السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله وبياكم
الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات: يسر فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
أن يقدم لكم:
تفريغ حلقة ::أهمية السنة:: للدكتور محمد فرحات من دورة عن رب العزة
لتحميل التفريغ بصيغة pdf منهنا
وإليكم نص التفريغ:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
نستكمل ما بدأناه في لقائنا السابق حول السنة، وكنا تكلمنا عن مفهوم السنة، وحددنا بعض المصطلحات وناقشنا بالتفصيل مصطلح الحديث القدسي، واليوم بإذن الله تعالى نستكمل بعض المفاهيم حول سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، من الأمور التي لا بد للإنسان أن يعيها جيدًا وأن يعلمها وتكون له على ذِكْر دائمًا هي منزلة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدين ومكانتها عندنا في الحياة.
السنة وحي من الله تعالى
مما يخفى على كثير من الناس أن السنة هي وحي من الله -سبحانه وتعالى-، ما أُوحِيَ به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: هو القرآن، وهو وحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- باللفظ والمعني.
القسم الآخر: مما أُوحي به إلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم- هي السنة، وهي وحي له بالمعنى، ثم كان التعبير عن هذا الوحي باللفظ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا أول شيء لابد أن يضعه المسلم في ذهنه حتى تستقيم بعد ذلك تعاملاته مع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الأدلة على أن السنة وحي من الله تعالى
ولكن ما الدليل على ما نقول؟ يعني ما الدليل على أن السنة أيضًا وحي من الله -سبحانه وتعالى-؟ الدليل على هذا بل الأدلة على هذا كثيرة:
منها قول الحق -سبحانه وتعالى-: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" النجم:3،4، فكل ما يتلفظ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو وحي يُوحَى، إلا ما استثناه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ما كانت هناك من القرائن ما يدل على أنه لا يُختص بالوحي.
كذلك في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتابَ ومِثْلَهُ معه، ألا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعانٌ على أرِيكَتِه يَقولُ: علَيكُم بِهذا القُرآنِ، فمَا وجَدْتُم فيه من حلالٍ فأَحِلُّوهُ، ومَا وجدْتُم فيه من حَرامٍ فَحرِّمُوه" صححه الألباني، "ألا إنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللَّهِ مثلُ ما حرَّمَ اللَّهُ" صححه الألباني.
ونلاحظ أن هذا واضح جدًّا في عدة مواقف وردت في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مواقف وَضَح فيها جيدًا على أن هذا الذي قاله -صلى الله عليه وسلم- إنما هو وحي أُوحي إليه.
فعن أنس -رضي الله عنه- "أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني به جبريل آنفا" صحيح البخاري، هذا الذي تسألني أنت عليه أخبرني به جبريل ثم أجابه عن هذا الذي سأله عنه والحديث في البخاري.
كذلك عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "قام فيهم فذكر لهم أنَّ الجهادَ في سبيلِ اللهِ والإيمانَ باللهِ أفضلُ الأعمالِ، فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ! أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيلِ اللهِ تُكفَّرُ عني خطاياي؟ فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نعم. إن قُتِلْتَ في سبيلِ اللهِ، وأنت صابرٌ مُحتسبٌ، مُقبلٌ غيرُ مُدبرٍ..
ثم قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كيف قلتَ؟، قال: أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيلِ اللهِ أَتكفَّرُ عني خطايايَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهِ عليه وسلَّمَ: نعم. وأنت صابرٌ مُحتسبٌ، مُقبلٌ غيرُ مُدبرٍ. إلا الدَّينَ. فإنَّ جبريلَ عليه السلامُ قال لي ذلك" صحيح مسلم.
فهنا أخبره -صلى الله عليه وسلم- أن هناك استثناء، هذا الاستثناء مما قلته لك أخبرني به جبريل -عليه السلام-، فنزل جبريل -عليه السلام- في اللحظة وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيء ليخبر به هذا الصحابي.
كذلك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "بينَما رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يصلِّي بأصحابِهِ إذ خلعَ نعليهِ فوضعَهُما عن يسارِهِ فلمَّا رأى ذلِكَ القومُ ألقوا نعالَهُم فلمَّا قضى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صلاتَهُ قالَ ما حملَكُم علَى إلقاءِ نعالِكُم قالوا رأيناكَ ألقيتَ نعليكَ فألقينا نعالَنا فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ جبريلَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أتاني فأخبرَني أنَّ فيهِما قذرًا -أو قالَ أذًى- وقالَ إذا جاءَ أحدُكُم إلى المسجدِ فلينظُر فإن رأى في نعليهِ قذرًا أو أذًى فليمسَحهُ وليصلِّ فيهِما" صححه الألباني.
فالشاهد هنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي فنزل جبريل -عليه السلام- ليخبره أن نعله فيه كذا وكذا، فهذا يدل على أن الوحي كان متصلًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن ما كان يفعله وما كان يقوله -صلى الله عليه وسلم- كان دائمًا يكون له اتصال دائم بالوحي.
وهذا طبعًا ما فهمه السلف الصالح -رضوان الله عليهم- كما قال حسان بن عطية وهو من كبار التابعين: "كان جبريل -عليه السلام -ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن".
ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين:
ولمزيد من البيان لهذه الجزئية فنقول: إن ما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو على قسمين:
- القسم الأول: ماكان وحي وهو معصوم من الخطأ
القسم الأول: ما جاء به الوحي ابتداءً، ففيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معصوم من الزلل، هذا إما أن يكون قرآنًا أو إما يكون سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وله مثال أيضًا في السنة:
"أنَّ يَعلى كان يقول لعمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه: ليتَني أرى نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حين ينزلُ عليه. فلما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالجِعْرانَةِ. وعلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثوبٌ قد أُظِلَّ به عليه. معه ناسٌ من أصحابِه. فيهم عمرُ. إذ جاءَه رجلٌ عليه جُبَّةُ صُوفٍ. مُتضَمِّخٌ بطيبٍ. فقال: يا رسولَ! كيف ترى في رجلٍ أحرم بعُمرةٍ في جُبَّةٍ بعد ما تضَمَّخَ بطِيبٍ.."
يعني هذا الرجل كان يريد الإحرام ولبس أو ارتدى ملابس الإحرام ولكن هذه الملابس كان فيها أثر طيب، فجاء يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن حكم هذا..
قال ".. فنظر إليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ساعةً. ثم سكت. فجاءه الوحيُ. فأشار عمرُ بيدِه إلى يَعلى بنِ أُميَّةَ: تعالَ. فجاء يَعلى. فأدخل رأسَه. فإذا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مٌحْمَرُّ الوجهِ. يغِطُّ ساعةً. ثم سُرِّيَ عنه.." يعني ظهر عليه الدلائل أنه يُوحى إليه -صلى الله عليه وسلم- وكما نعلم أن هذا الوحي كان ثقيلًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فداه أبي وأمي "فقال: "أين الذي سألني عن العمرةِ آنفًا؟" فالتُمِس الرجلُ، فجيءَ به. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أما الطِّيبُ الذي بك، فاغسِلْه ثلاثَ مراتٍ. وأما الجُبَّةُ، فانزَعْها. ثم اصنعْ في عُمرتِك، ما تصنعُ في حجِّك" صحيح مسلم.
الشاهد لديَّ هنا من هذا الحديث أن الرجل سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يجبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جاءه الوحي بهذا الذي سُئل عنه فأجابه -صلى الله عليه وسلم-، دَلَّ هذا على أن الذي قاله -صلى الله عليه وسلم- كان يُوحى به من رب العزة -جل وعلا-، هذا القسم الأول.
-القسم الثاني: ما اجتهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم
القسم الثاني هو ما اجتهد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أيضًا على قسمين:
ما اجتهد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسكت عنه الوحي، فهذا إقرار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما اجتهد فيه .
القسم الآخر: ما اجتهد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جاءه الوحي بفعل الأصوب.
- مثل هذا قضية أسرى بدر الذي نزل فيه قول الحق سبحانه وتعالى:
"مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ" الأنفال:67 إلى آخر الآية، فلقد نزلت أيضًا الآية تُصوّب
هذا الفعل، النبي -صلى الله عليه وسلم- مال إلى القول بأخذ الفدائي في أسرى بدر، فنزلت الآية بأنه ما كان لهم أن يقبلوا الفداء إلى آخر الحكم المعروف.
- القضية الأخرى قضية قبول النبي -صلى الله عليه وسلم- أعذار الذين اعتذروا عن الخروج في غزوة تبوك، فنزل فيها قول الحق -سبحانه وتعالى-:
"عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ" التوبة:43.
يبقى إذن هذه بعض القضايا –هذه أمثلة لها- اجتهد فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نزل الوحي أيضًا بالفعل الأصوب، وهذا يدل على أن هذه السنة التي بلغتنا هي سنة مُوحَى بها كما أُوحي إلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن، مع فارق طبعًا في مكانة القرآن أنه أعلى مرتبةً؛ لأنه كلام الحق -سبحانه وتعالى- لفظًا ومعنى.
مكانة السنة في التشريع
هذا بالنسبة لهذه القضية، قضية السنة أنها بهذه الخطورة، أنها وحي يُوحى، بناءً على هذا لابد أن نعلم مكانتها أيضًا في التشريع، منزلة السنة لدينا في الأحكام الشرعية وكيف نتعامل معها من ناحية استنباط المعاني وأَخْذ الأحكام، فالسنة كما قال أهل العلم هي من الأدلة المُجمع عليها في الإسلام، كيف نأخذ الأدلة؟ نأخذ الأدلة من القرآن ومن السنة ومن الإجماع ومن القياس.
القرآن والسنة من الأدلة المُجمع عليها بلا خلاف، فلا خلاف في حُجِّيَّة السنة أصلًا، إجماع أهل العلم على أن السنة هي من مصادر التشريع، ويُرَتِّبون المصادر التشريعية: القرآن ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس.
وهناك من أهل العلم من جعل السنة مع القرآن في مكانة واحدة وفي منزلة واحدة أطلقوا عليها "الوحي"، فجعلوا الأدلة كالآتي: الوحي ثم الإجماع ثم القياس وهكذا فهذا يدلُّك على كيف تعامل العلماء مع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنهم وضعوها في منزلة عالية لا تضاهيها منزلة.
الأدلة على حُجِّيَّة السنة
وطبعًا لو أردنا الأدلة على حُجية السنة لوجدنا الأدلة متكاثرة منها:
- الأدلة من القرآن الكريم:
الأدلة في كتاب الله -سبحانه وتعالى-: الدليل الذي ذكرناه قبل ذلك، قَوْل الحق -سبحانه وتعالى-: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" النجم:3،4.
ومن الأدلة أيضًا الآيات المتكاثرة التي أمرنا فيها الحق -سبحانه وتعالى- بطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- كقوله تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" النساء:59.
بل وجعل الحق -سبحانه وتعالى- طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- طاعةً لله -جل وعلا- فقال: "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ" النساء:80.
ومن الأدلة أيضًا على منزلة السنة وحجيتها أن الحق -سبحانه وتعالى- أمرنا باتباع ما يأتينا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" الحشر:7.
كذلك من الأدلة: وجوب رد التنازع إلى الله -سبحانه وتعالى- أيْ إلى الكتاب وإلى الرسول -صلى الله عليه وسلم– أيْ إلى السنة، فقال الحق -سبحانه وتعالى-: "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" النساء:59.
كذلك من الأدلة وجوب تحكيم أو وجوب التحكيم، التحاكم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يحدث بيننا من الخلاف، فقال الحق -سبحانه وتعالى-: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" النساء:65.
ومن الأدلة أيضًا أن الحق -سبحانه وتعالى- لم يجعل الخيار أبدًا للإنسان فيما قضى به الله أو قضى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال الحق -سبحانه وتعالى-: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" الأحزاب:36.
كذلك كان التحذير بالعذاب الأليم لمخالفة أمر الله النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" النور:63.
كما أن الحق -سبحانه وتعالى- أعطى الحق للرسول -صلى الله عليه وسلم- لبيان أحكام القرآن: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ" النحل:44 فلا يستغني أبدًا أي إنسان أراد أن يفهم القرآن -كما سوف نبين في النقطة التالية- لا يستغني الإنسان أبدًا عن السنة لفهم القرآن، ولتَعَلُّم الأحكام من القرآن.
- الأدلة من السنة على حُجية السنة
ومن الأدلة من السنة على حُجية السنة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتابَ ومِثْلَهُ معه" كما ذكرنا في الحديث قبل ذلك، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر في هذا الحديث أنه أُوحِي إليه بالكتاب، ومعه شيء آخر ألا وهو السنة.
- إجماع الأمة على حجية السنة
ثم من الأدلة على حُجية السنة إجماع الأمة على حجية السنة، أجمعت الأمة على أن السنة يُحْتَجّ بها وعلى أنها من الأدلة الشرعية كما ذكرنا قبل ذلك.
- دليل عقلي على حجية السنة
بل ومن العلماء من قال أيضًا أن من الأدلة على حُجية السنة الدليل العقلي، يعني بعيدًا عن الأدلة النقلية هناك دليل عقلي على حجية السنة؛ لأن الحق -سبحانه وتعالى- أوحى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن وأمره بالبيان
فبيان القرآن لا يكون إلا عن طريق النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذن ما أتانا به النبي -صلى الله عليه وسلم- من المكملات لفهمنا للقرآن، ولا يستقيم لنا فهمٌ للقرآن إلا إذا لجأنا للسنة، فبالتالي كل هذه أدلة متضافرة لمعرفة السنة أو معرفة مكانة السنة في التشريع.
أهمية السنة في حياتنا:
لأجل هذا ننطلق من هذا إلى النقطة الأخيرة ما هي أهمية السنة في حياتنا؟ ما هي موقع السنة في حياتنا في عمومها؟
- القرآن مرتبط بالسنة وأحكامهما متطابقة
فنقول إن الإنسان مرتبط بوحي الله له -بالقرآن- والقرآن مرتبط بالسنة، فالذي يريد أن يعيش على وفق ما أُنزل إليه من القرآن لابد له أن يعود إلى السنة.
فالسنة قد تأتي بأحكام مطابقة لما أتى في القرآن، يعني قد يكون هناك حكم في السنة ورد أيضًا في القرآن، هذا مثل الأحكام مثلًا بالأمر بالصلاة، ورد الأمر بالصلاة في السنة وورد به الأمر أيضًا في القرآن: "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ" البقرة:43، وكذلك الأمر بالصوم، الأمر بالحج.. هكذا، فهذه الأحكام نقول أحكام متطابقة، أحكام أكدت فيها السنة على ما ورد في القرآن.
- السنة مُبَيِّنَة للقرآن
هناك أدلة أخرى أو هناك مكانة أخرى أو أهمية أخرى للسنة كما ذكرنا قبل ذلك أن السنة مُبَيِّنَة للقرآن، هل تستطيع أن تقرأ القرآن ثم بعد ذلك تقول أنا سأصلي كذا، سأصوم كذا، سأحج بالطريقة الفلانية، سأزكي بالطريقة الفلانية..
هناك أحكام وردت في القرآن جاءت بالإجمال، أحكام مجملة "أقيموا الصلاة" أين عدد الصوات؟ أين صفة الصلاة؟ أين أوقات الصلاة؟ أين كيفية الصلاة؟ أين أحكام شروط الصلاة؟ أين أركان الصلاة؟ أين واجباتها؟ أين السنن؟ كل هذه التفاصيل أين؟ لا توجد تفاصيل، مجرد الأمر بإقامة الصلاة، هل تستطيع أن تصلي بغير السنة؟!
صيام رمضان، ورد الأمر بالصوم ولكن كيفيات الصوم، متى يبدأ الصوم ومتى ينتهي؟ ما هو الذي يمتنع عن الإنسان حال صومه؟ ما هي المفطرات؟ إلى آخر هذه التفاصيل، كيف أصوم رمضان بغير السنة؟.
الزكاة، ورد الأمر بإيتاء الزكاة كثيرًا في القرآن، ووردت بعض التفاصيل عن الزكاة كأصناف الذين يُعْطَون الزكاة، ولكن ما هي الأصناف الزكوية؟ مِمَّ يزكي الإنسان؟ كيف يزكي الإنسان؟ ما هي الأنصبة؟ ما هي شروط الزكاة؟ كيف تؤدَّى؟ متى تؤدَّى؟ إلى آخر هذه التفاصيل، هل أستطيع أن أُؤَدِّي الزكاة بغير السنة؟! قِسْ على هذا الكثير.
- خلاصة الأمر: لا تستطيع أن تعيش كمسلم بغير سنة
الملخص، أنت لا تستطيع أن تعيش كمسلم بغير السنة، إن الذي يريد أن يستغني عن السنة أو يشكك أو يطعن في السنة هو في الأساس هو يريد أن يهدم الدين هو يريد أن يُقَوِّض دعائم الاسلام؛ لأنك لا إسلام لك بغير السنة حتى اشتُهِر بين أهل العلم وفي مقولات السلف الصالح يقولون: "إن السنة قاضية على القرآن"، أيْ أن القرآن يأتي ثم نحتاج إلى السنة لتنزيل الأحكام على الواقع.
العلاقة بين القرآن والسنة
- هناك أحكام في القرآن فسرتها السنة
ولمزيد أيضًا من الفهم لهذا نقول أن هناك أحكام أتت في القرآن وتحتاج إلى البسط والتفسير كما ذكرنا الصلاة والزكاة وهكذا.
- هناك أحكام مطلقة في القرآن قيدتها السنة
هناك أحكام وردت في القرآن وكانت مطلقة أتت السنة بالتقييد.
مثال ذلك: "مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ" النساء:11، الوصية، هل الوصية مطلقة؟ كلا، قيدتها السنة بأن الوصية لا تزيد عن الثُلُث.
- هناك أحكام عامة في القرآن خصصتها السنة
هناك أحكام وردت في القرآن وكانت عامة فأتت السنة بالتخصيص، كما قال الحق -سبحانه وتعالى-: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ" المائدة:3، هل كل الميتة حرام؟ أتت السنة بتخصيص بعض الميتة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البحر: "هو الطَّهُورُ ماؤُهُ الحِلُّ مِيتَتُهُ" صحيح البخاري.
- وضحت السنة ما قد يُفْهَم خطأ في القرآن
وهناك أيضًا ما ورد في القرآن وكان فيه بعض الإشكال، يعني ألفاظ قد تُفْهَم على وجه الخطأ، من هذا المثال المشهور لما نزل قول الحق -سبحانه وتعالى-: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ" الأنعام:82، قلنا يارسول الله أيُّنا لا يظلم نفسه؟! قال ليس كما تقولون، لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ: أيْ بشرك، أوَلَم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" لقمان:13، فهنا كانت السنة أتت بتفسير وتوضيح لما جاء في القرآن.
- السنة قد تأتي بأحكام لم تَرِد في القرآن
ومن العلاقات أيضًا بين القرآن والسنة أن السنة قد تأتي بحكم جديد لم يَرِد في القرآن، وهذا محل خلاف بين أهل العلم، هناك من قال السنة تستقل بالتشريع أصلًا، وهناك من قال السنة لا تستقل بالتشريع بدايةً إنما تندرج تحت أصل عام ورد في القرآن، وكما ذكرنا قبل ذلك أن هذا الخلاف يعتبر خلافًا لفظي؛ لأنهم اتفقوا على أن هناك أحكام وردت بالفعل في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن لها ذكر في القرآن، مع خلافهم في توصيف هذا الحكم أهو حكم تأسيسي أم هو حكم تفريعي؟ الشاهد أن السنة تأتيك بأحكام، هذه الأحكام لم تَرِد في كتاب الله.
لا حياة بدون سنة
يبقى انت إذا نظرت بعد كل هذه التفاصيل تستطيع أن تقول باطمئنان "لا حياة لي بلا سنة" لا أستطيع أن أعيش حياتي كمسلم بغير أن يكون لي ارتباط بالسنة، السنة هي التي تُعلمك، وهي التي تهديك، وهي التي تُبَيّن لك القرآن.
الذي يقول لك أنا لن آخذ بالسنة وسآخذ بالقرآن إنما هي دعوة للإلحاد في دين الله، وهذا ما حذر منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكرناه أنه قال: "ألا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعانٌ على أرِيكَتِه يَقولُ: علَيكُم بِهذا القُرآنِ، فمَا وجَدْتُم فيه من حلالٍ فأَحِلُّوهُ، ومَا وجدْتُم فيه من حَرامٍ فَحرِّمُوه" صححه الألباني، إنما أرادوا بهذا أن يَضِلُّوا ويُضِلُّوا.
حياتك مرتبطة بكتاب الله، وكتاب الله مرتبط بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالمؤمن أبدًا لا ينفك في حياته عن السنة.
لأجل هذا هي دعوة لنا لتَعَلُّم سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن يكون لي معها أحوال ويكون لي معها درجات، أن يكون لي هذا الفهم بمكانتها في حياتي التي بناءً عليها ينبغي العمل أنني ألجأ اليها بالتعلم والدرس والصبر عليها، أن آخذ منها وأن أنهل منها، أن يكون لي وِرْد في السنة، أن يكون لي حياة مستمرة مع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما وصفها الإمام الزهري "هي النجاة" من أراد النجاة فليلزم بكتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن نكون من أهل سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن يحشرنا في زمرة أهل السنة. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تم بحمد الله
انتظرونا قريبًا بإذن الله مع دروس جديدة من تفريغ
"فريق عمل التفريغ"
كما نتشرف بانضمامكم لفريق عملنا
فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول
مقطع أهمية السنة - د. محمد فرحات- من دورة عن رب العزة
إنتاج فريق عمل ملفات الرئيسية
https://www.youtube.com/watch?v=ZDoEnLyLm2s
مقطع منزلة السنة و أهميتها - د. محمد فرحات- من دورة عن رب العزة
إنتاج فريق عمل المونتاج
https://www.youtube.com/watch?v=_HKfQkAagDY
تعليق