السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله وبياكم
الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات: يسر فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
أن يقدم لكم:
تفريغ حلقة قيام الليل من سلسلة كونوا ربانيين للشيخ أحمد جلال
سائلين الله -عز وجل- أن يجعله في ميزان حسنات كل من شارك فيه
وأن يبارك في فريق عمل التفريغ
لتحميل التفريغ بصيغة pdf من هنا
لتحميل المادة الصوتية بجودات مختلفة من هنا
وإليكم نص التفريغ:
صاحب الغاية الدنيوية يسعى لتحقيقها فكيف بمن كانت الربانية غايته؟
بالأمس كنا اتكلمنا على الطريق إلى الربانية، وقلت لكم إن ربنا -سبحانه وتعالى- تكلم في القرآن عن الربانيين، وإن هؤلاء هم أهل التمكين في الدنيا، وأهل الرِّفْعَة والدرجات العُلَى في الآخرة، ودايمًا بنبقى محتاجين عايزين نعرف إزاي نصل لهؤلاء.
بصوا يا جماعة الإنسان مننا النهارده لما يكون عايز يكون طبيب، يكون دكتور ومشهور ومعروف، بيمَوِّت نفسه ويقَطَّع نفسه مذاكرة في ثانوي، ودروس ومراجعات، وبيصرف فلوس كتير جدًّا جدًّا جدًّا، علشان يجيب في النهاية 99.5% ويخش كلية طب، يقعد 6 سنين طحن، الناس في إجازات وهو شغَّال، وبعد كده ياخد سنة امتياز، وبعد كده ييجي التكليف بتاعه مش عارف فين، كل ده عشان يصل في النهاية إنه يبقى دكتور أو طبيب.
الطريق إلى الربانية محتاج مننا تعب، ومحتاج مننا مجهود، اليوم بإذن الله -تبارك وتعالى- نتكلم على أول صفة من صفات الربانيين، هي قيامهم لليل، أنا عارف كويس جدًّا الصلاة بتبقى طويلة بنقرأ بجزء، والناس تعبانة والجو حار والدنيا زحمة، بس صدقني هو ده الطريق، هو ده الطريق اللي بيوصَّل لله -عز وجل- إنك لازم تتعب، وصدقني على قدر ما بنتعب في الدنيا هنرتاح يوم القيامة بين إيدين ربنا -سبحانه وتعالى-.
مش عايز أطَوّل، أنا عايز أخُشّ في صلب الموضوع..
الربانيون وحالهم مع قيام الليل
من أبرز سمات الربانيين وأبرز صفاتهم قيامهم لليل، وارتباطهم بالليل ارتباط قوي جدًّا جدًّا جدًّا، بيقولوا دايمًا: في الليل كل مُحِبّ بيأوي إلى حبيبه ويسكن إليه، أما الربانيون فليلهم مأوى إلى الله -سبحانه وتعالى- وفرار إليه.
الصحابة يقومون الليل بالرغم من التعب.. هذا حال المحبين
تقول هند زوجة أبي سفيان: في اليوم اللي فتح فيه النبي -صلّى الله عليه وسلم- مكة، تخيل فَتْح مكة كان في رمضان، يعني الصحابة جايين في شهر رمضان وفي تعب وفي نَصَب، وكل واحد و هو جاي لابس الدرع بتاعه وشايل السلاح بتاعه، وجايين مسافة حوالي 500 كيلو من المدينة لحد مكة، وأول ما وصلوا والله -سبحانه وتعالى- فتح عليهم مكة، حنُّوا إلى ربهم واشتاقوا إليه لأول مرة دلوقتي هيروحوا يسجدوا ويصلوا بين إيدين ربنا في جوف الكعبة في بيته -سبحانه وتعالى-.
رأت هند بنت عتبة حال الصحابة -رضوان الله عليهم بالليل-، ففي الصباح قالت لزوجها أبي سفيان: "يا أبا سفيان إنني أريد أن أذهب فأبايع محمدًا، والله يا أبا سفيان ما عُبد الله بحق إلا في هذه الليلة، والله ما عُبد الله بحق في هذا المكان إلا في هذه الليلة، والله يا أباسفيان لقد راقبتهم بالليل فما منهم واحد إلا و راكع أو ساجد أو قارئ لكتاب الله -عز وجل-".
وأسلمت هند بنت عتبة أمام هذا المشهد اللي شافته من ناس بحق يطلق عليهم إن هُمَّ ربانين، الناس رغم التعب والإرهاق والمشقة إنما جيل الصحابة -رضوان الله عليهم- جيل يُطلق عليه إنه جيل رباني، ليه؟ بقولَّك رغم التعب والنصب ده كله أول ما وصل لبيت الله الحرام.
بعض مثلًا إيه.. خلي فريق كورة ياخد النهارده كأس العالم، تلاقيه -والعياذ بالله- يبات بقى في المجون والرقص، وشرب الخمر والكلام ده.
إنما سبحان الله النبي يفتح مكة هو والصحابة فلا يعرفون إلا الركوع والسجود والقراءة والبكاء بين يدي الله في هذه الليلة.
لماذا استحق هذا الجيل النصر والتمكين؟
ولما فتح الله -سبحانه وتعالى- على المسلمين الفتوح، وأرسل أبو بكر جيوشه حتى وصلت إلى مملكة الشام، قال الكوكلار أحد قادة الروم في هذا الوقت، -ما تنسوش الاسم ده- قال الكوكلار: عليَّ أن أدُس عينًا من العرب على هذا الجيش لأعلم لماذا ينتصرون علينا..
فلما أرسل عينًا؛ علشان يبص على جيش المؤمنين في البداية، الناس دي بتنتصر ليه؟ فأتى إليه هذا العين وقال: "أيها الأمير لقد رأيت هؤلاء رهبانٌ بالليل فرسانٌ بالنهار، والله لو سرق ابن ملكهم لقطعوا يده" فقال الكوكلار: "والله لباطن الأرض خيرٌ لنا من مقاتلة هؤلاء"، باطن الأرض خيرٌ لنا من مقاتلة هؤلاء.
ولا يزال الله -عز وجل- يفتح الفتوح حتى وصلت إلى خلاص معركة اليرموك بوابة دخول الشام، أرسل هرقل خلاص بقى ملك الدولة، أرسل هرقل إلى القساوسة وإلى الرهبان؛ ليسأل لماذا ينتصر هؤلاء علينا، فقالوا هؤلاء يقضون ليلهم بين الصلاة والركوع والسجود والبكاء، فقال: حُق لهم أن ينتصروا علينا.
أبرز سمة كانت بتميز الجيل ده قيامهم لليل.
يقول الله -سبحانه وتعالى- واصفًا شأنهم علشان أنا بقول النهارده الآيات دي لينا، مش لهم بس، عايزين النهارده أول يوم في رمضان وتاني ليلة من ليالي رمضان، تكون زي الليلة العاشرة والليلة 15، والليلة العشرين.
يا ابني إنت بتقرب من ربنا جدًّا في هذه الأوقات بصلاتك دي، بتتعب؟ آه عارف إنك بتتعب، الجو حار؟ أيوه أنا عارف إن الجو حار، بس صدقني "حُفَّتِ الجنَّةُ بالمَكارِهِ" صحيح مسلم، دي حاجات مكروهة لينا بس هيَّ دي طريق الجنة.
حال الصحابة الذي ارتضاه الله ومدحه في القرآن
النبي -صلّى الله عليه وسلم- يذكر لنا ما وصف الله به هؤلاء الربانين، فيقول ربنا -تبارك وتعالى-: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً" السجدة:16.
روى ابن جرير في تفسيره وأبو داوود في سننه بإسناد حسن، أن ابن مسعود قال:
"نزلت فينا هذه الآية" في أصحاب النبي -صلّى الله عليه وسلم-، "كانوا يصلون المغرب وينتظرون العشاء الآخرة في المسجد يصلون ويبكون".
المغرب ده هو وقت رجوع كل الصحابة من أعمالهم، وشغلهم مش من تمانية لتسعة الصبح، ده شغلهم من الفجر، مش شغلهم قاعد على مكتب، ده عَمَّال يكسَّر في حطب، وعَمَّال يجري في الصحراء في الرعي والكلام ده، يعني شغل متعِب ومرهِق، بمجرد ما يأتي إلى المغرب في صلاة المغرب ويدخل المسجد، أول ما يخش المسجد أول حاجة يعملها يقوم ويقف ويصلي بين إيدين ربنا -سبحانه وتعالى-، ويبكي؛ فأثنى الله عليهم بقوله "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ".
هذا كان حال عثمان بالليل فماذا عن حالك أنت؟
ربنا لما حب يوصف الصحابة لينا قاّلنا إن أبرز سمة من سماتهم كربانين، حالهم بالليل مع ربنا -سبحانه وتعالى-، قال الله في شأن عثمان: "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ" مش ساعة ولا ساعة ونص، "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ" الزمر:9، نزلت هذه الآية في عثمان -رضي الله عنه-.
ثبت بل تواتر عن عثمان -رضي الله عنه- أنه كان يقوم الليل كله، من بعد صلاة العشاء، يبدأ بالفاتحة، يبدأ بأوائل البقرة فلا يختم في ركعة الوتر إلا بالناس، جاب القرآن كله..
لما الخوارج دخلوا عليه في آخر حياته وهَمُّوا بقتله قالت لهم زوجته نائلة: "اقتلوه أو لا تقتلوه فوالله لقد كان يُحيي الليل كله بكتاب الله -عز وجل-".
هو ده الجيل اللي إحنا عايزين النهارده نكون زيه في رمضان، وبإذن الله بعد رمضان، لازم يكون ليك حال بالليل مع الله -سبحانه وتعالى-، ده كان حال عثمان.
انظر كيف أقام أنس بن مالك ليله
سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه-، حاله مع القيام كان وضع عجيب جدًّا، قسَّم الليل ثلاثة أثلاث بينه وزوجته وخادمه، فكان يقوم ثلث، والخادم يقوم ثلث، وأم أنس تقوم ثلث، فلما ماتت أمه قسَّم الليل إلى نصفين بينه وبين
خادمه.
عبد الله بن عمر النموذج الرباني وحاله مع القيام
عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- هذا الأُنْمُوذج الرباني، من الناس اللي نفسنا إن شاء الله نكون دول قدوتنا بإذن الله، عبد الله بن عمر، بيسألوا نافع: كيف حال عبد الله بن عمر في الليل؟ يقول نافع: والله كان بن عمر يقوم ويصلي ويبكي فإذا أنهى صلاته قال لي: "يا نافع أَسْحَرْنا؟" وقت السحر دخل؟ فأقول: لا، فيقوم فيصلي ويبكي فيقول: "يا نافع أسحرنا؟" فإذا قلت له أسحرنا ترك الصلاة وبدأ في الاستغفار -رضي الله عنه-.
ده حال عبد الله بن عمر راجل من الربانيين، قضاء الليل كله في الصلاة.
حال تميم الداري مع الله في الليل
تميم الداري -رضي الله عنه-، كان ليله كله علاقة طيبة مع الله -سبحانه وتعالى-، قراءة قرآن، وتدبر فيه وتدبر في المعاني، وصلاة، كان تميم الداري -رضي الله عنه- يقوم ليله كله يتلو قول الله -عز وجل-:
"أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ" الجاثية:21، يقرأ ويبكي -رضي الله عنه-.
نبينا إمام الربانية يعطينا درسًا في شكر النعم
الصحابة شافوا ده من رباني الأمة الأول، بل رباني الدنيا كلها من النبي محمد -صلّى الله عليه وسلم-، اللي استشعر إن قيامه بين إيدين ربنا، افتكر دي، افتكر إن قيامه بين إيدين ربنا هو بمثابة الشكر على كل نعمة ربنا سبحانه وتعالى مَنّ بيها علينا، كم من نعم إحنا مش شايفينها أصلًا، هذكر موقف أنا ذكرته لكم قبل كده بس عشان أقول لك نعم ربنا عليك لا تُعَد ولاتُحصى..
أخونا الدكتور أحمد السعيد جاي بيسألني سؤال بيقولّي أنا صليت بالناس في المسجد إمام، وبعد ما صليت لقيت على البالطو بتاعي غائط، فهو جَرَّاح، فقلت له دم؟ قالّي لأ غائط، فقلت له غائط؟ ليه، قالّي مفيش، حالة متأخرة شوية انسداد معوي، البراز -ربنا يعافيني يارب ويعافيكم- مش لاقي مخرج يخرج منه، لإن المخرج مسدود فإخراجه من فمه.
فسبحان الله شوف نعمة إنك تدخل الخلاء وتطلع، شكرت ربنا عليها؟ أفضل ما تشكر ربك -عز وجل- به على هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى، قيامك الليل.
النبي كان لما قام الليل كله، رجليه تورمت وفي ورواية تفطرت، وفي رواية دميت قدماه، رجليه بتجيب دم، "نبي الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان يقومُ منَ الليلِ حتى تتفَطَّرَ قدَماه، فقالتْ عائشةُ: لِمَ تَصنَعُ هذا يا رسولَ اللهِ، وقد غفَر اللهُ لك ما تقدَّم من ذَنْبِك وما تأخَّر؟ قال: أفلا أُحِبُّ أن أكونَ عبدًا شَكورًا" صحيح البخاري.
أنا شفت نعمة المغفرة فكان لازم أشكر ربنا -سبحانه وتعالى- عليها.
سهام الليل لاتخطئ
الليل، كل الخيرات اللي إنت عايزها في الليل، التَّقرُّب أو التنزُّل الإلهي من الله -عز وجل- على عباده بيكون بالليل ولّا بالنهار؟ بالليل، إذا كان ثلث الليل الآخر اللي إنت فيه واقف تصلي بين إيدين ربنا -سبحانه وتعالى-، أقرب ساعة يكون الرب فيها قريبًا منك بتكون في جوف الليل، "أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر" صححه الألباني، الساعة اللي فيها الإجابة لو عندك مشكلة، لو عندك أزمة من الأزمات بتمر بيها، لو عندك معصية ونفسك تسيبها هي ساعة في الليل.
إن في الليل لساعة، كلام النبي محمد: "سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: إنَّ في الليلِ لَساعةٌ، لا يوافقُها رجلٌ مسلمٌ يسأل اللهَ خيرًا من أمرِ الدنيا والآخرةِ، إلا أعطاه إياه، وذلك كلَّ ليلةٍ" صحيح مسلم.
لا تغفل عن قيام الليل حتى ولو بعشر آيات
يا شيخ بس بعد إذنك، أنا بس ببقى تعبان، مالكش عذر، يا شيخ.. النبي -صلّى الله عليه وسلم- قال: من قام بعشر آيات "مَنْ قامَ بعشرِ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ.." صححه الألباني، تعبان ومش قادر قوم صلي بعشر آيات، عارف يعني إيه عشر آيات؟ يعني الفاتحة سبعة آيات و إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، بس ما تسيبش قيام الليل.
إن شاء لله بإذن الله نكتفي بهذا القَدْر، ودرس بكرا إن شاء الله نُكْمِل أهم الفضائل الموروثة لنا، وإزاي نقدر فعلًا نستلذ بقيام الليل، ما يبقاش تقيل علينا، في درس بكرا إن شاء الله تبارك وتعالى.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تم بحمد الله
نتشرف بانضمامكم لفريق العمل
فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.
تعليق