السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله وبياكم، وجعل الجنة مثوانا ومثواكم
يسر فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله أن يــقدم لكم:
من سلسلة عرض الملك لفضيلة الشيخ أحمد جلال
التــــوبة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
هذه الليلة السابعة والعشرين من ليالي رمضان، ولم يتبقّ في هذا الشهر الكريم إلا ليلتين مع هذه الليلة،
أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يكون قد تقبل منّا ما مضى من هذا الشهر،
وأسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا على ما بقي، وأسأله سبحانه وتعالى ألّا يخرجنا من هذا الشهر إلا وقد غفر لنا،
إلّا وقد أعتق رقابنا من النار، وحرّم أجسادنا على النار بفضله وكَرَمِه ومَنِّه.
مهما فعلت من المعاصي.. أقبل على الله بقلبك؛ فباب التوبة مفتوح
اليوم بإذن الله تبارك وتعالى مع حديث من أعظم الأحاديث التي تكلم بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم..
هذا الحديث يُعَبِّر عن واقعنا جميعًا، وفيه يرسم لنا نبينا صلى الله عليه وسلم طريق الوصول إلى الله تبارك وتعالى،
كثير من الناس يقف بين يدي الله الآن، ومعه أوزارٌ لا يعلمها إلا الله،
كثير منّا الآن قد جاء إلى هذا المسجد وليس له إلا رجاء واحد، هو أن يخرج منه وقد تاب الله عز وجل عليه.
كلنا الآن بذنوبنا ومعاصينا نقف جميعًا بين يدي الله عز وجل نسأل الله سبحانه وتعالى عفوه،
ورحمته، ونسأله سبحانه وتعالى أنه يتوب علينا؛ لنكون من عباده المخلصين المتّقين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا فسأل عن أعلم أهل الأرض،
فدُلَّ على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعةً وتسعين نفسًا فهل له من توبة؟ فقال: لا؛ فقتله فكمَّل به مائة.
ثم سأل على أعلم أهل الأرض! فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟..
قال: نعم ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلِق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أُناسًا يعبدون الله،
فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء..
فانطلق حتى إذا نَصَف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب،
فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مُقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط..
فأتاه ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له.
فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة،
قال قتادة: فقال الحسن: ذُكِر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره" صحيح مسلم.
هذا الحديث يُوضِّح حالي وحالكم، حال الإنسان الذي على مدار العام ياما قصَّر في طاعة الله عز وجل،
وياما أخذَته العِزَّة بالإثم؛ فعصى الله عز وجل، ياما نسى أن له رب رقيب عليه؛ فعصاه، وياما تجرأ عليه،
ولكن قَدْر الخير الذي في قلب كل إنسانٍ منّا، والله مهما بلغ الإنسان من شر، ومهما بلغ من بُعْد عن الله عز وجل،
في قلب كل إنسان منا ذرة خير، تدفعه دائمًا إلى القُرب من الله سبحانه وتعالى.
هذه الذرة هي التي ستتحرك في هذا اليوم بإذن الله، تدعونا جميعًا إلى أن نتوب إلى الله سبحانه وتعالى.
الفرق بين إدارة التغيير وإرادة التغيير
ولكن ما أريد أن أُفَرِّق بينهما الآن، في فارق كبير جدًا بين إرادة الخير،
أو إرادة التوبة، وإرادة التغيير، وبين إدارة التغيير، فارق كبير جدًا بين الكلمتين.
أمَّا إرادة التغيير: فيريدها كل واحد منّا. وأمَّاإدارة التغيير: فلا يأتي بها إلا السعداء.
أحبابي الكرام: هذا الرجل أراد التغيير، نفسه يتغير، نفسه يقترب من الله سبحانه وتعالى أكثر وأكثر
ولكن كان من أكثر الأشياء اللي بتعوقنا دايمًا عن وصولنا إلى ربنا نبارك وتعالى هو: اليأس والإحباط والقنوط،
الذي يأتي بعدم معرفتنا بربنا تبارك وتعالى،هذا الإنسان الذي أعاده مرة ثانية للذنب،
اللي رجَّعه مرة تانية للذنب: إن في واحد في يوم من الأيام أغلق الباب في وجهه،
لما راح للعابد وقاله أنا ليا توبة؟ قاله: لالا إنت ياما لك ذنوب، لك كبائر، كيف يتوب الله عليك؟.
دا اللي دايمًا النفس من داخلنا بتُثيره أمامنا، نفسنا دايمًا بتقول لنا ليست لكم توبة،
وليس لكم رجوع، دا دايمًا اللي بيثيره بعض الأصحاب، ترجع مين!! دا إنت ليك بلاوي،
دا إنت ليك ذنوب، دا إنت ليك معاصي، دا دايمًا اللي بيمنعنا من الوصول إلى الله سبحانه وتعالى.
ولكن بالفعل الذي يريد التغيير، يريد أن يقترب من الله سبحانه وتعالى -يا أحبابي- لنا ربٌ سَمَّى نفسه العَفُوّ،
ولنا ربٌ سَمَّى نفسه تَوَّاب، ولنا ربٌ سَمَّى نفسه غفور، ولنا ربٌ سَمَّى نفسه قريب مجيب،
لنا ربٌ رحيم، ما يريد الله عز وجل منك إلا أن يرى منك إرادة الخير، فإذا رأى الله منك إرادة الخير، يَسَّر لك الأمور.
لابد أحبابي لمن أراد أن يتغير بحق، لمن أراد أن يتغير بصدق، إنه يدير عملية التغيير.
العالِم النَّاصِح كان يعلم يقينًا أنَّ هذا الرجل شأنه كشأننا كلنا، كلنا لينا ذنوب،
كل واحد فينا له ذنب يعتاده الفَيْنَة بعد الفَيْنَة، كما قال صلى الله عليه وسلم، ولكن إزاي نتغير بجد؟
إزاي نقترب من ربنا تبارك وتعالى أكتر؟.
إزاي نحوِّل إرادة التغيير إلى إدارة التغيير؟.
1- افتح الباب لنفسك.. أُوعى تيأس من رحمة الله.. ربك رحيم أوي
افتح الباب لنفسك، لا تنظر أبدًا إلى عظيم جُرْمِك، ولكن انظر دائمًا إلى عظيم عفو ربك،
لا تنظر أبدًا إلى كبائرٍ أنت صنعتها، ولكن انظر إلى ربٍ كريمٍ رحيم قال: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" الأعراف:156،
لاتنظر أبدًا أبدًا أنَّ هذا الذنب مستحيل إنَّك تتركه، ولكن توكل على ربك، توكل على ربك،
فإنك إذا توكلت عليه كفاك ما أهمَّك من أمر الدنيا والآخرة.
اطرح نفسك على بابه، وقُلْ شابٌ ضعيفٌ وقفت على بابك بأوزارٍ لا يعلم عددها إلا أنت،
ولا يُحصيها إلا أنت، وليس لي ربٌ إلا أنت، وليس لي مَلِكٌ إلَّا أنت، أنا ضعيفٌ فقوِّني،
وأنا ذليلٌ بذنوبي فأعِزَّني بالطاعة والقُرْب منك، اطرح نفسك بين إيدين ربنا سبحانه وتعالى.
هذه ليلة فرج، هذه ليلة عطاء، هذه ليلة من ليالي الرَّحمات اللي ربنا سبحانه وتعالى
بِيَصُبّ من رحماته على عباده في هذه الأوقات، اطرح نفسك النهاردة بين يدي الله عز وجل،
اطرح نفسك بين يدي الله وأَخْرِج ما في قلبك، كَلِّم ربك وقولُّه: أنا ياما أخطأت، وياما أسرفت،
وياما عصيت، وياما تجرأت عليك، ولكن أتيتك اليوم تائبًا.
والله العظيم كلما تذكرت الجزء الأخير من الحديث، مع إنسان قتل مائة نفس،
والله سبحانه وتعالى يوحي إلى الأرض لهذه أن تقاربي ولهذه أن تباعدي، تعلم يقينًا من هو ربك.
ألم يغير نواميس الكون للعُبَّاد؟ ألم يُغَيِّر نواميس الكون لإنسانٍ ما سجد لله سجده،
غَيَّر نواميس الكون لإنسان ما خطى لطاعة الله قط، ولكن كان كل المسألة إنّ هذا الإنسان خلاص قال أنا هتغير، والتفت إلى الله بقلبه؛
فما كان من الله عز وجل العَفُوّ الغفور إلّا أن يُغَيِّر نواميس الكون كلها لهذا الإنسان،
فكيف لمن أتى في هذا اليوم طائعًا؟ فكيف لمن أتى هذا اليوم للصلاة والقيام والقرآن؟
ولحد ما نموت إن شاء الله إن شاء الله حُسْن ظننا ألّا يُخرجنا بإذن الله إلّا وقد غفر لنا.
فأول شيء إلى من أراد بالفعل أن يتغير: افتح الباب، لا تيأس ولا تقنط.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سُئِل ما الكبائر؟ قال:
"الكبائرُ: الشِّركُ باللهِ، والإْياسُ من رَوْحِ اللهِ، و القُنوطُ من رَحمةِ اللهِ" حسنه الألباني.
إياك أن تيأس من رحمة الله، إوعى فـ يوم من الأيام نفسك توسوس لك إنك ذنوبك كثيرة فتيأس من رحمة الله، لا والله، بل كُن حَسَن الظن بالله، فإن ربك عز وجل يقول: "أنا عندَ ظَنِّ عَبدي بي؛ فَلْيَظُنَّ بي ما شاءَ" حسنه الألباني.
2- اقترب من الصالحين
لمن أرد بالفعل إنه يُدِير حياة التغيير اقترب من الصالحين؛ فهؤلاء هم الأنوار على الطريق،
الصالحون هم أنوارٌ على الطريق، يضيئون لك الطريق، اقترب من العلماء، اقترب من الدُّعاة إلى الله سبحانه وتعالى.
لك أن تتخيل كلمات هذا العالِم النَّاصِح، كيف أخَذَتْ بمشابع هذا الرجل الذي قتل مائة نفس،
قالُّه إنت الطريق قُدَّامك مفتوح، بس اترك أرضك، اقترب من أهل الخير، اقترب من أهل الطاعة.
3- دَعْ عَنْك رفقة السوء
دَعْ عَنْك رفقة السوء، ودا الأمر الثالث اللي عايز يتغيَّر بالفعل، لايمكن أبدًا لإنسان إنُّه يتغير وهو واضع نفسه فـ بيئة سوء، واضع نفسه في بيئة معصية، حاول بقدر المستطاع البيئة اللي ياما بعدتك عن ربنا،
البيئة اللي ياما خلّتك تعصي الله سبحانه وتعالى، هذه البيئة -والله العظيم- طالما أنت واضع نفسك فيها لن تتغير أبدًا،
عايز بالفعل تتغير؟!عايز بالفعل ربنا يقبلك؟! عايز بالفعل ربنا يتوب عليك؟! اترك أرضك، اترك أصحاب السوء، اترك بيئة السوء،"لا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء" دي كلمة العالم النَّاصِح.
سييب بقى أصحاب السوء، والله العظيم لو مُتّ الآن والله لن ينفعك أحد منهم، محدش منهم هيقف معاك،
ولا حد منهم سيشفع لك بين يَدي ربك، بل هذه المحبة والخلة اللي كانت بينكم في الدنيا تتحول يوم القيامة إلى عداوة،
"الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" الزخرف:67.
"انطلِق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أُناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء".
4- احرص على طاعة الله عز وجل
الأمر الرابع لمن أراد بالفعل إنه يتغيَّر: طاعة الله عز وجل.. طاعة الله عز وجل.
العالِم بيقولُّه:"فاعبد الله معهم"طول ما الإنسان مِنّا حريص على صلاته، على ورده من القرآن،
على ورده من ذِكر الله عز وجل، حريص على مجالس العلم، حريص أن يكون قريب من طاعة الله عز وجل، والله العظيم ثبَّت الله قلبه.
قال الله عز وجل-اسمع-: "وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ و..." إيييه؟ "... أَشَدَّ تَثْبِيتاً"النساء:66،
تثبيت الله لك لا يكون إلا بعد إتيانك للطاعة،كل صلاة تصليها ثبات لك على الطريق،
كل آية تقرأها ثبات لك على الطريق، كل عبادة بتأتي بها ثبات لك على الطريق،
اثبت على الطريق بكثرة طاعتك، "فاعبد الله معهم"اعبُد الله معهم.
5- احذر تسويف التوبة.. فالموت لا يُفَرِّق بين صغيرٍ وكبير
وأمَّا الأمر الأخير الذي أريد أن أُأكِّد عليه، للي عايز يتغيّر بالفعل،مـاتـتـأخَّـــــــرش،
متتأخرش؛ لأن الراجل دا لو اتأخر سـاعة لمات قاتلًا.
متتأخـــرش، بسرعة من الليلة دي بادر للتوبة، النهاردة مش هنخرج غير بعد ما نتوب،
من هنخرج غير بعد ما نرجع إلى الله سبحانه وتعالى، لن نخرج من هذا المسجد إلا وقد أصلحنا ما بيننا وبين ربنا سبحانه وتعالى،
النهاردة احنا محتاجين لتوبة، توبة بسرعة.
إحنا على مدار الشهــر.. والله على مدار الشهر، كل يوم ييجي حد يقول لنا: "في شاب زميلنا مات.. في شاب مات..
في شاب في الحتة الفُلانية عمل حادثة ومات.. في شاب في الحتة الفُلانية واحد خبطه ومات..
في حد في الحتة الفُلانية كان مُصاب بمرض ومات.." إحنا محتاجين إن احنا نُبادر، لإنّ كان ممكن في لحظة من اللحظات
إنّ ملك الموت اللي خد هذا الإنسان، كان من الممكن ياخدني أنا، فكيف أقابل ربي؟.
قاتل المائة نفس لو تأخر ساعةً لمات قاتلًا، ولكن لولا أنَّ الله عز وجل تداركه برحمته.
ادعُ الله عز وجل باسمه العَفُوّ
لا تنسوا أحبابي الكرام، أننا نتعامل مع رَبّ غفور، رحيم - سبحانه وتعالى - لا تنسوا أن لكم ربًا واسع العطاء،
ولا تنسوا أن لكم ربًا سَمَّى نفسه التوَّاب، وسَمَّى نفسه الغفور، وسَمَّى نفسه العَفُوّ، أَكْثِرُوا في هذه الليلة
من قَوْل النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني" حسنه الترمذي.
سَلْ ربك عز وجل باسمه العَفُوّ.. ومعنى العَفُوّ: أي الذي يغفر لك ثم يعطيك.. الذي يمحو آثار المعصية من صحيفة سيئاتك..
هذا هو معنى العَفُوّ، سلوه الليلة باسمه العَفُوّ أن يعفو عنَّا ويتجاوز عنَّا، صدقوني والله لو رأى الله عز وجل في قلوبنا صِدْقًا
في الرجوع إليه كما رأى صِدْقًا من قلب قاتل المائة نفس، لغَيَّر الله لنا نواميس الكون، وغفر لنا كما تعامل مع هذا الإنسان.
عِباد الله: في هذه الليلة محتاجين كلنا قلوبنا تكون مُعَلَّقَة بالله، محتاجين كلنا إنّ إحنا نبقى إن شاء الله بإذن الله
نكون حريصين إن قلوبنا النهاردة تُملأ سكينة، تُملأ دعاء، تُملأ قرآن، تُملأ استغفار؛
لعل إن ربنا عز وجل في هذه الليلة يرى منا صدق إن إحنا لا نريد منه إلا العَفْو، لا نريد منه في هذه الليلة إلا المغفرة،
لا نريد منه هذه الليلة إلا أنها تكون ليلة عطاء..
فيارب كده نجتهد مع بعض في هذه الليلة وبإذن الله ربنا عز وجل يتقبل منا ومنكم جميعًا،
أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم التوفيق والسداد.
صلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
تم بحمد الله
شاهدوا التفريغ على الموقع، والدرس الصوتي بجودات مختلفة
هنا
التوبة (14/7/2015) عرض الملك
انتظرونا في دروس أخرى قريبًا إن شاء الله
كما يشرفنا انضمامكم معنا للفريق
جبااااااااااااال حسنات .. بسرعة يلاااااااااا انضموا لينا ..
دمتم في حفظ الله.
حياكم الله وبياكم، وجعل الجنة مثوانا ومثواكم
يسر فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله أن يــقدم لكم:
من سلسلة عرض الملك لفضيلة الشيخ أحمد جلال
التــــوبة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
هذه الليلة السابعة والعشرين من ليالي رمضان، ولم يتبقّ في هذا الشهر الكريم إلا ليلتين مع هذه الليلة،
أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يكون قد تقبل منّا ما مضى من هذا الشهر،
وأسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا على ما بقي، وأسأله سبحانه وتعالى ألّا يخرجنا من هذا الشهر إلا وقد غفر لنا،
إلّا وقد أعتق رقابنا من النار، وحرّم أجسادنا على النار بفضله وكَرَمِه ومَنِّه.
مهما فعلت من المعاصي.. أقبل على الله بقلبك؛ فباب التوبة مفتوح
اليوم بإذن الله تبارك وتعالى مع حديث من أعظم الأحاديث التي تكلم بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم..
هذا الحديث يُعَبِّر عن واقعنا جميعًا، وفيه يرسم لنا نبينا صلى الله عليه وسلم طريق الوصول إلى الله تبارك وتعالى،
كثير من الناس يقف بين يدي الله الآن، ومعه أوزارٌ لا يعلمها إلا الله،
كثير منّا الآن قد جاء إلى هذا المسجد وليس له إلا رجاء واحد، هو أن يخرج منه وقد تاب الله عز وجل عليه.
كلنا الآن بذنوبنا ومعاصينا نقف جميعًا بين يدي الله عز وجل نسأل الله سبحانه وتعالى عفوه،
ورحمته، ونسأله سبحانه وتعالى أنه يتوب علينا؛ لنكون من عباده المخلصين المتّقين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا فسأل عن أعلم أهل الأرض،
فدُلَّ على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعةً وتسعين نفسًا فهل له من توبة؟ فقال: لا؛ فقتله فكمَّل به مائة.
ثم سأل على أعلم أهل الأرض! فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟..
قال: نعم ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلِق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أُناسًا يعبدون الله،
فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء..
فانطلق حتى إذا نَصَف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب،
فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مُقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط..
فأتاه ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له.
فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة،
قال قتادة: فقال الحسن: ذُكِر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره" صحيح مسلم.
هذا الحديث يُوضِّح حالي وحالكم، حال الإنسان الذي على مدار العام ياما قصَّر في طاعة الله عز وجل،
وياما أخذَته العِزَّة بالإثم؛ فعصى الله عز وجل، ياما نسى أن له رب رقيب عليه؛ فعصاه، وياما تجرأ عليه،
ولكن قَدْر الخير الذي في قلب كل إنسانٍ منّا، والله مهما بلغ الإنسان من شر، ومهما بلغ من بُعْد عن الله عز وجل،
في قلب كل إنسان منا ذرة خير، تدفعه دائمًا إلى القُرب من الله سبحانه وتعالى.
هذه الذرة هي التي ستتحرك في هذا اليوم بإذن الله، تدعونا جميعًا إلى أن نتوب إلى الله سبحانه وتعالى.
الفرق بين إدارة التغيير وإرادة التغيير
ولكن ما أريد أن أُفَرِّق بينهما الآن، في فارق كبير جدًا بين إرادة الخير،
أو إرادة التوبة، وإرادة التغيير، وبين إدارة التغيير، فارق كبير جدًا بين الكلمتين.
أمَّا إرادة التغيير: فيريدها كل واحد منّا. وأمَّاإدارة التغيير: فلا يأتي بها إلا السعداء.
أحبابي الكرام: هذا الرجل أراد التغيير، نفسه يتغير، نفسه يقترب من الله سبحانه وتعالى أكثر وأكثر
ولكن كان من أكثر الأشياء اللي بتعوقنا دايمًا عن وصولنا إلى ربنا نبارك وتعالى هو: اليأس والإحباط والقنوط،
الذي يأتي بعدم معرفتنا بربنا تبارك وتعالى،هذا الإنسان الذي أعاده مرة ثانية للذنب،
اللي رجَّعه مرة تانية للذنب: إن في واحد في يوم من الأيام أغلق الباب في وجهه،
لما راح للعابد وقاله أنا ليا توبة؟ قاله: لالا إنت ياما لك ذنوب، لك كبائر، كيف يتوب الله عليك؟.
دا اللي دايمًا النفس من داخلنا بتُثيره أمامنا، نفسنا دايمًا بتقول لنا ليست لكم توبة،
وليس لكم رجوع، دا دايمًا اللي بيثيره بعض الأصحاب، ترجع مين!! دا إنت ليك بلاوي،
دا إنت ليك ذنوب، دا إنت ليك معاصي، دا دايمًا اللي بيمنعنا من الوصول إلى الله سبحانه وتعالى.
ولكن بالفعل الذي يريد التغيير، يريد أن يقترب من الله سبحانه وتعالى -يا أحبابي- لنا ربٌ سَمَّى نفسه العَفُوّ،
ولنا ربٌ سَمَّى نفسه تَوَّاب، ولنا ربٌ سَمَّى نفسه غفور، ولنا ربٌ سَمَّى نفسه قريب مجيب،
لنا ربٌ رحيم، ما يريد الله عز وجل منك إلا أن يرى منك إرادة الخير، فإذا رأى الله منك إرادة الخير، يَسَّر لك الأمور.
لابد أحبابي لمن أراد أن يتغير بحق، لمن أراد أن يتغير بصدق، إنه يدير عملية التغيير.
العالِم النَّاصِح كان يعلم يقينًا أنَّ هذا الرجل شأنه كشأننا كلنا، كلنا لينا ذنوب،
كل واحد فينا له ذنب يعتاده الفَيْنَة بعد الفَيْنَة، كما قال صلى الله عليه وسلم، ولكن إزاي نتغير بجد؟
إزاي نقترب من ربنا تبارك وتعالى أكتر؟.
إزاي نحوِّل إرادة التغيير إلى إدارة التغيير؟.
1- افتح الباب لنفسك.. أُوعى تيأس من رحمة الله.. ربك رحيم أوي
افتح الباب لنفسك، لا تنظر أبدًا إلى عظيم جُرْمِك، ولكن انظر دائمًا إلى عظيم عفو ربك،
لا تنظر أبدًا إلى كبائرٍ أنت صنعتها، ولكن انظر إلى ربٍ كريمٍ رحيم قال: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" الأعراف:156،
لاتنظر أبدًا أبدًا أنَّ هذا الذنب مستحيل إنَّك تتركه، ولكن توكل على ربك، توكل على ربك،
فإنك إذا توكلت عليه كفاك ما أهمَّك من أمر الدنيا والآخرة.
اطرح نفسك على بابه، وقُلْ شابٌ ضعيفٌ وقفت على بابك بأوزارٍ لا يعلم عددها إلا أنت،
ولا يُحصيها إلا أنت، وليس لي ربٌ إلا أنت، وليس لي مَلِكٌ إلَّا أنت، أنا ضعيفٌ فقوِّني،
وأنا ذليلٌ بذنوبي فأعِزَّني بالطاعة والقُرْب منك، اطرح نفسك بين إيدين ربنا سبحانه وتعالى.
هذه ليلة فرج، هذه ليلة عطاء، هذه ليلة من ليالي الرَّحمات اللي ربنا سبحانه وتعالى
بِيَصُبّ من رحماته على عباده في هذه الأوقات، اطرح نفسك النهاردة بين يدي الله عز وجل،
اطرح نفسك بين يدي الله وأَخْرِج ما في قلبك، كَلِّم ربك وقولُّه: أنا ياما أخطأت، وياما أسرفت،
وياما عصيت، وياما تجرأت عليك، ولكن أتيتك اليوم تائبًا.
والله العظيم كلما تذكرت الجزء الأخير من الحديث، مع إنسان قتل مائة نفس،
والله سبحانه وتعالى يوحي إلى الأرض لهذه أن تقاربي ولهذه أن تباعدي، تعلم يقينًا من هو ربك.
ألم يغير نواميس الكون للعُبَّاد؟ ألم يُغَيِّر نواميس الكون لإنسانٍ ما سجد لله سجده،
غَيَّر نواميس الكون لإنسان ما خطى لطاعة الله قط، ولكن كان كل المسألة إنّ هذا الإنسان خلاص قال أنا هتغير، والتفت إلى الله بقلبه؛
فما كان من الله عز وجل العَفُوّ الغفور إلّا أن يُغَيِّر نواميس الكون كلها لهذا الإنسان،
فكيف لمن أتى في هذا اليوم طائعًا؟ فكيف لمن أتى هذا اليوم للصلاة والقيام والقرآن؟
ولحد ما نموت إن شاء الله إن شاء الله حُسْن ظننا ألّا يُخرجنا بإذن الله إلّا وقد غفر لنا.
فأول شيء إلى من أراد بالفعل أن يتغير: افتح الباب، لا تيأس ولا تقنط.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سُئِل ما الكبائر؟ قال:
"الكبائرُ: الشِّركُ باللهِ، والإْياسُ من رَوْحِ اللهِ، و القُنوطُ من رَحمةِ اللهِ" حسنه الألباني.
إياك أن تيأس من رحمة الله، إوعى فـ يوم من الأيام نفسك توسوس لك إنك ذنوبك كثيرة فتيأس من رحمة الله، لا والله، بل كُن حَسَن الظن بالله، فإن ربك عز وجل يقول: "أنا عندَ ظَنِّ عَبدي بي؛ فَلْيَظُنَّ بي ما شاءَ" حسنه الألباني.
2- اقترب من الصالحين
لمن أرد بالفعل إنه يُدِير حياة التغيير اقترب من الصالحين؛ فهؤلاء هم الأنوار على الطريق،
الصالحون هم أنوارٌ على الطريق، يضيئون لك الطريق، اقترب من العلماء، اقترب من الدُّعاة إلى الله سبحانه وتعالى.
لك أن تتخيل كلمات هذا العالِم النَّاصِح، كيف أخَذَتْ بمشابع هذا الرجل الذي قتل مائة نفس،
قالُّه إنت الطريق قُدَّامك مفتوح، بس اترك أرضك، اقترب من أهل الخير، اقترب من أهل الطاعة.
3- دَعْ عَنْك رفقة السوء
دَعْ عَنْك رفقة السوء، ودا الأمر الثالث اللي عايز يتغيَّر بالفعل، لايمكن أبدًا لإنسان إنُّه يتغير وهو واضع نفسه فـ بيئة سوء، واضع نفسه في بيئة معصية، حاول بقدر المستطاع البيئة اللي ياما بعدتك عن ربنا،
البيئة اللي ياما خلّتك تعصي الله سبحانه وتعالى، هذه البيئة -والله العظيم- طالما أنت واضع نفسك فيها لن تتغير أبدًا،
عايز بالفعل تتغير؟!عايز بالفعل ربنا يقبلك؟! عايز بالفعل ربنا يتوب عليك؟! اترك أرضك، اترك أصحاب السوء، اترك بيئة السوء،"لا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء" دي كلمة العالم النَّاصِح.
سييب بقى أصحاب السوء، والله العظيم لو مُتّ الآن والله لن ينفعك أحد منهم، محدش منهم هيقف معاك،
ولا حد منهم سيشفع لك بين يَدي ربك، بل هذه المحبة والخلة اللي كانت بينكم في الدنيا تتحول يوم القيامة إلى عداوة،
"الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" الزخرف:67.
"انطلِق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أُناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء".
4- احرص على طاعة الله عز وجل
الأمر الرابع لمن أراد بالفعل إنه يتغيَّر: طاعة الله عز وجل.. طاعة الله عز وجل.
العالِم بيقولُّه:"فاعبد الله معهم"طول ما الإنسان مِنّا حريص على صلاته، على ورده من القرآن،
على ورده من ذِكر الله عز وجل، حريص على مجالس العلم، حريص أن يكون قريب من طاعة الله عز وجل، والله العظيم ثبَّت الله قلبه.
قال الله عز وجل-اسمع-: "وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ و..." إيييه؟ "... أَشَدَّ تَثْبِيتاً"النساء:66،
تثبيت الله لك لا يكون إلا بعد إتيانك للطاعة،كل صلاة تصليها ثبات لك على الطريق،
كل آية تقرأها ثبات لك على الطريق، كل عبادة بتأتي بها ثبات لك على الطريق،
اثبت على الطريق بكثرة طاعتك، "فاعبد الله معهم"اعبُد الله معهم.
5- احذر تسويف التوبة.. فالموت لا يُفَرِّق بين صغيرٍ وكبير
وأمَّا الأمر الأخير الذي أريد أن أُأكِّد عليه، للي عايز يتغيّر بالفعل،مـاتـتـأخَّـــــــرش،
متتأخرش؛ لأن الراجل دا لو اتأخر سـاعة لمات قاتلًا.
متتأخـــرش، بسرعة من الليلة دي بادر للتوبة، النهاردة مش هنخرج غير بعد ما نتوب،
من هنخرج غير بعد ما نرجع إلى الله سبحانه وتعالى، لن نخرج من هذا المسجد إلا وقد أصلحنا ما بيننا وبين ربنا سبحانه وتعالى،
النهاردة احنا محتاجين لتوبة، توبة بسرعة.
إحنا على مدار الشهــر.. والله على مدار الشهر، كل يوم ييجي حد يقول لنا: "في شاب زميلنا مات.. في شاب مات..
في شاب في الحتة الفُلانية عمل حادثة ومات.. في شاب في الحتة الفُلانية واحد خبطه ومات..
في حد في الحتة الفُلانية كان مُصاب بمرض ومات.." إحنا محتاجين إن احنا نُبادر، لإنّ كان ممكن في لحظة من اللحظات
إنّ ملك الموت اللي خد هذا الإنسان، كان من الممكن ياخدني أنا، فكيف أقابل ربي؟.
قاتل المائة نفس لو تأخر ساعةً لمات قاتلًا، ولكن لولا أنَّ الله عز وجل تداركه برحمته.
ادعُ الله عز وجل باسمه العَفُوّ
لا تنسوا أحبابي الكرام، أننا نتعامل مع رَبّ غفور، رحيم - سبحانه وتعالى - لا تنسوا أن لكم ربًا واسع العطاء،
ولا تنسوا أن لكم ربًا سَمَّى نفسه التوَّاب، وسَمَّى نفسه الغفور، وسَمَّى نفسه العَفُوّ، أَكْثِرُوا في هذه الليلة
من قَوْل النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني" حسنه الترمذي.
سَلْ ربك عز وجل باسمه العَفُوّ.. ومعنى العَفُوّ: أي الذي يغفر لك ثم يعطيك.. الذي يمحو آثار المعصية من صحيفة سيئاتك..
هذا هو معنى العَفُوّ، سلوه الليلة باسمه العَفُوّ أن يعفو عنَّا ويتجاوز عنَّا، صدقوني والله لو رأى الله عز وجل في قلوبنا صِدْقًا
في الرجوع إليه كما رأى صِدْقًا من قلب قاتل المائة نفس، لغَيَّر الله لنا نواميس الكون، وغفر لنا كما تعامل مع هذا الإنسان.
عِباد الله: في هذه الليلة محتاجين كلنا قلوبنا تكون مُعَلَّقَة بالله، محتاجين كلنا إنّ إحنا نبقى إن شاء الله بإذن الله
نكون حريصين إن قلوبنا النهاردة تُملأ سكينة، تُملأ دعاء، تُملأ قرآن، تُملأ استغفار؛
لعل إن ربنا عز وجل في هذه الليلة يرى منا صدق إن إحنا لا نريد منه إلا العَفْو، لا نريد منه في هذه الليلة إلا المغفرة،
لا نريد منه هذه الليلة إلا أنها تكون ليلة عطاء..
فيارب كده نجتهد مع بعض في هذه الليلة وبإذن الله ربنا عز وجل يتقبل منا ومنكم جميعًا،
أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم التوفيق والسداد.
صلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
تم بحمد الله
شاهدوا التفريغ على الموقع، والدرس الصوتي بجودات مختلفة
هنا
التوبة (14/7/2015) عرض الملك
انتظرونا في دروس أخرى قريبًا إن شاء الله
كما يشرفنا انضمامكم معنا للفريق
جبااااااااااااال حسنات .. بسرعة يلاااااااااا انضموا لينا ..
دمتم في حفظ الله.
تعليق