Tweet
الهمه العاليه // مفهرس
خطبة بعنوان:الهمه العاليه
للشيخ: محمد العريفي
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين فهدى الله تعالى به من الضلالة وبصّر به من الجهالة وكثّر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة ولمى به بعد الشتات وأمن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ما اتصلت عين بنظر ووعت أذن بخبر وسلم تسليما كثيرا
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون :
روى الطبراني في معجمه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجع مرة من بعض أسفاره فنزل على أعرابي في الصحراء فأكرم النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلوات ربي وسلامه عليه"(( إذا جئت المدينة فأتنا)) فلم تمضي أيام حتى أقبل ذلك الأعرابي إلى المدينة فنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أراد أن ينصرف قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( سلني )) يعني أطلب مني حاجة ((سلني )) فقال الرجل
في هذا الموقف الذي يسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأله حاجة وكان حري به أن يسأله الجنة أو الشهادة في سبيل الله أو أن يكون مستجاب الدعوة فإذا بذلك الرجل يقول :(( أسألك دابة أركبها فوهب النبي صلى الله عليه وسلم له دابة ثم قال له :سلني فقال الرجل :و أسألك كلبا يحرس غنمي فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يوهب إليه كلب يحرس غنمه ثم قال له : سلني، فقال له : وأسألك جارية تخدم أهلي، فوهب له جارية، ثم سكت الرجل فقال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل "لائما معنفا على قصور همته وعلى عدم علوها" قال له : أعجزت أن تكون كعجوز بني إسرائيل؟ فقال الصحابة رضي الله عنهم : يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل؟ فقال عليه الصلاة والسلام : إن موسى لما أراد أن يرتحل بقومه قال له قومه : إن يوسف عليه السلام "يعنون النبي الذي قبله" أمرنا ألا نجاوز المكان وأن لا نرحل منه حتى نحمله معنا، قال لهم: فأين قبر يوسف عليه السلام ؟ قالوا : لا يعرفه منا أحد إلا عجوز منا . فجيء إليه بهذه العجوز "فإذا عجوز قد كبر سنها ورق عظمها وحدودب ظهرها وتقدم بها السن حتى هي تترقب الموتى وتودع الحياة" فقال لها موسى عليه السلام : أين قبر يوسف عليه السلام ؟ قالت المرأة : والله لا أدلك عليه حتى تعطيني سؤلي . قال لها : وما سؤلك ؟ قالت : أن أرافقك في الجنة )).
فكأن الأمر كبر في قلب موسى عليه السلام أن تكون هذه العجوز على قلة العمل الذي ستعمله وهو أن تخبرهم فقط أين قبر يوسف ثم تريد أن ترافق الأنبياء في علو الجنات، كأن موسى تردد في أن يدعو لها بذلك فأوحى الله تعالى إليه أن قل لها أنتي رفيقتنا في الجنة، فقال لها موسى عليه السلام ذلك، فأمرتهم فأقبلوا على مستنقع ماء قالت لهم إنزحوه فنزحوا الماء ثم حفروا وأخرجوا ما تبقى من يوسف عليه السلام .
فكان النبي صلوات ربي وسلامه عليه يأمر أصحابه دائما أن يكون أحدهم عالية الهمة فيما يطلبه من أمور الحياة كما عند الطبراني من حديث الحسن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها )) يحب من كل شيء أعلاه وشرفه وأحسن شيء فيه (( إن الله يحب معالي الأمور )) إن أردت التجارة فالله يحب أشرف أنواع التجارة وإن أردت المال وإن أردت الصدقة وإن أردت الزواج أو أردت العبادة أو أردت أي أمر من المور تقدم عليه فإن الله يأمرك أن تأتي إلى أشرف وأحسن ما في هذا الأمر ثم تتقحمه وتنازع الناس حتى تصل إليه كما قال :
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون :
روى الطبراني في معجمه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجع مرة من بعض أسفاره فنزل على أعرابي في الصحراء فأكرم النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلوات ربي وسلامه عليه"(( إذا جئت المدينة فأتنا)) فلم تمضي أيام حتى أقبل ذلك الأعرابي إلى المدينة فنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أراد أن ينصرف قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( سلني )) يعني أطلب مني حاجة ((سلني )) فقال الرجل
في هذا الموقف الذي يسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأله حاجة وكان حري به أن يسأله الجنة أو الشهادة في سبيل الله أو أن يكون مستجاب الدعوة فإذا بذلك الرجل يقول :(( أسألك دابة أركبها فوهب النبي صلى الله عليه وسلم له دابة ثم قال له :سلني فقال الرجل :و أسألك كلبا يحرس غنمي فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يوهب إليه كلب يحرس غنمه ثم قال له : سلني، فقال له : وأسألك جارية تخدم أهلي، فوهب له جارية، ثم سكت الرجل فقال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل "لائما معنفا على قصور همته وعلى عدم علوها" قال له : أعجزت أن تكون كعجوز بني إسرائيل؟ فقال الصحابة رضي الله عنهم : يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل؟ فقال عليه الصلاة والسلام : إن موسى لما أراد أن يرتحل بقومه قال له قومه : إن يوسف عليه السلام "يعنون النبي الذي قبله" أمرنا ألا نجاوز المكان وأن لا نرحل منه حتى نحمله معنا، قال لهم: فأين قبر يوسف عليه السلام ؟ قالوا : لا يعرفه منا أحد إلا عجوز منا . فجيء إليه بهذه العجوز "فإذا عجوز قد كبر سنها ورق عظمها وحدودب ظهرها وتقدم بها السن حتى هي تترقب الموتى وتودع الحياة" فقال لها موسى عليه السلام : أين قبر يوسف عليه السلام ؟ قالت المرأة : والله لا أدلك عليه حتى تعطيني سؤلي . قال لها : وما سؤلك ؟ قالت : أن أرافقك في الجنة )).
فكأن الأمر كبر في قلب موسى عليه السلام أن تكون هذه العجوز على قلة العمل الذي ستعمله وهو أن تخبرهم فقط أين قبر يوسف ثم تريد أن ترافق الأنبياء في علو الجنات، كأن موسى تردد في أن يدعو لها بذلك فأوحى الله تعالى إليه أن قل لها أنتي رفيقتنا في الجنة، فقال لها موسى عليه السلام ذلك، فأمرتهم فأقبلوا على مستنقع ماء قالت لهم إنزحوه فنزحوا الماء ثم حفروا وأخرجوا ما تبقى من يوسف عليه السلام .
فكان النبي صلوات ربي وسلامه عليه يأمر أصحابه دائما أن يكون أحدهم عالية الهمة فيما يطلبه من أمور الحياة كما عند الطبراني من حديث الحسن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها )) يحب من كل شيء أعلاه وشرفه وأحسن شيء فيه (( إن الله يحب معالي الأمور )) إن أردت التجارة فالله يحب أشرف أنواع التجارة وإن أردت المال وإن أردت الصدقة وإن أردت الزواج أو أردت العبادة أو أردت أي أمر من المور تقدم عليه فإن الله يأمرك أن تأتي إلى أشرف وأحسن ما في هذا الأمر ثم تتقحمه وتنازع الناس حتى تصل إليه كما قال :
كابدت للمجد والساعون قد بلغوا **** جهد النفوس وألقوا دونه الأزر
وحاوروا المجد حتى مل أكثرهم **** وعانق المجد من أوفى ومن صبر
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله **** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
يقول عليه الصلاة والسلام هنا : ((إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها )) يعني يكره أقلها و أخفظها وقول ربي من ذلك أعلى وأجل فإن الله تعالى يقول : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } آمرا المؤمنين بالمسابقة إلى أشراف الأمور، ويقول الله جلا وعلا : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله فضل الله المجاهين في سبيل الله على القاعدين درجة } فجعل الله تعالى الذين جاهدوا وأقدموا وبذلوا وصارت همتهم عالية ولم تقعد بهم أنفسهم فضلهم الله تعالى على غيرهم، وقال الله جلا وعلا مبينا فضل المؤمنين اللذين يتسابقون لما ذكر الله تعالى ما في الجنة من نعيم وما فيه أهلها من حال راغب حسن قال الله تعالى لما وصف حالهم : { لمثل هذا فليعمل العاملون } أين أصحاب الهمم العالية ؟ إن نظرت اليوم في أحوال الناس وجدت أنهم ينقسمون إلى أقسام، منهم من قعدت به همته فلا يكاد ينظر إلى شرف أو ينظر إلى قمة ثم تقبل نفسه عليها إلا قعدت به همته الدنية
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
فإن حَرصته على طلب علم لم تجد أمامك همة عالية، إن حرصته على جهاد في سبيل الله، على دعوت إلى الله، على بذل لهذا الدين، على نصح للآخرين أو على تجارة أو على صناعة أو على اختراع أو غير ذلك وجدته قاعد الهمة منخفضا فيها فلا يتبع أشراف الأمور وأعلاها بل تكون نفسه دائما مقيدة إلى الدعة والكسل، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : (ولقد أجمع عقلاء كل أمة أن الراحة لا تدرك بالراحة) يعني الذي يريد أن يرتاح فيصبح عالما مرتاحا يُعلم الناس أو يصبح تاجرا كبيرا يرتاح إذا كبر بحيث أنه ينفق من ماله قال : (أن من أراد الراحة ترك الراحة ومن أراد النعيم ترك النعيم ) من أراد أن يتنعم فعلا في الآخرة ترك التنعم بأمور الدنيا قال :( مما أجمع عليه عقلاء كل أمة أن من أراد الراحة ترك الراحة ومن أراد النعيم ترك النعيم وأن مكابدة الأهوال وتحمل المشاق بها تأتي معالي الأمور التي يعانقها الأفذاذ من الناس) وهذا كلام حسن فإنك إذا نظرت إلى كل من علا على قمة من القمم وصارت همته عالية سواءا علا قمة في العلم أو في الجهاد أو في غيرها وجدت أنه قد كابد وتعب أكثر مما تعب غيره ونصب وصرف من الوقت والهمة والجهد أكثر مما كان يعمل غيره، ولقد كان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه يُحرص أصحابه على أن تكون هممهم عالية، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري في صحيحه ((إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى )) لا يقول يا ربي أعطني الجنة فقط لا وإنما يا رب أريد أعلى ما في الجنة وأفضل ما فيها وأحسن (( ...فاسألوه الفردوس الأعلى فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة )) يعني هو أعلاها ويكون موقعه في الوسط قال: (( وسقفه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )) وقول ربي من ذلك أعلى وأجل فإن الله تعالى لما وصف المؤمنين في آخر سورة الفرقان قال سبحانه وتعالى : {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } ثم ساق الله تعالى في كتابه أوصاف عباد الرحمن ثم قال الله جل وعلا بعد ذلك ويقولون في دعائهم :{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } لم يقولوا يا ربنا اجعلنا من المتقين لا وإنما أن يكون إماما يقول ابن كثير في تفسيره يعني( اجعلنا أئمة يقتدي بنا الناس في صدقاتهم وفي عبادتهم وفي علمهم وفي دينهم وفي إصلاحهم وجهادهم وحجهم وعمرتهم) فيصبح قدوة لغيره يسن للناس سنن الهدى حتى يقتدي الناس به إذا رأوه على عمل صالح، عالي الهمة يكون طموحه عاليا دائما يقول، عمر بن عبد العزيز كما ذكر ذلك ابن كثير قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : (إن لي نفس تواقه تاقت إلى الإمارة فنالتها) أردت أن أصبح أميرا فعملت لأجل ذلك وأعددت نفسي حتى نلتها قال:( ثم تاقت إلى الخلافة فنلتها ثم تاقت بعد ذلك إلى الجنة وأرجو بإذن الله تعالى أن أنالها ) وهو حري بذلك رحمه الله تعالى فالإنسان إذا كان عالي الطموح تجد أنه يعمل لمثل ذلك، وعبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم قال لغلام نحوه من الأنصار : ( هلم نطلب العلم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم) فإذا ذلك الغلام قد قعدت به همته وقال :( يا ابن عباس وماذا تريد إذا طلبت العلم ؟ قال : أن نصبح علماء) وهو صغير لكن همه عالية وطموح عالي قال: (أن نصبح علماء، فقال : يا ابن عباس أتؤمن أن تصبح عالما وفي القوم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ؟) وتريد أن تزاحم هؤلاء أتؤمن أن تصبح عالما ؟ ثم تولى ذلك الغلام عنه ليتعلم صنعة ليكون حدادا أو نجارا ومضى ابن عباس في طلب العلم حتى كابد في سبيل طلب العلم وترك الراحة ليدرك الراحة وترك التنعم ليدرك النعيم حتى بلغ بعد ذلك مبلغا أن يقعد في بيته فيأتي إليه طلاب العلم من كل مكان وهو لم يتعدى عمره 34 سنة، هذا يسأله في الفقه وهذا سأله في الحديث وهذا في القرآن وهذا في التاريخ وهذا في اللغة وهذا في الشعر وكل واحد يطرح عليه مسألة وهو يجيب عن ذلك كله، هذا الذي له الطموح التام هو عالي الهمة، وإذا أردت أن تكون همتك عالية فصاحب أصحاب الهمم العالية (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) المرء على دين خليله على طريقته وعلى أسلوبه وعلى همته، أنت في الناس تقاس بمن اخترت خليلا كلما اخترت أحدا عالي الهمة عالي الطموح صرت مثله لكن الذي يختار من هم من سقط المتاع كما قال
وما للمرء خير في حياة ****إذا ما عُد من سقط المتاع
الذي يختار سقط المتاع، اللذين يعيشون هكذا فارغين سبهللا كما قال عمر رضي الله عنه يقول : (إني لأكره أن أرى الرجل سبهللا ليس في شيء من أمر دينه ولا في أمر دنياه ) الذي يصاحب البطالين يكون بطالا، لكن الذي يصاحب أصحاب الهمم العالية يرتفع مثلهم ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) ويقول الله جل وعلا آمرا نبيه عليه الصلاة والسلام قال الله سبحانه وتعالى له : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } فيأمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء ورأس الأتقياء مع ذلك يأمره أن يصاحب الصالحين فيقول له: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } يعني مع أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير من عالي الهمة من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم جميعا.
أيها الإخوة الفضلاء إن الناس يتفاوتون في مقدار هممهم ولكل واحد هِمه هو الذي يضع نفسه فيها والإنسان بقدر همته وتوكله على الله تعالى ودعائه لربه جل وعلا بأن يعينه وأيضا بثباته وبإصراره إذا أراد أن يحقق شيئا فيصر عليه ويثبت عليه ويسلك الطرق الموصلة إليه ويدعوا الله تعالى أن يعينه على تلقيه وعلى الوصول إليه فإنه حري بذلك أن يبلغ مالا يبلغه غيره إذا صدقت منه النية والقصد
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعا ممن هممهم عالية، أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أصحاب الهمم العالية وأن ينفعنا وإياكم بما قلنا، أقول ما تسمعون وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله **** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
يقول عليه الصلاة والسلام هنا : ((إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها )) يعني يكره أقلها و أخفظها وقول ربي من ذلك أعلى وأجل فإن الله تعالى يقول : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } آمرا المؤمنين بالمسابقة إلى أشراف الأمور، ويقول الله جلا وعلا : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله فضل الله المجاهين في سبيل الله على القاعدين درجة } فجعل الله تعالى الذين جاهدوا وأقدموا وبذلوا وصارت همتهم عالية ولم تقعد بهم أنفسهم فضلهم الله تعالى على غيرهم، وقال الله جلا وعلا مبينا فضل المؤمنين اللذين يتسابقون لما ذكر الله تعالى ما في الجنة من نعيم وما فيه أهلها من حال راغب حسن قال الله تعالى لما وصف حالهم : { لمثل هذا فليعمل العاملون } أين أصحاب الهمم العالية ؟ إن نظرت اليوم في أحوال الناس وجدت أنهم ينقسمون إلى أقسام، منهم من قعدت به همته فلا يكاد ينظر إلى شرف أو ينظر إلى قمة ثم تقبل نفسه عليها إلا قعدت به همته الدنية
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
فإن حَرصته على طلب علم لم تجد أمامك همة عالية، إن حرصته على جهاد في سبيل الله، على دعوت إلى الله، على بذل لهذا الدين، على نصح للآخرين أو على تجارة أو على صناعة أو على اختراع أو غير ذلك وجدته قاعد الهمة منخفضا فيها فلا يتبع أشراف الأمور وأعلاها بل تكون نفسه دائما مقيدة إلى الدعة والكسل، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : (ولقد أجمع عقلاء كل أمة أن الراحة لا تدرك بالراحة) يعني الذي يريد أن يرتاح فيصبح عالما مرتاحا يُعلم الناس أو يصبح تاجرا كبيرا يرتاح إذا كبر بحيث أنه ينفق من ماله قال : (أن من أراد الراحة ترك الراحة ومن أراد النعيم ترك النعيم ) من أراد أن يتنعم فعلا في الآخرة ترك التنعم بأمور الدنيا قال :( مما أجمع عليه عقلاء كل أمة أن من أراد الراحة ترك الراحة ومن أراد النعيم ترك النعيم وأن مكابدة الأهوال وتحمل المشاق بها تأتي معالي الأمور التي يعانقها الأفذاذ من الناس) وهذا كلام حسن فإنك إذا نظرت إلى كل من علا على قمة من القمم وصارت همته عالية سواءا علا قمة في العلم أو في الجهاد أو في غيرها وجدت أنه قد كابد وتعب أكثر مما تعب غيره ونصب وصرف من الوقت والهمة والجهد أكثر مما كان يعمل غيره، ولقد كان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه يُحرص أصحابه على أن تكون هممهم عالية، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري في صحيحه ((إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى )) لا يقول يا ربي أعطني الجنة فقط لا وإنما يا رب أريد أعلى ما في الجنة وأفضل ما فيها وأحسن (( ...فاسألوه الفردوس الأعلى فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة )) يعني هو أعلاها ويكون موقعه في الوسط قال: (( وسقفه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )) وقول ربي من ذلك أعلى وأجل فإن الله تعالى لما وصف المؤمنين في آخر سورة الفرقان قال سبحانه وتعالى : {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } ثم ساق الله تعالى في كتابه أوصاف عباد الرحمن ثم قال الله جل وعلا بعد ذلك ويقولون في دعائهم :{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } لم يقولوا يا ربنا اجعلنا من المتقين لا وإنما أن يكون إماما يقول ابن كثير في تفسيره يعني( اجعلنا أئمة يقتدي بنا الناس في صدقاتهم وفي عبادتهم وفي علمهم وفي دينهم وفي إصلاحهم وجهادهم وحجهم وعمرتهم) فيصبح قدوة لغيره يسن للناس سنن الهدى حتى يقتدي الناس به إذا رأوه على عمل صالح، عالي الهمة يكون طموحه عاليا دائما يقول، عمر بن عبد العزيز كما ذكر ذلك ابن كثير قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : (إن لي نفس تواقه تاقت إلى الإمارة فنالتها) أردت أن أصبح أميرا فعملت لأجل ذلك وأعددت نفسي حتى نلتها قال:( ثم تاقت إلى الخلافة فنلتها ثم تاقت بعد ذلك إلى الجنة وأرجو بإذن الله تعالى أن أنالها ) وهو حري بذلك رحمه الله تعالى فالإنسان إذا كان عالي الطموح تجد أنه يعمل لمثل ذلك، وعبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم قال لغلام نحوه من الأنصار : ( هلم نطلب العلم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم) فإذا ذلك الغلام قد قعدت به همته وقال :( يا ابن عباس وماذا تريد إذا طلبت العلم ؟ قال : أن نصبح علماء) وهو صغير لكن همه عالية وطموح عالي قال: (أن نصبح علماء، فقال : يا ابن عباس أتؤمن أن تصبح عالما وفي القوم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ؟) وتريد أن تزاحم هؤلاء أتؤمن أن تصبح عالما ؟ ثم تولى ذلك الغلام عنه ليتعلم صنعة ليكون حدادا أو نجارا ومضى ابن عباس في طلب العلم حتى كابد في سبيل طلب العلم وترك الراحة ليدرك الراحة وترك التنعم ليدرك النعيم حتى بلغ بعد ذلك مبلغا أن يقعد في بيته فيأتي إليه طلاب العلم من كل مكان وهو لم يتعدى عمره 34 سنة، هذا يسأله في الفقه وهذا سأله في الحديث وهذا في القرآن وهذا في التاريخ وهذا في اللغة وهذا في الشعر وكل واحد يطرح عليه مسألة وهو يجيب عن ذلك كله، هذا الذي له الطموح التام هو عالي الهمة، وإذا أردت أن تكون همتك عالية فصاحب أصحاب الهمم العالية (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) المرء على دين خليله على طريقته وعلى أسلوبه وعلى همته، أنت في الناس تقاس بمن اخترت خليلا كلما اخترت أحدا عالي الهمة عالي الطموح صرت مثله لكن الذي يختار من هم من سقط المتاع كما قال
وما للمرء خير في حياة ****إذا ما عُد من سقط المتاع
الذي يختار سقط المتاع، اللذين يعيشون هكذا فارغين سبهللا كما قال عمر رضي الله عنه يقول : (إني لأكره أن أرى الرجل سبهللا ليس في شيء من أمر دينه ولا في أمر دنياه ) الذي يصاحب البطالين يكون بطالا، لكن الذي يصاحب أصحاب الهمم العالية يرتفع مثلهم ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) ويقول الله جل وعلا آمرا نبيه عليه الصلاة والسلام قال الله سبحانه وتعالى له : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } فيأمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء ورأس الأتقياء مع ذلك يأمره أن يصاحب الصالحين فيقول له: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } يعني مع أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير من عالي الهمة من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم جميعا.
أيها الإخوة الفضلاء إن الناس يتفاوتون في مقدار هممهم ولكل واحد هِمه هو الذي يضع نفسه فيها والإنسان بقدر همته وتوكله على الله تعالى ودعائه لربه جل وعلا بأن يعينه وأيضا بثباته وبإصراره إذا أراد أن يحقق شيئا فيصر عليه ويثبت عليه ويسلك الطرق الموصلة إليه ويدعوا الله تعالى أن يعينه على تلقيه وعلى الوصول إليه فإنه حري بذلك أن يبلغ مالا يبلغه غيره إذا صدقت منه النية والقصد
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعا ممن هممهم عالية، أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أصحاب الهمم العالية وأن ينفعنا وإياكم بما قلنا، أقول ما تسمعون وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن صار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين
أما بعد أيها الأخوة الكرام :
لا يزال الواحد منا والأيام الماضيات تمر عليه يتأمل في أحوال إخواننا في الشام ويرى ما يقع عليهم من ذلك الطاغوت الذي يحكمهم من بشار يرى ما يقع عليهم من التقتيل والترويع وهدم البيوت على رؤوس أصحابها واغتصاب النساء العفيفات، يرى ذلك ثم يرى ما يفعلونه بالأطفال من تقتيل لهم وتعذيب وتقطيع للأيدي والأرجل بل يأتون إلى أعضائهم التناسلية فيقطعونها ثم يرمونهم قرابة بيوتهم إذا رأى الإنسان مثل هذا الظلم الذي يفعله بشار وتفعله طغاته معه وزبانيته اللذين يدعونه إلى الضلال والفجور كما قال الله تعالى : {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم } قال الله جل وعلا ذلك في حال أقوام يتعاونون على الإثم والعدوان وما أشبه أحوال بشار وزمرته بما وصفه الله تعالى في كتابه، بل إنك إذا تأملت فيما يفعله من تقتيل وقطع للأعضاء حتى إن شاب رؤي وهو يطئ على صورة ذلك الفاجر بشار فقبض على ذلك الشاب فقبل أن يقتل قطعوا رجليه فتذكرت قول الله تعالى عن فرعون :{فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ } ولا يزال المرء ينظر إلى أحوال إخوانه هناك ويتذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك )) يعني حتى تقوم الساعة وهؤلاء على ثباتهم وعلى جهادهم وعلى دينهم لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم من علماء كان يقفون معهم من بني جلدتهم ومن سكان ديارهم فإذ بهم ينقلبون مع الظالم على المظلوم ويزينون لذلك الطاغية عمله وفجوره وتقتيله للناس وتضيقه عليهم وهدمه للبيوت على رؤوس أصحابها، يرون كل ذلك ومع ذلك يزينون له هذا العمل فبئس والله العلم الذي جمعوه إن كان يدلهم على مثل هذا الفجور والطغيان، بين الله سبحانه وتعالى عاقبة الظلم في كتابه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاقبة ما يلقاه اللذين يعذبون الناس أو يقعون في أعراضهم أو يحولون بينهم وبين الحرية أو بينهم وبين أموالهم، أقبل رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال له يا رسول الله: ((الرجل يأتيني يريد أن يأخذ مالي؟ قال : لا تعطيه مالك )) لا تعطيه مالك كن رجلا دافع عن نفسك لا تعطيه مالك، قال يا رسول الله : (( أرأيت إن قاتلني، قال : قاتله، قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلني ؟ قال : أنت في الجنة، قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار )).
أما بعد أيها الأخوة الكرام :
لا يزال الواحد منا والأيام الماضيات تمر عليه يتأمل في أحوال إخواننا في الشام ويرى ما يقع عليهم من ذلك الطاغوت الذي يحكمهم من بشار يرى ما يقع عليهم من التقتيل والترويع وهدم البيوت على رؤوس أصحابها واغتصاب النساء العفيفات، يرى ذلك ثم يرى ما يفعلونه بالأطفال من تقتيل لهم وتعذيب وتقطيع للأيدي والأرجل بل يأتون إلى أعضائهم التناسلية فيقطعونها ثم يرمونهم قرابة بيوتهم إذا رأى الإنسان مثل هذا الظلم الذي يفعله بشار وتفعله طغاته معه وزبانيته اللذين يدعونه إلى الضلال والفجور كما قال الله تعالى : {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم } قال الله جل وعلا ذلك في حال أقوام يتعاونون على الإثم والعدوان وما أشبه أحوال بشار وزمرته بما وصفه الله تعالى في كتابه، بل إنك إذا تأملت فيما يفعله من تقتيل وقطع للأعضاء حتى إن شاب رؤي وهو يطئ على صورة ذلك الفاجر بشار فقبض على ذلك الشاب فقبل أن يقتل قطعوا رجليه فتذكرت قول الله تعالى عن فرعون :{فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ } ولا يزال المرء ينظر إلى أحوال إخوانه هناك ويتذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك )) يعني حتى تقوم الساعة وهؤلاء على ثباتهم وعلى جهادهم وعلى دينهم لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم من علماء كان يقفون معهم من بني جلدتهم ومن سكان ديارهم فإذ بهم ينقلبون مع الظالم على المظلوم ويزينون لذلك الطاغية عمله وفجوره وتقتيله للناس وتضيقه عليهم وهدمه للبيوت على رؤوس أصحابها، يرون كل ذلك ومع ذلك يزينون له هذا العمل فبئس والله العلم الذي جمعوه إن كان يدلهم على مثل هذا الفجور والطغيان، بين الله سبحانه وتعالى عاقبة الظلم في كتابه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاقبة ما يلقاه اللذين يعذبون الناس أو يقعون في أعراضهم أو يحولون بينهم وبين الحرية أو بينهم وبين أموالهم، أقبل رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال له يا رسول الله: ((الرجل يأتيني يريد أن يأخذ مالي؟ قال : لا تعطيه مالك )) لا تعطيه مالك كن رجلا دافع عن نفسك لا تعطيه مالك، قال يا رسول الله : (( أرأيت إن قاتلني، قال : قاتله، قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلني ؟ قال : أنت في الجنة، قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار )).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر ممن يؤذون الناس فكان عليه الصلاة والسلام يقول لمن يرسلهم لأجل أن يأخذوا من الناس الزكاة أو يحكموهم قال: (( إني لم أرسلكم لتأخذوا أموال الناس ولا لتضربوا أبشارهم )) ما أرسلناكم لتطغوا على الناس ولا جعلناكم أمراء عليهم لأجل أن تأخذوا خيرات الأرض ويعيش الناس بعد ذلك في ضنك وشدة وحاجة دائمة، انظر إلى سوريا اليوم وانظر إليها خلال الأربعين سنة التي حكمها الطاغوت الأول حافظ الأسد ثم حكمها بعد ذلك النطفة القذرة التي خرجت من ذلك القذر يحكمها بشار وماهر ومن عاونهم من زبانيتهم، انظروا إلى حال سوريا سوريا غنية بالبترول وفيها غاز وفيها خيرات ومع ذلك تذهب إلى زمر من هؤلاء الطغاة يكثرون بها أرصدتهم ولا يكاد الناس يجدون هناك ما يسد رمقهم أو يقوم بعوزهم إلا ما ندر حتى ينشغل الرجل من صباحه إلى مسائه في سبيل أن يجد خبيزات يسد بها رمق أولاده وزوجته، هكذا يريدون الناس أن يعيشوا وهي أرض طيبة باركها الله تعالى وبين الله تعالى بركتها في كتابه { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [الإسراء 1] وقال الله تعالى عن موسى {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } [المائدة 21] فوصفها الله تعالى بالمقدسه، وصفها الله تعالى بالمباركة لكن هذه البركة تنزع إذا حكمها أمثال هؤلاء الطغاة، إن إخواننا اللذين يجاهدون هناك هم ظاهرون على الحق كما قال عليه الصلاة والسلام : ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك )) يعني وهم على الحق وعلى الثبات على الدين، وأمر الله إما أن يكون المقصود به النصر أن ينتصروا على من ناوئهم ومن خالفهم أو أن يكون به أمر الله تعالى يعني قيام الساعة، وما ذلك على الله تعالى ببعيد، وليثبت إخواننا هناك وهي رسالة إلى إخواننا اللذين يجاهدون في سوريا، رسالة إلى من يصاب اليوم وتسفك دمائهم وتسحق جماجمهم وتُقَطع أجسادهم، رسالة إلى من تغتصب نسائهم وتأخذ أموالهم، رسالة إلى من يرون في الطرقات أقواما ليسوا من سوريا بل قد أقبلوا إليهم من حزب اللات وأقبلوا إليهم من إيران لأجل أن يشاركوا في التقتيل وفي نزع الأرواح وفي تقطيع الأيدي والأرجل وفي هتك الأعراض، هي رسالة إلى الأبطال اللذين يثبتون على دينهم برغم ما أصابهم وإن الله تعالى يقول : { حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ .. } [يوسف 110] { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ . أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } [الحج 38 : 40] هؤلاء {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج 8] لما خرجوا متظاهرين ما خرج أحد منهم بسيف ولا بسلاح ولا بمسدس ولا برشاش إنما خرجوا بلافتات يوصلون بها صوتهم إلى من قيض ليحكمهم فإذا به يأتيهم بالدبابات وبأنواع المدافع ويضربهم بالطائرات، وليغلبن مغالب الغلاب والله تعالى يسمع ويرى ولا يأتين نصر الله تعالى إليهم سواءا طال عليهم الأمد أو قصر، فالله الله بالثبات، الله الله بالثبات على ما أنتم عليه، يا أهل سوريا يا أهل الشام فإنكم أرض المنشر والمحشر وعندكم يُحشر الناس عند قيام الساعة وأنتم مهبط الأنبياء ومأرز الأنبياء وعندكم بيَّن الله تعالى البركة، فينبغي عليكم الثبات على ما أنتم عليه.
ونسأل الله تعال أن يهلك طاغوت سوريا عاجلا غير آجل، أسأل الله أن يرينا فيه عجائب قدرته، أسأل الله أن يرينا فيه عجائب قدرته، أسأل الله أن يرينا فيه عجائب قدرته، اللهم أرنا فيه يوما كيوم هامان وفرعون وكيوم بن علي وحسني مبارك ومن شابهم يا قوي يا عزيز، اللهم إنا نسألك أن تحقن دماء إخواننا هناك، اللهم احقن دمائهم، اللهم اجمع كلمتهم، اللهم تقبل شهدائهم، اللهم اشف مرضاهم، اللهم احفظ جوعاهم، اللهم اجمع كلمتهم يا قوي يا عزيز، اللهم أرنا عجائب قدرتك في هذا الطاغية بشار وفي أخيه ماهر وفي كل من وقف معه وعاونهم من زبانيتهم يا قوي يا عزيز يا رب العالمين، اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين، اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين وآية للمتبصرين يا قوي يا عزيز يا رب العالمين، اللهم إنهم قد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد اللهم فصب عليهم صوط عذاب وكن لهم بالمرصاد يا حي يا قيوم يا رب العالمين، اللهم رحماك بإخواننا هناك، اللهم رحماك بإخوة لنا عزل بإخوة لنا في السجون بإخوة لنا يعذبون تراهم ولا نراهم وتعلم حالهم ولا نعلم حالهم رحماك ربنا بنساء عفيفات يسحبن على التراب وتغتصبن ويعبث بأعراضهن، اللهم رحماك بهم يا قوي يا عزيز، اللهم انصرهم نصرا مؤزرا، اللهم انصرهم نصرا مؤزرا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وإنا نسألك يا قوي يا عزيز أن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في ليبيا، اللهم أرنا في القذافي يوما أسودا عاجلا غير آجل يا قوي يا عزيز يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين هناك، اللهم أيدهم بتأيدك وأحسن نياتهم لك وحدك لا شريك لك يا حي يا قيوم، اللهم وأصلح أحوال إخواننا في تونس وفي مصر وفي اليمن، اللهم أصلح أحوالهم في اليمن يا حي يا قيوم واجمع كلمتهم على خيرهم وعلى أحبهم إليك واحقن دمائهم يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد شيئا من بلدان المسلمين بسوء فرد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا عليه يا حي يا قيوم، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك وسائر ولاة أمور المسلمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
م\ن
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
م\ن
تعليق