علامة قبول رمضان
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
الحمد لله الذي افتتحَ أشهر الحجِّ بشهرِ شوال، وجعله مُتَّجراً لنيل الفضائل والإفضال،
فسبحانه من إلهٍ عظيمٍ مُتفرِّدٍ بصفاتِ الكمال والجلال، عالمٍ بالسرائر والبواطنِ وجميعِ الأحوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبيرُ المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليلُه الصادقُ الْمَقال،
اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليماً.
أمَّا بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى، واحذروا المعاصي فإنها مُوجباتٌ للخُسران والإذلال، ولا تُبطلوا ما أسلفتُم في شهر الصيام من صالح الأعمال، ولا تُكدِّرُوا ما صَفا لكم فيه من الأوقات والأحوال،
فكما أن الحسناتِ يُذهبنَ السيئاتِ فكذلكَ السيئاتُ يُبطلنَ صالحَ الأعمال، ألا وإن علامةَ قبولِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها، وإن علامةَ ردِّها أن تُتبع بقبيحِ الأفعال، وقد قيل: ذنبٌ بعد توبةٍ أقبحُ من سبعين قبلها على التوال.
واعلموا أن شهرَ شوالٍ شهرُ بركةٍ واحترامٍ،
جعلَهُ الله بين شهرِ صيامٍ وشهرٍ حَرام، وقد جعلَ اللهُ أوله لأُمَّتنا عيداً، وآخِرَهُ يَقفُل لِحَجِّ بيته المُعظَّمِ مَن كان بعيداً، وقد استفتَحَهُ الله بعيدٍ يملأ القُلُوبَ سُروراً، فلا تَعْصُوا فيه ربَّكم فيعُودَ سُرورُ العيدِ ثُبُوراً، فالمعاصي تُخرِّبُ الدِّيارَ العامرة، وتُورثُ الخِزيَ في الدنيا والآخرة.
فاستقبلوا هذا الشهرَ بما يُرضي الْمَلكَ الخلاَّق، وتقرَّبوا إليه بالصدقة والإنفاق وصيام ستة أيام منه،
قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (مَن صَامَ رمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّاً مِن شوَّالٍ كانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه مسلم.
وفَّقني الله وإياكم لما يُرضيه عنَّا، وتجاوزَ لنا عن التقصيرِ وقَبِلَ اليسيرَ منَّا، آمين.
الخطبة الثانية
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّداً صلى الله عليه وسلم عبدُه ورسولُه.
أمَّا بعدُ: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرُ الهُدَى هُدَى مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وشرُّ الأُمُورِ مُحدَثاتُها، وكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ.
عباد الله: ذهَبَ جَمَاهيرُ الفُقَهاءِ إلى استحبابِ صيامِ الستِّ من شوَّالٍ سواء كانت متتابعة أو متفرِّقة، في أول الشهر عقب العيد أو وسطه أو آخره، واختلفوا في الأفضل.
قال الترمذي رحمه الله: («واختارَ ابنُ المُبارَكِ أنْ تكُونَ ستَّةَ أيامٍ في أوَّلِ الشهرِ»، وقد رُوِيَ عن ابنِ المُبارَكِ أنهُ قال: «إنْ صامَ ستَّةَ أيامٍ من شوَّالٍ مُتفرِّقاً فهوَ جائزٌ») انتهى.
وقال النووي: (قال أصحابُنا: والأفضَلُ أنْ تُصامَ الستَّةُ مُتواليَةً عَقِبَ يومِ الفِطْرِ، فإنْ فرَّقَها أو أخَّرَها عن أوائلِ شوَّالٍ إلى أواخرِهِ حَصَلَت فضيلةُ المُتابعةِ، لأنهُ يَصدُقُ أنهُ أَتبَعَهُ ستَّاً من شوَّالٍ) انتهى.
وقال الشيخُ ابنُ باز رحمه الله: (كلُّ شوَّالٍ محلُّ صومٍ، والأفضل البدار بها قبل العوائق، سواءً متتابعةً أو مُفرَّقة.. لكنَّ البدارَ أفضل، لقول الله عزَّ وجلَّ عن موسى: ﴿ قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84]، ولقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [آل عمران: 133] وقال جل وعلا: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]) انتهى.
وقال الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله: (الأفضل صيام الستة أيام من شوال أن تكون متتابعة، وأن تكون بعد يوم الفطر مباشرة، لِما في ذلك من المسارعة إلى الخير، ولا بأس أن يُؤخِّر ابتداء صومها عن اليوم الثاني من شوال، ولا بأس أن يُؤخِّر فيصومها الإنسان مُتفرِّقة إلى آخر الشهر) انتهى.
فاتقوا الله عباد الله ومهِّدوا لأنفسكم في زمن الإمهال، فإنما هي أيامٌ معدوداتٌ وليال.
منَّ الله عليَّ وعليكم بالخشية والمتاب، ولطفَ بنا عند الممات ويوم الحشر والحساب، آمين.
تعليق