شهر المحرم ونهاية العام
... أما بعد، فإن لقبول العمل عند الله عز وجل شرطين هما
الإخلاص وأن يكون موافقًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى في الحديث الإلهي:
( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه). رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ). متفق عليه.
وإن الناظر في حال بعض المسلمين يجدهم يقعون في أعمال مخالفة للشرع يظنونها صالحة وحسن النية لا يكفي في صلاح العمل.
ومن هذه الأعمال المخالفة للشرع ما يكون في نهاية كل عام وبداية آخر من أشياء يتقصد الناس عملها في هذا الوقت ويتقربون لله بها
فمن هذه الأعمال المخالفة للشرع: الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية.
والمسلم الذي يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا عليه أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم إن كان صادقا في محبته قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
فنبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن يحتفل بهذه الذكرى وكذلك أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أشد منا حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحتفلوا بها، يقول الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء:
إن ذكرى الهجرة يجب أن تكون على بال المسلم طول السنة لا في أيام مخصوصة؛ فإن تحديد أيام مخصوصة للاحتفال بمناسبة الهجرة النبوية أو لتدارسها.. إن هذا التخصيص بدعة (وكل بدعة ضلالة) فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا القرون المفضلة من بعدهم يخصون هذه المناسبة باحتفال يتكرر كل عام، وإنما كان السلف الصالح والتابعون لهم بإحسان يدرسون سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم للاقتداء بها غير متقيدين بوقت معين. انتهى كلامه حفظه الله.
ثم ليعلم أن الهجرة لم تكن في أول المحرم كما يظنه بعض الناس، بل كانت في ربيع الاول فإن الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه اتفقوا على أن يكون مبدأ التاريخ من السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الصحابة بعد ذلك اتفقوا على ترجيح البداءة بالمحرم لأنه شهر حرام ويلي ذا الحجة الذي فيه أداء الناس حجهم والذي به تمام أركان الإسلام لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة.
ومما ينبه عليه ما يتداوله الناس في الرسائل وغيرها من قولهم إن صحائف الأعمال تطوى آخر العام فاختم عامك بعمل صالح.
وهذا الكلام خطأ إذ لا دليل على أن الصحائف تطوى آخر العام. بل الأدلة على خلافه قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾ [التكوير: 10] ونشرها يكون يوم القيامة وهذا دليل على أنها تطوى قبل ذلك بموت الإنسان كما ذكر المفسرون عند هذه الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل).صحيح مسلم - الإيمان (179)
قال النووي رحمه الله: الملائكة الحفظة يصعدون بعمل الليل بعد انقضائه في أول النهار ويصعدون بعمل النهار بعد انقضائه في أول الليل. ا.هـ
وقال ابن القيم رحمه الله: عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق أنه شهر ترفع فيه الأعمال قال: فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعرض عمل اليوم في آخره والليلة في آخرها كما في حديث أبي موسى الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل.
فهذا الرفع والعرض اليومي أخص من العرض يوم الاثنين والخميس والعرض فيها أخص من العرض في شعبان ثم إذا انقضى الأجل رفع العمل كله وعرض على الله وطويت الصحف وهذا عرض آخر. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وقولهم في العبارة السابقة اختم عامك بعمل صالح ويذكرون من هذه الأعمال الصيام والدعاء والاستغفار والتوبة ومحاسبة النفس وغيرها هو قول مخالف للشرع فلا يجوز تخصيص آخر العام بعبادة بل ذلك بدعة، فإن تقييد العبادات بزمان بغير دليل هو من الإحداث في دين الله.
ومن بدع نهاية العام تقصد آخر جمعة من السنة بعبادة كاستغفار أو دعاء، ولم يرد على هذا التخصيص دليل فتجد بعض الناس يتداولون الرسائل يتواصون فيها بعبادة معينة في آخر جمعة من العام وكل هذا من المحدثات في الدين إذ هذه الجمعة كغيرها من الجُمَع.
ومن المخالفات أيضاً تقصد طلب المسامحة من الناس في آخر السنة.
وطلب المسامحة هذا لا يجوز أن يتقصد به آخر العام بل هو مشروع ضمن التوبة من التعدي على الناس في عرض أو شيء وهذا العمل لا يختص بآخر العام قال صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمةٌ لأحدٍ من عرضِه أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليومَ، قبل أن لا يكونَ دينارٌ ولا درهمٌ، إن كان له عملٌ صالحٌ أخذ منه بقدرِ مظلمتِه، وإن لم تكنْ له حسناتٌ أخذ من سيئاتِ صاحبِه فحمل عليه. رواه البخاري.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
الخطبة الثانية
...أما بعد، فإن شهر الله المحرم الذي سيهل علينا بعد أيام هو شهر معظم في الجاهلية والإسلام.
وهو أحد الأشهر الحرم الأربعة، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها، وقد جاءت الإشارة إليهن في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]
وجاء تسمية هذه الأشهر في قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ". رواه البخاري ومسلم.
والطاعة في هذه الأشهر الحرم أعظم أجراً، والسيئة أشد إثماً.
قال ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ...﴾ [التوبة: 36]:
قال تعالى: ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36] أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25] وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام... وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ﴾ [التوبة: 36] الآية ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36] في كلِّهن، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما، وعَظم حُرُماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.
وقال قتادة في قوله: ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36] إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا، من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.
ومما جاء في فضل شهر المحرم قول رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ». رواه مسلم
وفي هذا فضيلة لشهر الله المحرم من وجهين أولهما أنه لم يأت في الكتاب والسنة إضافة شهر إلى الله إلا هذا الشهر مما يدل على تعظيمه وعلو قدره عند الله.
وثانيهما: تخصيصه بكون الصيام فيه أفضل الصيام بعد رمضان.
وقد دل الحديث على أنه يسن صيامه كله ومن لم يستطع فليكثر فيه من الصوم فإن أجر الصيام فيه مضاعف وآكد أيامه صوماً هو يوم عاشوراء الذي يكفر صيامه سنة كاملة.
قال العلامة ابن باز رحمه الله بعد أن ذكر الحديث السابق: والمعـنى أنه يصومه كله من أوله إلى آخره من أول يوم منه إلى نهايته هذا معنى
الحديث. ا.هـ
فعلى المسلم أن يحرص على الاستكثار من صيام هذا الشهر إن لم يصمه كله.
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصوم شهر المحرم كله.
بل إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصومون أكثر أيام العام لعلمهم بعظيم أجر الصوم وأذكر هنا بحديثين في فضل الصوم فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ». رواه مسلم.
وهذا دليل على أن الصيام يضاعف أجره إلى أكثر من سبعمائة ضعف بلا حد ولا مقدار.
وعن أبي أمامة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت مرني بأمر آخذه عنك، قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له. رواه النسائي.
اللهم ارزقنا العمل بالصالحات وتقبل منا يا جواد يا كريم...
الشيخ / عبدالله رجا الروقي
منقول موقع الألوكة
... أما بعد، فإن لقبول العمل عند الله عز وجل شرطين هما
الإخلاص وأن يكون موافقًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى في الحديث الإلهي:
( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه). رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ). متفق عليه.
وإن الناظر في حال بعض المسلمين يجدهم يقعون في أعمال مخالفة للشرع يظنونها صالحة وحسن النية لا يكفي في صلاح العمل.
ومن هذه الأعمال المخالفة للشرع ما يكون في نهاية كل عام وبداية آخر من أشياء يتقصد الناس عملها في هذا الوقت ويتقربون لله بها
فمن هذه الأعمال المخالفة للشرع: الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية.
والمسلم الذي يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا عليه أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم إن كان صادقا في محبته قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
فنبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن يحتفل بهذه الذكرى وكذلك أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أشد منا حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحتفلوا بها، يقول الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء:
إن ذكرى الهجرة يجب أن تكون على بال المسلم طول السنة لا في أيام مخصوصة؛ فإن تحديد أيام مخصوصة للاحتفال بمناسبة الهجرة النبوية أو لتدارسها.. إن هذا التخصيص بدعة (وكل بدعة ضلالة) فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا القرون المفضلة من بعدهم يخصون هذه المناسبة باحتفال يتكرر كل عام، وإنما كان السلف الصالح والتابعون لهم بإحسان يدرسون سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم للاقتداء بها غير متقيدين بوقت معين. انتهى كلامه حفظه الله.
ثم ليعلم أن الهجرة لم تكن في أول المحرم كما يظنه بعض الناس، بل كانت في ربيع الاول فإن الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه اتفقوا على أن يكون مبدأ التاريخ من السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الصحابة بعد ذلك اتفقوا على ترجيح البداءة بالمحرم لأنه شهر حرام ويلي ذا الحجة الذي فيه أداء الناس حجهم والذي به تمام أركان الإسلام لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة.
ومما ينبه عليه ما يتداوله الناس في الرسائل وغيرها من قولهم إن صحائف الأعمال تطوى آخر العام فاختم عامك بعمل صالح.
وهذا الكلام خطأ إذ لا دليل على أن الصحائف تطوى آخر العام. بل الأدلة على خلافه قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾ [التكوير: 10] ونشرها يكون يوم القيامة وهذا دليل على أنها تطوى قبل ذلك بموت الإنسان كما ذكر المفسرون عند هذه الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل).صحيح مسلم - الإيمان (179)
قال النووي رحمه الله: الملائكة الحفظة يصعدون بعمل الليل بعد انقضائه في أول النهار ويصعدون بعمل النهار بعد انقضائه في أول الليل. ا.هـ
وقال ابن القيم رحمه الله: عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق أنه شهر ترفع فيه الأعمال قال: فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعرض عمل اليوم في آخره والليلة في آخرها كما في حديث أبي موسى الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل.
فهذا الرفع والعرض اليومي أخص من العرض يوم الاثنين والخميس والعرض فيها أخص من العرض في شعبان ثم إذا انقضى الأجل رفع العمل كله وعرض على الله وطويت الصحف وهذا عرض آخر. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وقولهم في العبارة السابقة اختم عامك بعمل صالح ويذكرون من هذه الأعمال الصيام والدعاء والاستغفار والتوبة ومحاسبة النفس وغيرها هو قول مخالف للشرع فلا يجوز تخصيص آخر العام بعبادة بل ذلك بدعة، فإن تقييد العبادات بزمان بغير دليل هو من الإحداث في دين الله.
ومن بدع نهاية العام تقصد آخر جمعة من السنة بعبادة كاستغفار أو دعاء، ولم يرد على هذا التخصيص دليل فتجد بعض الناس يتداولون الرسائل يتواصون فيها بعبادة معينة في آخر جمعة من العام وكل هذا من المحدثات في الدين إذ هذه الجمعة كغيرها من الجُمَع.
ومن المخالفات أيضاً تقصد طلب المسامحة من الناس في آخر السنة.
وطلب المسامحة هذا لا يجوز أن يتقصد به آخر العام بل هو مشروع ضمن التوبة من التعدي على الناس في عرض أو شيء وهذا العمل لا يختص بآخر العام قال صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمةٌ لأحدٍ من عرضِه أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليومَ، قبل أن لا يكونَ دينارٌ ولا درهمٌ، إن كان له عملٌ صالحٌ أخذ منه بقدرِ مظلمتِه، وإن لم تكنْ له حسناتٌ أخذ من سيئاتِ صاحبِه فحمل عليه. رواه البخاري.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
الخطبة الثانية
...أما بعد، فإن شهر الله المحرم الذي سيهل علينا بعد أيام هو شهر معظم في الجاهلية والإسلام.
وهو أحد الأشهر الحرم الأربعة، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها، وقد جاءت الإشارة إليهن في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]
وجاء تسمية هذه الأشهر في قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ". رواه البخاري ومسلم.
والطاعة في هذه الأشهر الحرم أعظم أجراً، والسيئة أشد إثماً.
قال ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ...﴾ [التوبة: 36]:
قال تعالى: ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36] أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25] وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام... وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ﴾ [التوبة: 36] الآية ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36] في كلِّهن، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما، وعَظم حُرُماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.
وقال قتادة في قوله: ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36] إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا، من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.
ومما جاء في فضل شهر المحرم قول رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ». رواه مسلم
وفي هذا فضيلة لشهر الله المحرم من وجهين أولهما أنه لم يأت في الكتاب والسنة إضافة شهر إلى الله إلا هذا الشهر مما يدل على تعظيمه وعلو قدره عند الله.
وثانيهما: تخصيصه بكون الصيام فيه أفضل الصيام بعد رمضان.
وقد دل الحديث على أنه يسن صيامه كله ومن لم يستطع فليكثر فيه من الصوم فإن أجر الصيام فيه مضاعف وآكد أيامه صوماً هو يوم عاشوراء الذي يكفر صيامه سنة كاملة.
قال العلامة ابن باز رحمه الله بعد أن ذكر الحديث السابق: والمعـنى أنه يصومه كله من أوله إلى آخره من أول يوم منه إلى نهايته هذا معنى
الحديث. ا.هـ
فعلى المسلم أن يحرص على الاستكثار من صيام هذا الشهر إن لم يصمه كله.
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصوم شهر المحرم كله.
بل إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصومون أكثر أيام العام لعلمهم بعظيم أجر الصوم وأذكر هنا بحديثين في فضل الصوم فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ». رواه مسلم.
وهذا دليل على أن الصيام يضاعف أجره إلى أكثر من سبعمائة ضعف بلا حد ولا مقدار.
وعن أبي أمامة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت مرني بأمر آخذه عنك، قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له. رواه النسائي.
اللهم ارزقنا العمل بالصالحات وتقبل منا يا جواد يا كريم...
الشيخ / عبدالله رجا الروقي
منقول موقع الألوكة
تعليق