بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
:
:
على شاطئ الهجرة
خطبة جمعة
لفضيلة الشيخ : أيمن سامي
للاستماع لها على هذا الرابط
وإليكم الخطبة مكتوبة
ملاحظة : الخطبة لم تراجع من قبل شيخنا الفاضل
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران [102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء [1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب [70-71]
أما بعد عباد الله , أيها المسلمون :
أنا وحضراتكم في هذه الجمعة إن شاء الله ضيوفٍ على شاطئ من أعذب الشواطئ , مياهه عذبةً غزيرة , ومهما اغترفنا منها فإنما هي غرفات , ويبقى الماء العذب الزُلال معيناً ينهل منه الناهلون كلما وردوا نفس المورد
هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
حدثٌ غير مجرى التاريخ , حدثٌ ليس كأيِّ حدث بل حدثٌ عظيم الشأن , جليل القدر , لن نستطيع أبداً في هذه الجمعة مهما فعلنا أن نُظهر عظمة الحدث بأكمله , و إنما هي وقفات نقفها مع هذا الحدث الرائع لنستمد منه بعض الدروس والعبر كي تُضيء لنا في حياتنا .
الهجرة في لغة العرب : من الهجر أي الترك
فمن ترك شيئاً يُقال : هجره هجر هذا الشيء .
واصطلح علماء الإسلام على تسمية الهجرة : بكلِ تركٍ لبلاد الكفر و الانتقال منها إلى بلاد الإسلام
هاجر الصحابة مرتين إلى الحبشة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم , و أما الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فمازال باق في مكة يبحث عن موطن لدعوته , يتمنى نشر رسالته , قد أحزنه أذى قريش و صدهم عن الدعوة حتى عزاه ربه و سلاه بعتاب رقيق { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [الشعراء:3]
لعلك قاتل نفسك و مهلك نفسك حزناً على عدم إيمانهم و لكنه أمر الله لحكمة أرادها الله
حتى إذا تجمع مشركي مكة يريدون من النبي صلى الله عليه وسلم واحدة من ثلاث :
إما أن يترك دعوته
إما أن يطيحوا برأسه
إما أن يُخرجوه من بلده و هي حبيبة إليه و حبيبة إلى الله
فما كان من رب العباد جل و علا .. الله .. مالك الكون , و مدبر الكون , مدبر أمر العالمين الرحمن الرحيم
إلا أن أوحى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى طيبة الطيبة ( المدينة المنورة )
هاجر الصحابة فرادى قبل ذلك , و جاء الوقت لخروج النبي صلى الله عليه وسلم , فتكاثر المشركين حول بيته
و لكن الله جل و علا إذا أراد أمراً قال له :
كن فيكون هذا الأمر
( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) [يس:9]
و خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة شاقة ناتمس بعض دروسها عما قليل إن شاء الله تعالى .
مع دروسها عما قليل إن شاء الله تعالى .
خرج صلى الله عليه وسلم في رحلةٍ شاقةٍ من مكة إلى المدينة , قطعها صلى الله عليه وسلم مع صاحبه ورفيقه خليفته أبو بكرٍ رضي الله عنه ,ليلقى صلى الله عليه وسلم في المدينة كلَّ حفاوةً وكلَّ تكريم , ولتكون تلك الهجرة المباركة أساساً لدولة الإسلام , ونشر نورِ الله على العالمين .
الهجرة تُخبرنا في أول دروسها عن التعلق بالله الله , لا يكشف الكرب إلا الله , لا يُغيث المستغيث إلا الله سبحانه وبحمده , إن ربي سميعٌ قريب , إن ربي مجيبٌ لمن دعاه , إن ربي لا يُخيب أبداً من رجاه , إن الله لا يُخيب من كان معه .
تعلق النبي صلى الله عليه وسلم بالله فنصره الله كادت الدنيا فهدد الله الدنيا .
{ إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ... } و سنكمل الآية عما قريباً في درسٍ آخر " إلا تنصروه " يا سكان العالم إلا تنصروا هذا الدين يا من تعيشون على الكرة الأرضية فإن للدين ربٍّ ناصرُ إلم يخرج العالم لأجل رسول الإسلام ونبي الأمة صلى الله عليه وسلم فإن له ربًّ يا حُاميه ويُدافع عنه , كم من صعلوكٍ على وجه الأرض اليوم يتجرى على جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم ورب العالمين جل وعلا يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته .
ويحك يا ظالم : ألم تر انتقام الله من الظالمين في الأمم السابقة وفي أمتنا هذه ؟! .
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ *وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ *فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ } ثم ماذا بعد أن يعم فيها الفساد ؟ { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [ الفجر : 6- 14 ] .
الله جل وعلا ينتقم من كل ظالم , الله جل وعلا ينصر المظلومين , الله جل وعلا ينصر حبيه صلى الله عليه وسلم , وينصر أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم إن اعتصموا به وتمسكوا به سبحانه وبحمده , و من هذا الدرس الأول ننتقل بكل سهولةٍ وبساطة
إلى الدرس الثاني : معية الله إذا كان الله معك فمن عليك , معية الله لحبيه محمد صلى الله عليه وسلم لم تُسلمه يوماً إلى أعدائه , معية الله لحبيه محمد صلى الله عليه وسلم حالت بينه وبين اعتى عتاة الأرض وهكذا معية الله تُنال بالتقوى و الإحسان { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } [ النحل : 128 ] .
ثالثاً : حُسن الظن بالله : فإذا استدت الأبواب أمام العباد فهناك بابٌ لا يُغلق أبدا لا نيأس من روح الله أبدا لا نيأس من رحمةٍ الله أبدا { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ...} [ التوبة : 40] .
حُسن الظن بالله جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر كما ثبت في صحيح البخاري عندما قال صديق الأمةِ خوفاً على نبي الأمة صلى الله عليه وسلم :
يار سول الله لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " حُسن الظن بالله { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } لا يتخلى عنهم أبدا فأحسن عبد الله الظن بربك و الله جل وعلا يقول : " أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء " .
رابع هذه الدروس والوقفات : الله متمُّ نوره إن تمالئ الشرق أو الغرب أو تمالىء جميعاً أو تمالئ الكون كله على نور الله فحاشا وكلا أنّا لهذه الأكوان الصغيرة الضعيفة أن تُطفئ نور الشمس !!
{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [ الصف : 8 ]
ولو كره كل من على هذه الأرض انتشار نور الله فإن الله عزوجل متمُّ النور , ومظهرُ للحق , شاء من شاء و أبى من أبى , رضي من رضي ورفض من رفض, والعاقبة للإسلام و لسوف يأتي يوماً على هذه الكرة الأرضية يحكم فيها شرع الله ودين الله ... ويكون ذلك زمان العدل , زمان العدل الذي لا يُظلم فيه حتى الكافر , زمان العدل تُؤمر الأرض فيه بإخراج بركتها فتُخرج الأرض بركتها .
فيستظل الفئام من الناس مجموعة كبيرة من الناس يستظلون بقحفة رمان رمانة واحدة غطائها الخارجي يُظلل مجموعة من الناس ؛ لأن الأرض أخرجت بركتها وذلك آتي
لا محالة لا نشك في هذا و الله أبدا { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } .
خامس هذه الوقفات : عِظم قدر الصحابة رضي الله عنهم أظهرت بجلاء وبوضوح عَظم قدر هذا الجيل الفريد فمن قبلها والصحابة يُهاجرون فراد وجماعات يتركون كل شيء
لا لشيء إلا لله ما وعدوا بدار ولا بمال ولا بعقار ولا بشيء من حُطام الدنيا أبدا , و لكن وعدوا بجنة الله فهاجروا يخرج الواحد منهم مهاجراً من مكة إلى المدينة فيتبعه مشركوا مكة يقولون له : أتيتنا ضعيفاً لا مال لك دع عنك المال فيدع المال , و أتيتنا بلا زوجةً فدع زوجتك فيدع كل شيء , ويمضي من أجل الله .
وفي حادث الهجرة أبو بكر رضي الله عنه صديق الأمة الذي لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح بها أبو بكر رضي الله عنه في الهجرة من قبلها و هو يُحدث نفسه بها يتمناها يشتاق إليها كل أمنيته أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم , ويكون معه جنباً إلى جنب وهو يتحمل الأذى في ذات الله عزوجل حتى إذا أذن الله بالهجرة جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يقول له : أخرج من عندك فقال : إنما هم أهلك وراوية الحديث هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فسمعت عائشة هذا الكلام , ورأت هذا المشهد العجيب يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : قد أُذن لي بالهجرة يقول أبو بكر رضي الله عنه : يارسول الله الصحبة الصحبة يقول النبي صلى الله عليه وسلم : نعم يُشير برأسه أي أن أبا بكر رضي الله عنه سيكون رفيقه في الهجرة
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : فما علمت أن أحداً يبكي من الفرح إلا لما رأيت أبا بكرٍ رضي الله عنه فقد كانت دموعه على خده فرحاً بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم
نعم والله وفي الأمة من يشتاق لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله أخبر عنهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال : يأتي على الناس زمان يتمنى الواحد منهم لو رأني بما له من أهل ومال صلى الله عليه وسلم نتمنى صحبته و رؤيته - صلوات ربي وسلامه عليه -
" يتمنى الواحد منهم لو رأني بما له من أهلٍ ومال "
أبو بكرٍ رضي الله عنه في صحبته صلى الله عليه وسلم يمشي عن يمين ثم عن يسار يمشي من أمامه ثم من خلفه ويقول يارسول الله : أخشى أن يأتيك أتٍ عن يمينك فأكون عن يمينك ثم عن يسارك ثم من الأمام ثم من الخلف فيبتسم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه وهو رجلٌ بأربع بل رجلٌ بأمة .
وفي المدينة طيبة الطيبة وقف الصحابة مواقف مشرفة اللهم ارض عن الصحابة أجمعين و العن من لعنهم , يقف النبي صلى الله عليه وسلم لقتال المشركين فيخرج الأبطال يُحيطون بالنبي صلى الله عليه وسلم لحمايته , و النبي صلى الله عليه وسلم أسد الحروب الفارس المغوار - صلوات ربي وسلامه عليه - .
فلا تعجبوا يا حضرات المسلمين فلا تعجبوا إن قلت لكم : إن من الصحابة وهو أبو دجانة رضي الله عنه قد ترس نفسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم , تعلمون ما معنى ترس نفسه ؟ يعني جعل نفسه مثل الدرع فأصبح درعاً رجل بلحم ودم أصبح درعاً .
من أجل حبيه صلى الله عليه وسلم فأبو دجانة رضي الله عنه منكبٌ على النبي صلى الله عليه وسلم يحميه بظهره يقيه السهام و السهام تتناثر على ظهره كالمطر وهو يحمي حبيبه صلى الله عليه وسلم .
و أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ويقول : يا رسول الله لا تُشرف أي لا تظهر حتى لا يُصيبك القوم ثم يُقدم نفسه .
يا حضرات المسلمين أنا لا أتكلم عن يدٍ ستُقطع ولا عن رجلٍ ستبتر أنا أتكلم عن روحٍ ستُزهق يقول أبو طلحة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله : نحري دون نحرك رقبتي تفدي رقبتك أموت أنا ولا تموت أنت اللهم صلَّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد .
الجيل الذي كان منهم { رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 23 ] .
منهم : أبو عبيدة رضي الله عنه دخلت حلقات المغفر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو عبيدة يُخرج الحديد من جسد نبي الأمة صلى الله عليه وسلم فعض على الحديد بأسنانه حتى كُسرت سنه فداءاً للنبي صلى الله عليه وسلم و أخرجها من جهة ثم عض عليها من جهة أخرى فكُسرت الثنية الثانية و هو يُقدم ذلك فداءاً للنبي صلى الله عليه وسلم .
و من هؤلاء أيضاً من صدق ما عاهد اللَّه عليه و قضى نحبه وولى من هذه الدنيا فهو في جنات النعيم إن شاء الله { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 169 : 171 ]
نعم يا عباد الله :
أرأيتم كيف أظهرت الهجرة هؤلاء الرجال ؟!
أرأيتم إلى الهجرة في بدايتها يوم أن كانت شاقة و صعبة يوم يترك الإنسان بلده ووطنه ويخرج عنها من أجل الله وهو كارهٌ لهذا ؟!
أرأيتم كيف يُظهر هذا الموقف الشديد مواقف مشرفة بعد ذلك ؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }
أقول قولي هذا وأستغفره .
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على المصطفى ورسوله المجتبى العز والمجد والسؤدد لمن أطاعه و اتبع هداه و الذل والعار والشنار على من خالف أمره صلى الله عليه وسلم , اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبد ورسولك محمد , و ارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين . ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
عباد الله : ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد و نية "
بعد فتح مكة صارت مكة بلد إسلام ودار إيمان فلا هجرة من مكة بعد فتحهها فهي بلد إسلام " لا هجرة بعد الفتح "
ولكن الهجرة لا تنقطع إلى يوم القيامة كيف ذلك؟!
بإمكانك عبد الله أن تهاجر إلى الله بترك ما حرم الله عليك أوليست المعاصي و الذنوب تحتاج إلى هجرة منها ؟
يا عاصٍ متى تتوب ؟
يا غافل متى تُنيب ؟
الأيام تجري بسرعة عجيبة نقف مع حادث الهجرة في بداية السنة الهجرية و ماهي إلا لحظات حتى يأفل نجم السنة ونقف مع وداع السنة ونستقبل سنة أخرى وهكذا الأيام تمضي
فمتى تُهاجر يا عبد الله ؟
متى تُهاجر من هذه الذنوب والمعاصي ؟
متى نُهاجر من ظلم العباد ؟
متى نُهاجر من ترك حقوق الله عزوجل والتفريط فيها ؟
إن بإمكانك أن تُهاجر أيضاً بقلبك إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فتحبه حباً يدفعك إلى تطبيق سنته والعمل بشريعته صلى الله عليه وسلم .
إن حدث الهجرة ليس كلماتٍ جوفاء , و لا قصص تورى ثم تصبح خبر كان لا بل لها تأثير في واقع الحياة لا بد أن يكون درس اليوم محفزاً لنا جميعاً لنغير من حياتنا .
إلى متى نسمع الكلمات والعبرت ثم نهز الرؤوس
ما شاء الله ما شاء الله ولا تغير في أفعالنا و لا تغير يُلمس في حياتنا ؟!
إلى متى ؟!
متى نًهاجر فعلاً ؟
متى نًهاجر إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم بأجسادنا ؟!
آن يا عباد الله آن يا عباد الله{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } [ الحديد : 16 ]
قولوا هذا يا عباد الله
اعزموا من الآن هجرةً لكل ما لا يرضي الله اعزموا من الآن
, هجرة إلى كل عمل صالح , فإن عزمت عبد الله عزماً صادقا ونفذته فزت بالنعيم المقيم , و إن عزمت عزماً صادقا و لم تنفذ فإن الله عزوجل يُعطيك الأجر على قدر نيتك .
فهل النية صعبة ؟
هل أن نُهاجر جميعاً أنا و أنتم أن نُهاجر الآن لمرضاة الله ولترك ما يُغضب الله ؟
هل أن نُهاجر بنياتنا صعب ؟
إنها دعوةً لنا جميعاً لك نستفيد من هذا الحدث
وقلت في بداية الخطبة : هو شاطئ عذب مهما اغترفنا منه في هذه الجمعة و مهما اغترف غيرنا في مساجد الأرض و في الدنيا كلها فإنَّما هيا غرفات و يبقى المعين الصافي
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الهجرة , اللهم ارض عنه وعن الخلفاء الأربعة الراشدين وعمن أتبعه بإحسان إلى يوم الدين , اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها , اللهم تب علينا توبة نصوحا , اللهم تب علينا توبة تُرضيك عنا , تبنا إلى الله و رجعنا إلى الله اللهم فقبلنا عندك من التائبين , اللهم اقبلنا عندك من التائبين , اللهم اغفر لنا في مقامنا هذا أجمعين , وهب المسيئين للمحسنين وهب المسيئين للمحسنين , اللهم إن لنا من الذنوب والعيوب ما لايُحصيه إلا أنت تجاوز عنه يربنا بمنك وكرمك تجاوز عنا أجمعين , اللهم تجاوز عنا أجمعين , اللهم تجاوز عنا أجمعين, اللهم إنا ضيوفاً عليك و أنت الملك أنت أكرم الأكرمين اللهم أكرمنا جميعاً في هذا الجمع المهيب مغفرة ذنوبنا , اللهم أخرجنا من هذا المكان بذنبٍ مغفور وعيبٍ مستور و عملٍ متقبلٍ مبرور , اللهم اجعله إجتماعاً مرحوما وجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ولا تجعل فينا ولا معنا شقياً ولا محروما برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم آمنا في أوطاننا و أصلح من وليته أمرنا وولِّ علينا خيرانا و كفنا شرارنا , اللهم وفق رئيس الدولة لما تُحب وترضى , اللهم وفقه وولي عهده لما يرضيك عنهما و أصلح ياربي جميع حكام المسلمين وجعلهم رحمة على رعاياهم , اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين , اللهم ارفع البأساء عن البائسين . اللهم ارفع الضر عن المتضررين , اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين , و اشف جميع مرضى المسلمين و ألبسهم لباس الصحة والعافية يا كريم , اللهم اقضي الدين عن المدينين , اللهم اقضي الدين عن المدينين برحمتك يا أرحم الراحمين , اللهم أعز الإسلام والمسلمين , و اذل الشرك والمشركين . و دمر أعداء الدين , اللهم أغثنا اللهم أغثنا , اللهم أغثنا , اللهم أسقنا اللهم أسقنا , اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين , اللهم سقيا رحمة لا سُقيا غرقٍ ولا هدم يا ذا الجلال و الإكرام اللهم اغث بلادنا بالأمطار وقلوبنا بالإيمان واليقين اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ورض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الصافات : 180 - 182]
تعليق