي لهذا الإنسان ، ولذلك النبي صلى الله
عليه وسلم حتى في تربيته للصحابة : ما كان يقوي الإيمان في قلوبهم فحسب ، وإنما كان يبني
أنفساً بشرية قادرة على العطاء ، قادرة على التحمل ، حتى لو اختل ركن من هذه الأركان :
مثلاً ركن الجسد فإنه يقوي النفس ويحاول أن يقوي الروح لكي يعوض ذلك النقص ..
صعد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على نخلة وكان دقيق الساقين رحمه الله ، فتضاحك الصحابة : ينظرون إلى دقة ساقيه وهو في أعلى النخلة !
ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : أتضحكون من دقة ساقيه ، إنها أثقل في ميزان الله من جبل أحد !!
ماذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أكان إخباراً لنا أن ابن مسعود كان تقياً كان مؤمناً ؟!
نعم .. لكنه كان يعالج في نفس ابن مسعود شيء .. ما كان مريضاً نفسياً رضي الله عنه ولكن
كان يربي ذاتاً عظيمة تستطيع أن تحمل راية ذلك الدين .. لماذا ؟ .. لأن الركن الجسدي
فيه نقص عند ابن مسعود .. فيه ضعف .. نحيل صغير ذلك الصحابي ..
فأخاف أن تتأثر نفسه تأثراً ولو كان بسيطاً ، ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
اتجه إلى نفس ابن مسعود .. اتجه إلى روحه ..
كأني بابن مسعود ينظر إلى دقة ساقيه إذا جلس وحده وينظر ويقول : هذه بجبل أحد !!!
لماذا ؟ إشباع منه صلى الله عليه وسلم لنفوس الصحابة .. كان يبادر إلى تلك النفوس ..
عجبي أيها الكرام من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لماذا ؟ : كان يتخولنا في الموعظة ، إنها طامة كبرى : نبي يتخول صحابته بالموعظة !!
فما بالنا نحن .. لا بل هو المنهج الحقيقي .. وليس بالطامة الكبرى ..
إن تخول النفوس بالموعظة لكي نحقق المراد من هذه النفس .. لكي نحقق الإشباع الحقيقي لهذه
النفس .. أولم تستقر النفس حقيقة الاستقرار الحقيقي إن لم تطمئن الروح ؟ ..
إن علاجاتنا ـ وأقولها كطبيب نفسي ـ : إن علاجاتنا النفسية لن تكون كافية وحدها لطمأنينة
ابن آدم .. إن لم يجتمع معها طمأنينة الروح ..
وحينما أقول طمأنينة الروح لا أدعو إلى دين سلوكي يمارسه بعض الأفراد .. إنما أدعو إلى الدين بأركانه الثلاثة التي أفترضها تصنيفاً كما أقوله لكم :
أدعو إلى الدين بجانبه السلوكي ، وبجانبه الانفعالي ، وبجانبه المعرفي ..
بجانبه السلوكي : هي ثلاث ركعات في المغرب ..
لكن بجانبه المعرفي : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ..
إن لم يتحقق ذلك .. فراجع نفسك أيها الإنسان ..
بجانبه الانفعالي : ذلك الشوق ( رجل معلق قلبه إلى المساجد ) .. يشتاق إلى المسجد ..
يعشق ذلك المسجد .. يحبه لايتكاسل .. وبذلك كان التكاسل آية من آيات النفاق كما جاء في الحديث النبوي .. أقول :
إذن يجب أن يتم الإشباع الحقيقي لكل ركن من هذه الأركان الثلاثة .. والنبي صلى الله عليه وسلم في سيرته مع الصحابة وكذلك الصحابة في تلقيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم حرصوا أن
يمارسوا ذلك الشيء ..
النفس .. لن تستقر إن لم يسمح لها أن تنطق ذاتها ..
لن تستقر إن لم يسمح لها أن تعبّرعن ذاتها ..
لمَ المجاملة في طريقة التربية عندنا مع أولادنا ؟! : يخافوننا ، يهابوننا ، أريد الاحترام له لذا الخوف في التربية ..
أنظر أنس ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما عنّفه : ما قال لشيء فعله لمَ فعلته ؟ ولا شيء تركه لمَ تركته ؟ ..
لم يكن على علاقة خوف مع النبي صلى الله عليه وسلم .. لكنه كان يحب بل يعشق ذلك النبي .. لماذا ؟ : فعّل في نفسه ذلك الشيء صلى الله عليه وسلم ..
إذن .. أيها الكرام .. هذه هي طريقة التربية المناسبة .. في تربية أنفسنا لأنفسنا ..
في تربيتنا لمن حولنا .. من زوجاتنا .. من أبنائنا .. في تربيتكِ أنتِ أيتها الزوجة لزوجكِ أيضاً ..
هناك من النساء من قد تساهم في تربية زوجها ..
من الأبناء من قد يساهم في تربية أبيه وأمه ! ..
إن جيل الصحوة الجديد قد قاموا بتربية آبائهم بطريقة عكسية : فاتجهوا إلى الخير والحق كثير من الفضلاء والآباء ..
إن في منهج التربية الإسلامية أن الذات يجب أن يسمح لها أن تنطق ذاتها ..
جاء شاب ـ والقصة تعرفها ـ إلى النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ائذن لي في الزنا ..
عجبي يا كرام !!
أعظم نبي .. خاتم الأنبياء .. يأتي إليه رجل من القرون المفضلة بل من أفضل قرن ( أصحابي كالنجوم ) يصفهم النبي .. يستأذن بالزنا !! ما هذا ؟!
فقد نجحت تربية النبي صلى الله عليه وسلم .. و العظمة أن ينطق ذلك الشاب
بلا خوف عند ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ..
وجد شهوة تتأجج في ذاته .. وجد رغبة جامحة خاطئة في ذاته .. فعلم أن ذلك النبي
هو مصحح الرغبات الخاطئة .. فأراد أن يتمدد فوق مشرحة ذلك الجراح العظيم لكي يزيل
ما اعترى تلك النفس من آلام ومن أمراض ..
( يا رسول الله .. ائذن لي في الزنا !! ) .. ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ؟! ..
اتق الله ؟! : ما قالها ..
أذكرَّه في آيات الكتاب ؟! ما ذكره ..
أذكره بأحاديث السنن ؟! ما ذكره ..
عمر اقطع رأسه ؟! ما قال وكان قادر على ذلك !! ..
ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟! .. إلى ماذا اتجه ؟! ..
اتجه إلى خلفية ذلك العربي .. اتجه إلى ماذا ؟ ..
إلى النخوة العربية .. نعم النخوة العربية من الإسلام .. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري : ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق )
قالها النبي صلى الله عليه وسلم .. ومن الغيرة على العرض صالح الأخلاق ..
هذا الشاب لم يكن مهيأً أن تناقشه في شهوته .. لم يكن مهيأً بتذكيره ببضع الآيات والأحاديث ..
عرفها النبي صلى الله عليه وسلم ، أكان نقصاً في الصحابي؟ لا ... إنما هي حالة انفعالية كان يمر بها ذلك الصحابي .. فتعامل معها ذلك الجراح العظيم صلى الله عليه وسلم ..
أترضاه لأمك ؟ قال لا - كأني بالشاب ينطقها قوية - قال لا ..
قال النبي بهدوئه صلى الله عليه وسلم : وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ..
أترضاه لأختك ؟ قال لا .. قال وكذلك الناس لايرضونه لأخواتهم ..
والنبي يسأل والشاب ينفي .. والنبي يقرر: لعمتك لخالتك لكذا لكذا .. حتى آخر الحديث ..
شاهدنا في هذا الحديث .. بعض الناس يقول أنظر ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، هذه شيء
لكن الشاهد الأكبر في نظري في هذه القصة .. انظر إلى مافعله النبي صلى الله عليه قبل هذا الموقف أن جعل للصحابة حق التعبير على الرأي .. حق التعبير عن الذات .. حق التعبير عن الانفعالات .. فتعيش نفوسهم مطمئنة .. فتتوافق حاجات النفس مع حاجات الروح فلا تصطدم
الشمس بالقمر بالأرض في ذلك المنظومة الكونية التي حدثتكم عنها ابتداءً ..
إن نفوساً لا تعبر عن ذاتها ، أن تعبر لمربٍّ لأبٍ ، أيضا لرجل تثق فيه ، فيحاول أن يعالج ما أصاب نفسك من الداء ..
أن تعبر عن روحك .. عن معاناتك الروحية .. لعل أحداً أن يساهم في علاج تلك المعاناة ..
أن تعبر عن ما اعتراه جسدك من أمراض لأن الجسد إذا استقر وركد ابن آدم فإن نفسه وروحه بإذن الله تركد ، أرأيت مريضاً بمرض مزمن متعب يقلقه الليل والنهار ، لا يكون مستقراً في العادة ، إلا من قواه الله في العبادة ..
تكون نفسه أيضاً متضايقة .. ليس بالدرجة أن يصل إلى المرض النفسي ، لكنه متضايق ذلك الإنسان ..
إذن أيها الكرام ، نحن بحاجة إلى أن نعود إلى أنفسنا ، أن لا نكرر على الناس
فقط : قوّي إيمانك، قوّي إيمانك ، ثم إذا سألناهم : كيف أقوي إيماني : يا أخي صلّ وزكّ ؟
طيب صليت وزكيت ، لكن كيف أصلي وأزكي ؟!
نريد أن نقدم الصلاة المحمدية ، والزكاة المحمدية ، حينما تفعل الصلاة بانفعالاتها و بالتفكير المصاحب لها نقدمه للناس ، نربي أرواحهم بنفس الوقت وبنفس الحرص أن نربي أنفسهم ..
فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، تلقفتها أجيال الصحابة رضوان الله عليهم بهذه الطريقة ..
قام عمر بن الخطاب يخطب في الناس : ( أيها الناس ، اسمعوا وأطيعوا )
فقام سلمان من بين الصفوف ، فماذا قال ؟ : يا أمير المؤمنين- بنبرة هادئة- ليس من الضرورة حينما تنتقد مسؤولاً أو رئيساً لك في العمل أو مربٍّ لك أن تهتف وتصرخ ..
قال ـ وكأني أقرأ نبرة أحرف التاريخ بها ـ : ( يا أمير المؤمنين لا سمع ولا طاعة )
التفت إليه عمر مزمجراً ؟! لا ما قال كذلك ، لماذا ؟ لأن هناك طمأنينة في علاقة الفرد مع
الآخر : لمَ يا سلمان ؟ ، قال : يا أمير المؤمنين ، إنك تلبس ثوبين ونلبس ثوباً واحداً ..
أنظر الأدب فما قال ليس من العدل ، قال هكذا ، ماذا قال عمر ؟ :
يا عبد الله بن عمر يا عبد الله بن عمر .. يخطب ويهتف في المسجد ينادي ابنه ..
فقام عبد الله من بين الصفوف ، قال : يا عبد الله .. لمن هذا الثوب ؟
قال : إنه لي يا أبتاه .. إنه لي يا أبتاه !
فالتفت عمر إلى الناس وإذا سلمان ليس بنبرة المنتصر ليس بنشوة المنتصر ، وإنما بنشوة الهادئ ، لأن نفسه مطمئنة في البداية ..
فقال : أيها الناس .. إني رجل طوال ـ أي رجل طويل ـ ولا يكفيني ثوب واحد فأحتاج إلى
ثوبين فأخذت ثوب ابني لكي أستر عورتي وأخطب في الناس ..
أستشهد بها على روعة تلك الأمة في نطق الذات .. ينطقها سلمان فيتلقفها عمر ..
بلا خوف بلا ضجر بلا غضب ، فيرده ، ثم يجيب على سلمان والناس .. ثم ماذا قال سلمان ؟
ليس بنبرة الخاجل .. ليس بنبرة المخطئ : أنا آسف يا أمير المؤمنين ؟ لا ..
معذرة يا أمير المؤمنين ؟ لا .. قال :
الآن نسمع ونطيع يا أمير المؤمنين .. فجلس سلمان رضي لله عنه ...
إذن .. نحتاج في تربيتنا لنفوسنا أن نتأمل .. نتجه إلى حاجاتها .. أحدد حاجاتي أيها الكرام ..
أحدد ما أحبه .. أحدد ما أكرهه .. أنظر إلى ما أحبه هل يحبه الله ورسوله .. فأدعمه ..
إذا كان أمراً يبغضه الله ورسوله فلا خير فيه وإن كانت نفسي تميل إليه .. ففيه الخسرانفي الدنيا والآخرة ..
أيها الكرام .. لا أقولها كمحدث يحدثكم في المسجد ، إنما أقولها كرجل استقرأ نصوص الكتاب والسنة واستقرأ حقيقة ما فيها ، وقرأ أصول هذا العلم ـ أعني به الطب النفسي ـ ونظر إليه
ووجد أن التكامل لا يكون إلا حينما تتعانق النفس والروح .. ويتلاءم ذلك مع الجسد ..
لا يمكن ـ ثانية أقولها أيها الكرام ـ أن تستقر النفس إن لم تطمئن الروح ..
إذن .. نحتاج إلى ماذا ؟ : إلى تزكية النفس ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )
كيف تكون التزكية ؟
******************************
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في ذلك : ليس فقط بالأعمال الصالحة ، وإنما بالأخلاق الكريمة السامية .. إذن تجتمع الأخلاق ويتجمع الدين .. إذن في هذه المنظومة المتكاملة يكون ذلك الطرح الإسلامي الذي نريده في هذه الحياة ..
إذن .. نحتاج أن نفهم ذواتنا .. وإذا أردنا أن نفهم الذات ..
ما مفهوم الذات ؟! .. ما تعريف الذات ؟!
هو ما أحمله من تقديرات عن نفسي أنا أيها الإنسان ..
هذه النفس .. ما تقديراتي لها ؟ ما نظرتي لها ؟ ..
كيف أرى سلبياتي ؟ كيف أرى إيجابياتي ؟ ..
تعودنا أيها الكرام .. إيجابياتي أنتفخ بها وأنفخ شدقيّ بها أبدا وأنفخ أمام الناس بكلماتي ..
وعيوبي دافع لا يذكرني أحد بها .. إن هذا الإنسان ليس بالسويٍّ أيها الكرام ! ..
إنما ذلك لا يضيف لك شيء حينما يذكرك الناس .. وإنما عيوبك حينما تًذكَر لك ستفرح بها لأنك تقومها وتعدلها ..
أُدرِك أن في أمتي أن الناس إذا ذكروا المزايا يعظمون لدرجة تصيب بعض الناس بالخيلاء ، ولذلك جاء الشعر شعر المديح في أمة العرب ربما يفوق غيره من أمة ..
ورثنا هذا من الموروث السابق ـ أعني بها موروث الأمة العربية ـ لكن ليس بالضرورة أن يكون
صحيحا ، وانظر إلى صدر الأمة الإسلامية ، ما كان شعر المديح ظاهراً في تلك الفترة ، وكلما
ظهر وأتى خليفة من الخلفاء الزهاد مثل الخليفة عمر كلما أقلَّ من شأن أولئك الشعراء المدّاحين ..
بالمقابل أيضاً عند النقد : أدرك أن في أمتي خطأً في طريقة النقد أيها الكرام ..
النقد هو الشتم هو الإهانة .. الاتجاه إلى الإنسان لا إلى الفعل ..
وهذه مشكلة حتى في تربيتنا لأولادنا : أصلاً أنت نذل ، أنت خسيس !
لمَ لمَ يا كريم ؟! ليس هكذا التربية ..
اتجه إلى فعل الطفل لا إلى ذات الطفل ..إنك تدمره من الداخل من حيث أردت أن تنفع ذلك الطفل ..
وليس ذلك هو الشيء المناسب ..
هذا التقدير للذات وهذا المفهوم للذات : قد يكون صحيحاً وقد يكون خاطئاً ..
الصحيح أن ترى عيوبك بنفس الدرجة التي ترى فيها مزاياك أيها الكريم .. والتصور الخاطئ أن تضطرب عندك هذه الأمور كما وصفتها لكم أيها الكرام ابتداءً ..
إذن .. نحتاج أيها الكرام أن نواجه ذواتنا .. أن نكون قادرين على الحوار مع هذه الذات ..
كيف يكون الحوار مع هذه الذات ؟! ..
حصرتها في جزئيتين صغيرتين أيها الكرام :
الأول / العمل بجدية على تحديد القيم التي تمثل ذاتي : ما أحبه أنا أيها الإنسان .. ما أكرهه ..
ليس بالضرورة أنت أيها الشاب من تعمل في حقل دعوي ولك شيخ أو طالب علم تتربى عنده ..
ليس بالضرورة أن تحب ما يحب .. يحب الحديث وأنت أحببت الفقه ..
لا تمثل نفسك لحب الحديث لا بل حب ما تريد ..
يحب شيئاً ما من أمور الدنيا .. ليس بالضرورة أن تحب ذات الشيء أيها الكريم ..
يحب أن يلقي بطريقة معينة .. ليس من المنهج أن تلقي بنفس الطريقة إن لم تكن تميل إليها ..
لاشك أن الاقتداء بالأمور المميزة أمر مبارك .. لكن الذي أهم من الاقتداء ـ أعني بالأمور الشخصية ـ هو أن أتوافق مع ذاتي ثم يأتي الاقتداء بعد التوافق مع الذات ..
إذن .. أحدد القيم التي تمثل طبيعتي لكي أصبح متوافقاً مع ذاتي .. فيتحقق لدي احترام هذه
النفس من الداخل ..
لكل إنسان له طريقة نظر .. ولقد قلتها ربما مرة سابقة ربما بعضكم سمعها مني :
محمد رامي الدرة ..
هذا الطفل .. كل إنسان يستقبل ذلك الحدث بطريقته التقييمية الداخلية ..
بعض الناس ماذا يقول ؟ : انظر ذلة العربي كيف أصبح ! انظر اليهود الشياطين ماذا
يفعلون ! .. بعزة العربي ينتشي ويقاوم ذلك الموقف انتقاداً منه ذلك الإنسان ..
آخر يقول : ماذا ستفعل أمه ؟! إنها ستبكي عليه .. ماذا سيفعل أبوه ؟! إنه سيبكي عليه ..
بلغة العاطفة .. لا بلغة النخوة العربية ..
ثالث ـ وأنا ربما منهم ـ :
لم يضايقني الموقف كثيراً حزنتُ عليه ولا شك .. لكن أيها الكرام أليس من الظلم نحن منا نحن المسلمين والعرب أن تتجه تبرعاتنا لبيت محمد رامي الدرة لماذا ؟!
لأن يد مصور مبدع ومخرج مبدع استطاع أن يلتقط هذه اللقطة .. تحت ذلك الجدار ..
فمات محمد رامي الدرة بطريقة درامية .. لكن مات خلف هذا الجدار ربما عشرات الأطفال بطريقة
أشد درامية أو بطريقة غير درامية ..
إن قتل النفس لم يُنقل لنا أن تكون درامية أو غير درامية لكي نفعّل ذلك .. فاتجهت الأموال إلى بيت محمد رامي الدرة .. والبيت الذي بجانبه قد مات أبوهم في تلك المعركة .. والبيت الذي بجانبه ذات الشمال قد ماتت أمه .. إنهم أولى بالتبرعات من موت طفل في بيت !! ..
إذن .. نحتاج إلى طريقة تصوّر .. لا أقول نغير بل أنطلق مع طريقتي التقييمية أنا أيها الإنسان ..
لي طريقة معينة .. أتوافق معها وأتعامل معها وأصححها إن كانت خاطئة .. إن لم تكن خاطئة
وليس بالضرورة أن تتوافق مع غيري .. فكل إنسان له ميول مختلف عن الآخر .. أعرفها ..
أدركها .. أتعامل معها ومن خلالها أنطلق في هذه الحياة ..
الطريقة الثانية في التحاور مع الذات : كن رفيقاً لطيفاً مع ذاتك .. بعض الأخوان حينما يستمع إلى محاضرة دينية أو نفسية مثل هذه يخرج وقد قرر أن يكون حسان بن ثابت في الشعر .. خالد بن الوليد في المعارك .. أبو هريرة في رواية الأحاديث .. وأن يكون أبي بكر في نفسه اللينة الهينة .. وعمر بن الخطاب بنفسه القوية ، هذا الانتعاش الشديد .. إنك ستجلد نفسك أيها الكريم ستكون شديداً معها أيها الكريم ..
كن رفيقاً لطيفاً مع ذاتك .. وسنتكلم عن المنهج بطريقة متدرجة بعد ذلك ..
إذن يجب أن تحدد أيها الإنسان ما هي ميولاتي ؟ ما هي تصوراتي ؟
ولا أنطلق من تصورات الغير التي أعجز عنها ..
إن كانت متميزة وأقدر عليها ولا تتعارض مع ذاتي فأنطلق منها وإلا أنطلق من تصوراتي .. شرط أن لا تكون خاطئة أو مرضية أو غير منهجية ..
آية أستمع إليها أو أقرأها في كتاب الله .. فأقف عندها .. هنيهة أو بل هنيهات ..
" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ "
ما بال حرف العطف أتى بالنفس هنا ؟!!
إنها قضية كبرى هذه النفس .. إننا في أطروحتنا أيها الكرام لم نُعنَ بالنفس العناية الكافية ..
وحينما أتت عناية القرآن إلى النفس في هذه الآية لماذا ؟!
لأن الإنسان هو المقصود بالهداية ..
فإذا أردنا أن نصل بالإنسان لكي يعرف ما له وما عليه .. فلا بد أن يستكشف هذه النفس .. يدرك معايبها .. يدرك مميزاتها فيستطيع من ذلك أن يعيش في توافق مع هذه النفس ويحقق مطالبها
ومطالب ذلك الجسد متناغمة متناسقة مع مطالب تلك الروح ..
ثانيةً أؤكد : لِمَ نغربل الأحداث بعقول الغير ليس بعقولنا ؟!
نستشير نعم بل ونستخير أيضا لكن نفوسنا لا نهملها لأنك إن أهملتها فإنك قد تضطر أحيانا أن تنتفض ضد هذه النفس .. أن تعاقبها .. وهي لم تخطئ !
إنما أنت أيها الكريم من أخطأ لأنه لم يعطها حقها " وإن لنفسك عليك حقا "
ليس معناها كما يظنها بعض الناس فقط أن تنام لا تقوم الليل كله وأن لا تصوم النهار كله وأنك كذا .. لا تشد عليها أيضا لا تقصّر في حقها .. إنه معنىً متكامل ..
إني أعجب في أمتي في قراءة النصوص الشرعية قراءة جزئية رغم أن لها طرحا متكاملا ..
يستشهد بها علماؤنا الأفذاذ في أمر معين فيشيرون إلى ذلك الجانب ولا يشيرون إلى الجانب الآخر
لأنهم ليس محط الاستدلال في ذلك اللقاء أو في ذلك المكان .. فيظن الناس خطأً منه لأنهم لم يفهموا توجيهات علمائنا رحم الله من مات منهم وحفظ الله من بقي .. فيظنون أن معنى هذه الآية أو ذلك الحديث بهذا المعنى الضيق ..
" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ "
نسمعها : إنك إذا ما شددت على نفسك بالصلاة فإنك لن تصلي .. ما قصد علماؤنا ذلك ..
ارجعوا إلى كتب التفسير ليس معنى ذلك ! .. حتى في الأطروحات النفسية إن لم تقدّم التغيير فإنك لن تُغير .. تحتاج إلى جهد منك أنت أيها الإنسان ..
قسماً بالذي رفع سبع سماوات وخفض سبع سماوات لو لم يكن هناك جنة ولا نار
ما تبعت غير منهج هذا الدين .. لماذا ؟! ..
منهج هذا الدين فيه الراحة أيها الكرام .. فيه الطمأنينة لك أنت أيها الإنسان ..
فيه التوفيق لك أيها الإنسان .. في توافقك مع ذاتك مع حاجاتك النفسية والجسدية أيها الكرام ..
ولذلك حينما نربي الناس لا نربيهم فقط على الجنة والنار .. حينما نقدم أطروحتنا الدعوية لا نقدمها بنفس متخاذلة : والله يا أخي الدين كذا والدين كذا ..
كأني أستعطفه أن ينتسب إلى دين الله .. كأنني أستجديه أن يتبع منهج هذا النبي ! ..
بل نقدم أطروحتنا بطريقة راقية : أنظر إلى عظمة الدين .. حتى يصل إليه رسالة غير مباشرة ..
أدرك نفسك ليس فقط للجنة والنار بل حتى لكي تستمتع بالدنيا أيها الكريم حقيقة الاستمتاع ..
إنما من يمارسون المعاصي أيها الكرام قد يستمتع بالمعصية في لحظتها لكن بعدها خسارة وندامة
ثم إعادة ثانية لها ليس لكي يستمتع .. ينتقل من الطبيعي إلى فوق الطبيعي أبداً .. بل لكي ينتقل من التعب إلى الطبيعي الذي أنت تعيش بطبيعتك أيها الإنسان ..
إن المعاصي ومنها المخدرات لا يأكلها لكي ينتشي انتشاء زائداً لا .. إنما مع تكرار استخدامها يضطر استخدامها لمن عنده أعراض انسحابية.. نزل من المستوى الطبيعي إلى أدنى من الطبيعي .. فيأخذها لكي يرتقي إلى الطبيعي ! ..
أنت تعيش الطبيعي في أطروحتك الدينية ترتقي إلى مستوى فوق الطبيعي وتستقر به وتعيش به ..
قالها أحمد ابن تيمية رحمه الله شيخ الإسلام : ( ما يفعل أعدائي بي ، جنتي في صدري ، سجني خلوة ، نفيي سياحة) لماذا ؟! لأن القوة والتحكم من الداخل عنده رحمه الله ..
قالوها رضوان الله عليهم بل قالها في موطن آخر ونقلها عنه ابن القيم رحمه الله :
( لو نجد في الجنة ما نجده من هذه الحلاوة في الدنيا لكفانا ذلك في الجنة ) ..
هو يريد أكثر ولا شك لكن يعبّر لك عن حقيقة الراحة وعن حقيقة المتعة في نفس ذلك العظيم رحمه الله ..
وفي السير من العظماء في الأمة ما يطول الاستشهاد فيها ..
إذن أيها الكرام ..
نعيش أزمة حضارية في بلادنا .. ليس في بلد كريم هذا وإنما في بلاد كثيرة للأسف ..
لمَ يسبق البنيان في تطوره الإنسان ؟! .. مباني كبيرة مباني عظيمة ..
يجب أن يسابق تطور الإنسان تطور البنيان .. نحتاج إلى حضارة تتعانق فيها المادة والروح ..
ما كان لبنيان أن يخدم أمة .. صاروخ من هنا أو هنا ويهدم بنيان المدن الكبيرة ..
لكن نفوساً مطمئنة .. نفوساً واثقة .. نفوساً محبة تستطيع أن تقوم بواجب هذا البلد الكريم ..
بواجب أهلك الذين يحتاجون إليك .. ليس فقط في الجهاد .. أيضا في الدعوة ، في البناء ، في العلم ، في التوجيه ، في التربية ، في التعليم ، في الطب .....
ليس الإنسان الصادق مع هذا البلد .. الصادق مع أهله هو الداعية الذي يدعو إلى الناس في المساجد ..
إنك أيها الطبيب الصادق مع الناس في إخلاصك .. طالب الطب الصادق في دراسة الطب الدراسة الحقيقية إنه يعمل بحقيقة ما نريد منه ..
ذلك المهندس .. ذلك الموظف الذي يكون أميناً في عمله .. كل هؤلاء دعاة ..
من ضيّق العمل الدعوي بهذا المفهوم الضيق : محاضرة في مسجد ؟! ..
كلكم دعاة .. ( كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ) .. إن الدعاية لون من ألوان الدعوة ووصف النبي صلى الله عليه وسلم جميع الجوانب في تلك الحياة .. أعني بها الرجل والزوجة راعية في بيت زوجها إلى آخر ذلك الحديث الطويل ..
نقف وقفة في وصف النفس .. هذه النفس أيها الكرام .. هذه النفس الغير الواثقة ما أعراضها ؟!!
حدثني أيها الطبيب ما أعراض النفس الغير الواثقة ؟! وما أعراض النفس الواثقة ؟! ..
ثم أخبرنا كيف نعالج هذه النفس الواثقة بخطوات علمية ؟! .. ربما هيّجتَ في نفوسنا شيء من الحاجة إلى التغيير .. ربما في نفوس البعض أقول - ربما قلة لا ندري أو كثرة - : كيف نفهم .. كيف أعرف نفسي واثقاً أو غير واثق ؟!!
إن النفس الغير الواثقة أيها الكرام .. تعيش إشكالية نفسية وجسدية ..
في حركات جسد ذلك الإنسان .. حينما يتواصل بعينه مع الآخر لا يستطيع أن يتواصل بعينه مع الآخر بل يُنزل ببصره ..
لا يستطيع أن يتواصل التواصل الكافي .. حتى حركات جسده حينما يجلس غير مستقرة تتحرك يديه تتحرك رجليه ..
أيضاً في جسده فيه انخفاض فيه انحناء فيه انكفاء ذلك الإنسان أيها الكرام..هذا بجانبه الجسدي ..
في بنيته النفسية يميل إلى موافقة الآخرين .. أي كلمة يقولها الآخر نعم نعم ربما قبل أن يكمل الآخر كلامه .. يحاول أن يُظهر الموافقة يحاول أن يظهر أيضا أن يساير الآخرين في آرائهم لماذا ؟! لأنه عنده هيبة من الداخل من الآخرين .. لا يحمل الطمأنينة الداخلية أيها الكرام ..
ولذلك يوافق الآخرين لأنه إن لم يوافقهم ناقشوه وهو مختلف الذات من الداخل ..
إن هذه النفوس نفوس مرفوضة أيها الكرام ..
إن المتكبر في الأمة أهون خطراً من الضعيف الذليل الخانع أيها الكرام ..
لأن المتكبر مكشوف مكروه من الناس كله معروف عاري .. لكن الضعيف الخانع الذليل قد يلبس علينا دون أن ندري أو يلبس علّ نفسه دون أن يدري ثوب المتواضع ثوب المؤثر أيها الكرام فننخدع بذلك الإنسان دون أن يدري وربما دون أن ندري نحن .. لماذا ؟!
عمر بن الخطاب كان يسير في شوارع المدينة ومعه الدرّة ويضرب بعض الناس من كانوا من يضربهم ؟! كانوا صحابة كانوا تابعين ارفع رأسك ينشد منهم أن يعتزوا بدينهم .. كان يقاوم ذلك أشد المقاومة رضي الله عنه ..
إذن النفوس الخانعة النفوس الذليلة لن تكون مؤهلة أن تعيش مستقرة مع ذاتها ..
لن تكون مؤهلة تلك النفوس أن تنفع بلدها الكريم .. لن تكون مؤهلة أن تخدم أهلها ..
لن تكون مؤهلة أن تخدم هذا الدين .. إن الدين في غنى عن نفس مهترئة إن لم تراجع ذاتها ..
تقوي نفسها بدين الله ابتداءً وبمناهج نفسية مقللة مبرمجة من علاج معرفي وربما سلوكي إن بلغت حد المرض وإن لم تبلغ فهناك مناهج تدريبية معينة تعزز هذا الذات ..
ولعله إن شاء الله ربما أرتب لاحقاً دورة في فن إدارة الذات وبناء الثقة في النفس ..
أقول : تلك النفوس .. النفوس الغير الواثقة تميل إلى الاهتمام بحاجات الآخرين أكثر من حاجاتها
لأنها لا ترى نفسها شيء وترى الآخرين شيئا كبيرا .. تميل كما قلت موافقة ومسايرة وإذعان شديد لماذا ؟ لكي لا تُنتقد تلك النفس وهنا تقع تلك المشكلة في تلك النفس ، الأثر هي النفس الذليلة ..
مقابل ذلك هي : النفس الواثقة .. النفس الواثقة المطمئنة إلى ذاتها .. عندها صفات هي ضد تلك الصفات الموجودة عند تلك النفس .. كيف تكون علامات تلك الثقة في النفس ؟!!
أن يوجد عند ذلك طمأنينة داخلية .. بينما مشاعر ذلك الإنسان بين أحاسيسه وبين سلوكه وبين أفكاره ، لا يحدث التناقض بين هذه الأمور الثلاثة : زاوية التفكير في ذلك المثلث ، زاوية المشاعر وزاوية السلوك ..
إنما فكرة عند الإنسان يقتنع بها .. تتفاعل مشاعره بها ..
فينزل على أرض الواقع سلوكاً يسير به ذلك الإنسان ..
إنها سلسلة متناغمة متناسقة .. أرأيت لو عند إنسان مشاعر طبيعية معينة ثم لم يلبّي تلك المشاعر فإنه سيحجر تلك الفكرة الصحيحة التي كانت في باله .. فلا تنزل سلوكاً منطقيا على أرض الواقع .. والأخطر من ذلك أن تسلك سلوكا مناقضا ..
أرأيت لو إن إنسان ينتقد الآخرين مثلا .. له صديق يظلمه ، يتعدّى عليه ربما يستعير منه حاجاته .. مثلا شاب عنده سيارة جديدة ليس من السيارات الفخمة لكن عنده نفس خانعة نفس ذليلة نفس مهينة ، فطلب صديقه منه هذه السيارة ، يعرف صديقه : سيذهب عشرين ثلاثين مرة ستتأثر سيارته ربما وبيته هناك ليس طريقا معبّداً في الإسفلت وإنما في الصخور والحجارة ..
تتأثر سيارته لكن نفسه الذليلة ما استطاع أن يستطيع أن يعبر عن رفضه لذلك الأخ .. إن هذه النفس ستمنعه من التعبير ثم يأخذ السيارة ويعيدها إليه مهشمة أو متأثرة تأثرا ولو بسيطا ثم ماذا يفعل هذا الشاب الأول ؟!
يغضب عليه ولا يعبر عن الغضب لأنه خانع من الداخل ثم ينقطع عنه ..
إن عدم التعبير عن شعوري الداخلي أدّى إلى قطيعة و ربما قد يكون بين هذين الفردين
انقطعت بسبب عدم تعبيره عن شعوره الداخلي ..
لعل سؤالاً يطرح نفسه في نفوس بعضكم : إذن ترفض الإيثار في أطروحتك !!
أقول : لا ..
إن الإيثار أن تعطي وأنت قادر على المنع ..
إن التواضع أن تتنازل وأنت قادر على قول لا ..
هذا هو المتواضع الحقيقي .. هذا هو المؤثر الحقيقي ..
لكن تعطي وأنت لا تريد العطاء لكنك مغصوب لأن نفسك لن تستطع أن تعبّر عن حاجاتك ..
إنه ليس بالعطاء وإنما هو التقصير ..
****************************
الواثق من نفسه .. المطمئن لها .. هو القادر على التعبير عن أفكاره بوضوح ..
وليس التعبير عن الأفكار بوضوح أن يكون عندنا ضجيج صريخ حينما نعبّر عنها !!
في أطروحتنا في الحقيقة .. في موروثنا الحضاري في الأمة يجب أن نعبّر بضجيج وبصريخ .. وحينما تأتي إلى حياة النبي والصحابة ما كانوا يصرخون حينما يتعاملون .. حتى في خطب الجمعة ما كانوا يهتفون الهتاف والصراخ الشديد في تعاملهم حتى في الخطأ : ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) .. صلى الله عليه وسلم وما كان يغضب ويتمعّر وجه إلا إذا مس حداً من حدود الله ..
أما في أمور الدنيا فإنه ما كان يعبأ بها صلى الله عليه وسلم .. كان يهتم بها لتربية الأمة لكن ما كانت تهزه من ذاته صلى الله عليه وسلم .. ولذلك جاء تعبيره عن أفكاره بوضوح ..
التعبير بوضوح ليس معناه الضجيج كما أخبرتكم من قال أن الوضوح قريناً للضجيج ؟!
إن الوضوح في نظري بالمنهج النبوي وبالمنهج النفسي التابع له قرين باللباقة ، وضوح مع لباقة .. إن الإنسان الهادئ هو الإنسان القوي إن الإنسان الواثق في العادة يكون هادئا ..
انظروا إلى البحار والمحيطات الكبيرة تجدوها راكدة هادئة تلك المحيطات .. مستقرة تلك المحيطات وفي قاعها اللؤلؤ والمرجان ..
وانظروا إلى الأنهار تسير بقوة ومع ذلك هي ضحلة تلك المياه وليس في قيعانها كما هو في
البحار والمحيطات من لؤلؤ ومرجان وأسماك ونعم وخير أيها الكرام ..
إذن ليس الوضوح معناه الضجيج ، معناه الصريخ لا ..
إن الناس يحبون ويستمتعون بالإنسان الهادئ في هذه الحياة ..
أينما التعبير بلباقة مع الوضوح هذا شيء .. الطلب والرفض بأسلوب لبق أعيدها تستوعي كلمة نعم ولا في حياتك أنت أيها الإنسان .. إنها طريقة مهمة في التعامل مع ذاتك أيها الإنسان ..
أن تكون قادراً في التواصل مع الآخرين : أهابه! : أنظر إلى الله فوقه تذكر الله سبحانه وتعالى فيصغر ذلك الإنسان الذي أمامك بقدرة الله سبحانه وتعالى وبمساعدة بعض المناهج العلاجية والسلوكية ..
هناك إشكالية النفس الغير الواثقة في العمل قد يحمّلك نفاقك في العمل عمل ولا تستطيع أن
تقول لا.. حتى يستخدمونك إنساناً لا تُعارض لا تُمانع لماذا ؟ إنسان طيب .. لكن طيب بالتعبير قصدهم باللغة العامية (صحيّح) قادرين على تكييفه ما يقول لا .. والخلاصة والله مشغول والله كذا ويشغلونه الليل والنهار ..
إشكالية دينية أن تتنازل عن بعض المبادئ التي يجب أن تتنازل عنها فلا تقعد معهم بعد الذكرى ، الخانع الذليل لا يستطيع أن يقوم حينما توجد المعاصي ..
إذن النفس المطمئنة .. النفس الواثقة هذه مطلب ديني لك أيها الإنسان ..
مطلب لكي تحقق دين الله على الأرض ..
مطلب لكي تحقق لك السعادة لك أنت أيها الإنسان ..
مطلب لكي هي الطريق المعبّد بإذن الله أو واحد من الطرق المعبّدة إلى الجنة بإذن الله سبحانه وتعالى إن كان معها صحة في المنهج ..
إذن نحتاج إلى نفوس واثقة .. نحتاج إلى هذه النفوس والنبي صلى الله عليه وسلم أشار إليها في مواطن كثيرة : ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام )
يتكلم عن البنية النفسية .. يتكلم عن الشخصية ثم يضيف : ( إذا فقهوا )
قالها صلى الله عليه وسلم ..
وإن أنسى لا أنسى أيها الكرام ثمامة بن هتاف : انظر تلك الشخصية المتزنة .. تلك الشخصية المتوافقة مع حاجاتها مع ذاتها حتى قبل إسلامه رضي الله عنه ..
كلن يسير قريبا من المدينة ربما كان تائها فرآه نفر من الصحابة ما عرفوه .. لكن عرفوا أنه رجل كافر ذلك الرجل فأخذوه وأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ..
فعرفه النبي صلى الله عليه وسلم فربطه في سارية من سواري المسجد ..
كان يمر عليه كل يوم فيسأله : ( يا ثمامة أسلم ) ..
قال يا محمد ( إن تعفُ تعفُ عن شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم ) ..
انظر إلى النفس المتزنة .. لننسى أنه كافر أيها الكرام .. انظر الاتزان في التعبير الداخلي .. لم يصرخ بهدوئه بطمأنينة بثقته في نفسه من الداخل : ( إن تعفُ تعفُ عن شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم) ..
فيتركه النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعود إليه في اليوم الثاني فيسأله فيجيب ثمامة بنفس الجواب ..
ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم باليوم الثالث فيسأله ذات السؤال فيجيبه ثمامة ذات الجواب ..
ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق سراحه .. فخرج إلى أقرب بئر من المدينة فاغتسل ثم دخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ..
لم يشهدها بقوة إيمانه لأنه بالكاد الآن قد أسلم .. إن الثقة التي كان يتعامل بها مع النبي عليه الصلاة والسلام بتلك النفس هي ذات النفس التي أخرجته إلى البئر وعادت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاهداً أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ..
بنفس النفس واسمحوا لي على الجرأة التي دخل بها أول رجل يدخل مكة ملبيا ( لبيك اللهم لبيك ) لأنه تربّى أياما قليلة عند النبي عليه الصلاة والسلام .. ما كان الإيمان وحده كافياً إنما كانت تلك النفس القوية ثم غُلّفت بغلاف الإيمان العظيم .. فاجتمعت نفس مع إيمان .. ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا )
إن النفوس المطمئنة .. النفوس السوية .. النفوس ذات الشخصية الحقيقية المنهجية هي مطلب ..
إذا كان عندنا يجب أن ننميها .. ليست عندي يجب أن أوجدها في ذاتي ..
أن أبحث عن طريقة أن أستمتع ..
ما بال بعض الناس يعيش نكداً مع نفسه .. مع زوجته مع بنيه أيها الكرام ؟!! ..
لأن نفسه غير مستقرة .. ليس بالضرورة مريضا نفسيا ذلك الإنسان أيها الكرام .. إنما ما عاش استقرارا داخليا مع ذاته .. ما نظر ما هي القيم التي يحبها التي يكرهها وتعامل معها !
ما حاول ربما أن يفهم حقيقة أطروحة هذا الدين ..
ربما بعضهم يشعر أن هذا الدين ثقيلا عليه !
افهم هذا الدين .. استقرِ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ..
ولذلك أنا أتمنى لو في التربية نركز على قراءة السير في تربيتنا لأبنائنا وأجيالنا ..
ونركز على حب النبي صلى الله عليه وسلم ..
إن العلاقة في هذا النبي بهذا الدين بهذا النبي الكريم بهذا الدين الكريم يجب أن تكون انفعالية فيها قناعة معرفية بهذا الدين .. ما الذي ثبّت عبد الله بن حذافة رضي الله عنه حينما أتوا به عند هرقل الروم !!
نستمع إلى هذه القصة في التاريخ :
انظر عبد الله بن حذافة .. انظر إليه إنه عظيم .. أين عظمة عبد الله بن حذافة ؟!
أتوا بامرأة جميلة فما افتتن بها .. من الطبيعي أيها الكرام أن لا يُفتتن وهو تحت حد السيف والقدر يغلي من أمامه .. من الطبيعي ألا يكون عنده نشاط جنسي في تلك اللحظة ..
ما افتتن أن أولئك الكفار عرضوا أن يكون عندهم .. يعرف أن النصرة للمسلمين .. حاولوا به ثم استمرت القضية تلو القضية يحاولون ويرفض ! ..
ثم أخيراً أرادوا أن يلقوا به في القدر .. وحينما أخذوه - ولم أسرد القصة كلها - وإنما شاهدي هو أن أرادوا أن يلقوا فيه القدر .. بكى عبد الله !! بكى عبد الله ابن حذافة ..
فرح هرقل والروم بكى عبد الله أوتوا به إلي .. تحطّم ذلك الجبل الكريم ..
تعال يا عبد الله ( ما يبكيك يا عبد الله ؟ ) بمعنى أغيّرت رأيك يا عبد الله ؟!
قال : لكم تمنيت- ما يقولها بالضجيج والصراخ – بهدوئه – ثانية أقول أقرأ نظرة أحرف التاريخ بها لأنفس أولئك المستقرين نفسيا أن فهموا منهج الدين وعبّروا عن ذواتهم غاية التعبير ..
( لكم تمنيت أن كان لو كان لي بكل شعرة في جسدي نفسا تموت في سبيل الله يا هرقل ، أينفعكم مثلي هذا عقاب ؟!! )
ثم انتهت القصة بالتقبيل التي تعرفونها ثم عمر بن الخطاب قبّل رأسه وقال :
حق على كل مسلم أن يقبل رأسه ..
إذن أيها الكرام نحن بحاجة أن نعود إلى ذواتنا .. أن نطمئن إلى هذه الذات ..
لكل ذات بنية نفسية خاصة أيها الكرام ..
سؤال أداعب به طلابي في كلية الطب : أيهم أقوى في الحق أبو بكر أو عمر ؟
عمر يا دكتور يقولونه الطلاب ..
أقول : أين عمر في حروب الردة ؟!
أين عمر حينما مات النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
اهتز تأثر عمر .. أكان ضعيف الشخصية حاشا وكلا .. ولكني أقارن بأبي بكر ، كان في بنيته الشخصية الهدوء .. أنظر إليه في الجاهلية وفي الإسلام البنية الشخصية الطبيعة أعني بها هي الهدوء .. عمر شخصيته قبل الإسلام التي هي الشدة هي التي بعد الإسلام لكن وجهها للحق ..
إذن نحتاج أن نفهم ذواتنا وأن نقوّم فيها ما نستطيع التقويم .. وحتى النبي صلى الله عليه وسلم علم من ذلك في نفس عمر فوجهها التوجيه المبارك
لكي تنفس هذه القوة في الحق في مواطنها الطبيعية ..
إذن نحتاج ثانية أن نركز على ذلك لماذا ؟
لأن ذلك يمنعنا من الوقوع في النفاق .. المجاملة ما سمّوها إنما هو نفاق فيما يتعلق في أمور الدين .. وأيضا من فوائد ذلك أن أجد راحة في نفسي أيها الإنسان..استقامتي ..علاقتي مع ربي ..
بعض الناس الذي لا يعيش ثقة مع نفسه دائما إذا سجد أو ذهب إلى العمرة أو الحج : اللهم حسن علاقتي مع زميلي فلان اللهم حسن علاقتي مع زوجتي اللهم كذا ...
لا بأس بالدعاء أيها الكرام لكن ما سبب اضطراب علاقته ذلك الإنسان ؟!
لأن علاقته مع نفسه مضطربة .. لو هدأت هذه النفس لنشرت الهدوء في أغلب الأحوال ليس بالضرورة في كلها على نفسه على من حوله من زوجه من أبنائه من زملائه في العمل ..
من فوائد استقرار النفس : راحة داخلية..لا متكبر متغطرس ولا ذليل خانع ذلك الإنسان فيستقر ..
قتل للمشاعر السلبية المرضية في نفسي أنا أيها الإنسان حينما أستقر ..
أيضا وقاية من الأمراض النفسية .. إن الذين عندهم استعداد للإصابة بالأمراض النفسية حينما لا يستقروا مع ذواتهم قد تكون فترة من الإدراك التي تفجّر ذلك الاستعداد الجيني أو الوراثي لدى ذلك الفرد للإصابة بالأمراض النفسية ..
نصل إلى العلاج .. كيف أنمي الثقة في نفسي ؟!
كيف أنمي هذه الثقة .. كيف أجعل أيها الكرام هذه الثقة جيدة في نفسي ؟!
ابتداءً الصراحة : أن تتفق في جلسة صريحة مع ذاتك .. أن تكون صريحاً مع ذاتك أيها الكريم
صراحة مباشِرة ، لا تكون مجاملا لأنك لست أمام غريب .. أمام هذه النفس التي تريد تقويمها ..
إنما يكون هو الحوار الصريح ..
تحديد السلبيات : خطوة أساسية .. تحديد الإيجابيات .. ثم دعم هذه الإيجابيات ثم الذهاب إلى السلبيات وجعلها في قائمة متدرجة .. وأبدأ بعلاج الأهون منها فالأشد فالأكثر شدة ..
هذه طريقة تدرجي في التعامل مع عيوبي لماذا ؟! لأني إذا بدأت بالأقل فإني احتمال النجاح والانتصار على ذلك العيب هو أكبر ثم يأتي مردود نفسي وهذه نظريات من نظريات علم النفس
تقوّي ذاتي من الداخل فأنطلق وهكذا يكون العلاج السلوكي في علاج الإنسان لذاته ..
الجمع بين اللباقة والوضوح .. ليس معنى الوضوح عدم قدرتك على التعبير عن فلان أو ضد فلان حينما يكلمك أو يخطئ عليك ما لم تقم وتشتمه لا :
والله يا أخي الكريم بارك الله فيك أنا أعتقد وأرى رأياً آخر أننا لو فعلنا كذا وكذا ..
أنت عبّرت عن رأيك بأسلوب ممتاز بأسلوب جيد فيه ذكر الله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
فانتشرت السكينة في ذلك اللقاء وفي ذلك الحوار ..
ما تستطيع أن تتواصل بصرياً معه يجب أيضا أن تدرّب جسدك أن تدرب أيضاً عينيك أن تدرب أيضا نبرة صوتك ربما تحتاج إلى مراكز تدريب المهارات لا بأس في ذلك .. استخدام بعض العبارات ترددها على نفسك : أنا جرئ أنا واثق أنا كذا أنا من سلالة النبي ..
في الأطروحات الغربية هناك الكلمات : أنا جرئ أنا قوي أنا واثق لكن لا أرى النفس أن تُطرح لوحدها .. إنما الروح تُمزج معها فتأتي القوة : أنا قوي أنا عزيز بالله أنا واثق بنفسي أنا أحب النبي أنا على طريقة النبي أنا قادر على التعامل مع الآخرين ..
أنظر حينما نجعل النفس تتناقض مع الروح بإذن الله سبحانه وتعالى .. هذه الروح تنشر الهدوء على النفس ..
فإننا إذا تعاملنا بطريقة نفسية بحتة فتكون ناشفة من الداخل طريقة تقليدية لا تكفي لأن العلاج يجب أن يقوم أيها الكرام على طبيعة المجتمع ولا يقوم على طبيعة المجتمعات الأخرى .. ما دام عندنا مقوّمات معينة نوظفها في أساليب العلاج ..
من الأساليب أيضا أيها الكرام أن نقتنع ـ وأعيدها ثانية ـ أن اللباقة والوضوح مفهومان متكاملان لا متضادان .. فنركز على هذه الحقيقة وأعدتها لأهميتها أيها الكرام ..
من الوسائل عدم الانشغال بالطرف الآخر.. لا أنشغل بالطرف الآخر: ماذا يقول الناس عني؟ لاأجعل مركز تحكمي خارجي ماذا يقول الناس ؟! ما رأي فلان ؟! ..
لا بأس أن الاهتمام بعرف الناس أمر حسن لكن الاهتمام بأوامر الله بأوامر النبي بحاجاتي النفسية المباحة والشرعية هو أولى من الاهتمام بحاجات الناس الطبيعية وليست المفروضة أو العرف الشيء الواضح عند الناس ..
من الأساليب أيها الكرام أيضا أن تستوي وأشرنا لها ابتداءً عند كلا ونعم .. وإذا قلت لا تقولها بصريخ وضجيج .. فقل : والله ربما لي رأي آخر أيها الكريم .. إنها لغة من الأدب ليس الخنوع وإن اضطررت فقل : لا يا أخي أنا ما أرى هذا الرأي ..
حسب المتلقي الآخر تقول هذه الكلمة ..
حتى في العلاقة الزوجية كثيرا من المشكلات الزوجية ، بعض النساء لا تهندس علاقتها مع زوجها وبعض الرجال لا يهندس هذه العلاقة ..
يأتي الزوج مثلا متأخر ماذا تقول له هذه الزوجة تقول : والله تأخر علينا في البيت وهو يشتغل في عمله مثلا : أبتأخر ونص وأنتِ ما ينفعلك هذا الشيء ثم يخرج من بيته ! .. طيب ممكن تقولها بطريقة أخرى : والله تتعب نفسك في العمل تتأخر كثير الله يعينك ..
والله يعينكم أنتم علي ، أنا والله اللي تعّبتكم بهذا التأخر ، إذن أدّبته وعادته إلى البيت ..
إنما اللباقة الموزونة هو استخدام العبارة .. ليس خنوعاً أيها الكريم بهذه الكلمة إنما
هو المنطقية وهو التعادل ..
النبي صلى الله عليه وسلم حينما رآه رجلان من الأنصار وكان يسير مع زوجته صفية ( على رسلكما إنها صفية ) .. ما كان في حاجة إليهم ..
أستشهد في هذا الجزء أو هذا الجانب من الموقف ما كان بحاجة وإنما من فقه التعامل من فقه إدراك النفوس أرادها النبي صلى الله عليه وسلم ..
حينما قال " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " ويعّرض في الناس ثم يواجه حاطب بن بلتعة .. ثم ماذا فعل مع زوج خولة بنت حكيم حينما جاءت في الظهار ..
إذن تختلف النفوس .. تختلف طرق التعامل فنسايس أنفسنا ومن حولنا لما هو مناسب ..
لن تستطيع المُسايسة إن لم تبني نفساً واثقة ..
لن تستطيع التعامل الجيد إن لم تبني نفسا مطمئنة .. تستقر مع ذاتها ..
أن رفضي لأمر ما أيها الكرام ليس رفضي للإنسان الآخر .. وأن رفض الآخرين لكلامي ليس رفضا لذاتي أنا وإنما للموضوع الذي تحدثت فيه ..
يجب أن نفصل بين ذاتي وبين ما قلت .. قلت كلام فقام أحد الفضلاء : أنت مخطئ ، يجب علي ألا أتأثر، ما هو الصواب جزاك الله خير ، أنقله إلى ماذا ؟! إلى الموضوع محط الحوار ، أبعده عن ذاتي
وكذلك حينما أخاطب الآخرين قد أختلف مع هذا الرأي بعض الشيء : في الرأي بارك الله فيك جزاك الله خير على هذا الرأي لكن في الرأي أعتقد لو فعلنا كذا وكذا .. في الرأي في الرأي أعديها لكي أخرج الحديث من الشخصية إلى الموضوعية محط الحوار وهو الأمر المهم أيها الكرام ..
أن حب الذات ليس النرجسية ..
حينما تهتم ببناء ذاتك أيها الكريم .. حينما تلتفت إلى بنائها لست نرجسياً يحب الذات يهتم بها لا يهتم بالآخرين ..
إن أول خطوة في اهتمامك بأبنائك وزوجتك أن تهتم باستقرار ذاتك .. إذا استقررت فإنهم سيستقرون .. ما بال نساء كثيرات وأبناء كثيرين يتصلون يستشيرون في الأمور ..
نفس أبٍ غير مستقر أو أولاد يتصلون نفس أمٍ غير مستقرة .. لو استقرت لهدأ أولئك الأبناء أو أولئك الأمهات أيها الكرام ..
إذن نحتاج أن نكون متنوّرين واعين لحاجات ذواتنا .. وألا نكون أميين في التعامل مع الذات ..
ألا نعيش خلف شهادات خلف دالٍ تسبق كلمة الإنسان ، خلف ميمٍ إن صحت العبارة تسبق المهندس أو ألف تبسق أستاذ أو (بشت) يحميني من الناس أنا أيها طالب علم ..
يجب أن يحميني ربي ابتداءً وتحميني نفس مطمئنة أسير بين الناس وكأن الدنيا هادئة هذه .. لا ننتفخ بشهاداتنا لا ننتفخ بما حققناه لا .. الانتفاخ والاعتزاز بالله .. اتجهوا هذا الاتجاه فتطمئن نفوسنا ..
أنا أدعوكم أن تستقروا مع أنفسكم حينما تمروا بمرحلة السن الكبير .. إن الوحدة التي تأتي إليك في السن الكبير لن يحميك إلا أمران بعد توفيق الله :
إيمان حقيقي منهجي بالله ، ونفس مطمئنة هادئة ..
هذه النفس الهادئة المتوافقة مع حاجاتها ..
ما بال بعض كبار السن مضطرب قلق ذلك الإنسان وبعضهم هادئ بسيط .. أهذا بسيط !
ليس بالبسيط وإنما متوافق مع حاجاته الداخلية ..
ليس التوافق مع الحاجات الداخلية أفعل ما أردته من المعاصي بل أقوّم الذات وأروّضها ترويضاً كما فعل أبو حفص في ترويض نفسه أن روضها لله سبحانه وتعالى وأطر هذه النفس أطراً لله سبحانه وتعالى وجعل هذا القوة فقط بالحق حينما يخطئ بعض الناس في بعض ممرساتهم ..
أن تعرف ماذا تريد ؟! .. وأن تنسّق ما تريد مع ما تستطيع ..
الآن يجب أن نحدد ماذا تريد : أريد كذا وكذا ..
أسأل نفسي هل أستطيعه ؟!
إذا لم تستطع شي فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيعُ
إذن أكن لا أستطيع لا أفعله لأنه سيأتي الفشل فتنخدش نفسي من الداخل .. أذهب إلى ما أستطيعه وأمارسه وأحمد الله على ما وفقني إليه وما أعطانيه وهذا قدر من الله ..
إن معنى الإيمان بالقضاء والقدر في الأمة أظنه يحتاج مراجعة منا عند علمائنا أيها الكرام ..
أن نسائلهم ثانية عن معناه الحقيقي قدموه لنا لكن نفوسنا ما شربته تماماً ،
إن معنى الاحتساب الحقيقي ـ ورددتها كثيراً ـ يجب أن نراجعه في أطروحتنا .. ليس الإيمان بالقضاء والقدر حينما تصاب أيها الإنسان : قدر الله وما صار ماذا نفعل وهذه الدنيا وكذا .. إنه مرض إنه خور ليس هذا قبول القضاء والقدر ..
ثم إذا أتاه القدر : الحمد الله ما قدر الله إلا الخير وكذا ، هو فرح بنفسه ليس فرح بالخير من الله وحينما كان المصاب هو ناقم على الله لكن لا يعبّر بألفاظه
لكن عينيه لكن نفسه تنطق تلك النقمة ..
إذن يجب أيها الكريم أن يستوي في حسّك الخير والشر من الله سبحانه وتعالى ( أمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر ) والأحاديث في ذلك كثيرة ..
يأتي الابتلاء فيعرف أنه ابتلاء .. إذن نحتاج إلى برمجة في مناهجنا التربوية .. أن نربي شبابنا على المعاني ، على القيم الموجودة في نصوص الكتاب والسنة ..
أنا لا يهمني كثيراً شاب لا يصلي ركعتين بعد المغرب لا يحافظ على السنن الرواتب وهو لا يحب النبي .. لو اخترنا واحدة من الاثنتين لاشك أن فعل الاثنتين هو الأفضل لا شك أن نربي على الاثنتين لكن شابا لا يحب النبي لا يشعر بحب النبي صلى الله عليه وسلم لا يشعر بعظمة الله :
تخيّرني بين من يتربى على حب النبي وعلى عظمة الله أو يصلي ركعتي السنن الرواتب ؟!
أقول هذه لكن لا شك أن الجمع هو الأولى ..
عبد الله بن عمر بن الخطاب سمع أن رجلاً هو من أهل الجنة قالها النبي صلى الله عليه وسلم .. فذهب إليه يسأل عن ذلك الرجل فاستضافه فجلس عنده وقال إني اختلفت مع عمر أو بيني وبين عمر كما قال خلاف فاستضافه ثلاثة أيام ما رأى عنده زيادة عمل !
فقال له ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، بمعنى قوله : ما عندك من الأعمال ما جعل النبي يصفك بأنك من أهل الجنة ! نريد أن نفعل فعلك !
قال : ( لا أنام وفي قلبي على أحد من الناس شيء )
كيف استطاع ذلك الصحابي ؟! : حينما اطمأنت نفسه .. فأشرق في الطمأنينة على من حوله من الناس أيها الكرام .. من هنا نستطيع أن نحقق الطمأنينة .. لا نتجه إلى التربية السلوكية مع أبنائنا ربما الطفل قبل المراهقة تسير معها التربية السلوكية يحفظ القرآن وكذا كذا .. نعم يجب أن نشد فيه في تلك الفترة لأنه متلقي مثل المسجل يكون عنده مخزون ..
لكن عند ما يقارب على نهاية الطفولة ودخول المراهقة يجب أن أتجه إلى المعاني لأنه يبدأ بفهم المعاني الرمزية ..
إشكاليتنا بعض الفضلاء يتصلون : ولدي تعبني يا طارق !
لماذا ؟ والله يا أخي ما يسمع الكلام !
نعامله كما هو الطفل ! أقول إحفظ القرآن ما يحفظ أقوله كذا وكذا ،
طيب أعلمته معاني الآيات ؟!
يا أخي كلنا ما تعلمنا دون معانيه يا أخي ذلك الوقت ما فيه دش ما فيه كذا وكذا ، لو تريد الفساد ما لقيت الفساد يا أخي الكريم ..
علمّه معاني الأشياء ، لما بعض الناس حينما يخرج عن الحدود يمنة أو يسرة وربما يكون فيه شي من الخير والفضل قد يمارس بعض الأخطاء ؟!!
.. ما استقرت نفسه ما استقرت في علاقتها مع الله ..
ما استقرت في فهم حقيقة هذا الدين ..
ما استقرت في حقيقة معنى الإحسان " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
أعتقد أني أطلت أعتذر على الإطالة وأسأل الله سبحانه وتعالى الذي جمعنا في هذا المكان المبارك أن يمنّ علينا بإجتماع آخر إخواناً على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...........
ــــــــــــــــــــــــــــ
شريط ( نحو نفس مطئنة واثقة )
د. طارق بن علي الحبيب
حررت بواسطة : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إ ذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
رواه مسلم وأبو داود
الدكتور طارق بن علي الحبيب
الأستاذ المشارك واستشاري
ورئيس قسم الطب النفسي بكلية الطب والمستشفيات الجامعية
بجامعة الملك سعود في الرياض .
مقدمة
قال تعالى : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
نحو نفس مطمئنة واثقة
** إن علاجاتنا النفسية لن تكون كافية وحدها لطمأنينة ابن آدم .. إن لم يجتمع معها طمأنينة الروح ..
نحو نفس مطمئنة واثقة
** أدعو إلى الدين بجانبه السلوكي .. وبجانبه الانفعالي .. وبجانبه المعرفي ..
نحو نفس مطمئنة واثقة
( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )
نحو نفس مطمئنة واثقة
** النفس لن تستقر إن لم يسمح لها أن تنطق ذاتها ..
** لن تستقر إن لم يسمح لها أن تعبّر عن ذاتها ..
نحو نفس مطمئنة واثقة
** كيف أعرف نفسي واثقاً أو غير واثق ؟!!
.. إن المتكبر في الأمة أهون خطراً من الضعيف الذليل الخائف أيها الكرام ..
** إن الإيثار أن تعطي وأنت قادر على المنع ..
نحو نفس مطمئنة واثقة
إن التواضع أن تتنازل وأنت قادر على قول لا ..
هذا هو المؤثر الحقيقي .. هذا هو المتواضع الحقيقي ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ..
أيها الإخوة الفضلاء .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أيها الإخوة الأكارم ، إن الله سبحانه وتعالى حينما خلق هذا الإنسان ، خلق فيه النفس والجسد والروح ..
وما كان للنفس أن تستقر حقيقة الاستقرار إن لم تطمئن الروح ..
وما كان لنفس أن تستقر أيضاً حقيقة الاستقرار إذا كان البدن مُعنّىً بأشياء يمكن علاجها ولم يستطع أن يتعامل معها ذلك الإنسان ..
إذن ، بهذه التركيبة الثلاثية الله سبحانه وتعالى خلق فيه هذه النفس هذا هو الركن الأول
والركن الثاني ـ وليس ترتيباً حسب الأهمية ـ هي الروح
و الأمر الثالث هو ركن الجسد
الله سبحانه وتعالى حينما خلق هذه الأمور أراها كما هي أيها الفضلاء ( القمر والشمس والأرض )
تسير في منظومة متناسقة متناغمة ، أرأيتم لو أن القمر تقدم قليلاً أو أن الشمس قد تأخرت قليلاً
أو أن الأرض قد حادت ذات اليمين أو ذات الشمال فإن هذه المنظومة ـ ولاشك ـ ستضطرب !!
كذلك الإنسان : في جسده ، في نفسه ، في روحه .
إن لم تتناسق وتتناغم هذه مع بعضها البعض فإن هذا الكيان سيضطرب ..
إن الإسلام حينما جاء بهذه الأطروحة الدينية لم يتجه إلى روح ابن آدم فحسب كما سنرى بعد قليل إن شاء الله ..
وإنما اتجه إلى نفسه واتجه إلى بدنه أيضاً ..
إذن ، يجب أن يكون هناك توازن في إشباع كل ركن من هذه الأركان الثلاثة ..
أقول أيها الأكارم :
حينما خلق الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان .. هذا المخلوق .. خلق فيه النفس والجسد والروح ..
وحينما نتكلم عن النفس : ما هية هذه النفس : رغباتها ، شهواتها ؟! ..
وحينما نتكلم عن الروح في تعريفنا لها لأن تعريف النفس والروح كما تعلمون غير واضح
حتى الآن بشكله الدقيق ، أقول :
هذه الروح ما الذي نعني بها في علاقة الفرد بربه ؟ هذا ما نشير إليه ..
خلق هذه النفس وخلق الروح والجسد .. ولكي يستقر الإنسان يجب أن يتم الإشباع الحقيقي
لكل ركن من هذه الأركان الثلاثة
والشرط الآخر : يجب أن يتناسق هذا الإشباع مع بعضه البعض ..
هنا يتحقق المطلب الحقيقي ، هنا يتحقق الاستقرار الحقيقي لهذا الإنسان ، ولذلك النبي صلى الله
عليه وسلم حتى في تربيته للصحابة : ما كان يقوي الإيمان في قلوبهم فحسب ، وإنما كان يبني
أنفساً بشرية قادرة على العطاء ، قادرة على التحمل ، حتى لو اختل ركن من هذه الأركان :
مثلاً ركن الجسد فإنه يقوي النفس ويحاول أن يقوي الروح لكي يعوض ذلك النقص ..
صعد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على نخلة وكان دقيق الساقين رحمه الله ، فتضاحك الصحابة : ينظرون إلى دقة ساقيه وهو في أعلى النخلة !
ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : أتضحكون من دقة ساقيه ، إنها أثقل في ميزان الله من جبل أحد !!
ماذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أكان إخباراً لنا أن ابن مسعود كان تقياً كان مؤمناً ؟!
نعم .. لكنه كان يعالج في نفس ابن مسعود شيء .. ما كان مريضاً نفسياً رضي الله عنه ولكن
كان يربي ذاتاً عظيمة تستطيع أن تحمل راية ذلك الدين .. لماذا ؟ .. لأن الركن الجسدي
فيه نقص عند ابن مسعود .. فيه ضعف .. نحيل صغير ذلك الصحابي ..
فأخاف أن تتأثر نفسه تأثراً ولو كان بسيطاً ، ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
اتجه إلى نفس ابن مسعود .. اتجه إلى روحه ..
كأني بابن مسعود ينظر إلى دقة ساقيه إذا جلس وحده وينظر ويقول : هذه بجبل أحد !!!
لماذا ؟ إشباع منه صلى الله عليه وسلم لنفوس الصحابة .. كان يبادر إلى تلك النفوس ..
عجبي أيها الكرام من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لماذا ؟ : كان يتخولنا في الموعظة ، إنها طامة كبرى : نبي يتخول صحابته بالموعظة !!
فما بالنا نحن .. لا بل هو المنهج الحقيقي .. وليس بالطامة الكبرى ..
إن تخول النفوس بالموعظة لكي نحقق المراد من هذه النفس .. لكي نحقق الإشباع الحقيقي لهذه
النفس .. أولم تستقر النفس حقيقة الاستقرار الحقيقي إن لم تطمئن الروح ؟ ..
إن علاجاتنا ـ وأقولها كطبيب نفسي ـ : إن علاجاتنا النفسية لن تكون كافية وحدها لطمأنينة
ابن آدم .. إن لم يجتمع معها طمأنينة الروح ..
وحينما أقول طمأنينة الروح لا أدعو إلى دين سلوكي يمارسه بعض الأفراد .. إنما أدعو إلى الدين بأركانه الثلاثة التي أفترضها تصنيفاً كما أقوله لكم :
أدعو إلى الدين بجانبه السلوكي ، وبجانبه الانفعالي ، وبجانبه المعرفي ..
بجانبه السلوكي : هي ثلاث ركعات في المغرب ..
لكن بجانبه المعرفي : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ..
إن لم يتحقق ذلك .. فراجع نفسك أيها الإنسان ..
بجانبه الانفعالي : ذلك الشوق ( رجل معلق قلبه إلى المساجد ) .. يشتاق إلى المسجد ..
يعشق ذلك المسجد .. يحبه لايتكاسل .. وبذلك كان التكاسل آية من آيات النفاق كما جاء في الحديث النبوي .. أقول :
إذن يجب أن يتم الإشباع الحقيقي لكل ركن من هذه الأركان الثلاثة .. والنبي صلى الله عليه وسلم في سيرته مع الصحابة وكذلك الصحابة في تلقيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم حرصوا أن
يمارسوا ذلك الشيء ..
النفس .. لن تستقر إن لم يسمح لها أن تنطق ذاتها ..
لن تستقر إن لم يسمح لها أن تعبّرعن ذاتها ..
لمَ المجاملة في طريقة التربية عندنا مع أولادنا ؟! : يخافوننا ، يهابوننا ، أريد الاحترام له لذا الخوف في التربية ..
أنظر أنس ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما عنّفه : ما قال لشيء فعله لمَ فعلته ؟ ولا شيء تركه لمَ تركته ؟ ..
لم يكن على علاقة خوف مع النبي صلى الله عليه وسلم .. لكنه كان يحب بل يعشق ذلك النبي .. لماذا ؟ : فعّل في نفسه ذلك الشيء صلى الله عليه وسلم ..
إذن .. أيها الكرام .. هذه هي طريقة التربية المناسبة .. في تربية أنفسنا لأنفسنا ..
في تربيتنا لمن حولنا .. من زوجاتنا .. من أبنائنا .. في تربيتكِ أنتِ أيتها الزوجة لزوجكِ أيضاً ..
هناك من النساء من قد تساهم في تربية زوجها ..
من الأبناء من قد يساهم في تربية أبيه وأمه ! ..
إن جيل الصحوة الجديد قد قاموا بتربية آبائهم بطريقة عكسية : فاتجهوا إلى الخير والحق كثير من الفضلاء والآباء ..
إن في منهج التربية الإسلامية أن الذات يجب أن يسمح لها أن تنطق ذاتها ..
جاء شاب ـ والقصة تعرفها ـ إلى النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ائذن لي في الزنا ..
عجبي يا كرام !!
أعظم نبي .. خاتم الأنبياء .. يأتي إليه رجل من القرون المفضلة بل من أفضل قرن ( أصحابي كالنجوم ) يصفهم النبي .. يستأذن بالزنا !! ما هذا ؟!
فقد نجحت تربية النبي صلى الله عليه وسلم .. و العظمة أن ينطق ذلك الشاب
بلا خوف عند ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ..
وجد شهوة تتأجج في ذاته .. وجد رغبة جامحة خاطئة في ذاته .. فعلم أن ذلك النبي
هو مصحح الرغبات الخاطئة .. فأراد أن يتمدد فوق مشرحة ذلك الجراح العظيم لكي يزيل
ما اعترى تلك النفس من آلام ومن أمراض ..
( يا رسول الله .. ائذن لي في الزنا !! ) .. ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ؟! ..
اتق الله ؟! : ما قالها ..
أذكرَّه في آيات الكتاب ؟! ما ذكره ..
أذكره بأحاديث السنن ؟! ما ذكره ..
عمر اقطع رأسه ؟! ما قال وكان قادر على ذلك !! ..
ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟! .. إلى ماذا اتجه ؟! ..
اتجه إلى خلفية ذلك العربي .. اتجه إلى ماذا ؟ ..
إلى النخوة العربية .. نعم النخوة العربية من الإسلام .. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري : ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق )
قالها النبي صلى الله عليه وسلم .. ومن الغيرة على العرض صالح الأخلاق ..
هذا الشاب لم يكن مهيأً أن تناقشه في شهوته .. لم يكن مهيأً بتذكيره ببضع الآيات والأحاديث ..
عرفها النبي صلى الله عليه وسلم ، أكان نقصاً في الصحابي؟ لا ... إنما هي حالة انفعالية كان يمر بها ذلك الصحابي .. فتعامل معها ذلك الجراح العظيم صلى الله عليه وسلم ..
أترضاه لأمك ؟ قال لا - كأني بالشاب ينطقها قوية - قال لا ..
قال النبي بهدوئه صلى الله عليه وسلم : وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم ..
أترضاه لأختك ؟ قال لا .. قال وكذلك الناس لايرضونه لأخواتهم ..
والنبي يسأل والشاب ينفي .. والنبي يقرر: لعمتك لخالتك لكذا لكذا .. حتى آخر الحديث ..
شاهدنا في هذا الحديث .. بعض الناس يقول أنظر ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، هذه شيء
لكن الشاهد الأكبر في نظري في هذه القصة .. انظر إلى مافعله النبي صلى الله عليه قبل هذا الموقف أن جعل للصحابة حق التعبير على الرأي .. حق التعبير عن الذات .. حق التعبير عن الانفعالات .. فتعيش نفوسهم مطمئنة .. فتتوافق حاجات النفس مع حاجات الروح فلا تصطدم
الشمس بالقمر بالأرض في ذلك المنظومة الكونية التي حدثتكم عنها ابتداءً ..
إن نفوساً لا تعبر عن ذاتها ، أن تعبر لمربٍّ لأبٍ ، أيضا لرجل تثق فيه ، فيحاول أن يعالج ما أصاب نفسك من الداء ..
أن تعبر عن روحك .. عن معاناتك الروحية .. لعل أحداً أن يساهم في علاج تلك المعاناة ..
أن تعبر عن ما اعتراه جسدك من أمراض لأن الجسد إذا استقر وركد ابن آدم فإن نفسه وروحه بإذن الله تركد ، أرأيت مريضاً بمرض مزمن متعب يقلقه الليل والنهار ، لا يكون مستقراً في العادة ، إلا من قواه الله في العبادة ..
تكون نفسه أيضاً متضايقة .. ليس بالدرجة أن يصل إلى المرض النفسي ، لكنه متضايق ذلك الإنسان ..
إذن أيها الكرام ، نحن بحاجة إلى أن نعود إلى أنفسنا ، أن لا نكرر على الناس
فقط : قوّي إيمانك، قوّي إيمانك ، ثم إذا سألناهم : كيف أقوي إيماني : يا أخي صلّ وزكّ ؟
طيب صليت وزكيت ، لكن كيف أصلي وأزكي ؟!
نريد أن نقدم الصلاة المحمدية ، والزكاة المحمدية ، حينما تفعل الصلاة بانفعالاتها و بالتفكير المصاحب لها نقدمه للناس ، نربي أرواحهم بنفس الوقت وبنفس الحرص أن نربي أنفسهم ..
فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، تلقفتها أجيال الصحابة رضوان الله عليهم بهذه الطريقة ..
قام عمر بن الخطاب يخطب في الناس : ( أيها الناس ، اسمعوا وأطيعوا )
فقام سلمان من بين الصفوف ، فماذا قال ؟ : يا أمير المؤمنين- بنبرة هادئة- ليس من الضرورة حينما تنتقد مسؤولاً أو رئيساً لك في العمل أو مربٍّ لك أن تهتف وتصرخ ..
قال ـ وكأني أقرأ نبرة أحرف التاريخ بها ـ : ( يا أمير المؤمنين لا سمع ولا طاعة )
التفت إليه عمر مزمجراً ؟! لا ما قال كذلك ، لماذا ؟ لأن هناك طمأنينة في علاقة الفرد مع
الآخر : لمَ يا سلمان ؟ ، قال : يا أمير المؤمنين ، إنك تلبس ثوبين ونلبس ثوباً واحداً ..
أنظر الأدب فما قال ليس من العدل ، قال هكذا ، ماذا قال عمر ؟ :
يا عبد الله بن عمر يا عبد الله بن عمر .. يخطب ويهتف في المسجد ينادي ابنه ..
فقام عبد الله من بين الصفوف ، قال : يا عبد الله .. لمن هذا الثوب ؟
قال : إنه لي يا أبتاه .. إنه لي يا أبتاه !
فالتفت عمر إلى الناس وإذا سلمان ليس بنبرة المنتصر ليس بنشوة المنتصر ، وإنما بنشوة الهادئ ، لأن نفسه مطمئنة في البداية ..
فقال : أيها الناس .. إني رجل طوال ـ أي رجل طويل ـ ولا يكفيني ثوب واحد فأحتاج إلى
ثوبين فأخذت ثوب ابني لكي أستر عورتي وأخطب في الناس ..
أستشهد بها على روعة تلك الأمة في نطق الذات .. ينطقها سلمان فيتلقفها عمر ..
بلا خوف بلا ضجر بلا غضب ، فيرده ، ثم يجيب على سلمان والناس .. ثم ماذا قال سلمان ؟
ليس بنبرة الخاجل .. ليس بنبرة المخطئ : أنا آسف يا أمير المؤمنين ؟ لا ..
معذرة يا أمير المؤمنين ؟ لا .. قال :
الآن نسمع ونطيع يا أمير المؤمنين .. فجلس سلمان رضي لله عنه ...
إذن .. نحتاج في تربيتنا لنفوسنا أن نتأمل .. نتجه إلى حاجاتها .. أحدد حاجاتي أيها الكرام ..
أحدد ما أحبه .. أحدد ما أكرهه .. أنظر إلى ما أحبه هل يحبه الله ورسوله .. فأدعمه ..
إذا كان أمراً يبغضه الله ورسوله فلا خير فيه وإن كانت نفسي تميل إليه .. ففيه الخسرانفي الدنيا والآخرة ..
أيها الكرام .. لا أقولها كمحدث يحدثكم في المسجد ، إنما أقولها كرجل استقرأ نصوص الكتاب والسنة واستقرأ حقيقة ما فيها ، وقرأ أصول هذا العلم ـ أعني به الطب النفسي ـ ونظر إليه
ووجد أن التكامل لا يكون إلا حينما تتعانق النفس والروح .. ويتلاءم ذلك مع الجسد ..
لا يمكن ـ ثانية أقولها أيها الكرام ـ أن تستقر النفس إن لم تطمئن الروح ..
إذن .. نحتاج إلى ماذا ؟ : إلى تزكية النفس ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )
كيف تكون التزكية ؟
******************************
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في ذلك : ليس فقط بالأعمال الصالحة ، وإنما بالأخلاق الكريمة السامية .. إذن تجتمع الأخلاق ويتجمع الدين .. إذن في هذه المنظومة المتكاملة يكون ذلك الطرح الإسلامي الذي نريده في هذه الحياة ..
إذن .. نحتاج أن نفهم ذواتنا .. وإذا أردنا أن نفهم الذات ..
ما مفهوم الذات ؟! .. ما تعريف الذات ؟!
هو ما أحمله من تقديرات عن نفسي أنا أيها الإنسان ..
هذه النفس .. ما تقديراتي لها ؟ ما نظرتي لها ؟ ..
كيف أرى سلبياتي ؟ كيف أرى إيجابياتي ؟ ..
تعودنا أيها الكرام .. إيجابياتي أنتفخ بها وأنفخ شدقيّ بها أبدا وأنفخ أمام الناس بكلماتي ..
وعيوبي دافع لا يذكرني أحد بها .. إن هذا الإنسان ليس بالسويٍّ أيها الكرام ! ..
إنما ذلك لا يضيف لك شيء حينما يذكرك الناس .. وإنما عيوبك حينما تًذكَر لك ستفرح بها لأنك تقومها وتعدلها ..
أُدرِك أن في أمتي أن الناس إذا ذكروا المزايا يعظمون لدرجة تصيب بعض الناس بالخيلاء ، ولذلك جاء الشعر شعر المديح في أمة العرب ربما يفوق غيره من أمة ..
ورثنا هذا من الموروث السابق ـ أعني بها موروث الأمة العربية ـ لكن ليس بالضرورة أن يكون
صحيحا ، وانظر إلى صدر الأمة الإسلامية ، ما كان شعر المديح ظاهراً في تلك الفترة ، وكلما
ظهر وأتى خليفة من الخلفاء الزهاد مثل الخليفة عمر كلما أقلَّ من شأن أولئك الشعراء المدّاحين ..
بالمقابل أيضاً عند النقد : أدرك أن في أمتي خطأً في طريقة النقد أيها الكرام ..
النقد هو الشتم هو الإهانة .. الاتجاه إلى الإنسان لا إلى الفعل ..
وهذه مشكلة حتى في تربيتنا لأولادنا : أصلاً أنت نذل ، أنت خسيس !
لمَ لمَ يا كريم ؟! ليس هكذا التربية ..
اتجه إلى فعل الطفل لا إلى ذات الطفل ..إنك تدمره من الداخل من حيث أردت أن تنفع ذلك الطفل ..
وليس ذلك هو الشيء المناسب ..
هذا التقدير للذات وهذا المفهوم للذات : قد يكون صحيحاً وقد يكون خاطئاً ..
الصحيح أن ترى عيوبك بنفس الدرجة التي ترى فيها مزاياك أيها الكريم .. والتصور الخاطئ أن تضطرب عندك هذه الأمور كما وصفتها لكم أيها الكرام ابتداءً ..
إذن .. نحتاج أيها الكرام أن نواجه ذواتنا .. أن نكون قادرين على الحوار مع هذه الذات ..
كيف يكون الحوار مع هذه الذات ؟! ..
حصرتها في جزئيتين صغيرتين أيها الكرام :
الأول / العمل بجدية على تحديد القيم التي تمثل ذاتي : ما أحبه أنا أيها الإنسان .. ما أكرهه ..
ليس بالضرورة أنت أيها الشاب من تعمل في حقل دعوي ولك شيخ أو طالب علم تتربى عنده ..
ليس بالضرورة أن تحب ما يحب .. يحب الحديث وأنت أحببت الفقه ..
لا تمثل نفسك لحب الحديث لا بل حب ما تريد ..
يحب شيئاً ما من أمور الدنيا .. ليس بالضرورة أن تحب ذات الشيء أيها الكريم ..
يحب أن يلقي بطريقة معينة .. ليس من المنهج أن تلقي بنفس الطريقة إن لم تكن تميل إليها ..
لاشك أن الاقتداء بالأمور المميزة أمر مبارك .. لكن الذي أهم من الاقتداء ـ أعني بالأمور الشخصية ـ هو أن أتوافق مع ذاتي ثم يأتي الاقتداء بعد التوافق مع الذات ..
إذن .. أحدد القيم التي تمثل طبيعتي لكي أصبح متوافقاً مع ذاتي .. فيتحقق لدي احترام هذه
النفس من الداخل ..
لكل إنسان له طريقة نظر .. ولقد قلتها ربما مرة سابقة ربما بعضكم سمعها مني :
محمد رامي الدرة ..
هذا الطفل .. كل إنسان يستقبل ذلك الحدث بطريقته التقييمية الداخلية ..
بعض الناس ماذا يقول ؟ : انظر ذلة العربي كيف أصبح ! انظر اليهود الشياطين ماذا
يفعلون ! .. بعزة العربي ينتشي ويقاوم ذلك الموقف انتقاداً منه ذلك الإنسان ..
آخر يقول : ماذا ستفعل أمه ؟! إنها ستبكي عليه .. ماذا سيفعل أبوه ؟! إنه سيبكي عليه ..
بلغة العاطفة .. لا بلغة النخوة العربية ..
ثالث ـ وأنا ربما منهم ـ :
لم يضايقني الموقف كثيراً حزنتُ عليه ولا شك .. لكن أيها الكرام أليس من الظلم نحن منا نحن المسلمين والعرب أن تتجه تبرعاتنا لبيت محمد رامي الدرة لماذا ؟!
لأن يد مصور مبدع ومخرج مبدع استطاع أن يلتقط هذه اللقطة .. تحت ذلك الجدار ..
فمات محمد رامي الدرة بطريقة درامية .. لكن مات خلف هذا الجدار ربما عشرات الأطفال بطريقة
أشد درامية أو بطريقة غير درامية ..
إن قتل النفس لم يُنقل لنا أن تكون درامية أو غير درامية لكي نفعّل ذلك .. فاتجهت الأموال إلى بيت محمد رامي الدرة .. والبيت الذي بجانبه قد مات أبوهم في تلك المعركة .. والبيت الذي بجانبه ذات الشمال قد ماتت أمه .. إنهم أولى بالتبرعات من موت طفل في بيت !! ..
إذن .. نحتاج إلى طريقة تصوّر .. لا أقول نغير بل أنطلق مع طريقتي التقييمية أنا أيها الإنسان ..
لي طريقة معينة .. أتوافق معها وأتعامل معها وأصححها إن كانت خاطئة .. إن لم تكن خاطئة
وليس بالضرورة أن تتوافق مع غيري .. فكل إنسان له ميول مختلف عن الآخر .. أعرفها ..
أدركها .. أتعامل معها ومن خلالها أنطلق في هذه الحياة ..
الطريقة الثانية في التحاور مع الذات : كن رفيقاً لطيفاً مع ذاتك .. بعض الأخوان حينما يستمع إلى محاضرة دينية أو نفسية مثل هذه يخرج وقد قرر أن يكون حسان بن ثابت في الشعر .. خالد بن الوليد في المعارك .. أبو هريرة في رواية الأحاديث .. وأن يكون أبي بكر في نفسه اللينة الهينة .. وعمر بن الخطاب بنفسه القوية ، هذا الانتعاش الشديد .. إنك ستجلد نفسك أيها الكريم ستكون شديداً معها أيها الكريم ..
كن رفيقاً لطيفاً مع ذاتك .. وسنتكلم عن المنهج بطريقة متدرجة بعد ذلك ..
إذن يجب أن تحدد أيها الإنسان ما هي ميولاتي ؟ ما هي تصوراتي ؟
ولا أنطلق من تصورات الغير التي أعجز عنها ..
إن كانت متميزة وأقدر عليها ولا تتعارض مع ذاتي فأنطلق منها وإلا أنطلق من تصوراتي .. شرط أن لا تكون خاطئة أو مرضية أو غير منهجية ..
آية أستمع إليها أو أقرأها في كتاب الله .. فأقف عندها .. هنيهة أو بل هنيهات ..
" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ "
ما بال حرف العطف أتى بالنفس هنا ؟!!
إنها قضية كبرى هذه النفس .. إننا في أطروحتنا أيها الكرام لم نُعنَ بالنفس العناية الكافية ..
وحينما أتت عناية القرآن إلى النفس في هذه الآية لماذا ؟!
لأن الإنسان هو المقصود بالهداية ..
فإذا أردنا أن نصل بالإنسان لكي يعرف ما له وما عليه .. فلا بد أن يستكشف هذه النفس .. يدرك معايبها .. يدرك مميزاتها فيستطيع من ذلك أن يعيش في توافق مع هذه النفس ويحقق مطالبها
ومطالب ذلك الجسد متناغمة متناسقة مع مطالب تلك الروح ..
ثانيةً أؤكد : لِمَ نغربل الأحداث بعقول الغير ليس بعقولنا ؟!
نستشير نعم بل ونستخير أيضا لكن نفوسنا لا نهملها لأنك إن أهملتها فإنك قد تضطر أحيانا أن تنتفض ضد هذه النفس .. أن تعاقبها .. وهي لم تخطئ !
إنما أنت أيها الكريم من أخطأ لأنه لم يعطها حقها " وإن لنفسك عليك حقا "
ليس معناها كما يظنها بعض الناس فقط أن تنام لا تقوم الليل كله وأن لا تصوم النهار كله وأنك كذا .. لا تشد عليها أيضا لا تقصّر في حقها .. إنه معنىً متكامل ..
إني أعجب في أمتي في قراءة النصوص الشرعية قراءة جزئية رغم أن لها طرحا متكاملا ..
يستشهد بها علماؤنا الأفذاذ في أمر معين فيشيرون إلى ذلك الجانب ولا يشيرون إلى الجانب الآخر
لأنهم ليس محط الاستدلال في ذلك اللقاء أو في ذلك المكان .. فيظن الناس خطأً منه لأنهم لم يفهموا توجيهات علمائنا رحم الله من مات منهم وحفظ الله من بقي .. فيظنون أن معنى هذه الآية أو ذلك الحديث بهذا المعنى الضيق ..
" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ "
نسمعها : إنك إذا ما شددت على نفسك بالصلاة فإنك لن تصلي .. ما قصد علماؤنا ذلك ..
ارجعوا إلى كتب التفسير ليس معنى ذلك ! .. حتى في الأطروحات النفسية إن لم تقدّم التغيير فإنك لن تُغير .. تحتاج إلى جهد منك أنت أيها الإنسان ..
قسماً بالذي رفع سبع سماوات وخفض سبع سماوات لو لم يكن هناك جنة ولا نار
ما تبعت غير منهج هذا الدين .. لماذا ؟! ..
منهج هذا الدين فيه الراحة أيها الكرام .. فيه الطمأنينة لك أنت أيها الإنسان ..
فيه التوفيق لك أيها الإنسان .. في توافقك مع ذاتك مع حاجاتك النفسية والجسدية أيها الكرام ..
ولذلك حينما نربي الناس لا نربيهم فقط على الجنة والنار .. حينما نقدم أطروحتنا الدعوية لا نقدمها بنفس متخاذلة : والله يا أخي الدين كذا والدين كذا ..
كأني أستعطفه أن ينتسب إلى دين الله .. كأنني أستجديه أن يتبع منهج هذا النبي ! ..
بل نقدم أطروحتنا بطريقة راقية : أنظر إلى عظمة الدين .. حتى يصل إليه رسالة غير مباشرة ..
أدرك نفسك ليس فقط للجنة والنار بل حتى لكي تستمتع بالدنيا أيها الكريم حقيقة الاستمتاع ..
إنما من يمارسون المعاصي أيها الكرام قد يستمتع بالمعصية في لحظتها لكن بعدها خسارة وندامة
ثم إعادة ثانية لها ليس لكي يستمتع .. ينتقل من الطبيعي إلى فوق الطبيعي أبداً .. بل لكي ينتقل من التعب إلى الطبيعي الذي أنت تعيش بطبيعتك أيها الإنسان ..
إن المعاصي ومنها المخدرات لا يأكلها لكي ينتشي انتشاء زائداً لا .. إنما مع تكرار استخدامها يضطر استخدامها لمن عنده أعراض انسحابية.. نزل من المستوى الطبيعي إلى أدنى من الطبيعي .. فيأخذها لكي يرتقي إلى الطبيعي ! ..
أنت تعيش الطبيعي في أطروحتك الدينية ترتقي إلى مستوى فوق الطبيعي وتستقر به وتعيش به ..
قالها أحمد ابن تيمية رحمه الله شيخ الإسلام : ( ما يفعل أعدائي بي ، جنتي في صدري ، سجني خلوة ، نفيي سياحة) لماذا ؟! لأن القوة والتحكم من الداخل عنده رحمه الله ..
قالوها رضوان الله عليهم بل قالها في موطن آخر ونقلها عنه ابن القيم رحمه الله :
( لو نجد في الجنة ما نجده من هذه الحلاوة في الدنيا لكفانا ذلك في الجنة ) ..
هو يريد أكثر ولا شك لكن يعبّر لك عن حقيقة الراحة وعن حقيقة المتعة في نفس ذلك العظيم رحمه الله ..
وفي السير من العظماء في الأمة ما يطول الاستشهاد فيها ..
إذن أيها الكرام ..
نعيش أزمة حضارية في بلادنا .. ليس في بلد كريم هذا وإنما في بلاد كثيرة للأسف ..
لمَ يسبق البنيان في تطوره الإنسان ؟! .. مباني كبيرة مباني عظيمة ..
يجب أن يسابق تطور الإنسان تطور البنيان .. نحتاج إلى حضارة تتعانق فيها المادة والروح ..
ما كان لبنيان أن يخدم أمة .. صاروخ من هنا أو هنا ويهدم بنيان المدن الكبيرة ..
لكن نفوساً مطمئنة .. نفوساً واثقة .. نفوساً محبة تستطيع أن تقوم بواجب هذا البلد الكريم ..
بواجب أهلك الذين يحتاجون إليك .. ليس فقط في الجهاد .. أيضا في الدعوة ، في البناء ، في العلم ، في التوجيه ، في التربية ، في التعليم ، في الطب .....
ليس الإنسان الصادق مع هذا البلد .. الصادق مع أهله هو الداعية الذي يدعو إلى الناس في المساجد ..
إنك أيها الطبيب الصادق مع الناس في إخلاصك .. طالب الطب الصادق في دراسة الطب الدراسة الحقيقية إنه يعمل بحقيقة ما نريد منه ..
ذلك المهندس .. ذلك الموظف الذي يكون أميناً في عمله .. كل هؤلاء دعاة ..
من ضيّق العمل الدعوي بهذا المفهوم الضيق : محاضرة في مسجد ؟! ..
كلكم دعاة .. ( كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ) .. إن الدعاية لون من ألوان الدعوة ووصف النبي صلى الله عليه وسلم جميع الجوانب في تلك الحياة .. أعني بها الرجل والزوجة راعية في بيت زوجها إلى آخر ذلك الحديث الطويل ..
نقف وقفة في وصف النفس .. هذه النفس أيها الكرام .. هذه النفس الغير الواثقة ما أعراضها ؟!!
حدثني أيها الطبيب ما أعراض النفس الغير الواثقة ؟! وما أعراض النفس الواثقة ؟! ..
ثم أخبرنا كيف نعالج هذه النفس الواثقة بخطوات علمية ؟! .. ربما هيّجتَ في نفوسنا شيء من الحاجة إلى التغيير .. ربما في نفوس البعض أقول - ربما قلة لا ندري أو كثرة - : كيف نفهم .. كيف أعرف نفسي واثقاً أو غير واثق ؟!!
إن النفس الغير الواثقة أيها الكرام .. تعيش إشكالية نفسية وجسدية ..
في حركات جسد ذلك الإنسان .. حينما يتواصل بعينه مع الآخر لا يستطيع أن يتواصل بعينه مع الآخر بل يُنزل ببصره ..
لا يستطيع أن يتواصل التواصل الكافي .. حتى حركات جسده حينما يجلس غير مستقرة تتحرك يديه تتحرك رجليه ..
أيضاً في جسده فيه انخفاض فيه انحناء فيه انكفاء ذلك الإنسان أيها الكرام..هذا بجانبه الجسدي ..
في بنيته النفسية يميل إلى موافقة الآخرين .. أي كلمة يقولها الآخر نعم نعم ربما قبل أن يكمل الآخر كلامه .. يحاول أن يُظهر الموافقة يحاول أن يظهر أيضا أن يساير الآخرين في آرائهم لماذا ؟! لأنه عنده هيبة من الداخل من الآخرين .. لا يحمل الطمأنينة الداخلية أيها الكرام ..
ولذلك يوافق الآخرين لأنه إن لم يوافقهم ناقشوه وهو مختلف الذات من الداخل ..
إن هذه النفوس نفوس مرفوضة أيها الكرام ..
إن المتكبر في الأمة أهون خطراً من الضعيف الذليل الخانع أيها الكرام ..
لأن المتكبر مكشوف مكروه من الناس كله معروف عاري .. لكن الضعيف الخانع الذليل قد يلبس علينا دون أن ندري أو يلبس علّ نفسه دون أن يدري ثوب المتواضع ثوب المؤثر أيها الكرام فننخدع بذلك الإنسان دون أن يدري وربما دون أن ندري نحن .. لماذا ؟!
عمر بن الخطاب كان يسير في شوارع المدينة ومعه الدرّة ويضرب بعض الناس من كانوا من يضربهم ؟! كانوا صحابة كانوا تابعين ارفع رأسك ينشد منهم أن يعتزوا بدينهم .. كان يقاوم ذلك أشد المقاومة رضي الله عنه ..
إذن النفوس الخانعة النفوس الذليلة لن تكون مؤهلة أن تعيش مستقرة مع ذاتها ..
لن تكون مؤهلة تلك النفوس أن تنفع بلدها الكريم .. لن تكون مؤهلة أن تخدم أهلها ..
لن تكون مؤهلة أن تخدم هذا الدين .. إن الدين في غنى عن نفس مهترئة إن لم تراجع ذاتها ..
تقوي نفسها بدين الله ابتداءً وبمناهج نفسية مقللة مبرمجة من علاج معرفي وربما سلوكي إن بلغت حد المرض وإن لم تبلغ فهناك مناهج تدريبية معينة تعزز هذا الذات ..
ولعله إن شاء الله ربما أرتب لاحقاً دورة في فن إدارة الذات وبناء الثقة في النفس ..
أقول : تلك النفوس .. النفوس الغير الواثقة تميل إلى الاهتمام بحاجات الآخرين أكثر من حاجاتها
لأنها لا ترى نفسها شيء وترى الآخرين شيئا كبيرا .. تميل كما قلت موافقة ومسايرة وإذعان شديد لماذا ؟ لكي لا تُنتقد تلك النفس وهنا تقع تلك المشكلة في تلك النفس ، الأثر هي النفس الذليلة ..
مقابل ذلك هي : النفس الواثقة .. النفس الواثقة المطمئنة إلى ذاتها .. عندها صفات هي ضد تلك الصفات الموجودة عند تلك النفس .. كيف تكون علامات تلك الثقة في النفس ؟!!
أن يوجد عند ذلك طمأنينة داخلية .. بينما مشاعر ذلك الإنسان بين أحاسيسه وبين سلوكه وبين أفكاره ، لا يحدث التناقض بين هذه الأمور الثلاثة : زاوية التفكير في ذلك المثلث ، زاوية المشاعر وزاوية السلوك ..
إنما فكرة عند الإنسان يقتنع بها .. تتفاعل مشاعره بها ..
فينزل على أرض الواقع سلوكاً يسير به ذلك الإنسان ..
إنها سلسلة متناغمة متناسقة .. أرأيت لو عند إنسان مشاعر طبيعية معينة ثم لم يلبّي تلك المشاعر فإنه سيحجر تلك الفكرة الصحيحة التي كانت في باله .. فلا تنزل سلوكاً منطقيا على أرض الواقع .. والأخطر من ذلك أن تسلك سلوكا مناقضا ..
أرأيت لو إن إنسان ينتقد الآخرين مثلا .. له صديق يظلمه ، يتعدّى عليه ربما يستعير منه حاجاته .. مثلا شاب عنده سيارة جديدة ليس من السيارات الفخمة لكن عنده نفس خانعة نفس ذليلة نفس مهينة ، فطلب صديقه منه هذه السيارة ، يعرف صديقه : سيذهب عشرين ثلاثين مرة ستتأثر سيارته ربما وبيته هناك ليس طريقا معبّداً في الإسفلت وإنما في الصخور والحجارة ..
تتأثر سيارته لكن نفسه الذليلة ما استطاع أن يستطيع أن يعبر عن رفضه لذلك الأخ .. إن هذه النفس ستمنعه من التعبير ثم يأخذ السيارة ويعيدها إليه مهشمة أو متأثرة تأثرا ولو بسيطا ثم ماذا يفعل هذا الشاب الأول ؟!
يغضب عليه ولا يعبر عن الغضب لأنه خانع من الداخل ثم ينقطع عنه ..
إن عدم التعبير عن شعوري الداخلي أدّى إلى قطيعة و ربما قد يكون بين هذين الفردين
انقطعت بسبب عدم تعبيره عن شعوره الداخلي ..
لعل سؤالاً يطرح نفسه في نفوس بعضكم : إذن ترفض الإيثار في أطروحتك !!
أقول : لا ..
إن الإيثار أن تعطي وأنت قادر على المنع ..
إن التواضع أن تتنازل وأنت قادر على قول لا ..
هذا هو المتواضع الحقيقي .. هذا هو المؤثر الحقيقي ..
لكن تعطي وأنت لا تريد العطاء لكنك مغصوب لأن نفسك لن تستطع أن تعبّر عن حاجاتك ..
إنه ليس بالعطاء وإنما هو التقصير ..
****************************
الواثق من نفسه .. المطمئن لها .. هو القادر على التعبير عن أفكاره بوضوح ..
وليس التعبير عن الأفكار بوضوح أن يكون عندنا ضجيج صريخ حينما نعبّر عنها !!
في أطروحتنا في الحقيقة .. في موروثنا الحضاري في الأمة يجب أن نعبّر بضجيج وبصريخ .. وحينما تأتي إلى حياة النبي والصحابة ما كانوا يصرخون حينما يتعاملون .. حتى في خطب الجمعة ما كانوا يهتفون الهتاف والصراخ الشديد في تعاملهم حتى في الخطأ : ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) .. صلى الله عليه وسلم وما كان يغضب ويتمعّر وجه إلا إذا مس حداً من حدود الله ..
أما في أمور الدنيا فإنه ما كان يعبأ بها صلى الله عليه وسلم .. كان يهتم بها لتربية الأمة لكن ما كانت تهزه من ذاته صلى الله عليه وسلم .. ولذلك جاء تعبيره عن أفكاره بوضوح ..
التعبير بوضوح ليس معناه الضجيج كما أخبرتكم من قال أن الوضوح قريناً للضجيج ؟!
إن الوضوح في نظري بالمنهج النبوي وبالمنهج النفسي التابع له قرين باللباقة ، وضوح مع لباقة .. إن الإنسان الهادئ هو الإنسان القوي إن الإنسان الواثق في العادة يكون هادئا ..
انظروا إلى البحار والمحيطات الكبيرة تجدوها راكدة هادئة تلك المحيطات .. مستقرة تلك المحيطات وفي قاعها اللؤلؤ والمرجان ..
وانظروا إلى الأنهار تسير بقوة ومع ذلك هي ضحلة تلك المياه وليس في قيعانها كما هو في
البحار والمحيطات من لؤلؤ ومرجان وأسماك ونعم وخير أيها الكرام ..
إذن ليس الوضوح معناه الضجيج ، معناه الصريخ لا ..
إن الناس يحبون ويستمتعون بالإنسان الهادئ في هذه الحياة ..
أينما التعبير بلباقة مع الوضوح هذا شيء .. الطلب والرفض بأسلوب لبق أعيدها تستوعي كلمة نعم ولا في حياتك أنت أيها الإنسان .. إنها طريقة مهمة في التعامل مع ذاتك أيها الإنسان ..
أن تكون قادراً في التواصل مع الآخرين : أهابه! : أنظر إلى الله فوقه تذكر الله سبحانه وتعالى فيصغر ذلك الإنسان الذي أمامك بقدرة الله سبحانه وتعالى وبمساعدة بعض المناهج العلاجية والسلوكية ..
هناك إشكالية النفس الغير الواثقة في العمل قد يحمّلك نفاقك في العمل عمل ولا تستطيع أن
تقول لا.. حتى يستخدمونك إنساناً لا تُعارض لا تُمانع لماذا ؟ إنسان طيب .. لكن طيب بالتعبير قصدهم باللغة العامية (صحيّح) قادرين على تكييفه ما يقول لا .. والخلاصة والله مشغول والله كذا ويشغلونه الليل والنهار ..
إشكالية دينية أن تتنازل عن بعض المبادئ التي يجب أن تتنازل عنها فلا تقعد معهم بعد الذكرى ، الخانع الذليل لا يستطيع أن يقوم حينما توجد المعاصي ..
إذن النفس المطمئنة .. النفس الواثقة هذه مطلب ديني لك أيها الإنسان ..
مطلب لكي تحقق دين الله على الأرض ..
مطلب لكي تحقق لك السعادة لك أنت أيها الإنسان ..
مطلب لكي هي الطريق المعبّد بإذن الله أو واحد من الطرق المعبّدة إلى الجنة بإذن الله سبحانه وتعالى إن كان معها صحة في المنهج ..
إذن نحتاج إلى نفوس واثقة .. نحتاج إلى هذه النفوس والنبي صلى الله عليه وسلم أشار إليها في مواطن كثيرة : ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام )
يتكلم عن البنية النفسية .. يتكلم عن الشخصية ثم يضيف : ( إذا فقهوا )
قالها صلى الله عليه وسلم ..
وإن أنسى لا أنسى أيها الكرام ثمامة بن هتاف : انظر تلك الشخصية المتزنة .. تلك الشخصية المتوافقة مع حاجاتها مع ذاتها حتى قبل إسلامه رضي الله عنه ..
كلن يسير قريبا من المدينة ربما كان تائها فرآه نفر من الصحابة ما عرفوه .. لكن عرفوا أنه رجل كافر ذلك الرجل فأخذوه وأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ..
فعرفه النبي صلى الله عليه وسلم فربطه في سارية من سواري المسجد ..
كان يمر عليه كل يوم فيسأله : ( يا ثمامة أسلم ) ..
قال يا محمد ( إن تعفُ تعفُ عن شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم ) ..
انظر إلى النفس المتزنة .. لننسى أنه كافر أيها الكرام .. انظر الاتزان في التعبير الداخلي .. لم يصرخ بهدوئه بطمأنينة بثقته في نفسه من الداخل : ( إن تعفُ تعفُ عن شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم) ..
فيتركه النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعود إليه في اليوم الثاني فيسأله فيجيب ثمامة بنفس الجواب ..
ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم باليوم الثالث فيسأله ذات السؤال فيجيبه ثمامة ذات الجواب ..
ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق سراحه .. فخرج إلى أقرب بئر من المدينة فاغتسل ثم دخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ..
لم يشهدها بقوة إيمانه لأنه بالكاد الآن قد أسلم .. إن الثقة التي كان يتعامل بها مع النبي عليه الصلاة والسلام بتلك النفس هي ذات النفس التي أخرجته إلى البئر وعادت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاهداً أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ..
بنفس النفس واسمحوا لي على الجرأة التي دخل بها أول رجل يدخل مكة ملبيا ( لبيك اللهم لبيك ) لأنه تربّى أياما قليلة عند النبي عليه الصلاة والسلام .. ما كان الإيمان وحده كافياً إنما كانت تلك النفس القوية ثم غُلّفت بغلاف الإيمان العظيم .. فاجتمعت نفس مع إيمان .. ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا )
إن النفوس المطمئنة .. النفوس السوية .. النفوس ذات الشخصية الحقيقية المنهجية هي مطلب ..
إذا كان عندنا يجب أن ننميها .. ليست عندي يجب أن أوجدها في ذاتي ..
أن أبحث عن طريقة أن أستمتع ..
ما بال بعض الناس يعيش نكداً مع نفسه .. مع زوجته مع بنيه أيها الكرام ؟!! ..
لأن نفسه غير مستقرة .. ليس بالضرورة مريضا نفسيا ذلك الإنسان أيها الكرام .. إنما ما عاش استقرارا داخليا مع ذاته .. ما نظر ما هي القيم التي يحبها التي يكرهها وتعامل معها !
ما حاول ربما أن يفهم حقيقة أطروحة هذا الدين ..
ربما بعضهم يشعر أن هذا الدين ثقيلا عليه !
افهم هذا الدين .. استقرِ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ..
ولذلك أنا أتمنى لو في التربية نركز على قراءة السير في تربيتنا لأبنائنا وأجيالنا ..
ونركز على حب النبي صلى الله عليه وسلم ..
إن العلاقة في هذا النبي بهذا الدين بهذا النبي الكريم بهذا الدين الكريم يجب أن تكون انفعالية فيها قناعة معرفية بهذا الدين .. ما الذي ثبّت عبد الله بن حذافة رضي الله عنه حينما أتوا به عند هرقل الروم !!
نستمع إلى هذه القصة في التاريخ :
انظر عبد الله بن حذافة .. انظر إليه إنه عظيم .. أين عظمة عبد الله بن حذافة ؟!
أتوا بامرأة جميلة فما افتتن بها .. من الطبيعي أيها الكرام أن لا يُفتتن وهو تحت حد السيف والقدر يغلي من أمامه .. من الطبيعي ألا يكون عنده نشاط جنسي في تلك اللحظة ..
ما افتتن أن أولئك الكفار عرضوا أن يكون عندهم .. يعرف أن النصرة للمسلمين .. حاولوا به ثم استمرت القضية تلو القضية يحاولون ويرفض ! ..
ثم أخيراً أرادوا أن يلقوا به في القدر .. وحينما أخذوه - ولم أسرد القصة كلها - وإنما شاهدي هو أن أرادوا أن يلقوا فيه القدر .. بكى عبد الله !! بكى عبد الله ابن حذافة ..
فرح هرقل والروم بكى عبد الله أوتوا به إلي .. تحطّم ذلك الجبل الكريم ..
تعال يا عبد الله ( ما يبكيك يا عبد الله ؟ ) بمعنى أغيّرت رأيك يا عبد الله ؟!
قال : لكم تمنيت- ما يقولها بالضجيج والصراخ – بهدوئه – ثانية أقول أقرأ نظرة أحرف التاريخ بها لأنفس أولئك المستقرين نفسيا أن فهموا منهج الدين وعبّروا عن ذواتهم غاية التعبير ..
( لكم تمنيت أن كان لو كان لي بكل شعرة في جسدي نفسا تموت في سبيل الله يا هرقل ، أينفعكم مثلي هذا عقاب ؟!! )
ثم انتهت القصة بالتقبيل التي تعرفونها ثم عمر بن الخطاب قبّل رأسه وقال :
حق على كل مسلم أن يقبل رأسه ..
إذن أيها الكرام نحن بحاجة أن نعود إلى ذواتنا .. أن نطمئن إلى هذه الذات ..
لكل ذات بنية نفسية خاصة أيها الكرام ..
سؤال أداعب به طلابي في كلية الطب : أيهم أقوى في الحق أبو بكر أو عمر ؟
عمر يا دكتور يقولونه الطلاب ..
أقول : أين عمر في حروب الردة ؟!
أين عمر حينما مات النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
اهتز تأثر عمر .. أكان ضعيف الشخصية حاشا وكلا .. ولكني أقارن بأبي بكر ، كان في بنيته الشخصية الهدوء .. أنظر إليه في الجاهلية وفي الإسلام البنية الشخصية الطبيعة أعني بها هي الهدوء .. عمر شخصيته قبل الإسلام التي هي الشدة هي التي بعد الإسلام لكن وجهها للحق ..
إذن نحتاج أن نفهم ذواتنا وأن نقوّم فيها ما نستطيع التقويم .. وحتى النبي صلى الله عليه وسلم علم من ذلك في نفس عمر فوجهها التوجيه المبارك
لكي تنفس هذه القوة في الحق في مواطنها الطبيعية ..
إذن نحتاج ثانية أن نركز على ذلك لماذا ؟
لأن ذلك يمنعنا من الوقوع في النفاق .. المجاملة ما سمّوها إنما هو نفاق فيما يتعلق في أمور الدين .. وأيضا من فوائد ذلك أن أجد راحة في نفسي أيها الإنسان..استقامتي ..علاقتي مع ربي ..
بعض الناس الذي لا يعيش ثقة مع نفسه دائما إذا سجد أو ذهب إلى العمرة أو الحج : اللهم حسن علاقتي مع زميلي فلان اللهم حسن علاقتي مع زوجتي اللهم كذا ...
لا بأس بالدعاء أيها الكرام لكن ما سبب اضطراب علاقته ذلك الإنسان ؟!
لأن علاقته مع نفسه مضطربة .. لو هدأت هذه النفس لنشرت الهدوء في أغلب الأحوال ليس بالضرورة في كلها على نفسه على من حوله من زوجه من أبنائه من زملائه في العمل ..
من فوائد استقرار النفس : راحة داخلية..لا متكبر متغطرس ولا ذليل خانع ذلك الإنسان فيستقر ..
قتل للمشاعر السلبية المرضية في نفسي أنا أيها الإنسان حينما أستقر ..
أيضا وقاية من الأمراض النفسية .. إن الذين عندهم استعداد للإصابة بالأمراض النفسية حينما لا يستقروا مع ذواتهم قد تكون فترة من الإدراك التي تفجّر ذلك الاستعداد الجيني أو الوراثي لدى ذلك الفرد للإصابة بالأمراض النفسية ..
نصل إلى العلاج .. كيف أنمي الثقة في نفسي ؟!
كيف أنمي هذه الثقة .. كيف أجعل أيها الكرام هذه الثقة جيدة في نفسي ؟!
ابتداءً الصراحة : أن تتفق في جلسة صريحة مع ذاتك .. أن تكون صريحاً مع ذاتك أيها الكريم
صراحة مباشِرة ، لا تكون مجاملا لأنك لست أمام غريب .. أمام هذه النفس التي تريد تقويمها ..
إنما يكون هو الحوار الصريح ..
تحديد السلبيات : خطوة أساسية .. تحديد الإيجابيات .. ثم دعم هذه الإيجابيات ثم الذهاب إلى السلبيات وجعلها في قائمة متدرجة .. وأبدأ بعلاج الأهون منها فالأشد فالأكثر شدة ..
هذه طريقة تدرجي في التعامل مع عيوبي لماذا ؟! لأني إذا بدأت بالأقل فإني احتمال النجاح والانتصار على ذلك العيب هو أكبر ثم يأتي مردود نفسي وهذه نظريات من نظريات علم النفس
تقوّي ذاتي من الداخل فأنطلق وهكذا يكون العلاج السلوكي في علاج الإنسان لذاته ..
الجمع بين اللباقة والوضوح .. ليس معنى الوضوح عدم قدرتك على التعبير عن فلان أو ضد فلان حينما يكلمك أو يخطئ عليك ما لم تقم وتشتمه لا :
والله يا أخي الكريم بارك الله فيك أنا أعتقد وأرى رأياً آخر أننا لو فعلنا كذا وكذا ..
أنت عبّرت عن رأيك بأسلوب ممتاز بأسلوب جيد فيه ذكر الله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
فانتشرت السكينة في ذلك اللقاء وفي ذلك الحوار ..
ما تستطيع أن تتواصل بصرياً معه يجب أيضا أن تدرّب جسدك أن تدرب أيضاً عينيك أن تدرب أيضا نبرة صوتك ربما تحتاج إلى مراكز تدريب المهارات لا بأس في ذلك .. استخدام بعض العبارات ترددها على نفسك : أنا جرئ أنا واثق أنا كذا أنا من سلالة النبي ..
في الأطروحات الغربية هناك الكلمات : أنا جرئ أنا قوي أنا واثق لكن لا أرى النفس أن تُطرح لوحدها .. إنما الروح تُمزج معها فتأتي القوة : أنا قوي أنا عزيز بالله أنا واثق بنفسي أنا أحب النبي أنا على طريقة النبي أنا قادر على التعامل مع الآخرين ..
أنظر حينما نجعل النفس تتناقض مع الروح بإذن الله سبحانه وتعالى .. هذه الروح تنشر الهدوء على النفس ..
فإننا إذا تعاملنا بطريقة نفسية بحتة فتكون ناشفة من الداخل طريقة تقليدية لا تكفي لأن العلاج يجب أن يقوم أيها الكرام على طبيعة المجتمع ولا يقوم على طبيعة المجتمعات الأخرى .. ما دام عندنا مقوّمات معينة نوظفها في أساليب العلاج ..
من الأساليب أيضا أيها الكرام أن نقتنع ـ وأعيدها ثانية ـ أن اللباقة والوضوح مفهومان متكاملان لا متضادان .. فنركز على هذه الحقيقة وأعدتها لأهميتها أيها الكرام ..
من الوسائل عدم الانشغال بالطرف الآخر.. لا أنشغل بالطرف الآخر: ماذا يقول الناس عني؟ لاأجعل مركز تحكمي خارجي ماذا يقول الناس ؟! ما رأي فلان ؟! ..
لا بأس أن الاهتمام بعرف الناس أمر حسن لكن الاهتمام بأوامر الله بأوامر النبي بحاجاتي النفسية المباحة والشرعية هو أولى من الاهتمام بحاجات الناس الطبيعية وليست المفروضة أو العرف الشيء الواضح عند الناس ..
من الأساليب أيها الكرام أيضا أن تستوي وأشرنا لها ابتداءً عند كلا ونعم .. وإذا قلت لا تقولها بصريخ وضجيج .. فقل : والله ربما لي رأي آخر أيها الكريم .. إنها لغة من الأدب ليس الخنوع وإن اضطررت فقل : لا يا أخي أنا ما أرى هذا الرأي ..
حسب المتلقي الآخر تقول هذه الكلمة ..
حتى في العلاقة الزوجية كثيرا من المشكلات الزوجية ، بعض النساء لا تهندس علاقتها مع زوجها وبعض الرجال لا يهندس هذه العلاقة ..
يأتي الزوج مثلا متأخر ماذا تقول له هذه الزوجة تقول : والله تأخر علينا في البيت وهو يشتغل في عمله مثلا : أبتأخر ونص وأنتِ ما ينفعلك هذا الشيء ثم يخرج من بيته ! .. طيب ممكن تقولها بطريقة أخرى : والله تتعب نفسك في العمل تتأخر كثير الله يعينك ..
والله يعينكم أنتم علي ، أنا والله اللي تعّبتكم بهذا التأخر ، إذن أدّبته وعادته إلى البيت ..
إنما اللباقة الموزونة هو استخدام العبارة .. ليس خنوعاً أيها الكريم بهذه الكلمة إنما
هو المنطقية وهو التعادل ..
النبي صلى الله عليه وسلم حينما رآه رجلان من الأنصار وكان يسير مع زوجته صفية ( على رسلكما إنها صفية ) .. ما كان في حاجة إليهم ..
أستشهد في هذا الجزء أو هذا الجانب من الموقف ما كان بحاجة وإنما من فقه التعامل من فقه إدراك النفوس أرادها النبي صلى الله عليه وسلم ..
حينما قال " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " ويعّرض في الناس ثم يواجه حاطب بن بلتعة .. ثم ماذا فعل مع زوج خولة بنت حكيم حينما جاءت في الظهار ..
إذن تختلف النفوس .. تختلف طرق التعامل فنسايس أنفسنا ومن حولنا لما هو مناسب ..
لن تستطيع المُسايسة إن لم تبني نفساً واثقة ..
لن تستطيع التعامل الجيد إن لم تبني نفسا مطمئنة .. تستقر مع ذاتها ..
أن رفضي لأمر ما أيها الكرام ليس رفضي للإنسان الآخر .. وأن رفض الآخرين لكلامي ليس رفضا لذاتي أنا وإنما للموضوع الذي تحدثت فيه ..
يجب أن نفصل بين ذاتي وبين ما قلت .. قلت كلام فقام أحد الفضلاء : أنت مخطئ ، يجب علي ألا أتأثر، ما هو الصواب جزاك الله خير ، أنقله إلى ماذا ؟! إلى الموضوع محط الحوار ، أبعده عن ذاتي
وكذلك حينما أخاطب الآخرين قد أختلف مع هذا الرأي بعض الشيء : في الرأي بارك الله فيك جزاك الله خير على هذا الرأي لكن في الرأي أعتقد لو فعلنا كذا وكذا .. في الرأي في الرأي أعديها لكي أخرج الحديث من الشخصية إلى الموضوعية محط الحوار وهو الأمر المهم أيها الكرام ..
أن حب الذات ليس النرجسية ..
حينما تهتم ببناء ذاتك أيها الكريم .. حينما تلتفت إلى بنائها لست نرجسياً يحب الذات يهتم بها لا يهتم بالآخرين ..
إن أول خطوة في اهتمامك بأبنائك وزوجتك أن تهتم باستقرار ذاتك .. إذا استقررت فإنهم سيستقرون .. ما بال نساء كثيرات وأبناء كثيرين يتصلون يستشيرون في الأمور ..
نفس أبٍ غير مستقر أو أولاد يتصلون نفس أمٍ غير مستقرة .. لو استقرت لهدأ أولئك الأبناء أو أولئك الأمهات أيها الكرام ..
إذن نحتاج أن نكون متنوّرين واعين لحاجات ذواتنا .. وألا نكون أميين في التعامل مع الذات ..
ألا نعيش خلف شهادات خلف دالٍ تسبق كلمة الإنسان ، خلف ميمٍ إن صحت العبارة تسبق المهندس أو ألف تبسق أستاذ أو (بشت) يحميني من الناس أنا أيها طالب علم ..
يجب أن يحميني ربي ابتداءً وتحميني نفس مطمئنة أسير بين الناس وكأن الدنيا هادئة هذه .. لا ننتفخ بشهاداتنا لا ننتفخ بما حققناه لا .. الانتفاخ والاعتزاز بالله .. اتجهوا هذا الاتجاه فتطمئن نفوسنا ..
أنا أدعوكم أن تستقروا مع أنفسكم حينما تمروا بمرحلة السن الكبير .. إن الوحدة التي تأتي إليك في السن الكبير لن يحميك إلا أمران بعد توفيق الله :
إيمان حقيقي منهجي بالله ، ونفس مطمئنة هادئة ..
هذه النفس الهادئة المتوافقة مع حاجاتها ..
ما بال بعض كبار السن مضطرب قلق ذلك الإنسان وبعضهم هادئ بسيط .. أهذا بسيط !
ليس بالبسيط وإنما متوافق مع حاجاته الداخلية ..
ليس التوافق مع الحاجات الداخلية أفعل ما أردته من المعاصي بل أقوّم الذات وأروّضها ترويضاً كما فعل أبو حفص في ترويض نفسه أن روضها لله سبحانه وتعالى وأطر هذه النفس أطراً لله سبحانه وتعالى وجعل هذا القوة فقط بالحق حينما يخطئ بعض الناس في بعض ممرساتهم ..
أن تعرف ماذا تريد ؟! .. وأن تنسّق ما تريد مع ما تستطيع ..
الآن يجب أن نحدد ماذا تريد : أريد كذا وكذا ..
أسأل نفسي هل أستطيعه ؟!
إذا لم تستطع شي فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيعُ
إذن أكن لا أستطيع لا أفعله لأنه سيأتي الفشل فتنخدش نفسي من الداخل .. أذهب إلى ما أستطيعه وأمارسه وأحمد الله على ما وفقني إليه وما أعطانيه وهذا قدر من الله ..
إن معنى الإيمان بالقضاء والقدر في الأمة أظنه يحتاج مراجعة منا عند علمائنا أيها الكرام ..
أن نسائلهم ثانية عن معناه الحقيقي قدموه لنا لكن نفوسنا ما شربته تماماً ،
إن معنى الاحتساب الحقيقي ـ ورددتها كثيراً ـ يجب أن نراجعه في أطروحتنا .. ليس الإيمان بالقضاء والقدر حينما تصاب أيها الإنسان : قدر الله وما صار ماذا نفعل وهذه الدنيا وكذا .. إنه مرض إنه خور ليس هذا قبول القضاء والقدر ..
ثم إذا أتاه القدر : الحمد الله ما قدر الله إلا الخير وكذا ، هو فرح بنفسه ليس فرح بالخير من الله وحينما كان المصاب هو ناقم على الله لكن لا يعبّر بألفاظه
لكن عينيه لكن نفسه تنطق تلك النقمة ..
إذن يجب أيها الكريم أن يستوي في حسّك الخير والشر من الله سبحانه وتعالى ( أمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر ) والأحاديث في ذلك كثيرة ..
يأتي الابتلاء فيعرف أنه ابتلاء .. إذن نحتاج إلى برمجة في مناهجنا التربوية .. أن نربي شبابنا على المعاني ، على القيم الموجودة في نصوص الكتاب والسنة ..
أنا لا يهمني كثيراً شاب لا يصلي ركعتين بعد المغرب لا يحافظ على السنن الرواتب وهو لا يحب النبي .. لو اخترنا واحدة من الاثنتين لاشك أن فعل الاثنتين هو الأفضل لا شك أن نربي على الاثنتين لكن شابا لا يحب النبي لا يشعر بحب النبي صلى الله عليه وسلم لا يشعر بعظمة الله :
تخيّرني بين من يتربى على حب النبي وعلى عظمة الله أو يصلي ركعتي السنن الرواتب ؟!
أقول هذه لكن لا شك أن الجمع هو الأولى ..
عبد الله بن عمر بن الخطاب سمع أن رجلاً هو من أهل الجنة قالها النبي صلى الله عليه وسلم .. فذهب إليه يسأل عن ذلك الرجل فاستضافه فجلس عنده وقال إني اختلفت مع عمر أو بيني وبين عمر كما قال خلاف فاستضافه ثلاثة أيام ما رأى عنده زيادة عمل !
فقال له ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، بمعنى قوله : ما عندك من الأعمال ما جعل النبي يصفك بأنك من أهل الجنة ! نريد أن نفعل فعلك !
قال : ( لا أنام وفي قلبي على أحد من الناس شيء )
كيف استطاع ذلك الصحابي ؟! : حينما اطمأنت نفسه .. فأشرق في الطمأنينة على من حوله من الناس أيها الكرام .. من هنا نستطيع أن نحقق الطمأنينة .. لا نتجه إلى التربية السلوكية مع أبنائنا ربما الطفل قبل المراهقة تسير معها التربية السلوكية يحفظ القرآن وكذا كذا .. نعم يجب أن نشد فيه في تلك الفترة لأنه متلقي مثل المسجل يكون عنده مخزون ..
لكن عند ما يقارب على نهاية الطفولة ودخول المراهقة يجب أن أتجه إلى المعاني لأنه يبدأ بفهم المعاني الرمزية ..
إشكاليتنا بعض الفضلاء يتصلون : ولدي تعبني يا طارق !
لماذا ؟ والله يا أخي ما يسمع الكلام !
نعامله كما هو الطفل ! أقول إحفظ القرآن ما يحفظ أقوله كذا وكذا ،
طيب أعلمته معاني الآيات ؟!
يا أخي كلنا ما تعلمنا دون معانيه يا أخي ذلك الوقت ما فيه دش ما فيه كذا وكذا ، لو تريد الفساد ما لقيت الفساد يا أخي الكريم ..
علمّه معاني الأشياء ، لما بعض الناس حينما يخرج عن الحدود يمنة أو يسرة وربما يكون فيه شي من الخير والفضل قد يمارس بعض الأخطاء ؟!!
.. ما استقرت نفسه ما استقرت في علاقتها مع الله ..
ما استقرت في فهم حقيقة هذا الدين ..
ما استقرت في حقيقة معنى الإحسان " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
أعتقد أني أطلت أعتذر على الإطالة وأسأل الله سبحانه وتعالى الذي جمعنا في هذا المكان المبارك أن يمنّ علينا بإجتماع آخر إخواناً على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...........
ــــــــــــــــــــــــــــ
شريط ( نحو نفس مطئنة واثقة )
د. طارق بن علي الحبيب
حررت بواسطة : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إ ذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
رواه مسلم وأبو داود
تعليق