توجيهات قبل أيام الامتحانات
أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
الألوكة
الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد ألا إله إلا الله، أمر بالاستعداد للدار الآخرة، وأخبر أن الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء وحساب، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، خير من عمل في الدار الدنيا؛ استعدادًا ليوم المعاد - صلى الله عليه وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - وراقبوه واعملوا بطاعته، تفوزوا وتفلحوا يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
أيها المؤمنون:
يتوجه أبناؤنا وبناتنا يوم غدٍ لقاعات الاختبارات وكلنا أمل أن يوفقهم الله، ويعينهم ويجعل النجاح حليفهم، فمن جد وجد، ومن زرع حصد، وكل مجتهد له من عمله نصيب.
إخوتي في الله، ورغبة في توجيه وتسديد أبنائنا وبناتنا وأولياء أمورهم - أضع بين أيديكم هذه الوصايا؛ لعلَّ الله أن ينفع بها؛ إنه سميع مجيب:
أولاً: أهنِّئ كل أب متابع وأم حنون يدفعان أبناءهم وبناتهم للجد والاجتهاد، والمثابرة والتفوق، وأبشِّرهم بالأجر الجزيل، والثواب العظيم، فالله لن يضيع جهد كل عامل مخلص في هذه الحياة الدنيا.
ثانيًا: أنبِّه كل أبوين غافلين يهملان أولادهم، واحذِّرهم من مغبة التفريط والإهمال؛ فذلك ينعكس على الأبناء والبنات، وبالتالي على الأسرة، ثم على المجتمع بأَسْره.
ثالثًا: احرصوا أيها الآباء والأمهات على أن تربوا في نفوس أولادكم الاعتماد على الله في كل شيء، واللجوء إليه والتوكُّل عليه، ثم الاعتماد على النفس، وتحذيرهم من الغش والتحايل؛ فذلك سراب خادع سَرعان ما يندم صاحبه؛ لأن ما بُنِي على الباطل فهو باطل، امْلَؤُوا قلوب أولادكم خوفًا ومراقبة لله، وإخلاصًا في العمل؛ لتجنوا ثمرة ذلك في الدنيا والآخرة.
رابعًا: احذروا أيها الآباء والأمهات، وحذروا أبناءكم وبناتكم من أصدقاء، وصديقات السوء؛ فهم يكثرون في أيام الاختبارات، وكثيرًا ما يجرَّون الغافل ويخدعون أصحاب القلوب النقيَّة، ويعظم فساد هؤلاء حين يروِّجون للمخدرات، ويغشون بها الأبرياء؛ بحجة أنها تُعين على الفَهْم والاستيعاب، وذلك والله جريان خلف سراب خادع، ووهمٍ قاتل، ألا قاتل الله هؤلاء المفسدين وفضح أمرهم، ومكَّن أجهزة المتابعة من القبض عليهم؛ فهُمْ عناصر هدمٍ وفساد في المجتمع، لا كثَّرهم الله.
خامسًا: أوصي الآباء بمتابعة خروج أبنائهم وبناتهم؛ حيث يختلف موعد خروجهم من المدرسة، ويكثر الفراغ لديهم، ويكثر أصحاب السوء وقد يتلقفونهم عند أبواب المدارس في غفلة من أهليهم، وهنا لا بد من الحزم في المواعيد، والتنسيق الجيد مع المدارس للبنين والبنات.
سادسًا: يكثر التفحيط والعبث ضحى أيام الاختبارات، لا سيَّما من الشباب الذين لا يتابع آباؤهم ويتركونهم هملاً في الشوارع، يؤذون أنفسهم وغيرهم، وقد يتسببون في إزهاق أرواحهم وأرواح غيرهم، والمسؤولية هنا على أولياء أمورهم؛ فلينتبه كل من يريد لنفسه وأهل بيته النجاة.
سابعًا: يتناقل الطلاب والطالبات بعض رسائل الجوَّال حول أدعية معينة محددة للاختبارات، وهذه لا أصل لها، بل على الطالب والطالبة أن يدعو بما يحب، لكن دون تحديد لنوع من الدعاء أو وقت معين، أو مادة معينة أو سؤال محدد، فكل هذه الأدعية التي تنتشر في هذه الأيام لا ينبغي الأخذ بها، بل علينا تنبيه الناس حولها وتحذيرهم منها.
ثامنًا: احذروا أيها الطلاب والطالبات من السهر؛ فهو آفة الاختبارات، وكم من شاب أو فتاة سهر طول الليل، ولما جلس على كرسي الاختبار، نسي كل ما قرأه، وتسلَّطَ عليه النوم، وقد شاهدنا نماذج لذلك في قاعات الاختبارات في الجامعة.
تاسعًا: ينبغي على الطلاب والطالبات التركيز والاهتمام، واستيعاب المعلومات، ولتكن القاعدة عند الطالب: إذا لم تستطع شيئًا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع، وليحذر الطالب والطالبة من التركيز على فقرة تصعب عليه، ويضيع عليه الوقت، ويتشتت ذهنه، ثم يضيق عليه الوقت عن الإجابة على الفقرات الأخرى، وقد تكون سهلة مفهومة واضحة.
عاشرًا: احرصوا - أيها الطلاب والطالبات - على الطاعة، وأكثروا من العمل الصالح، وأكثروا من الدعاء، واطلبوا دعاء الوالدين، واحرصوا على برِّهم، فذلك كفيل - بإذن الله - بأن يكون التوفيق حليفكم، والنجاح رفيق دربكم، وصدق الله العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل الحياة الدنيا دار ابتلاء واختبار، وأشهد ألا إله إلا الله وفق من شاء لطاعته، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، إمام المرسلين، وسيد الخلق أجمعين - صلى الله عليه وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها المعلمون والمعلمات، احمدوا الله واشكروه؛ أن خصَّكم بهذه المهنة العظيمة الجليلة، وهي مهنة التعليم، واعلموا أن الأمانة ثقيلة، وأن الجزاء من جنس العمل، فاجتهدوا - أعانكم الله - في تقويم الطلاب والطالبات، واحرصوا على العدل؛ فالاختبار ميزان دقيق، وقد تكون الدرجة الواحدة بابًا لتفضيل بعض الطلاب على بعض، ولا سيَّما عند الطلاب المتفوقين والعدل.
أيها الإخوة:
قامت عليه السماوات والأرض، بل أمر الله به حتى مع الكفَّار؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: الآية8].
وأنتم - يا أولياء الأمور - هيِّئوا الجو المناسب لأبنائكم وبناتكم، وفروا لهم ما يحتاجون إليه من الهدوء والسكينة، وأبعدوهم عن كل ما يُسبب القلق، وساعدوهم فيما يعسر عليهم من المواد، ولا تثقلوهم فيما تكلفونهم به من الأعمال داخل البيت وخارجه، فالوقت ثمين دائمًا.
ولا سيَّما في هذه الأيام وعلى قدر الطموح يكون العمل، واحرصوا - بارك الله فيكم - على الدعاء لهم بالتوفيق والصلاح؛ فدعوة الوالد مستجابة؛ قال - صلى اله عليه وسلم -: ((ثلاث دعوات لا تُرد؛ دعوة الوالد لولده، ودعوة المسافر، ودعوة الصائم))، وفي رواية (المظلوم)؛ رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة، (4/ 406، رقم 1797).
اللهم احفظ أبناءنا وبناتنا بحفظك واكلأهم برعايتك، ووفقهم لخيري الدنيا والآخرة.
اللهم يسِّر أمورهم واشرح صدورهم، وأصلح فساد قلوبهم، واجعلهم قُرَّة عين لوالديهم.
اللهم وفقهم للنجاح في الدنيا، والفوز في الآخرة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا، اللهم أدم علينا نعمة الصحة والعافية.
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو ولاة أمرنا بسوء، اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه.
اللهم وفق المرابطين على حدودنا الجنوبية، وسددهم وأعنهم واحفظهم من بين أيديهم، ومن خلفهم وانصرهم على القوم الظالمين.
اللهم إنا نستغفرك؛ إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا.
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسق به البلاد والعباد واجعله زادًا للحاضر والباد.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
هذا وصلوا وسلموا على صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
تعليق