بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أين توجد السعادة؟!
هل تساءلنا مرة أين توجد السعادة؟ أنا لا أقصد ما هي الأشياء المسعدة لا، لا، أنا أريد أن أعرف أين تقع السعادة؟ أين مكانها بالتحديد؟ يعني في الشرق؟ في الغرب؟ في مكة؟! أين؟ عادة إذا أردت أن تعرف شيئًا معينًا فإنّ أسهل طريقة لمعرفة الجواب أن تسأل صانعه ومالكه، أين السيارة الفلانية؟ لا شكّ أن صاحبها هو أعرف الناس بإجابة هذا السؤال، إذا أردت أن تعرف أين مكان المدخل والمخرج لمبنى أو مخرج معين فبالتأكيد أنّ الذي بناه هو أفضل من يخبرك وهكذا؟ ماذا عن السعادة؟ أين السعادة؟ عندما بدأت بالبحث عن إجابة هذا السؤال؟ وجدت أن أفضل من يجيبني عليه هو الله تعالى لأنه سبحانه هو خالق السعادة فبدأت أبحث في الوحي، الكتاب والسنة، أين توجد السعادة؟ ثم توصلت إلى نتيجة وهي كالآتي:
السعادة موجودة في الأعلى بقرب الذات الإلهية فوق وكلما ارتفعت أكثر كانت السعادة أكبر وكلما اقتربت أكثر من الذات الإلهية فستشعر بالسعادة أكثر ولهذا لمّا أراد الله تعالى أن يخفف عن نبيه وأن يسعده في حادثة الإسراء والمعراج رفعه إليه، رفعه في تلك الرحلة العجيبة لكي يقترب من ربه فتزيد سعادته، وإذا سألت نفسك ما هو أسعد مكان يمكن أن تدخله؟ الجواب إنّها الجنة، طيب أين توجد الجنّة؟ في الأعلى قريبة من الله، وحتى السعادة في الجنة على مراحل ومستويات. أين قمّة السعادة؟ قمة السعادة في الفردوس الأعلى، الفردوس الأعلى هي أقرب مكان إلى الذات الإلهية يمكنك أن تصل إليه، قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عنها: "وفوقها عرش الرحمن"، صححه الألباني، قريبة جدًا من الذات الإلهية لذلك يقول ابن القيم عن الفردوس الأعلى: "جارهم فيها هو الله تعالى، وأما الجحيم فهي في الأرض السابعة". كما ذكر ذلك ابن كثير -رحمة الله عليه- قال: "يعني هي في الأسفل أبعد ما تكون عن السعادة"، أي أنّها بعيدة عن الذات الإلهية، ولمّا كان هذا العلو هو محل السعادة هناك فوق كانت الأشياء المسعدة والمفرحة تذهب إليه لأنها تذهب إلى حيث تنتمي، قال الله تعالى: "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" فاطر:10.
إذًا أين السعادة في الدنيا؟
قد يقول قائل إذا كان الأمر كذلك فلن نصل إلى هذه السعادة إلا في الدار الآخرة فقط، لا أبدًا، من قال ذلك، يمكنك الوصول إلى هذا القرب من الذات الإلهيه هذه في الدنيا قبل الآخرة، كيف؟ لن تصدق، بشيء بسيط بالسجود، قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" صحيح مسلم، الله اكبر، هل تخيل الواحد منّا أن السجود يفعل كل هذا؟ إي والله إنه يفعل ذلك وزيادة ولهذا ارتبط السجود بالسعادة فقد كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذا أتاه ما يسره خرّ ساجدًا لله، شكرًا له وهو سجود شكر لأنّ السجود يأتي مع السعادة كما أنّ السعادة تأتي مع السجود، أخي الكريم أختي الكريمة لا تصدقوا شخصين: لا تصدق مَن ادّعى أنّ السعادة في مكان آخر غير القرب من الذات الإلهية ولا تصدق كل مَن ادعى أنه توجد وسيلة توصلك إلى هذا القرب من الذات الإلهية سوى السجود، قال الله تعالى لنبيه: "كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب "العلق: 19، لاحظ "وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب".
لماذا السجود بالتحديد؟
سؤال: لماذا السجود يقربك من الله تعالى؟ الجواب لأنه من أعلى وسائل التعبير عن الحب والعبودية لهذا المحبوب، الحب غير العادي يحتاج إلى تعبير غير عادي، لهذا أنت تحب الكثير من الأشخاص في حياتك ولكن هل من المعتاد أن تقبّل أياديهم، أنت لا تقبل إلا يد والديك فقط، لأنّ حبك لهم يفوق الحبّ المعتاد فالتعبير عنه يكون غير معتادًا أيضًا. فإذا كان الأمر كذلك فحب الله تعالى حب غير عادي لهذا التعبير عن الحب لا يكون عاديًا أبدًا، المعتاد هو أن تمشي على رجليك، أن تسند ظهرك وأنت جالس، أن تستلقي متى أردت، هذه الأحوال العادية للجسد، لكن الحال غير العادية للجسد أن يكون الوجه في القاع أسفل شيء على الأرض، هذا وضع غير عادي للجسد، لأنّ الحب غير عادي أصلًا، الحب حب ألوهية ولأني يا ربي أحبك حبًا لا يشابهه أي حب آخر فإني سأعبر عنه بتعبير هو قمة في المحبة والتذلل، سأعطيك أعز ما عندي "لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ" ال عمران: 92 ماهو أكرم وأعزّ وأشرف منطقة في الجسد، طبعًا الوجه، الجبهة والناصية هي أكرم ما في جسمك لدرجة أنّ الإنسان أثناء المزاح قد يقبل منك أشياء كثيرة من المزح كالدفع والضرب والشد ولكنّه من المستحيل أن يقبل بأن تضرب على وجهه مزاحًا، الوجه خارج حدود المزاح لأنه أكرم شيء، أكرم شيء هو وجهي، وفي المقابل ما هو أذل شيء حولي إنها الأرض التي أدوسها برجلي إذًا أضع وجهي على الأرض أكرم شيء أضعه على أذل شيء لأجلك أنت، أنت فقط لا لأحد سواك، فقط لأظهر لك شدة محبتي وعبوديتي فإذا رآك الله كذلك فإنه بلا شك سيحبك كما أحببته أنت وسيرفعك إليه لأنك تذللت وتواضعت بين يديه. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "من تواضع لله رفعه الله" صححه الألباني يا إلهي إني أسجد لك لكي ترفعني إليك حيث توجد السعادة فوق بالقرب من ذاتك الإلهية، جعلت جسدي يلتصق على الأرض لكي تقترب روحي من فاطر السماء والأرض.
قال أحد العلماء الربانيين: "تقترب الروح إلى الله في أثناء السجود ومن القلوب من يجول حول عرش الرحمن"، الله أكبر، فإذا كنت تقدم كل هذا الحب وكل هذا التواضع لأجله سبحانه فإنه سيرفعك بقربه وأنت تستمر في السجود ورب العباد يرفعك أكثر تسجد وهو يرفعك إلى مزيد من السعادة.. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "أكثر من السجود فإنه ليس من مسلم يسجد لله تعالى سجدة إلا رفعه الله بها درجة في الجنة، وحط عنه بها خطيئة" صححه الألباني طيب إذًا إلى متى أرتفع؟ إلى متى؟، إلى أن تصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أين؟ في الفردوس الأعلى، عن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: "كنت أبيت مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال لي سلني"، يعني اطلب مني "فقلت: يارسول الله أسألك مرافقتك في الجنة"، يعني في الفردوس الأعلى مكان النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: أو غير ذلك؟ يعني هل تريد شيئًا آخر، قلت هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود" صحيح مسلم يعني أكثِر من الصلاة لكي تحصل على هذه المرافقة، صحيح أنك في الظاهر تنزل إلى الأسفل ولكن في الحقيقة إنه ليس نزولًا للأسفل، لا في الحقيقة أنت تصعد إلى الأعلى وتقترب من ربك الأعلى ولهذا فهل تقل سبحان ربي العظيم في السجود، أبدًا، أنت تقول سبحان ربي الأعلى، إذًا إذا أردت أن تصعد بروحك إلى الأعلى فلابد أن تنزل بجسدك إلى الأسفل، كثير منا لا يشعر بهيبة السجود وكمية العبودية التي فيه لأننا معتادون عليها.
قصة الدكتور الجفري:
الدكتور الجفري كان أستاذًا للرياضيات في جامعة كنزس الأمريكية، أسلم ولله الحمد، وفي اليوم الذي أسلم فيه أعطوه كتيبًا عن كيفية أداء الصلاة، رجع الدكتور إلى البيت أخذ يقرأ الكتيب يقل الدكتور وكنت مصرًا على أن أبدأ بهذه الصلاة من الليلة، يقول فأمضيت وقتًا طويلًا أدرس في الكتيب وأتعلم كيفية أداء الصلاة وأحفظ ألفاظها ثم بحثت عن القبلة ورفعت يدي وقلت الله أكبر بصوت خافض ثم بدأت بقراءة الفاتحة وأظن أنه لو سمعني أي عربي فإنه لن يفهم مني شيئًا في تلك الليلة، المهم يقول بدأت بالركوع وأنا أشعر بالإحراج لأنني لم أنحني لأحد أبدًا في حياتي، يقول ثم رفعت رأسي قلت سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، يقول هنا بدأ قلبي يخفق بقوة وتزايد انفعالي لأنه قد حان وقت السجود، يقول تجمدت في مكاني وأنا أحدّق في البقعة التي أمامي حيث كان علي أن أنزل بنفسي إلى الأرض، يقول لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي على الأرض، حالي كحال العبيد الذين أشاهد قصصهم في الأفلام يقول لم أستطع، يقول كنت أتخيل ضحكات أصدقائي لو رأوني الآن وأنا أفعل هذه الأشياء الغريبة، وتخيلت كيف سأكون أمامهم يعني مثير للشفقة وللسخرية وهم يقولون مسكين جيف لقد خدعه أصدقاؤه العرب وجعلوه مجنونًا يقول وكنت أدعو وأنا في هذه الحالة أقول يا إلهي أعنّي على هذا، يا إلهي أعنّي، يقول فأخذت نفسًا عميقًا وأرغمت نفسي على النزول للسجود وفعلًا نزلت ولكن على أعضائي الأربعة لكن لم أضع جبهتي على الأرض بعد، أنظر إلى السجادة، انتظرت قليلًا ثم ضغطت وجهي على الأرض قلت بسرعة سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات ثم جلست قليلًا ثم سجدت السجدة الثانية وأنا أكرر بصورة آلية كلام آلي ثم رفعت رأسي ووقفت وقلت في نفسي هذه جولة واحدة انتهت بقيت الآن ثلاث ركعات.. يقول كنت أصارع كبريائي، لكن أتدرون ماذا حدث له في آخر سجدة يقول نزلت علي سكينة شبه كاملة، لقد أحسست بالحياء من الله تعالى لأنني عاركت نفسي كل هذا العراك من أجل أن أعبده، وأخذت أقول اللهم اغفر لي تكبري وغبائي، يقول أحسست بشعور لم أجربه من قبل، يقول لقد اجتاحتني موجة يقول لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها كالبرودة كنت أرتعش، يقول ثم بعد ذلك انفجرت باكيًا من غير أن أعرف السبب، يقول لدرجة أني كنت أنتحب وأقول أهم ما أدركته بعد هذا كله أنني في حاجة ماسة إلى الله عز وجل، ما هو الشيء الذي يسجد وكيف يسجد؟ تابعونا في الحلقة القادمة بإذن الله عز وجل.
تم بحمد الله
رابط المادة
http://www.way2allah.com/khotab-item-77276.htm
شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله تفضلوا هنا: https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36
تعليق