الحمدُ لله الْمُسْتَحمَدِ إلى خَلْقِهِ بلَطيفِ صُنْعِهِ، مَوْئلِ المؤمِنْين ومَوْلاهُمْ، الذي أمرَ بالدُّعاءِ، وجَعَلَهُ وَسِيلَةَ الرجَاءِ، فقال: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، وقال: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ اللهُ، وأشهدُ أن محمداً رسولُ اللهِ، نسألُه أنْ يُصلِّيَ على نبيِّهِ محمدٍ، دليلِ العِبادِ إلى سبيلِ الرَّشادِ، وعلى آلهِ الطيِّبينَ وأصحابهِ الْمُنتَخَبينَ، وأنْ يُسلِّمَ عليهِ وعليهِم تسليماً.
أما بعد:
فيا أيها الناسُ اتقوا اللهَ تعالى: ﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [الأعراف: 29].
أيها المسلمون:
إنَّ أجلَّ المقاصدِ القُرْبُ من اللهِ ونيلِ رِضَاه، فينبغي لكَ إذن أن تتعرَّفَ على الأوقاتِ التي تُفْتَحُ فيها أبوابُ السماواتِ لتغتنمها بالأعمالِ الصالحاتِ، لِتَزْدادَ في القُربِ مِن اللهِ.
وأبوابُ السماءِ تُفتحُ حقيقةً، قال الْمُظْهِرِي: (فُتحت أبوابُ السماء؛ يعني: إذا دخل الوقتُ الشريفُ فُتحت أبوابُ السماءِ وأبوابُ الجنةِ؛ لتنزلَ الرحمةُ على مَن عظَّم الوقتَ الشريفَ، ولِتَصِلَ طاعةُ مَن عظَّم هذا الوقتَ بالأعمال الصالحة واجتناب المعاصي إلى محلِّ الكرامة)
عبادَ الله: من الأوقات التي تُفتَحُ فيها أبواب السماء: أوقاتٌ تتعلَّق بقولكَ أو فعلكَ أو رُوحك، وهي ستةُ أوقات:
أولاً: عندَ قولِكَ لا إله إلا الله: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: (ما قالَ عبدٌ لا إلهَ إلا اللهُ قَطُّ مُخْلِصاً، إلا فُتِحَتْ لهُ أبوابُ السَّمَاءِ، حتى تُفْضِيَ إلى العَرْشِ، ما اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ) رواه الترمذيُّ وقال: (حَسَنٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ)، وحسَّنهُ الألباني.
ثانياً: عندَ قولكَ (اللهُ أَكْبَرُ كبيراً، والحمدُ للهِ كثيراً، وسُبحانَ اللهِ بُكْرَةً وأصيلاً)، فعنِ ابنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما قالَ: (بيْنَما نحنُ نُصَلِّي معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذْ قالَ رجُلٌ مِنَ القومِ: اللهُ أَكْبَرُ كبيراً، والحمدُ للهِ كثيراً، وسُبحانَ اللهِ بُكْرَةً وأصيلاً، فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: مَنِ القائلُ كلِمَةَ كذا وكذا؟ قالَ رجُلٌ مِنَ القومِ: أنا يا رسُولَ اللهِ، قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: عَجِبْتُ لَها فُتِحَتْ لَها أبوابُ السَّمَاءِ، قالَ ابنُ عُمَرَ: فَما تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ يَقُولُ ذلكَ) رواه مسلم.
ثالثاً: عندَ قولِكَ: (الحمدُ للهِ حَمْداً كثيراً طَيِّباً مُبَاركًا فيهِ)، فعنْ (عبدِ الجبَّارِ بنِ وائلٍ عن أبيهِ، قالَ: صَلَّيْتُ معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ رَجُلٌ: الحمدُ للهِ حَمْداً كثيراً طَيِّباً مُبَاركاً فيهِ، فَلَمَّا صَلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: مَنْ ذا الذي قالَ هذا؟ قالَ الرَّجُلُ: أنا، وما أَرَدْتُ إلاَّ الخيْرَ، فقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لقَدْ فُتِحَتْ لَها أبوابُ السَّمَاءِ، فمَا نَهْنَهَها شيءٌ دُونَ العَرْشِ) رواه ابنُ ماجه، وقال شعيب الأرنؤوط: (صحيح لغيره).
رابعاً: عندَ انتظاركَ للصلاةِ: فعَن عبدِ اللهِ بن عَمْروٍ قالَ: (صَلَّيْنا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ لَيْلَةٍ، فعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ -أي: جلَسَ مُنتظراً لصلاةِ العِشَاءِ- ورَجَعَ مَنْ رَجَعَ، فجاءَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ أنْ يَثُوبَ الناسُ لصلاةِ العِشَاءِ، فجاءَ وقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، رافِعاً إصْبَعَهُ هكذا، وعَقَدَ تِسْعاً وعشْرِينَ، وأَشارَ بإصْبَعِهِ السَّبَّابةِ إلى السَّماءِ، وهوَ يقولُ: أَبْشِرُوا معْشَرَ المسلمينَ، هذا ربُّكُمْ عزَّ وجَلَّ قدْ فَتَحَ باباً مِنْ أبوابِ السَّمَاءِ، يُباهي بكُمُ الملائكةَ، يقولُ: يا مَلائكَتي انظُرُوا إلى عِبادِي، أَدَّوْا فريضةً، وهُمْ يَنْتظِرُونَ أُخْرَى) رواه الإمام أحمدُ وصحَّحه الهيثمي وأحمد شاكر.
خامساً: إذا دَعَوتَ اللهَ وأنتَ مظلومٌ: (قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُم: الصائمُ حتى يُفْطِرَ، والإمامُ العادلُ، ودَعْوَةُ المظلُومِ يَرْفَعُها اللهُ فَوْقَ الغَمَامِ، ويَفْتَحُ لَها أبوابَ السَّماءِ ويقولُ الرَّبُّ: وعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ ولوْ بعدَ حِينٍ) رواه الترمذيُّ وقال: (حديثٌ حَسَن).
وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (واتَّقِ دَعْوَةَ المظْلُومِ، فإنهُ ليسَ بيْنَهُ وبينَ اللهِ حِجَابٌ) متفقٌ عليه.
سادساً: عند خُروجِ رُوحِ المؤمنِ: قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (إنَّ المؤمنَ إذا كانَ في إقبالٍ مِنَ الآخرةِ وانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنيا، تَنَزَّلَتْ إليهِ الملائكةُ كأَنَّ على وُجُوهِهِمُ الشَّمْسَ، معَ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُم كَفَنٌ وحَنُوطٌ، فجَلَسُوا منهُ مَدَّ البَصَرِ، حتى إذا خَرَجَ رُوحُهُ صَلَّى عليهِ كُلُّ مَلَكٍ بينَ السَّمَاءِ والأرضِ، وكُلُّ مَلَكٍ في السَّمَاءِ، وفُتِحَتْ لهُ أبوابُ السَّمَاءِ، ليسَ مِنْ أهلِ بابٍ إلاَّ وهُمْ يَدْعُونَ اللهَ أنْ يُعْرَجَ برُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ) الحديث رواه الإمامُ أحمد وصحَّحه الألباني.
نسألُ اللهَ اللطيفَ من فضلهِ العظيم.
الخطبة الثانية
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُهُ ورسولُهُ.
أمَّا بعدُ:
(فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، و (لا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).
أمَّا بعدُ: وأما الأوقات التي تُفتَحُ فيها أبواب السماء، والمقترنة بالوقت دون فعل المكلَّف:
أولاً: عندَ النِّداءِ بالصلاةِ: قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (إذا نُودِيَ بالصلاةِ، فُتِحَتْ أبوابُ السَّمَاءِ، واسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ) رواه أبو داود الطيالسي وصحَّحه الألباني.
ثانياً: عندَ إقامةِ الصلاةِ: قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (إذا ثُوِّبَ بالصلاةِ، فُتِحَتْ أبوابُ السَّمَاءِ، واسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ) رواه الإمام أحمد وقال الألباني: (صحيحٌ لغيره).
ثالثاً: في جوفِ الليلِ: قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (إذا كانَ ثُلُثُ الليلِ الباقي، يَهْبِطُ اللهُ عزَّ وجَلَّ إلى السَّمَاءِ الدُّنيا، ثمَّ تُفْتَحُ أبوابُ السَّمَاءِ، ثمَّ يَبْسُطُ يَدَهُ فيَقُولُ: هلْ مِنْ سائلٍ يُعْطَى سُؤْلَهُ؟ فلا يَزَالُ كذلكَ حتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ) رواهُ الإمامُ أحمد وقال الهيثميُّ: (رجالُه رجالُ الصحيح)، وصحَّحه أحمد شاكر والألباني.
رابعاً: عندَ حُضورِ الصلاةِ والصَّفِّ في سبيلِ اللهِ: فعنْ (سَهْلِ بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ أنهُ قالَ: سَاعَتانِ تُفْتَحُ فيهما أبوابُ السَّمَاءِ، وقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عليهِ دَعْوَتُهُ، حَضْرَةُ النِّدَاءِ بالصلاةِ، والصَّفُّ في سبيلِ اللهِ) رواه الإمامُ مالك، وقال ابنُ عبد البرِّ: (ومِثْلُهُ لا يُقالُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ) وصحَّحه الألباني.
خامساً: صلاةُ أربعِ رَكَعَاتٍ قبلَ الظُّهرِ: فعنْ (عبدِ اللهِ بنِ السائبِ أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يُصلِّي أَرْبَعاً بعدَ أنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قبلَ الظُّهْرِ، وقالَ: إنها ساعةٌ تُفْتَحُ فيها أبوابُ السَّمَاءِ، وأُحِبُّ أنْ يَصْعَدَ لي فيها عَمَلٌ صالحٌ) رواهُ الترمذيُّ وقال: (حَسَنٌ غَرِيبٌ) وصحَّحه الألباني.
سادساً: يومي الاثنينِ والخميس: قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (تُفْتَحُ أبوابُ السَّمَاءِ كُلَّ يومِ اثنينِ وخميسٍ، فيُغْفَرُ ذلكَ اليوْمَ لكُلِّ عبدٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شيئاً، إلاَّ امْرَأً كانَ بينهُ وبينَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فيُقالُ: أَنْظِرُوا هذينِ حتى يَصْطَلِحا) رواه الإمامُ أحمد وصحَّحه مُحقِّقُو المسند.
سابعاً: في شهر رمضان: (قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إذا دَخَلَ شَهْرُ رمَضَانَ فُتِّحَتْ أبوابُ السَّمَاءِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ) رواه البخاريُّ.
وبعدُ يا عبدَ اللهِ ويا أَمَةَ اللهِ: احْرِصُوا على عِمارةِ هذهِ الأوقاتِ والساعاتِ الشريفةِ التي تُفتَحُ فيها أبوابُ السماواتِ بالدُّعاءِ وأنواعِ العبادةِ المشروعةِ، رزقني الله وإياكم ووالدينا وأهلينا والمسلمين والمسلماتِ مِن فضلهِ، آمين.
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
شبكة الالوكة
تعليق