إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مهم : حجية السنة ومنزلتها من القرآن / للدكتور محمد إسماعيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مهم : حجية السنة ومنزلتها من القرآن / للدكتور محمد إسماعيل

    حجية السنة ومنزلتها من القرآن

    لقد أنزل الله عز وجل على نبيه القرآن، وجعله معجزاً في البلاغة والفصاحة والحجة والبرهان، وأنزل على نبيه وحياً مرادفاً لوحي القرآن، وهو السنة المطهرة التي خرجت من لسان من لا ينطق عن الهوى، فجاءت السنة مبيِّنة لمجمله، ومفصِّلة لمحكمه، ومقيِّدة لمطلقه، ومخصصِّة لعمومه، وناسخة لبعض أحكامه، وبعضها جاء بإثبات حكم مستقل، وهناك توجد دعوات ضالة تدعو إلى ترك السنة وعدم الاحتجاج بها، وقد رد عليها العلماء، وبينوا ضلالها.
    وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فقد انتهينا في تفسير سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]، وقال الله عز وجل أيضاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]. وقوله: (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) فيه إشارة إلى أن طاعة أولي الأمر مقيدة بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليست طاعة مستقلة، وفي ذلك أيضاً إثبات لحجية السنة النبوية كمصدر مهم من مصادر التشريع. فهذه الآية تصلح عنواناً لمبحث مهم نحتاجه بين الفينة والفينة، وهو إثبات حجية سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه، وجعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعبر عن كتاب الله الدال على معانيه، شاهده في ذلك أصحابه الذين ارتضاهم الله لنبيه، واصطفاهم له، ونقلوا ذلك عنه، فكانوا هم أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما أراد الله من كتابه بمشاهدتهم، وما قصد له الكتاب، فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. انتهى كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى. وقال جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما في أثناء حكايته لحجة الوداع: فنظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به.......
    الأدلة القرآنية على حجية السنة النبوية
    حجية السنة النبوية ضرورة دينية، ولاشك أن هذا أمر كان ومن في قلبه ذرة من إيمان في غنى عن بيان أدلته؛ لكن لا بأس أن نبين هذه الأدلة، لقطع شبه الملاحدة, ودابر الزنادقة الذين يريدون الكيد بالإسلام، والعبث بعقول الدعاة من المسلمين وراء ستار البحث عن الحقيقة، أو الحرية الفكرية المزعومة التي تجاوزت حدها وطغت في هذا العصر. ......
    عصمة النبي صلى الله عليه وسلم
    فمن أول أدلة حجية السنة: عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقد انعقد الإجماع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء معصومون عن أي شيء يخل بالتبليغ، ككتمان الرسالة، والكذب في دعواها، والجهل بأي حكم نزل عليهم أو الشك فيه، والتقصير في تبليغه. وهم كذلك معصومون من أن يتصور الشيطان لهم في صورة الملك، ومعصومون من أن يلبس عليهم في الرسالة، ومعصومون من أن يتسلط على خواطرهم بالوساوس، ومعصومون من تعمد الكذب في أي خبر أخبروا به عن الله تبارك وتعالى، وتعمد بيان أي حكم شرعي على خلاف ما أنزل الله عليهم، سواء كان ذلك البيان بالقول أم بالفعل، والمعجزات التي أظهرها الله سبحانه وتعالى على أيدي الأنبياء عليهم السلام تقوم مقام قوله تعالى: صدق رسلي في كل ما يبلغونه عني؛ لأن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يخاطب كل واحد من بني آدم خطاباً مباشراً، ويقول له: إن محمداً عليه الصلاة والسلام رسولي، فاتبعه وآمن بما جاء به. لكن هذا -مع عدم إمكان وقوعه في الدنيا لأحد- فإنه يقتضي أن يصبح الإيمان عن طريق الإجبار والإكراه، لكن الله سبحانه وتعالى بعث رسله وأيدهم بالمعجزات، وهذه المعجزات تقوم مقام قول الله سبحانه وتعالى للبشر: صدق رسولي فيما يبلغه عني، فآمنوا به واتبعوه. فالله سبحانه وتعالى أيدهم بالمعجزات التي لا يمكن أن تكون لأحد من البشر ولا تجري إلا على يد من أيده الله سبحانه وتعالى بها وخرق العادة على يده. فإذا جاز على الأنبياء أي شيء مما يخل بالتبليغ، إذاً لأدى ذلك إلى إبطال دلالة المعجزات على النبوة، وهذا مخالف، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67]، وقال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:44-47]. ثم بعد هذا شهد الله له عليه الصلاة والسلام بالبلاغ والصدق، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52] إلى آخر الآيات. وقال تبارك وتعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:1-3]. فهو معصوم من أن ينطق بالهوى على الإطلاق، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، فلذلك إذا استعملت قوله: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3] فهذا أبلغ من أن يقال: (وما ينطق بالهوى)؛ لأن استعمال حرف (عن) فيه تنبيه على مصدر كلامه صلى الله عليه وآله وسلم. أما في آخر حياته عليه الصلاة والسلام فقد أوحى الله إليه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولم أترك شيئاً مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه) . وأيضاً: الرسل معصومون من السهو والغلط في هذا التبليغ على الصحيح، والذين جوزوا مثل ذلك أجمعوا على حصول التنبيه فوراً من الله سبحانه وتعالى، وعدم التقرير عليه، هذا كله يستلزم أن أي خبر أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، وأقره الله عليه، صادق قطعاً ومطابق لما عند الله سبحانه وتعالى من الحكم فيجب التمسك به بالإجماع. فبهذا تثبت حجية قول النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن إن هذا كلام الله؛ لأنه معصوم كما ذكرنا، وتثبت أيضاً حجية قول النبي عليه الصلاة والسلام في الأحاديث القدسية، قال الله.. أو قال رب العزة كذا وكذا.. لأنه معصوم من السهو والخطأ في التبليغ، ومن أن يوسوس له الشيطان أو أن يلبس عليه، ومن أن يكذب على الله، ومن أن يقصر في التبليغ، فهو معصوم من كل هذه الأشياء لسبب، وهو: أن أقواله وأفعاله حجة صلى الله عليه وآله وسلم. وبهذه العصمة تثبت حجية قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)، لأنه خبر معصوم فيكون حجة دالة على أن الوحي قسمان: كتاب، وغير كتاب، الكتاب: هو المعجز المتعبد بتلاوته وهو القرآن الكريم، وغير الكتاب ما ليس كذلك، وهو قسمان: الحديث القدسي، والحديث النبوي. فإذا كان كل ذلك من عند الله كان الكل حجة قائمة على الخلق إلى يوم الدين. وبعصمته صلى الله عليه وسلم عن الكذب في التبليغ تثبت حجية قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) ، وقوله مثلاً: (بني الإسلام على خمس) ، وقوله: (ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله)، وقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني منا سككم) ، وقوله: (فعليكم بسنتي)، وبهذا تثبت حجية جميع أنواع السنة من قول أو فعل أو تقرير، قال عليه الصلاة والسلام: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنتي). فهذا الخبر صادر عن معصوم من الكذب، ومن الخطأ في التبليغ، فهذا يدل على أنه لا يمكن أن يكون الضلال في التمسك بالسنة، وإنما الضلال في تركها، والعمل بما يخالفها، فلا يمكن أن يأمن الإنسان من الضلال إلا إذا أخذ بالقرآن والسنة معاً. أما الضالون المبتدعون ممن يسمون أنفسهم بالقرآنيين، فهؤلاء غير معصومين من الضلال؛ لأن الأمان من الضلال معلق على أمرين، لا على أمر واحد، وهما: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي).
    تقرير الله للصحابة على استمساكهم بالسنة
    أما الدليل الثاني فهو: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم تمسكوا بالسنة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو عصر الوحي، وقد أقرهم الله عز وجل على ذلك. فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يحث أمته على التمسك بسنته، ويحذرهم من مخالفتها، وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يمتثلون أمره في ذلك، ويقتدون به، ويتبعونه في جميع أقواله وأفعاله، وتقريراته، ويعتبرون أن كل ما يصدر منه فهو حجة يلزمهم اتباعها. وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم أفضل من كل من أتى بعدهم من العلماء والأئمة والمجتهدين، وكانوا أقدر على الاجتهاد واستنباط الأحكام من الكتاب، ومع ذلك فكانوا لا يستقلون بالفهم منه فيما ينزل بهم من الحوادث، بل كانوا يرجعون إليه صلى الله عليه وسلم في كل ما يطرأ من أحوال. حتى إنهم إذا اجتهدوا في حال غيابه عنهم صلى الله عليه وآله وسلم سألوه عند حضوره، فإن أقرهم وإلا رجعوا عن اجتهادهم. فحث النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على اتباع السنة، وتحذيرهم من مخالفتها، ثم اتباع الصحابة للسنة، وتمسكهم بها، واحتجاجهم بها دليل على حجيتها، وهذا السلوك في حد ذاته قد أقرهم الله عليه، ولم يبين أنهم أخطئوا فيه، مع أن الزمان كان زمان وحي، ولو كانوا مخطئين في ذلك لما أقرهم الله سبحانه وتعالى عليه؛ لأن تقرير الله عز وجل في زمان الوحي حجة بمثابة الوحي المنزل نفسه، وهذا كله مضاف إلى أنه تبارك وتعالى كان يأمرهم باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته، ويحذرهم من عصيانه ومخالفته. إذاً: الدليل الأول: العصمة، الدليل الثاني: تقرير الله عز وجل للصحابة رضي الله تعالى عنهم في استمساكهم بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    آيات القرآن الدالة على وجوب اتباع النبي والرضا بحكمه
    الدليل الثالث: القرآن الكريم نفسه: فقد شحن القرآن العظيم بمئات الآيات والكلمات التي تدل مجتمعة دلالة قاطعة على حجية سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه الآيات يمكن أن نقسمها إلى مجموعات متوائمة ومتوافقة، المجموعة الأولى: آيات تدل على وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، والرضا بحكمه، كقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62]. يقول ابن القيم : فإذا جعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا باستئذانه، فأولى أن يكون من لوازمه ألا يذهبوا إلى قول ولا إلى مذهب علمي إلا بعد استئذانه، وإذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه صلى الله عليه وسلم. وقال تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، فالمؤمن لا خيار له في أمر الله عز وجل وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال تبارك وتعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] لأنه لا يمكن أن ينقاد في الظاهر وقلبه غير مطمئن، فالإيمان لا يثبت إلا باجتماع هذه الأمور كلها. وعن عروة قال: خاصم الزبير رجلاً من الأنصار في شراج الحرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال الأنصاري : يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه عليه الصلاة والسلام، ثم قال: اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر) واستوعب النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في الماء حين أحفظه الأنصاري، وكان قد أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة قال الزبير : فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]. وهذا الحديث أخرجه الجماعة. إذا تأملنا وجه الدلالة في هذا الحديث فالكلام هنا متعلق بهذه الحادثة التي هي سبب النزول، فهذا الحكم الذي حكم به النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجد في آية من القرآن؛ ولكن أتت الآية في القرآن الكريم لتقر هذا الحكم، وتنفي الإيمان عمن لم يمتثل ويرضى به ظاهراً وباطناً. ولهذا قال الشافعي : وهذا القضاء سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا حكم منسوخ في القرآن، وليس حتماً في القرآن، ومع ذلك القرآن أتى يحرض على الانقياد له، ودل على أن السنة حجة. وقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1] وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ [النساء:60-61]، يعني: إلى سنته، رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61]. إذاً: هذه جملة من الآيات تدل على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والرضا بحكمه.
    الآيات الدالة على أن السنة تبين القرآن وتشرحه
    المجموعة الثانية: آيات تدل على أن السنة تبين الكتاب وتشرحه شرحاً معتبراً عند الله، مطابقاً لما حكم الله به على العباد، كما قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44]. هنا تنزيلان: ((َأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ )) المبين وهو السنة ((لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)) من القرآن؛ لأن السنة تبين القرآن. والسنة منزلة كما أن القرآن منزل بنص هذه الآية: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44]. وقال تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2]. والحكمة إذا أتت في سياق الامتنان على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهي سنته بإجماع السلف، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى كما في هذه الآية. وتدل الآية على أن الأمان من الضلال يكون باتباع القرآن (الكتاب)، واتباع الحكمة التي هي السنة. وقال تبارك وتعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة:231] فكلاهما منزل. وقال تعالى: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء:113]، فالواو هنا تقتضي المغايرة، فالكتاب غير الحكمة. وقال تبارك وتعالى مخاطباً أمهات المؤمنين: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34]، فعطف الله الحكمة على الكتاب، والعطف بالواو يقتضي المغايرة. والحكمة لا يصح أن تكون شيئاً آخر غير السنة؛ لأن الله تعالى امتن علينا بتعليمها، والمن لا يكون إلا بما هو صواب، وحق مطابق لما عنده، فتكون الحكمة واجبة الاتباع كالكتاب، خصوصاً وأن الله قد قرنها به، وهو لم يوجب علينا كسائر كتبه إلا اتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا المعنى أفاده الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في الرسالة.

    الآيات التي توجب طاعة الرسول مطلقاً
    هناك جملة ثالثة من الآيات الكريمات تدل على وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة، وتبين أن طاعة رسول الله هي طاعة الله عز وجل. كما قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، وقال: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:32]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20]، وقال عز وجل: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [المائدة:92]، وقال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]. قال ميمون بن مهران : الرد إلى الله في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] هو الرجوع إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم. من الآيات التي تدل بمجموعها على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة قوله: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92]، إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته. وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80] وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]. وقال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115].
    الآيات الدالة على وجوب اتباع النبي مطلقاً والتأسي به
    المجموعة الرابعة: آيات تدل على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً، والتأسي به كقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]. وقد كلفه الله سبحانه وتعالى باتباع ما أوحي إليه، سواء كان وحياً متلواً وهو القرآن أو غيره مكتوباً، وهو السنة، وأمره بتبليغ جميع ما أنزل إليه قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [الأحزاب:1-2]. وقال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] إلى آخر الآية.. ثم مدح هديه فقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، وقال: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]، وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المؤمنون:73] وقال: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النمل:79] وقال: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزخرف:43]. وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46].
    الأحاديث الدالة على حجية السنة
    الدليل الرابع على حجية السنة: السنة الشريفة نفسها. فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن أن الله تعالى لم يحرم شيئاً إلا ما في القرآن، ألا وإني والله قد أمرت، ووعظت، ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر، وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم) رواه أبو داود . وهذا رد على المكذبين بالسنة والطاعنين فيها، وقد وصفوا بالاتكاء الذي يدل على الاسترخاء والتواني، وعدم الكد والكدح والسهر في طلب العلم، فيكون أحدهم متكئاً على أريكته ويهاجم السنة وهو شبعان، بخلاف المجاهدين من المحدثين والعلماء الذين جابوا الأقطار، وسافروا إلى الأمصار، وضحوا بكل شيء في سبيل خدمة سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله) متفق عليه. وعنه أيضاً رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) رواه البخاري . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) رواه ابن حبان في صحيحه. والشرة الهمة والنشاط. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض) رواه الحاكم وصححه. ولما تردد عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في كتابة الأحاديث ليحفظها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق، وأشار بيده إلى فمه)، فلا يخرج من فم النبي عليه السلام كلام إلا وهو حق. أيضاً حديث العرباض بن سارية : (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) .. إلى آخر الحديث. من ذلك أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر باتباع حديثه وحفظه وتبليغه إلى من لم يسمعه من الموجودين في عصرنا، بل وعد من يقوم على ذلك بالأجر العظيم، ولا شك أن هذا يستلزم حجية هذا الكلام، لأنه يدل على اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بما يقوله من السنن والأحكام، وحثه على حفظها وتبليغها، فما قيمة ذلك إذا لم تكن السنة حجة؟! وقال عليه الصلاة والسلام: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد؛ فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار). وقال عليه الصلاة والسلام: (نضر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه) . هذا الحديث واضح الدلالة على حجية السنة، فهو يدعو بنضارة الوجه لمن يحفظ الحديث، ويحافظ على لفظه، ثم ينقله إلى من بعده، فيبلغه وينشره للناس، ثم علل ذلك بقوله: (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)، واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم لفظة: (فقه)؛ لأن الفقه هو الفهم الدقيق الذي يعين على استنباط الأحكام من اللفظ، فلولا أن السنة دليل شرعي، وحجة شرعية لما اشترط فيمن يحمله أن يكون فقيهاً؛ لأن بعض الناس يحمل الفقه وليس بفقيه، فإذا أدى اللفظ بدقة، وبلغه إلى من هو أفقه منه مكن هذا الأفقه من أن يستنبط منه الحكم الشرعي الذي ينسب إلى الله، وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: (نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع) ، وروى البخاري في حديث وفد عبد القيس لما نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن أربع، وأمرهم بأربع، ثم قال لهم: (احفظوه وأخبروا من وراءكم)، لأن هذه مسائل فرعية، كي يعلموها الناس. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه، وإلا فلا) .
    تعذر العمل بالقرآن وحده
    أما الدليل الخامس فهو: تعذر العمل بالقرآن الكريم وحده، وتعذر إقامة الشريعة، وإقامة الفضائل، وسائر أمور الدين بدون الرجوع إلى سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]. ونحن اليوم نتكلم في هذا الموضوع، وقد صدرت تصريحات ممن يتطاول وهو جاهل ولا يعرف قدر نفسه، حيث تكلم في عمر رضي الله تعالى عنه، وهو لا يعلم أن مما بايع عليه الصحابة: (وألا ننازع الأمر أهله)، وليس هذا خاصاً في الخروج على الخلفاء فقط، بل يدخل فيه احترام التخصصات؛ فهذا الجاهل يجلس أمام مجموعة من الشيوخ، ويطعن في السنة، ولا يقوى واحد منهم فقط على أن يعترض، بل أقروه ليتكلم كما يشاء فيما يتعلق بالدين.. وهو عدو نفسه وعدو الله؛ فالله المستعان على ما نرى من فتن آخر الزمان، ونطق الرويبضة! وقد كان له أن يتكلم في أي شيء من أمور الدنيا، لكن تكلم في أمر الدين، وأنكر سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو يعتبر نفسه شيخاً من مشايخ الإسلام، وأنه يمثل الإسلام، فيظن أنه إذا كتب مقالاً ينكر فيه السنة فلن يكون هناك شيء اسمه السنة، ولا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشره الله سبحانه وتعالى بقطع كل من يؤذيه كما في قوله تبارك وتعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]. والأبتر هو مقطوع الذكر، وهو الذي يقطع من الخير كله بسبب بغضه وشنآنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لسنته. كل رويبضة تافه، يوغل في الجهل وفي الصد عن سبيل الله، ومع ذلك يظن نفسه حجة، فيتجرأ ويأتي أمام المشايخ الأزهريين ويقول لهم: نحن ليس عندنا شيء اسمه سنة، فلا نعترف بسنة، نحن نعترف بالقرآن وحده! فنقول لمثل هذا: قال الله سبحانه وتعالى مثلاً: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]. وهذا نفهم منه وجوب الصلاة والزكاة، ولكن ما هي تلك الصلاة الواجبة؟ ما وقتها؟ ما عددها؟ وعلى من تجب؟ وكم مرة تجب في العمر؟ وما هي هذه الزكاة؟ وعلى من تجب؟ وفي أي مال تجب؟ وما مقدارها؟ وما شروط إخراجها؟ وقال الله تبارك وتعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20]. والذي نأخذه من الآية وجوب قراءة ما تيسر من القرآن الكريم، لكن ما المراد من هذه القراءة؟ هل هي في الصلاة؟ أم هي قراءة القرآن عموماً؟ وإذا كانت في الصلاة ففي أي ركعة؟ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]. ففهمنا من الآية وجوب الركوع والسجود، لكن كم عدد الركعات في اليوم؟ وجاء في السنة أكثر من ركوع في صلاة الخسوف. وقال تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]. ففهمنا من ذلك تحريم الكنز وعدم الإنفاق، لكن ما المراد بهذا الإنفاق المقابل للكنز؟ هل هو إنفاق جميع المال كما فهم الصحابة لما نزلت هذه الآية، أم إنه إنفاق بعض المال؟ وهذا البعض من الذي يحدده؟ وقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]. فما المراد بالظلم: هل هو جميع أنواع الظلم كما فهم الصحابة أم أنه نوع خاص منه كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا شك أنه خاص وهو الشرك قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. وقال تعالى أيضاً: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]. نفهم من الآية وجوب قطع يد كل منهما، لكن هل كل سرقة توجب القطع؟ وما هي شروط قطع اليد؟ وما هو نصاب المال الذي توجب سرقته قطع اليد؟ وكيف يتم القطع؟ وهل تقطع اليد من الكتف أم من العضد أم من الكوع؟ هذا كله محتمل من حيث اللغة. وإذا تكررت السرقة فهل يتكرر القطع؟ كل هذا لم يبينه إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك لما أرسل علي بن أبي طالب ابن عباس إلى الخوارج قال له: اذهب إليهم فخاصمهم -يعني: ناظرهم- ولا تحاجهم بالقرآن، فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة. قال الشاعر: ورب فقيه خابط في ضلالة وحجته فيها الكتاب المنزل بعض النصوص القرآنية الكريمة عامة، وهي مفتقرة إلى التبليغ الذي بينها به الرسول صلى الله عليه وسلم أو العلماء.
    أقوال السلف في حجية السنة والإنكار على من يعارضها
    التحذير من وضع الأحاديث دليل على حجيتها
    كذلك غلظ الله سبحانه وتعالى عقوبة من يتعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما ذاك إلا لأن الكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يستلزم تبديل الأحكام الشرعية، واعتقاد الحرام حلالاً، والحلال حراماً. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (من يقل علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار)، وهذا الحديث متواتر، وفي بعض الروايات: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). وقال عليه الصلاة والسلام: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين) ، وهذا رواه مسلم ، وروي أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم! لا يضلونكم ولا يفتنونكم). إن لم يكن الحديث والسنة حجة فلماذا هذا التحذير الأكيد من الأحاديث المكذوبة، ولم يحصل بها الضلال والفتنة؟ والجواب: لأنها إضافة إلى الشرع؛ ولأن الأحاديث الصحيحة حجة، فهذه إذا اعتقد أنها صحيحة ففيها تعرض للشرع بالزيادة أو بالنقصان. وعن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه (أنهم كانوا يتذاكرون الحديث، فقال رجل: دعونا من هذا، وجيئونا بكتاب الله فقال له عمران : إنك أحمق، أتجد في كتاب الله الصلاة مفسرة؟ أتجد في كتاب الله الصيام مفسراً؟ إن القرآن أحكم ذلك، والسنة تفسره).
    علي بن أبي طالب يحض على المحاجة بالسنة
    ولما أرسل علي بن أبي طالب ابن عباس ليناظر الخوارج وقال له: لا تخاصمهم بالقرآن، فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة. فقال له: يا أمير المؤمنين! فأنا أعلم بكتاب الله منهم، في بيوتنا نزل، قال له علي : صدقت، ولكن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنن، فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً، فخرج إليهم فحاجهم بالسنة، فلم يبق بأيديهم حجة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يا أيها الناس! عليكم بالعلم قبل أن يرفع، فإن من رفعه قبض أصحابه، وإياكم والبدع والتنطع! وعليكم بالعتيق، فإنه سيكون في آخر هذه الأمة أقوام، يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله، وقد تركوه وراء ظهورهم. وعن رجاء بن حيوة عن رجل قال: كنا جلوساً عند معاوية رضي الله عنه قال: إن أغرى الضلالة لرجل يقرأ القرآن فلا يفقه فيه، فيعلمه الصبي والعبد، والمرأة والأمة، فيجادلون به أهل العلم.
    كلام ابن عمر في حجية السنة
    وأخرج مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد أنه سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: يا أبا عبد الرحمن ! إنا نجد صلاة الخوف، وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة السفر، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: يا ابن أخي! إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً، وإنما نفعل كما رأيناه يفعل.
    كلام مطرف في حجية السنة
    وعن أيوب السختياني أن رجلاً قال لـمطرف بن عبد الله بن الشخير : لا تحدثونا إلا بما في القرآن، فقال له مطرف : إنا والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكنا نريد من هو أعلم بالقرآن منا، وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

    كلام أيوب في حجية السنة والإنكار على من يخالفها
    وعن أيوب أيضاً قال: إذا حدثت الرجل بسنة، فقال: دعنا من هذا وأنبئنا عن القرآن، فاعلم أنه ضال. يعني: إذا حدثت رجلاً بالسنة فقال: لا تكلمني إلا بالقرآن دون السنة والشيطان يمنيه أنه على الصراط المستقيم، فتلك علامة على أنه ضال؛ لأن العصمة من الضلال لا تأتي إلا بالتمسك بالقرآن والسنة. يقول صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي)، ولم يقل كتاب الله فقط، مع أن كتاب الله نفسه حجة.
    كلام ابن مسعود في حجية السنة
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن امرأة جاءت إليه فقالت: أنت الذي تقول: لعن الله النامصات، والمتنمصات والواشمات.. إلخ؟ قال: نعم. قالت: وتنسب هذا إلى القرآن؟ قال: نعم، قالت: فإني قرأت كتاب الله من أوله إلى آخره فلم أجد ما تقول فقال لها: إن كنت قرأت لقد وجدتيه، أما قرأت: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ؟ قالت: بلى، قال: فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله النامصات.. إلخ) متفق عليه. وعن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى محرماً عليه ثياب، فنهاه، فقال هذا الرجل: ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي، فقرأ عليه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

    كلام عمران بن حصين في حجية السنة
    وجاء من طريق خليل بن أبي فضالة المكي أن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه ذكر الشفاعة فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد ! إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران وقال للرجل: قرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً، ووجدت المغرب ثلاثاً، والغداة ركعتين، والظهر أربعاً، والعصر أربعاً؟ قال: لا، قال: فعن من أخذتم ذلك؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أوجدتم فيه في كل أربعين شاة شاة، وفي كل كذا بعير كذا؟ وفي كل كذا درهماً كذا؟ قال: لا. قال: فعمن أخذتم ذلك؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وقال في القرآن: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] أوجدتم فيه الطواف سبعاً؟ واركعوا ركعتين خلف المقام؟ أوجدتم في القرآن: (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام؟) أما سمعتم الله قال في كتابه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ؟ قال عمران : فقد أخذنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء ليس لكم بها علم.
    كلام سعيد بن جبير في حجية السنة
    وعن سعيد بن جبير أنه حدث يوماً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رجل: في كتاب الله ما يخالف هذا، فقال: لا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرض فيه بكتاب الله! كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بكتاب الله منك. يعني: أن القدر المشترك بين كل من يعترض على السنة أو يدعي اتباع القرآن فقط، هو الإغراق في الجهالة. فلو قام كل واحد منا وجرد نفسه وعقله، وحاول أن ينسى كل ما علمه من السنة، ونسي أي شيء متعلق بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضاً نسي ما علم من الدين بالضرورة عن طريق السنة، ونسي كل ما استنبطه الفقهاء باجتهاداتهم وبالأقيسة التي استعانوا عليها بالسنة، ثم نظر هل يستطيع أن يجيب عن شيء من هذه الأشياء التي ذكرنا كالصلاة، وشروطها، وأركانها، وكذلك الصيام والحج وغيرها؛ فإنه لن يجد جواباً. فإذا لم نستطع أن نقيم الصلاة، ولا الزكاة، ولا الصيام، ولا الحج، ولا أي شيء من أمور الدين إلا عن طريق السنة، فهل يمكن أن يكلفنا الله بتكاليف أخفاها عنا، وأعمانا عن مراده منها؟ وهل يمكن أن يكلفنا الله أن نصل إلى رضاه بعقولنا؟ العقول لا تستطيع أن تهتدي إلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى في كل هذه الأشياء، بل لابد أن تأتي عن طريق الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
    كلام ابن حزم في الرد على من ينكر السنة
    هذا كله يدلنا على أن الله سبحانه وتعالى لم يكلفنا بهذه التكاليف التي أجملها في كتابه، وهو يعلم حق العلم سبحانه وتعالى أن عقولنا تقصر عن إدراك مراده، فما كلفنا لذلك إلا وقد نصب لها شارحاً مبيناً، ومفسراً موضحاً، ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنزال وحيه وتأييده له. في هؤلاء يقول الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى: في أي قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة فيها والسلام، وبيان ما يجتنب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة، والغنم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذة منها في الزكاة، ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج من الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها، وفي مزدلفة، ورمي الجمار، وصفة الإحرام، وما يجتنب فيه، وقطع يد السارق؟ وصفة الرضاع المحرم، وما يحرم من المآكل، وصفة الذبائح والضحايا، وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا والأقضية والتداعي والأيمان، والأحباس، والعمرة، والصدقات، وسائر أنواع الفقه. وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها لم ندر كيف نعمل بها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإجماع، إنما هو على مسائل يسيرة، فلابد من الرجوع إلى الحديث ضرورة. وقال ابن حزم رحمه الله تعالى أيضاً: ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال. هذا كلام ابن حزم رحمه الله تعالى.
    كلام عمر بن الخطاب في العمل بالسنة
    وقال عمر رضي الله عنه: إياكم وأصحاب الرأي! فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، فاستحيوا حين سئلوا أن يقولوا لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم! وقال أيضاً رضي الله عنه: سيأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل.
    من أدلة حجية السنة ما ثبت في القرآن من أن السنة وحي كالقرآن
    ومن أدلة حجية السنة ما ورد في آيات قرآنية تثبت أن السنة وحي كالقرآن الكريم. منها: قول الله تبارك وتعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ولم يقل وما ينطق بالهوى؛ لأن نطقه عن الهوى أبلغ. فإنه يتضمن أن نطقه لا يصدر عن هوى، وإذا لم يصدر عن هوى فكيف ينطق به؟ فتضمن نفي الأمرين: نفي الهوى عن مصدر النطق، ونفيه عن نفسه، فنطقه بالحق، ومصدره الهدى والرشاد لا الغي والضلال، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. وقال تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:151]، وقال تعالى في دعاء إبراهيم وإسماعيل: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129]. وقال تعالى -وتأملوا كلمة: (وَأَنزَلَ) يعني: أنزل وحيه-: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء:113]، وقال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة:231]، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]. وقال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34]، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن هذا قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16-18]، يعني: أنت تقرأ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19] وكلمة: (بَيَانَهُ) هذه تعم كل أنواع البيان، أن يظهره بلسانه عليه الصلاة والسلام فيقرؤه كما أقرأه جبريل، وكذلك قوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19] ضمان وتأمين لتبيين الأحكام المجملة في القرآن الكريم، فما في القرآن من أحكام الله سبحانه وتعالى تكفل ببيانها، وما يتعلق بها من الحلال والحرام، والتفصيل والإجمال، والقييد والإطلاق وما إلى ذلك. فهذا بلا شك يدل على حجية السنة؛ لأن الذي بين هو الله سبحانه وتعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19] فالله سبحانه وتعالى أوحى المبَين والمبِين كلاهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال صلى الله عليه وسلم: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50]. وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى أيضاً في تفسير هذه الآية التي ذكرناها في سورة النجم قوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] قال في موضع آخر قال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] فأعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل. أي: ما نطقه إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، وهذا أحسن من قول من جعل الضمير عائداً إلى القرآن، فإنه يعم نطقه بالقرآن والسنة، وأن كليهما وحي يوحى، وقد احتج الشافعي لذلك بقوله تعالى: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء:113]، فالعطف يقتضي المغايرة، فالحكمة لما عطفت على الكتاب كان كلاهما منزل من عند الله. وقال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] وقال تعالى آمراً لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50]، يعني: في كل تصرفاته هو اتباع للوحي، سواءً كان في ذلك لهذا الحكم الذي في القرآن أم في السنة. فهو في كل سلوكه متبع للوحي، يعني: إذا صلى سنة الظهر كذا وكذا.. وفعل كذا.. قال في ركوعه وسجوده.. ولبس كذا.. وأكل كذا.. وقال كذا.. فهذا كله داخل في الوحي؛ لأن الله أمره أن يعلم الناس قال تعالى: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50]، يعني: ما يصدر عني أي شيء إلا بوحي، فهذا بلا شك دليل على أن السنة بأنواعها وحي من الله تبارك وتعالى. وقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] لفظ (الذِّكْرَ) يشمل كل ما أنزله الله الذكر المتلو الذي هو القرآن، والذكر غير المتلو الذي هو السنة النبوية بأنواعها. السنة وحي، لكنه وحي في المعاني، والألفاظ من عند النبي عليه الصلاة والسلام، أما القرآن فلفظه ومعناه من عند الله تبارك وتعالى، ولذلك لما اشتكى رجل للإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فرد عليه الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى فقال: تعيش لها الجهابذة، قال الله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. فاستدل بالآية على أن الذكر يشمل سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وممكن بعض الناس القاصرين يقول: كيف أتبع السنة، والسنة فيها أشياء كثيرة غير ثابتة مما ينسب إليها كالأحاديث الضعيفة والموضوعة وغيرها، وتختلط على الناس؟ فالجواب: أنها لا تختلط إلا على الجاهل الذي ليس هذا فهمه، وليس هذا تخصصه، لكن هل تختلط على العلماء الراسخين؟ لا تختلط عليهم، إنما تختلط على من هو قاصر في العلم. وقال تبارك وتعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فالذكر الذي هو يبين هو السنة، يقول ابن حزم : فصح أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله في الدين وحي من عند الله عز وجل، لا شك في ذلك، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة، في أن كل وحي نزل من عند الله فهو ذكر منزل، فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين، وكلما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه، وألا يحرف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه، انتهى كلام ابن حزم . وقال ابن القيم في تفسير الآيات التي قرن فيها الكتاب بالحكمة قال: والكتاب والقرآن والحكمة هي سنة باتفاق السلف، وما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، فهو في وجوب تطبيقه والإيمان به كما أخبر به الرب تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا أصل متفق عليه بين أهل الإسلام، ولا ينكره إلا من ليس منهم. وإذا كانت حجة الله على عباده لا تقوم إلا بحفظ رسالته وشرعه، فإن هذا الحفظ لا يتم إلا بحفظ القرآن، والسنة التي تبينه وتشرحه للناس، فنجد من ذلك لزوماً حتمياً أن يحفظ الله سبحانه وتعالى السنة؛ لأن هذه الأدلة تدل على أن السنة وحي منزل كالقرآن. يقول الله تبارك وتعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ [البقرة:142-143] إلى آخر الآيات الكريمة أين الشاهد في هذه الآيات على أن السنة وحي؟ قوله: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا [البقرة:143] فإذا تأملنا الآية، يقول تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة:143] القبلة التي كان عليها هي: استقبال بيت المقدس، هل توجد آية في القرآن الكريم تجعل بيت المقدس قبلة للمسلمين كما كان الأمر في السابق؟ جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدأ الصلاة في استقبال بيت المقدس، فصلى مدة إلى بيت المقدس قبل نزول هذه الآيات، والله عز وجل هنا يقول في القرآن: وَمَا جَعَلْنَا [البقرة:143] يعني: ما كان تشريعنا القبلة إلى بيت المقدس من قبل إلا لحكمة وهي: لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة:143]. هل ورد أن بيت المقدس قبلة عن طريق القرآن أم أنه ورد عن طريق السنة؟ عن طريق السنة؛ لأننا لا نجد آية في القرآن تأمرنا باستقبال بيت المقدس، وفي لفظ هذه الآية يدل على أن هذا التشريع كان بفعل الله: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ [البقرة:143] (مَا) هي الفاعل تعود إلى الله سبحانه وتعالى. فهذه الآيات نزلت عن......
    الأدلة من السنة على حجية السنة
    حديث: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)
    من أدلة السنة الشريفة على أن السنة وحي حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من الحلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من الحرام فحرموه، وإنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه، فله أن يعقبهم بمثل قراه). فهذا واضح الدلالة على أن السنة وحي، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته يظن أن الله لم يحرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن، ألا وإني قد أمرت ووعظت، ونهيت عن أشياء إنها مثل القرآن أو أكثر). وعن طلحة بن نضيلة قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (سعر لنا يا رسول الله! قال: لا يسألني الله عن سنة أحدثها فيكم لم يأمرني بها، ولكن اسألوا الله تعالى من فضله). فهذا يدل على أن ما سنه لهم لم يكن من قبل نفسه، وإنما هو وحي من الله، وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنناً، وبين أحكاماً ليست في القرآن، فدل هذا الحديث على أنها بوحي الله وأمره.
    حديث: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله...)
    من هذه الأحاديث أيضاً حديث أبي هريرة و زيد بن خالد رضي الله عنهما قالا: (إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله). يعني: بحكم الله (وقال الرجل الآخر وهو أفقه منه: نعم، فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: قال: إن ابني هذا كان عسيفاً عند هذا)، (عسيفاً)، يعني: أجيرا (فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة) ، يعني: بذل له من المال فداء لولده. قال: (فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام)، هل في القرآن تغريب عام؟ ليس في القرآن تغريب عام، إذاً: هذا دليل على أن حكم رسول الله وحي، ومع ذلك أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحكم بينهم بكتاب الله قال: (فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الغنم والوليدة رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها، فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت)، متفق عليه. هذا واضح جداً في أن السنة وحي؛ لأنه حلف أن يحكم بينهما بكتاب الله، وقد حكم بأشياء ليست في القرآن الكريم.
    حديث يعلى بن أمية في الرجل الذي تلطخ بالطيب وهو محرم
    عن يعلى بن أمية قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل عليه جبة بها أثر من خلوق فقال: يا رسول الله! إني أحرمت بعمرة فكيف أفعل؟ فسكت عنه فلم يرجع إليه، وكان عمر يستره إذا أنزل عليه الوحي يظله، فقلت لـعمر رضي الله عنه: إني أحب إذا أنزل عليه الوحي أن أدخل رأسي معه في الثوب، فلما نزل عليه خمره عمر رضي الله عنه بالثوب، فجئته فأدخلت رأسي معه في الثوب فنظرت إليه فلما سري عنه قال: أين السائل آنفاً عن العمرة؟ فقام إليه الرجل فقال: انزع عنك جبتك واغسل أثر الخلوق الذي بك، وافعل في عمرتك ما كنت فاعلاً في حجك) رواه مسلم . فقوله: (أين السائل آنفاً عن العمرة؟) يدل على أنه وحي، حيث إنه أوحي إليه قبل ذلك.
    حديث عائشة في موافقة الوحي لعمر في الحجاب
    تذكر عائشة أن عمر رضي الله تعالى عنه ظل يحدث النبي عليه الصلاة والسلام في أمر الحجاب، وكان يتمنى أن يأمر نساءه أن يحتجبن احتجاباً كاملاً، يغطي جميع البدن، فوافقه الوحي، ونزلت آية الحجاب، فطمع عمر في أكثر من ذلك، طمع أن تستتر نساء رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى لو كن مغطيات، فظن أن الوحي سيوافقه هذه المرة. تقول عائشة رضي الله عنها: (خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة -يعني: عظيمة الجسم- تفرع النساء جسماً) يعني: أنها إذا وقفت مع النساء تكون أطول منهن، (فرآها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خارجة فقال: يا سودة ! أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين)، هو لم ير وجهها، لكن من هيئتها يظهر أنها سودة ، فربما كان يأمل أن الحجاب يوافقه في حجبها تماماً (قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله! إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا، قالت عائشة : فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن)، قال هشام -يعني: البراز- متفق عليه. هذا دليل صريح جداً على حجية السنة.
    حديث عبد الله بن مسعود: (ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به...)
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه، لا يستبطئن أحد منكم رزقه، إن جبريل عليه السلام ألقى في روعي: إن أحداً منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه، فلا يطلبه بمعصية، فإن الله لا ينال فضله بمعصيته). فهذا الحديث رواه الحاكم وسكت عنه هو و الذهبي ، وأخرجه من حديث جابر ، وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي وقوله هنا: (إن جبريل ألقى في روعي) . هذا نوع آخر من الوحي الذي هو الإلهام.
    حديث أبي هريرة (غفار غفر الله لها...)
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غفار الله غفر الله لها، و أسلم سالمها الله، أما إني لم أقله، ولكن الله قاله). أين قاله الله وليس في القرآن آية تدل على ذلك؟ وفي حديث آخر: (من الله تعالى لا من رسوله: لعن الله قاطع السدر) ، يعني: قاطع شجرة السدر. وبين أنه ليس من عنده، وإنما هو من عند الله. وعن حسان بن عطية رحمه الله تعالى قال: كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما كان يعلمه القرآن.
    حديث: (أمني جبريل عند البيت مرتين...)
    وفي حديث: (أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، والعصر حين كان ظله مثله، والمغرب حين أفطر الصائم، والعشاء حين غاب الشفق ) .. إلى آخر الحديث، وفي النهاية قال: (الوقت ما بين هذين الوقتين). فهذا وحي بالفعل عن طريق جبريل.
    حديث: (إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض...)
    وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض، قيل: ما بركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا، فقال له رجل: هل يأتي الخير بالشر؟ فصمت حتى ظننت أنه سينزل عليه، ثم جعل يمسح عن جبينه) ، يعني: العرق الذي يتصبب إذا نزل عليه الوحي. وفي رواية لـمسلم : (فأفاق يمسح عنه الرحض قال: أين السائل؟ قال: هأنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الخير لا يأتي إلا بالخير)، متفق عليه.
    أقسام السنة بالنسبة للقرآن
    أن تكون السنة موافقة للقرآن
    السنة وعلاقتها بالقرآن تكون على ثلاثة أقسام: القسم الأول: سنة موافقة ومؤكدة لما في القرآن الكريم، كقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله). هذا يوافق قوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256]. كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً) ، هذا يوافق قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]. كذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: (بعثت إلى الناس كافة) ، يوافق قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ:28]. وقوله عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة) ، يوافق قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما البيع عن تراض) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه) ، يوافق قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، إذاً: هذه الأحاديث لا شك أنها تتوارد مع القرآن على نفس الدلالات.
    أن تكون السنة مفصلة لمجمل أو مخصصة لعامٍ أو مقيدة لمطلق
    القسم الثاني: سنة تفصل مجمل القرآن، وسنة تخصص عموم القرآن، وسنة تقيد مطلق القرآن، وسنة توضح مشكل القرآن. السنة المفصلة لمجمل القرآن مثل قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، بينه في قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي). وقوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97] مجمل فصله قوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم). السنة المخصصة لعموم القرآن، مثل قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [المائدة:6] إلى آخر الآية فظاهرها أنه كلما قمتم إلى الصلاة فلابد أن تفعلوا هذا، لكن جاء في السنة ما يخصص هذا العموم كالمسح للمريض، والتيمم، ومواقيت المسح للمسافر والمقيم، هذه كلها أتت بها السنة. كذلك قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] هذا النفي عام، فخصص عموم هذا النفي بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)، والحديث معروف، فدل على أن الإنسان المؤمن لا ينقطع عمله. كذلك قول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] هذا عام خصه قوله عليه الصلاة والسلام: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) ، وخصه قوله: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) ، وخصه قوله: (لا ميراث لقاتل). كذلك مطلق القرآن تقيده السنة كما في قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، فإنه مطلق، فقيده قوله صلى الله عليه وسلم: (الطواف بالبيت صلاة) فالطواف يشترط فيه الطهارة. وقوله تبارك وتعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، هذا مطلق، قيده قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث). إجمال القرآن مثل الظلم في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] بينت السنة أن الظلم يقصد به الشرك للآية: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. كذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] لما سألته عائشة : (أهم الذين يشربون الخمر ويزنون؟ قال: لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يتقبل منهم).

    أن تكون السنة مستقلة بحكم لم يأت به القرآن
    القسم الثالث: أن تكون السنة مستقلة بإثبات حكم لم يأت به القرآن. وهذا هو الغصة في حلوق أعداء السنة؛ لأنهم على درجات، منهم من ينكر السنة مطلقاً، ومنهم من ينكر السنة على استحياء، لكن حتى يسد عليك الباب يقول: نأخذ من السنة العملية المتواترة. وقد رأيت بنفسي من منكري السنة أنهم غارقون في الجهل بطريقة غير عادية! فمنهم شخص من الإسكندرية، وله كتب مؤلمة وموجعة، منها كتاب: الدين الصواب للمحاورة بين السؤال والجواب، وكتاب آخر أسماه: الأضواء القرآنية لاكتساح الأحاديث الإسرائيلية، وتطهير البخاري منها. إلى غير ذلك. وهذا موجود في كلام محمد عبده ، فإنه يرى أن السنة العملية المتواترة يعمل بها. فبعضهم ينكر كل السنة كما ذكرنا، ومنهم من ينكر الأحاديث المتواترة العملية، فمن أين نعرف الصلاة؟ ومن أين نعرف الزكاة؟ ومن أين نعرف كذا؟ ومنهم من يقبل السنة التي تشرح القرآن، لكن لا يقبل السنة التي تستقل بإثبات حكم غير موجود في القرآن، ولذلك كان هذا القسم من أخطر أقسام السنة في علاقتها بالقرآن، وهو أن تأتي السنة بحكم غير موجود في القرآن على الإطلاق. فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألتها قالت: (أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت لها عائشة : أحرورية أنت؟ قد كنا نحيض عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم نطهر، ولم يأمرنا بقضاء الصلاة). وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها)، فهذا النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها غير موجود في القرآن. وعن المغيرة : (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة)، هذا غير موجود في القرآن. وحديث: (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)، هذا في مسلم ، وهو غير موجود في القرآن. كذلك جاء القرآن بجلد الزاني غير المحصن، وزاد في السنة تغريبه، وأوجبت السنة الكفارة على من جامع في نهار رمضان. كذلك جاء في السنة المسح على الخفين، وليس في القرآن. كذلك القرآن ينص على أن العين بالعين، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حل لهم أن يفقئوا عينه). كذلك حديث ابن عمر : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر.. إلى قوله: وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه. يقول ابن القيم : بل أحكام السنة التي ليست في القرآن إن لم تكن أكثر منها لم تنقص عنها، فلو كان لنا رد كل سنة زائدة على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، إلا سنة دل عليها القرآن، وهذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع، ولابد من وقوع خبره. وكما قال الشافعي : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.

    انحرافات في العمل بالسنة
    وهناك بعض العوائق تعيق العمل بالسنة كعدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة، أو تقديم القياس على أحاديث الآحاد الصحيحة، أو تقديم عمل أهل المدينة على حديث الآحاد الصحيح، أو التعبد بالتقييد واتخاذه ديناً، أو تحكيم العقل وتقديمه على النقل، أو الاقتصار على الصحيحين، وهناك أيضاً مظهر من مظاهر الانحراف في هذه القضية، وهو ما حصل من بعض الشيوخ الأفاضل، وهو الشيخ عبد العزيز بن راتب النجدي رحمه الله تعالى، وله فضل كبير جداً على علماء أنصار السنة، فهو أستاذهم وشيخهم، وهو من الذين رحلوا إلى مصر خصيصاً من أجل نشر دعوة التوحيد والاتباع، لكن كان في هذه الجزئية بالذات له كتاب: تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين، وانتصر لهذه المسألة، والكلام فيه نظر شديد، لأن فيه قصر العمل على ما في الصحيحين من السنة، وهذا الكلام غير صحيح. كذلك من هذه البدع والضلالات: بدعة التصحيح على الصحيحين، يأتي شخص فقير في طلب العلم فيقول في آخر هذا الزمان العجيب: رواه البخاري وهو صحيح، وكأن هذه الأجيال من الأمة تنتظره حتى يأتي ليصحح على البخاري ، ونحن لا نقول: البخاري معصوم، ولكن نقول: الأمة معصومة من أن تجتمع على ضلالة، فالأمة أجمعت على تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول، فهذه هي الحجة في هذه المسألة، وتوجد بعض أحاديث انتقدت، والعلماء الذين انتقدوها كـالدارقطني وغيره ما أرادوا للبخاري ولـمسلم إلا الكمال، لكن الآن فتح باب النقد في البخاري وفي مسلم لأجل الطعن في السنة كلها، فشتان بين النيات والمقاصد، فيمكن أن يقبل قول بعض المحققين مثلاً، لكن شرطه أن يتقن علم الحديث ثم يحقق، لكن أن يأتي شخص ويقول: رواه البخاري وهو صحيح، فهذا من التطاول الذي لا ينبغي أن يفتح بابه. فنحن نثق ثقة مطلقة فيما اتفقت عليه كلمة علماء الأمة، وأن ما رواه الشيخان أو رواه أحدهما قد تجاوز القنطرة، فلا يسأل عنه ولا يبحث عن سنده ولا عن رجاله، فإما أن يقول: صحيح متفق عليه أو يقول: رواه الشيخان فحسب. أما أن يقول: رواه الشيخان وهو صحيح، فهذا من العدوان، فالعدوان ناشئ عن سدور صاحبه وغفلته عن أهل العلم، وإعراضه عن إجماع الأمة، وكأن نفسه تتوق إلى أن تكون فوق البخاري و مسلم وأن يحكم على البخاري و مسلم وأمثالهما. ......
    موقف الخوارج من السنة
    كذلك ممن يهملون العمل ببعض السنن: الخوارج، فإنهم يكفرون بعض الصحابة، وبالتالي يردون أحاديث جمهور الصحابة بعد الفتنة؛ لرضاهم بالتحكيم، واتباعهم أئمة الجور بزعمهم. لكن الخوارج لهم خصيصة، وهي أنهم لم ينغمسوا في رذيلة الكذب كما انغمس الشيعة، فإن أكذب خلق الله، وأكذب الفرق الإسلامية الشيعة، بل الكذب عندهم عبادة، لأنهم يتعبدون بالكذب الذي يسمونه التقية، فالشيعة من أخبث الفرق الضالة وأشدهم كذباً. ......
    موقف الشيعة من السنة
    والشيعة أيضاً يجمعون على عدم الاحتجاج بالسنة إلا إذا صحت لهم عن طريق أهل البيت في أسانيدهم المزعومة. فيقول أحد أئمتهم بعد ذكر مرويات بعض الصحابة وخاصة روايات أبي هريرة : ما يرويه الصحابة ليس له عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة. وحدثني أحد المشايخ عن والده رحمه الله تعالى أنه ناظر بعض الشيعة، فوصل في المناقشة معه إلى أن أخرج له كتب تراجم معتمدة عند الشيعة، فترجم لبعض الصحابة وقال مثلاً: سعد بن أبي وقاص مجهول، أبو هريرة كذاب. والعياذ بالله! فنحن نختلف مع الشيعة في الأصول لا في الفروع كما يتوهم بعض الناس، ولهم شيخ يدعى حسين بن عبد الصمد العاملي يقول: فصحاح العامة كلها وجميع ما يروونه غير صحيح. ويقصد بالعامة أهل السنة. أما تطاول زعيمهم وإمامهم الهالك الخميني عليه من الله ما يستحقه فقد أوصله إلى تكفير أبي بكر و عمر ورميهما بالزندقة، وهو يكفر عامة الصحابة ويتطاول على مقاماتهم الشريفة، فهذا شيء مشهور ومعروف، ولم يكن يحتج أيضاً في كتبه إلا بمرويات الشيعة. فالشيعة مع هدمهم للأصل الثاني من الإسلام وهو السنة إلا أنهم أيضاً غرقوا في الرواية عن أئمة الكذب والوضع كما فعل الكليني . أما موقفنا نحن فلا نقبل على الإطلاق مرويات الشيعة؛ لأنهم أكذب الفرق على الإطلاق. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.......

    تمت الإضافة للفهرس
    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 05-04-2018, 11:45 PM.

  • #2
    رد: مهم : حجية السنة ومنزلتها من القرآن / للدكتور محمد إسماعيل

    نفع الله بكم واثابكم خيرا
    ينقل الموضوع الى ساحة الحوار العلمي
    "إذا وجدت الأيام تمر عليك ، و ليس لكتاب الله حظ من أيامك و ساعات ليلك و نهارك ، فابك على نفسك ، و اسأل الله العافية، و انطرح بين يدي الله منيبا مستغفرا ، فما ذلك إلا لذنب بينك و بين الله ، فوالله ما حرم عبد الطاعة إلا دل ذلك على بعده من الله عز وجل"

    تعليق


    • #3
      رد: مهم : حجية السنة ومنزلتها من القرآن / للدكتور محمد إسماعيل

      اخوتاااه أيسب محمدا ونحن على دينه
      لتحميل كلمة الدكتور حازم شومان للحملة
      هنا

      تعليق

      يعمل...
      X