السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عباد الله:
لكل أمَّة عظماء، سطر التَّاريخُ مآثرَهم وأظهرَ أعمالهم وخلَّد سِيرَهم وحياتَهم؛ ليكونوا نبراسًا لِمن بعدَهم في علمهم وعملِهم، وجهادهم وأخلاقهم، ولقدِ اعتاد كثيرٌ من الأمم والمِلل إحياء ذكرى عظمائِها، فيخصِّصون يومًا يوافق يومَ مولِدِهم أو يوم وفاتِهم؛ لتذكير شعوبهم وأتباعهم بسير هؤلاء العظماء؛ أملاً ألا يَموت ذكرهم ولا تنسى أسماؤهم.
أيُّها المسلمون:
في مثل هذا الشَّهر تمرُّ ذِكْرَى مولِد النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الَّذي بدَّد الله به جَميع الظُّلمات، فهدى به من الضَّلالة، وعلَّم به من الجهالة، وأرْشد به من الغَواية: نُورٌ مِنَ الرَّحْمَنِ أَرْسَلَهُ هُدًى لِلنَّاسِ فَازْدَهَرَ الزَّمَانُ وَأَيْنَعَا
دَعْ عَنْكَ إِيوَانًا لِكِسْرَى عِنْدَمَا هَتَفُوا بِمَوْلِدِهِ هَوَى وَتَصَدَّعَا
وَاذْكُرْهُ كَيْفَ أَتَى شُعُوبًا فُرِّقَتْ أَهْوَاؤُهَا كُلٌّ يُصَحِّحُ مَا ادَّعى
فَهَدَاهُمُ لِلحَقِّ حَتَّى أَصْبَحُوا فِي اللَّهِ إِخْوَانًا تَرَاهُمْ رُكَّعَا
عباد الله:
في مولد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - انقسم النَّاس إلى طرَفَي نقيض، طائفة شرقتْ بِخروجِه وإخراجه النَّاس من الظُّلمات إلى النُّور، وتمنَّت بقاء البشريَّة واستِمْرارَها في عبادة الأحجار والأوثان، وطائفة أُخرى غلَت واتَّخذتْ من ذلك اليوم عيدًا وفرحًا يتكرَّر كلَّ عام بتكرار تاريخ ميلادِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
أيُّها المسلمون:
إنَّ أوَّل مَن سنَّ وابتدع الاحتِفال بالموالِد هُمُ الرَّافضة ملوك الدَّولة الفاطميَّة، التي انتسبتْ كذبًا وزورًا إلى فاطمة بنت محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ففي القرْن الرَّابع الهجْري ابتدع الخليفةُ الفاطمي العُبيديّ فكرة الاحتفال بالموالد، وأحدث مع المولد النبويّ أربعة موالد أخرى: مولد لعليٍّ، وآخَر لفاطمة، وثالثٍ للحسن والحسين، ورابعٍ لِمن يَحكم من العُبَيديين، ثم توسَّعوا في إحداث الموالد والمناسبات البدعيَّة الأخرى.
عباد الله:
إنَّ هذه الدَّولة التي أحْيت وابتدعت المولِد النبويَّ دولةٌ كافرة فاسقة بإجماع المحقِّقين من أهل العلم، عطَّلت الإسلام وجحدت السُّنن والآثار، وفي ولايتهم أُرْغم المصريّون على سبّ أبي بكر وعمر وعائشة - رضِي الله عنْهم أجمعين - ومُنِع النَّاس من صلاة التَّراويح، ومن السَّعي لطلَب الرّزق نهارًا، وانتشر الرُّعب والقتل حتَّى أكل الناس في زمانِهم بعض البهائم والحيوانات.
وهذه الدَّولة يرى بعض العلماء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - أنَّها تنحدِر من أصل يهودي أو مجوسي، ولم تعرف الأمَّة هذا الموالد قبل هذه الدولة، فهل هي أهلٌ للاقتِداء بها؟!
أيها المسلمون:
في يوم المولد المزعوم يتم الاحتفال بنظام وتقليد معين، حيث تقام فيه شعائر مخصوصة وتلقى أشعار تتضمَّن الشرك الصَّريح والكذِب الواضِح، وعند مقاطع معيَّنة من هذا الشعر يقوم الحاضرون قيامًا على أرجُلِهم، زاعمين أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدخُل عليْهِم في هذه اللَّحظة فيمدُّون أيديَهم للسَّلام عليه، ويوضع كأْس للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليشربَ منه حين قدومه إليهم، ويَجعلون مكانًا خاصًّا ليجلس فيه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِجانب كبيرهم الَّذي يدَّعي أنَّه مِن نسلِه، ثمَّ بعد ذلك يبدأ التَّذكير بقِراءة سيرتِه وحياتِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويُصاحب القراءة هز للرأس والجسم شمالاً ويمينًا، وربَّما اجتمع الرِّجال والنِّساء جَميعًا مع مشاركة للمعازف وآلات الموسيقا في مثل هذه الاحتفالات، فهل بِمثل هذه المُنْكرات والمخالفات يكون إحْياء ذِكْرى مولد النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
عباد الله:
إنَّ أصحاب هذه الموالد البدعيَّة يتشبَّهون من حيث لا يشعرون بأعداء الله النصارى؛ حيث كان في البلاد التي جاور فيها المسلمون النصارى - كالشام ومصر - يحتفل النصارى بعيد ميلاد المسيح في يوم مولده، وميلاد أسرته، فسرت تلك البدعة إلى المسلمين، قال الحافظ السخاوي - رحمه الله تعالى -: "كان أهل الصليب اتَّخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر". اهـ، ولقد حذر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - من التشبه بأعداء الدين فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن تشبَّه بقوْمٍ فهو منهم))؛ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وحسَّنه الحافظ ابن حجر - رحمه الله.
لقد كان أعداء الله من الكفار والمنافقين وغيرهم يفرحون بإقامة مثل هذه البدع؛ لأنَّهم يعلمون أنه متى أحدثت في الدين بدعة ماتت مقابلها سنَّة من سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأوْضح نموذجٍ لذلك ما ذكره الجبرتي من أنَّ نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد، وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمدَّه بتعْليق الزينات، بل وحضر بنفسِه الحفْلَ من أوَّله إلى آخِره، ويعلق الجبرتي على اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عمومًا بِما رآه الفرنسيُّون في هذه الموالد "من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، واتِّباع الشَّهوات والرَّقْص وفعل المحرَّمات ...". اهـ. رحمه الله.
أيُّها المسلمون:
إنَّ البعض إذا أبصر هنا أعداد المحتفلين داخلَه الشَّكُّ، وقال: لو كان منكرًا ما فعله الناس كلهم!
فيقال: إنَّ فعل الكثير من النَّاس لا يدلُّ على أنَّه حقّ، بل قد ذمَّ الله - سبحانه - الكثرة في القُرآن فقال سبحانه: { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116] الآية.
قال الإمام الشاطبي - رحِمه الله تعالى -: "ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ النَّاس عليْها، صار الجاهل يقول: ولو كان هذا منكرًا لما فعله النَّاس... ثمَّ نقل ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحِمه الله - في " اقتضاء الصراط المستقيم": إنَّ مَن اعتقد أنَّ أكثر هذه العادات المخالفة للسُّنن مُجمع عليها بناءً على أنَّ الأمَّة أقرَّتْها ولم تنكرها، فهو مخطئ في هذا الاعتقاد، فإنَّه لم يزل ولا يزال في كلّ وقت مَن ينهى عن عامَّة العادات المحدثة المخالفة للسنَّة، ولا يجوز دعوى إجْماع عمل بلد أو بلادٍ من بلدان المسلمين، فكيْف بعمل طوائف منهم؟!...". إلخ كلامه رحِمه الله تعالى.
عباد الله:
إنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو صاحب الشأن - لم يحتفل بمولدِه في حياتِه، بل ولم يأمر بذلك أحدًا من النَّاس وهو المبلغ للدين، ولم يمُتْ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتَّى أكمل الله به الدين، قال الإمام مالك - رحمه الله -: "منِ ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعَم أنَّ محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - خان الرسالة؛ لأنَّ الله تعالى قال: { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} الآية [المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذٍ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا". اهـ رحِمه الله.
أيها المسلمون:
لقد ضرب الصَّحابة - رضوان الله عنهم - المثل الأعْلى في حبِّهم للحبيب - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فهاهو عمْرو بن العاص - رضي الله عنه - كما في صحيح مسلم يقول: "ما كان أحد أحبَّ إليَّ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا أجلّ في عيْني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئِلْت أن أصِفَه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه".
هذا مثال واحد لحبّ الصَّحابة - رضوان الله عليهم - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلماذا لم يحتفلوا بمولده؟! ثمَّ أليس في عدم احتفالهم اتِّهام لهم عند مَن يرى الاحتفال بأنَّهم لا يحبّون النبيَّ - صلى الله عليه وسلم؟!
فَسِرْ خَلْفَ أَصْحَابِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُمْ نُجُومُ هُدًى فِي ضَوْئِهَا يَهْتَدِي السَّارِي
وَعُجْ عَنْ طَرِيقِ الرَّفْضِ فَهْوَ مُؤَسَّسٌ عَلَى الكُفْرِ تَأْسِيسًا عَلَى جُرُفٍ هَارِ
الخطبة الثانية
عباد الله:
إنَّ تحديد مولد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يكن محلَّ عناية السَّلف، ولا موضع اهتمامِهم؛ لذلك اختلفوا في تَحديد يوم مولد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد اتِّفاقهم على ولادته في عام الفيل، وسبب اختلافهم أن الأمة الإسلامية كانت أمية لا تكتب ولا تحسب وإنما يحسبون بالنجوم والفلك، فجمهور العلماء على أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وُلِد في يوم الاثنين من شهر ربيع الأوَّل، أمَّا تاريخ ذلك اليوم فقال البعض: ولد في اليوم الثَّاني من شهر ربيع الأوَّل، وقيل: بل ولد في اليوم التَّاسع منه، والتَّاريخ الذي رجَّحه المحقّقون من أهل التَّاريخ والسير أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولد في يوم الاثنين الثَّامن من شهر ربيع الأوَّل.
عباد الله:
أمَّا وفاته - صلَّى الله عليه وسلم - فهي محلّ اتّفاق بين أهل العلم، حيثُ توفِّي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم الاثنين الثاني عشَر من ربيع الأوَّل من العام الحادي عشَر للهجرة النبويَّة، وعلى هذا يقال للمحتفلين بالمولد النبوي: إنَّ احتفالكم في يوم الثاني عشر من ربيع الأول إساءة أدب وجفوة للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنَّهم في الحقيقة يحتفلون بموته - صلى الله عليه وسلم - وصاحب العقل السليم يدْرِك أنَّ الفرح في تلك الليلة بمولده ليس بأولى من الحزن على وفاته - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنَّ الأمَّة ما أُصيبتْ بأعظم من فقْدِه - صلى الله عليه وسلم.
عباد الله:
إنَّ هذه البدعة التي أحدثَها الجاهلون يعرف الجميع في هذه البلاد - ولله الحمد - حكمها وكلام العلماء حوْلَها؛ لكن التنبيه عليها مهمٌّ لعدَّة أمور:
أوَّلاً: أنَّها تُفْعَل في كثير من البلدان المجاورة لنا، حتَّى أصبحتْ عادة مألوفة عند بعض مَن يعيش بين أظهرنا.
ثانيًا: صورتها الصَّوتية والمرئيَّة تصل إلينا عبر الإذاعات والفضائيَّات، بل ويصلنا ذكرُها وصور من يشترك فيها عبر الجرائد والمجلات، فربَّما يعتدّ بها بعض الجهال عند سماع صوت القائمين عليها أو رؤية صورهم، فيستحسِن أمرها ويحاول المشاركة فيها، وربَّما دعمها.
ثالثًا: بعض مَن يفد إلى هذه البلاد يقيم هذا الاحتفال ويدْعو إليه، وربَّما يتشرَّب القناعة بها بسبب تزيين القائمين عليها.
وأخيرًا:
لنا في حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قدوة حيث كان يسأل عن الشَّرِّ مَخافة أن يقع فيه.
عَرَفْتُ الشَّرَّ لا لِلشَّرِّ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ
وَمَنْ لا يَعْرِفِ الشَّرَّ مِنَ الخَيْرِ يَقَعْ فِيهِ
صلوا وسلموا على الرحمة المهداة
عباد الله:
لكل أمَّة عظماء، سطر التَّاريخُ مآثرَهم وأظهرَ أعمالهم وخلَّد سِيرَهم وحياتَهم؛ ليكونوا نبراسًا لِمن بعدَهم في علمهم وعملِهم، وجهادهم وأخلاقهم، ولقدِ اعتاد كثيرٌ من الأمم والمِلل إحياء ذكرى عظمائِها، فيخصِّصون يومًا يوافق يومَ مولِدِهم أو يوم وفاتِهم؛ لتذكير شعوبهم وأتباعهم بسير هؤلاء العظماء؛ أملاً ألا يَموت ذكرهم ولا تنسى أسماؤهم.
أيُّها المسلمون:
في مثل هذا الشَّهر تمرُّ ذِكْرَى مولِد النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الَّذي بدَّد الله به جَميع الظُّلمات، فهدى به من الضَّلالة، وعلَّم به من الجهالة، وأرْشد به من الغَواية: نُورٌ مِنَ الرَّحْمَنِ أَرْسَلَهُ هُدًى لِلنَّاسِ فَازْدَهَرَ الزَّمَانُ وَأَيْنَعَا
دَعْ عَنْكَ إِيوَانًا لِكِسْرَى عِنْدَمَا هَتَفُوا بِمَوْلِدِهِ هَوَى وَتَصَدَّعَا
وَاذْكُرْهُ كَيْفَ أَتَى شُعُوبًا فُرِّقَتْ أَهْوَاؤُهَا كُلٌّ يُصَحِّحُ مَا ادَّعى
فَهَدَاهُمُ لِلحَقِّ حَتَّى أَصْبَحُوا فِي اللَّهِ إِخْوَانًا تَرَاهُمْ رُكَّعَا
عباد الله:
في مولد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - انقسم النَّاس إلى طرَفَي نقيض، طائفة شرقتْ بِخروجِه وإخراجه النَّاس من الظُّلمات إلى النُّور، وتمنَّت بقاء البشريَّة واستِمْرارَها في عبادة الأحجار والأوثان، وطائفة أُخرى غلَت واتَّخذتْ من ذلك اليوم عيدًا وفرحًا يتكرَّر كلَّ عام بتكرار تاريخ ميلادِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
أيُّها المسلمون:
إنَّ أوَّل مَن سنَّ وابتدع الاحتِفال بالموالِد هُمُ الرَّافضة ملوك الدَّولة الفاطميَّة، التي انتسبتْ كذبًا وزورًا إلى فاطمة بنت محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ففي القرْن الرَّابع الهجْري ابتدع الخليفةُ الفاطمي العُبيديّ فكرة الاحتفال بالموالد، وأحدث مع المولد النبويّ أربعة موالد أخرى: مولد لعليٍّ، وآخَر لفاطمة، وثالثٍ للحسن والحسين، ورابعٍ لِمن يَحكم من العُبَيديين، ثم توسَّعوا في إحداث الموالد والمناسبات البدعيَّة الأخرى.
عباد الله:
إنَّ هذه الدَّولة التي أحْيت وابتدعت المولِد النبويَّ دولةٌ كافرة فاسقة بإجماع المحقِّقين من أهل العلم، عطَّلت الإسلام وجحدت السُّنن والآثار، وفي ولايتهم أُرْغم المصريّون على سبّ أبي بكر وعمر وعائشة - رضِي الله عنْهم أجمعين - ومُنِع النَّاس من صلاة التَّراويح، ومن السَّعي لطلَب الرّزق نهارًا، وانتشر الرُّعب والقتل حتَّى أكل الناس في زمانِهم بعض البهائم والحيوانات.
وهذه الدَّولة يرى بعض العلماء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - أنَّها تنحدِر من أصل يهودي أو مجوسي، ولم تعرف الأمَّة هذا الموالد قبل هذه الدولة، فهل هي أهلٌ للاقتِداء بها؟!
أيها المسلمون:
في يوم المولد المزعوم يتم الاحتفال بنظام وتقليد معين، حيث تقام فيه شعائر مخصوصة وتلقى أشعار تتضمَّن الشرك الصَّريح والكذِب الواضِح، وعند مقاطع معيَّنة من هذا الشعر يقوم الحاضرون قيامًا على أرجُلِهم، زاعمين أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدخُل عليْهِم في هذه اللَّحظة فيمدُّون أيديَهم للسَّلام عليه، ويوضع كأْس للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليشربَ منه حين قدومه إليهم، ويَجعلون مكانًا خاصًّا ليجلس فيه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِجانب كبيرهم الَّذي يدَّعي أنَّه مِن نسلِه، ثمَّ بعد ذلك يبدأ التَّذكير بقِراءة سيرتِه وحياتِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويُصاحب القراءة هز للرأس والجسم شمالاً ويمينًا، وربَّما اجتمع الرِّجال والنِّساء جَميعًا مع مشاركة للمعازف وآلات الموسيقا في مثل هذه الاحتفالات، فهل بِمثل هذه المُنْكرات والمخالفات يكون إحْياء ذِكْرى مولد النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
عباد الله:
إنَّ أصحاب هذه الموالد البدعيَّة يتشبَّهون من حيث لا يشعرون بأعداء الله النصارى؛ حيث كان في البلاد التي جاور فيها المسلمون النصارى - كالشام ومصر - يحتفل النصارى بعيد ميلاد المسيح في يوم مولده، وميلاد أسرته، فسرت تلك البدعة إلى المسلمين، قال الحافظ السخاوي - رحمه الله تعالى -: "كان أهل الصليب اتَّخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر". اهـ، ولقد حذر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - من التشبه بأعداء الدين فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن تشبَّه بقوْمٍ فهو منهم))؛ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وحسَّنه الحافظ ابن حجر - رحمه الله.
لقد كان أعداء الله من الكفار والمنافقين وغيرهم يفرحون بإقامة مثل هذه البدع؛ لأنَّهم يعلمون أنه متى أحدثت في الدين بدعة ماتت مقابلها سنَّة من سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأوْضح نموذجٍ لذلك ما ذكره الجبرتي من أنَّ نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد، وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمدَّه بتعْليق الزينات، بل وحضر بنفسِه الحفْلَ من أوَّله إلى آخِره، ويعلق الجبرتي على اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عمومًا بِما رآه الفرنسيُّون في هذه الموالد "من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، واتِّباع الشَّهوات والرَّقْص وفعل المحرَّمات ...". اهـ. رحمه الله.
أيُّها المسلمون:
إنَّ البعض إذا أبصر هنا أعداد المحتفلين داخلَه الشَّكُّ، وقال: لو كان منكرًا ما فعله الناس كلهم!
فيقال: إنَّ فعل الكثير من النَّاس لا يدلُّ على أنَّه حقّ، بل قد ذمَّ الله - سبحانه - الكثرة في القُرآن فقال سبحانه: { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116] الآية.
قال الإمام الشاطبي - رحِمه الله تعالى -: "ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ النَّاس عليْها، صار الجاهل يقول: ولو كان هذا منكرًا لما فعله النَّاس... ثمَّ نقل ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحِمه الله - في " اقتضاء الصراط المستقيم": إنَّ مَن اعتقد أنَّ أكثر هذه العادات المخالفة للسُّنن مُجمع عليها بناءً على أنَّ الأمَّة أقرَّتْها ولم تنكرها، فهو مخطئ في هذا الاعتقاد، فإنَّه لم يزل ولا يزال في كلّ وقت مَن ينهى عن عامَّة العادات المحدثة المخالفة للسنَّة، ولا يجوز دعوى إجْماع عمل بلد أو بلادٍ من بلدان المسلمين، فكيْف بعمل طوائف منهم؟!...". إلخ كلامه رحِمه الله تعالى.
عباد الله:
إنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو صاحب الشأن - لم يحتفل بمولدِه في حياتِه، بل ولم يأمر بذلك أحدًا من النَّاس وهو المبلغ للدين، ولم يمُتْ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتَّى أكمل الله به الدين، قال الإمام مالك - رحمه الله -: "منِ ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعَم أنَّ محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - خان الرسالة؛ لأنَّ الله تعالى قال: { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} الآية [المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذٍ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا". اهـ رحِمه الله.
أيها المسلمون:
لقد ضرب الصَّحابة - رضوان الله عنهم - المثل الأعْلى في حبِّهم للحبيب - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فهاهو عمْرو بن العاص - رضي الله عنه - كما في صحيح مسلم يقول: "ما كان أحد أحبَّ إليَّ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا أجلّ في عيْني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئِلْت أن أصِفَه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه".
هذا مثال واحد لحبّ الصَّحابة - رضوان الله عليهم - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلماذا لم يحتفلوا بمولده؟! ثمَّ أليس في عدم احتفالهم اتِّهام لهم عند مَن يرى الاحتفال بأنَّهم لا يحبّون النبيَّ - صلى الله عليه وسلم؟!
فَسِرْ خَلْفَ أَصْحَابِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُمْ نُجُومُ هُدًى فِي ضَوْئِهَا يَهْتَدِي السَّارِي
وَعُجْ عَنْ طَرِيقِ الرَّفْضِ فَهْوَ مُؤَسَّسٌ عَلَى الكُفْرِ تَأْسِيسًا عَلَى جُرُفٍ هَارِ
الخطبة الثانية
عباد الله:
إنَّ تحديد مولد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يكن محلَّ عناية السَّلف، ولا موضع اهتمامِهم؛ لذلك اختلفوا في تَحديد يوم مولد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد اتِّفاقهم على ولادته في عام الفيل، وسبب اختلافهم أن الأمة الإسلامية كانت أمية لا تكتب ولا تحسب وإنما يحسبون بالنجوم والفلك، فجمهور العلماء على أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وُلِد في يوم الاثنين من شهر ربيع الأوَّل، أمَّا تاريخ ذلك اليوم فقال البعض: ولد في اليوم الثَّاني من شهر ربيع الأوَّل، وقيل: بل ولد في اليوم التَّاسع منه، والتَّاريخ الذي رجَّحه المحقّقون من أهل التَّاريخ والسير أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولد في يوم الاثنين الثَّامن من شهر ربيع الأوَّل.
عباد الله:
أمَّا وفاته - صلَّى الله عليه وسلم - فهي محلّ اتّفاق بين أهل العلم، حيثُ توفِّي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم الاثنين الثاني عشَر من ربيع الأوَّل من العام الحادي عشَر للهجرة النبويَّة، وعلى هذا يقال للمحتفلين بالمولد النبوي: إنَّ احتفالكم في يوم الثاني عشر من ربيع الأول إساءة أدب وجفوة للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنَّهم في الحقيقة يحتفلون بموته - صلى الله عليه وسلم - وصاحب العقل السليم يدْرِك أنَّ الفرح في تلك الليلة بمولده ليس بأولى من الحزن على وفاته - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنَّ الأمَّة ما أُصيبتْ بأعظم من فقْدِه - صلى الله عليه وسلم.
عباد الله:
إنَّ هذه البدعة التي أحدثَها الجاهلون يعرف الجميع في هذه البلاد - ولله الحمد - حكمها وكلام العلماء حوْلَها؛ لكن التنبيه عليها مهمٌّ لعدَّة أمور:
أوَّلاً: أنَّها تُفْعَل في كثير من البلدان المجاورة لنا، حتَّى أصبحتْ عادة مألوفة عند بعض مَن يعيش بين أظهرنا.
ثانيًا: صورتها الصَّوتية والمرئيَّة تصل إلينا عبر الإذاعات والفضائيَّات، بل ويصلنا ذكرُها وصور من يشترك فيها عبر الجرائد والمجلات، فربَّما يعتدّ بها بعض الجهال عند سماع صوت القائمين عليها أو رؤية صورهم، فيستحسِن أمرها ويحاول المشاركة فيها، وربَّما دعمها.
ثالثًا: بعض مَن يفد إلى هذه البلاد يقيم هذا الاحتفال ويدْعو إليه، وربَّما يتشرَّب القناعة بها بسبب تزيين القائمين عليها.
وأخيرًا:
لنا في حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قدوة حيث كان يسأل عن الشَّرِّ مَخافة أن يقع فيه.
عَرَفْتُ الشَّرَّ لا لِلشَّرِّ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ
وَمَنْ لا يَعْرِفِ الشَّرَّ مِنَ الخَيْرِ يَقَعْ فِيهِ
صلوا وسلموا على الرحمة المهداة
تعليق