الحمد لله الذي نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مُضِل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاتِه ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" النساء:1 "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُواقَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" الأحزاب72:71 أما بعد..
شهر يغفل عنه الناس
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار, ثم أما بعد.. فحياكم الله جميعًا أيها الإخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم جميعًا من الجنة منزلًا, وأسأل الله الكريم جل وعلا الذي جمعني بحضراتكم في هذا البيت العامر على طاعته.. أسأله سبحانه أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامته إنه ولي ذالك ومولاه, أحبتي في الله.. روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر, ويفطر حتى نقول لا يصوم, فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان, وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان" أكرر الحديث فهو موضوع لقائنا في هذا اليوم الكريم المبارك مع بدايات هذا الشهر الفضيل شهر شعبان الذي يغفل عنه كثيرٌ من الناس بين رجب ورمضان كما قال الصادق عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام, قالت أم المؤمنين عائشة:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر, ويفطر حتى نقول لا يصوم, فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان, وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان" . وفي رواية في صحيح مسلم "وكان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلًا" وفي رواية أحمد وابن ماجه بسند حسن من حديث أسامه بن زيد رضي الله عنهما وفيه أن أسامة قال للنبي عليه الصلاة والسلام: "يا رسول الله لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم في شعبان" فقال عليه الصلاة والسلام "ذلك شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي إلى الله وأنا صائم" حسنه الألباني وفي رواية أخرى في الصحيحين من حديث أنسأنه سئل عن صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أنس -وأنس خادم النبي الأمين فهو يحكي ما رأته عينه وما سمعته أذنه- يقول أنس -رضي الله عنه-: "ما كنت أحب أن أرى رسول الله صائمًا إلا رأيته, ولا مفطرًا إلا رأيته, ولا قائمًا بالليل إلا رأيته, ولا نائمًا إلا رأيته" أكرر هذه الرواية مرة ثانية: "ما كنت أحب أن أرى رسول الله صائما إلا رأيته أي إلا رأيته صائمًا ولا مفطرًا إلا رأيته ولا قائمًا بالليل أي يصلي إلا رأيته ولا نائمًا إلا رأيته" فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّم أمته الاعتدال فلا إفراط ولا تفريط..
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
لكن.. لنعيش من خلال هذه الأحاديث الكريمة والكلمات النبوية البليغة في عدة محاور تتعلق بهذا الموضوع الجليل, أود بدايةً أن أُنَبِّه شبابنا وأحبابنا بكرامة الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم, فأنا أعجب والله لحال هذه الأمة التي تتقلب في فضل الله جل جلاله وتنتقل من خيرٍ إلى خير, وتتقلب في مواسم الفضل فهي تخرج من موسمٍ لتخرج موسمًا آخر لتظل دائمًا أبدًا في مَعِيَّة الله تتقرب إلى الله جل علاه, فكرامة هذه الأمة عظيمة, ولا ينبغي لأحدٍ أن يجرد الأمة الآن من خيريتها لمجرد أنها تمر الآن بمرحلةٍ من مراحل الضعف لا ينكرها أحد, ولكن إذا أردت أن تقف على كرامة الأمة وخيرية الأمة حتى مع ما فيها من ضعفٍ وتقصير فانظر إلى جميع أمم الأرض لتعلم يقيناً أنه لا يوجد الآن أمة توحد رب السماء والأرض إلا أمة المصطفى.. قال تعالى: "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" القلم36:35 قال تعالى: "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ" السجدة:18 قال تعالى: "أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ" ص:28 ومن أعظم الأدلة القرآنية على خيرية هذه الأمة والتي ستظل دليلًا شاهدًا على خيريتها إلى قيام الساعة حكم ربنا لأمة نبينا في قوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَأُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.." آل عمران:110كانت أمة النبي ولا زالت وستظل "خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"آل عمران: 110إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, أتريدون يا أحبابي أن نسوي بين من يقول أنا ربكم الأعلى وبين من يخر ساجدًا باكياً لله يقول سبحان ربي الأعلى؟ شتان شتان.. قد يرد عليّ بعض شبابنا أمة النبي الآن فيها الزناة، وفيها العصاة، وفيها من يشربون الخمر، وفيها المخالفات وتقهقرت وتأخرت إلى غير ذلك من الأقوال وهذا واقعٌ لا يغيب عني, ومع ذلك أقول أمة النبي بما فيها من تقصير من بعض أفرادها أو من كثيرٍ من المنتسبين لها كانت ولا زالت وستظل خير أمة؛ لأنها الأمة الوحيدة الآن التي توحد الله وتؤمن بالحبيب رسول الله, والمذنبون والمقصرون من أمثالي أنا كانوا ولا زالوا موجودين في الأمة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يقلل وجود هؤلاء من كرامة الأمة, فلقد وصف الله الأمة بالخيرية في وجود هؤلاء الضعفاء المقصرين, فلا ينبغي أيها الأفاضل أن نجرد الأمة من خيريتها ومكانتها وأن ننظر إلى هذه الأمة كيف تتنقل في طاعة الله وفي فضل الله وفي رحمات الله, وقد وعد ربنا نبينا ألا يخذيه في هذه الأمة أبدًا زادها الله شرفًا وفضلًا.. ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: "رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يعني الأصنام والآلهة المكذوبة فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" إبراهيم:36لم يقل ومن عصاني فانتقم منه, فاخسف به الأرض؛ لأن أصحاب القلوب الكبيرة قَلَّ ما تستجيشها دوافع الغلظة والقسوة والانتقام, وقرأ قول الله في عيسى:" إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" المائدة:118 فرفع يديه وقال: اللهم ! أمتي أمتيوبكى, فقال الله عز وجل: "يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك؟فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله, فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما قال وهو أعلم،فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك". هذا وعد ربنا أسأل الله أن يرضينا وأن يرضى عنا وألا يخزينا وإياكم لا في الدنيا ولا في الآخرة, فالعبد عبدٌ والرب ربٌّ ولا ينبغي أن نقلل من كرامة الأمة وشأن الأمة, فهي خير أمةٍ وأكرم أمةٍ على الله, وأختم هذا المحور الأوليّ الذي جعلته.. لهذا الموضوع الرقراق أختم بهذا الحديث من حديث بن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: "عُرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد" صححه الألباني وفي روايةٍ في سنن الترمذي بسندٍ صحيح أن هذا العرض على النبي كان ليلة الإسراء والمعراج فلقد عرض الله على نبينا صلى الله عليه وسلم أعداد الأمم السابقة وهي في طريقها إلى الجنة فوقف النبي على عدد كل أمة تدخل الجنة مع نبيها المرسل من قِبَل ربنا جل جلاله, "فرأيت النبي ومعه الرهط ورأيت النبي والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر, فإذا سواد عظيم، فقيل لي :هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب" بل ووالله لقد سأل نبينا ربنا المزيد لهؤلاء الفضلاء الذين يدخلون الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب فقال كما في رواية الإمام أحمد والبيهقي بسندٍ صحيحٍ بشواهده كما قال الحافظ بن حجر وغيره من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي عز وجل فوعدني أن يُدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا على صورة القمر ليلة البدر فاستزدته ربي عز وجل فزادني مع كل ألفٍ سبعين ألفًا ثم يحثي ربي بكفه _لا يعلم مقدار حثوات الملك إلا الملك_ ثلاث حثيات فكبر عمر قال ابن الخطاب: الله أكبر الله أكبر ثم قال عليه الصلاة والسلام وإن السبعين ألفاً الأُول يشفعهم الله في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم وإني لأرجو أن تكون أمتي أدنى الحثوات الأواخر" هذه كرامة الأمة فيها العصاة فيها المقصرون فيها المذنبون.. " فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ " فاطر:32فلا حرج على الإطلاق وأسأل الله أن يتوب على المقصرين من أمثالي وعلى المذنبين من أمثالي، وأن يردنا وإياكم إليه ردًا جميلًا, وأن يقر أعيننا بعودة الأمة إليه وإلى منهج رسوله عودًا كاملًا حميدًا إنه ولي ذلك والقادر عليه.. من رحمة الله بالأمة أن الله عز وجل قد تفضَّل عليها بكثيرٍ من مواسم الطاعات, وكثيرٍ من مواسم العبادات والخيرات, لتنتقل الأمة الميمونة من موسم طاعةٍ إلى موسمٍ آخر, لتخرج من عبادةٍ لتدخل عبادةً أخرى.. وهكذا, حتى يظل العبد سائرًا على الصراط المستقيم إلى أن يلقى رب العالمين, ففي سنن الترمذي ومسند أحمد بسندٍ صحيحٍ من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله" اللهم استعملنا يا أرحم الراحمين " إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله قيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعملٍ صالح قبل الموت ثم يقبضه عليه" صححه الألباني ومن بديع ما قال إمامنا الحافظ بن كثير: " إن الله تعالى أجرى عادته بكرمه أن من عاش على شيءٍ مات عليه ومن مات على شيءٍ بعث عليه "أسأل الله أن يحييني وإياكم على طاعته, وأن يختم لي ولكم بخاتمة الإيمان, وأن يحشرني وإياكم في زمرة إمام الموحدين وسيد المرسلين, إنه ولي ذلك والقادر عليه.. أيها الأفاضل شهر شعبان شهرٌ فضيل يغفل عنه كثيرٌ من الناس, وكأني أرى أن الله جل وعلا قد جعله مقدِّمةً حقيقةً لتهيئة القلوب والنفوس والأرواح بل والأبدان لشهر رمضان, توطئةٌ كريمةٌ وتهيئةٌ جليلة تقبل فيه على رمضان إقبالًا يليق بمكانة الشهر المعظم, تهيئ فيه نفسك للصيام, كان صلى الله عليه وسلم يُكثر من الصيام في رمضان حتى ورد في روايةٍ في صحيح مسلم: "كان رسول الله يصوم شعبان كله" ولفظة كله كما يقول علماء الأصول خرجت مخرج الغالب أي غالب أيام هذا الشهر الفضيل, يقيِّد هذا النص المُطلق هذا النص المقيَّد أو المقيِّد في صحيح مسلم " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلًا " وأنت الآن في أول أيام الشهر الفضيل..
هل أنت مستعد؟
فعاهد ربك من الآن على أن تُقبِل على هذه العبادة العظيمة, وعلى أن تجدد الأوبة والتوبة, وأن تحرص من أول أيام الشهر أن تستعد استعدادًا خاصًا لآخر هذا الشهر الذي سترفع فيه الأعمال إلى اللـــه, فهل يا تُرى أعددت من الأعمال ما تَسعد أن يرفع في آخر هذا الشهر إلى الله؟ هل أنت مستعدٌ لأن تُرفع أعمالك الماضية في آخر هذا الشهر إلى الملك جل جلاله؟ كيف يكون حال الواحد منا لو تعرض لإشكالٍ ما وحُدد له يوم للمثول أمام قاضٍ من قضاة الدنيا؟ يا تُرى قبل موعد هذا اللقاء والمحاكمة بكم؟ يفكر الإنسان ويخطط ويبحث عن من يدافع عنه ويبحث عن دراسات جدوى لا أقول عن دراسة جدوى بل عن دراساتِ جدوى, وماذا سيقول وما الذي سيُقال له إلى آخر هذه الحالة النفسية المؤلمة المزعجة المقلقة التي يعرفها كل واحدٍ منا.. لكن أنا أذكرك الآن وأقول هل أنت مستعد أيها الوالد وأيها الابن العزيز؟ هل أنت مستعد لأن تعرض أعمالك على الله جل جلاله في آخر هذا الشهر؟ فقد نغفل كثيرًا عن عرض الأعمال إلى الله كل يوم.. نغفل, نأكل ونشرب وننام ونستيقظ إلى العمل ونعود لننام ولا يفكر كثيرٌ منا في عرض عمله اليومي على رب العلي كما في حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن اللهلاينام ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار, وعمل النهار قبل عمل الليل "هل تفكرت في هذه؟ "يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار, وعمل النهار قبل عمل الليل,حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" صححه الألباني والله لقد كان تفكير السلف في عرض أعمالهم على الله يُقلق أحدهم قلقًا بالغًا إلى حد البكاءِ الذي يفلق الكذب, ولكن لقسوة القلوبِ إلا من رحم علام الغيوب صارت التذكير بعرض الأعمال على مالك المُلك ومَلِك المُلوك لا يُحرِّق إلا قلوبًا قليلةً تمتلئ بجلال الله وخشية الله وتعظيم الله, أسأل الله أن يجعلنا من هذه القلة التي تعرف قدر الله وجلاله, تُعرض الأعمال في هذا الشهر على الله, فاحرص على أن يرفع عملك يرضى الله عنك, احرص على أن ترفع لك توبة تَجُب ما سبق, فالتوبة تَجُب ما قبلها, احرص على أن يُرفع لك استغفار يَجُب الله عز وجل لك به ما سبق, فالتوبة بفضل الله تعالى هي الأصل حتى في الكبائر.. من ارتكب كبيرةً وستر الله عليه ولم يفتضح أمرُه ولم يبلغ أمره إلى ولي أمر مسلمٍ, كان من الواجب عليه أن يُقيم حد الله, إذا ستر الله على مُرتكب كبيرةٍ فتاب إلى الله جل وعلا فأقلَع عن الذنب، وندم على ارتكاب الذنب، وعمل صالحًا, غفر الله عز وجل له وتولَّ الله تخليص هذا الحقِ كان مرتبطًا بحق آدمي يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم, فاحرص وذكِّر نفسك.. يا نفس
يا نفسُ قد أزِفَ الرحيلُ وأظلَّكِ الخطب الجليل فتأهَّبي يا نفس لا يلعب بكِ الأمل الطويل..
فلتَنزِلِن بمنــــــزل ينـــسى الخليــــــــــلَ بــــه الخليـــــــــــــلُ وليركَبَن عليكِ فيـــه مـــــن الثرى ثِقَــــلٌ ثقيــــلُ..
قُلِنَ الفناء بنا جميعًا.. فما يبقى العزيزُ ولا الذليل
فلتَنزِلِن بمنــــــزل ينـــسى الخليــــــــــلَ بــــه الخليـــــــــــــلُ وليركَبَن عليكِ فيـــه مـــــن الثرى ثِقَــــلٌ ثقيــــلُ..
قُلِنَ الفناء بنا جميعًا.. فما يبقى العزيزُ ولا الذليل
الاعتدال منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فكان -صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان إلا قليلًا.. إلا قليلًا, وكما قالت عائشة في حديث الباب الذي ذكرتُه ابتداءً: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر, ويفطر حتى نقول لا يصوم" صحيح البخاري, الشاهد أنني أود أيضًا أن أنبه على أن الاعتدال منهج رسول الله, فلا إفراط ولا تفريط, لا غلو ولا تنطُّع ولا تضليع ولا تفريط؛ لأن الإفراط في دين النبي يعادل التفريط.. ولذلك روى البخاري ومسلم من حديث أنس أيضًا قال: "جاءثلاثرهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها", يالَلمأساة, أن يتَوَهَّم إنسان ما أنه أعظم عبادة من خير خلق الله, كأنهم تقالّوها ولكنهم مع ذلك "قالوا: أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر,قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا" سأقوم الليل كله، "وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر" يعني سأصوم العام كله لن أقطع هذا العام بفطر يوم من الأيام، "وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا, فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". الاعتدال الاعتدال.. القصد القصد, ولذلك "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا المسجدَ النبوي فإذا حبل ممدود بين ساريتين" أي بين عمودين "فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت", هي تقف تصلي فإذا فترت وتعبت تتعلق بالحبل لتُرغم نفسها ولتقهر نفسها على القيام بين يدي ربها, "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا.. حُلُّوه, ليُصَلِّ أحدكم نشاطه, فإذا فتر فليقعد" صحيح البخاري إذًا صيام شعبان سنة ليس واجبًا, والإكثار من الصيام في شعبان من هدي النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام, ما حكم صيام يوم النصف من شعبان؟ مندوب مستحب؛ لأنه يوم من الأيام البيض الغُر الذي يستحب ويُندَب صيامها, نصف شعبان وهو الخامس عشر يستحب صيامه كيوم ثالث من الأيام القمرية البيض, أما ما حكم إحياء ليلة النصف من شعبان؟ لا أصل له ولو كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم لوصل إلينا ولنقل إلينا بالتواتر, ولن يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقيم ليلة النصف من شعبان بأصحابه في المسجد النبوي, لكن لو أراد أحد أحبابنا أن يقوم الليل في بيته في هذه الليلة أو في غيرها من الليالي فبها ونعمة وما أعظمها من طاعة وقربة, أما أن يجتمع الناس في ليلة النصف لصلاة التسابيح أو لصلاة الرغائب أو لغير ذلك فلا أصل لهذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان والله خيرًا لسبقنا إليه رسول الله.. فلا تتوهّم أيها المسلم أنك أحرص على الخير من النبي صلى الله عليه وسلّم, جاء رجلٌ إلى الإمام مالِك ابن أنس -إمام دار الهجرة النبوية- فسأله سؤالًا جميلًا وقال: يا إمام من أين أُحرِم للحج؟ فقال الإمام مالك: من ذي الحليفة يعني من الميقات حيث أحرم رسول الله, وذو الحليفة ميقات أهل المدينة وهو الذي يعرف الآن بأبيار علي, فقال له الإمام مالك: تحرم من الميقات من ذي الحليفة حيث أحرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فقال الرجل: لا لا لا أنا مش هاحرِم من هناك, أُمّال عايز تحرم منين؟ قال له: بقى أسيب المسجد النبوي الشريف وأسيب الروضة الشريفة.. ساكِنِه أفضل الصلاة والسلام وأروح أحرم من ذي الحليفة! لا أنا أحرم من هنا سأحرم من المسجد من عند القبر الشريف.. اسمع ماذا قال الإمام، قال له الإمام مالِك: "لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة" فتنة! فتنة إيه يا إمام؟ وأين موضع الفتنة؟ انت عايز تقارن الميقات بالمسجد النبوي، ده المسجد النبوي له من الفضل.. نعم ما لا ينكِره إلا جاحد، قال: "لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة" قال: "وأي فتنةٍ يا إمام؟ وإنما هي أميالٌ أزيدها " ده هم تلاتة ميل هازودها بس على الميقات بدل ما أروح إلى ذي الحليفة سأحرم من هنا من المدينة، اسمع ماذا قال الإمام مالك قال: وأي فتنةٍ أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلةٍ لم يسبق إليها رسول الله"هذا خطر الابتداع "وأي فتنةٍ أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلةٍ لم يسبق إليها رسول الله" ثم استشهد الإمام مالك بدليلٍ قرآنيّ من أعجب الاستشهادات على حد علمي قال له: فإني سمعت الله يقول:"فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" النور : 63
فلا حرج أن تقيم الليلة في بيتك كأي ليلة من الليالي، لا حرج أن تتضرع إلى الله بالدعاء وعندي دليل على ذلك أذكره الآن، لكن لا نجتمع في المساجد لصلاة الرغائب أو لصلاة التسابيح أو غير ذلك فهذا لم يفعله رسول الله ولم يفعله السلف الصالح عليهم رضوان الله ستسمع حديثًا يتردد في هذه الأيام كثيرًا وربما على ألسنة بعض أحبابنا من الدعاة والمذيعين وغير ذلك والحديث رواه بن ماجه من حديث عليّ رضي الله عنه هكذا تقول الرواية كلمات الرواية المزعومة أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها " الكل يذكر هذه الرواية ويستشهد بها، تقول تلك الرواية "فإن الله تعالى يتنزل بعد غروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفرٍ فأغفر له هل من مسترزقٍ فأرزقه هل من مبتلى فأعافيه حتى يطلع الفجر".
هذه الرواية التي يستدل بها البعض على قيام الليلة بهذه الصورة المذكورة والرواية كما ذكرت في سنن بن ماجه والحديث ضعيف جدًا جداً بل هناك من أهل العلم من حكم عليه بالوضع هناك من أهل العلم من قال موضوع، موضوع يعني إيه؟ يعني مكذوب على عليّ ومكذوبٌ عن الحبيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يتسع الوقت لتفنيد السند لأبيِّن لكم هذا، لكنه حديث موضوع حكم عليه بالوضع الشيخ الألباني وغيره في ضعيف سنن بن ماجة، فلا ينبغي أن يُحتج بهذه الرواية أيها الأفاضل لكن من باب الأمانة العلمية ثبت في سنن بن ماجة أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان ليلة النصف من شعبان فإن الله تعالى يغفر لأهل الأرض إلا لمشركٍ أو مشاحن" الحديث حسَّن إسناده الشيخ وغيره، يغفر الله في هذه الليلة لأهل الأرض إلا للمشركين.
"إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " النساء: 48 وإلا للمشاحنين.. للمتخاصمين على أمور الدنيا الزائلة الحقيرة التافهة أما الهجر إن كان لله وللدين بشرط أن تكون صادقًا في ذلك فلا حرج عليك بل قد يكون الإنسان مأمورًا بهذا أحيانًا فلقد أمر النبي المجتمع المسلم في المدينة أن يهجر الثلاثة الذين خُلِّفوا عن غزوة تبوك وكان هذا الهجر عملًا من أعظم القربات والطاعات إلى الله ثم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه.. أما الهجر من أجل دنيا زائلة، ومن أجل مالٍ زائل، ومن أجل منصب ومن أجل امرأةٍ، ومن أجل ولدٍ إلى غير ذلك فهذا يُعرِّض هذين إلى الحرمان من مغفرة الله سبحانه وتعالى في هذه اللية الكريمة المباركة..
أردت أيها الأفاضل أن أذكِّر نفسي وإخواني وأخواتي بهذا الفضل فربما لا يذكِّر بفضل شعبان من علمائنا ودعاتنا
وطلبة العلم إلا القليل.. إلا القليل فهذه مواسم طاعات، وهذه أيام رحماتٍ، وبركاتٍ، وخيرات فلا تحرم نفسك فيها من التوبة، والأوبة، والقربة إلى الله سبحانه وتعالى، واعلم بأن رحمة الله لن تتنزل عليك إلا إذا عرضت بذكرٍ أو بعبادة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلمٍ من حديث معقل بن يسار: "العبادة في الهرج كهجرةٍ إليّ" في الهرج يعني في الفتن في أيام الفتن وفي زمان الفتن أي كهجرةٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة . أيها الأحبة ربما أطرح سؤالًا أخيرًا ألا وهو هل من أسباب أو وسائل لتعيننا بحول الله على العودة وعلى الطاعة والثبات على ذلك والمداومة على ذلك؟ والجواب إن شاء الله تعالى في عجالةٍ بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفي الله وخليله اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد: فالعاقل هو الذي يعرف شرف زمانه، لا تنسوا مني هذه الكلمات.. العاقل هو الذي يعرف شرف زمانه، وهو الذي يعرف قدر الأيام التي يمر بها الآن في هذه الحياة فقد تسلب الحياة في أي لحظةٍ من اللحظات ويود الإنسان أن لو عاد إلى الدنيا ليعمل صالحاً فيقال له كلا "حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ"المؤمنون 99: 100 لعلي.. يريد العودة ومع ذلك هو ليس متأكدًا إن كان سيعمل صالحًا أم لا؟ ومع ذلك فيه الجواب "كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا" لا وزن لها ولا قيمة "وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" المؤمنون: 100
من الأسباب المعينة على الطاعة والثبات:
1- عاهد ربك من الآن على ترك الحرام
فيا أيها الحبيب القريب.. من الآن عاهد ربك من الآن على التوبة والأوبة على ترك الحرام، على ترك الذنوب والمعاصي، على ترك الربا، على ترك أموال اليتامى، على ترك العقوق، على ترك الإساءة إلى الجيران والأصحاب، عاهد ربك على الأوبة والتوبة، عاهد ربك من الآن على المحافظة على الأوامر، على الابتعاد عن النواهي ما استطعت إلى ذلك سبيلا.. على الوقوف عند الحدود وأنت في غاية الحب لله والرضا عن الله، عاهدي ربكِ الآن يا أختاه على الحجاب الشرعي، وعلى التوبة، وعلى المحافظة على الصلوات في أوقاتها، عاهد ربك الآن على إخراج حقه جل جلاله في المال، أخرج زكاة مالك، أخرج الصدقة، استعد من الآن وخطط للحج إن لم تكن قد حججت الفريضة وقد وسع الله عليك ومَنَّ عليك بالاستطاعة، عاهد ربك من الآن وأنت تجلس الآن بين يديه أو وأنت تستمع إليَّ في أي مكانٍ في الأرض عبر شاشة الرحمة الطاهرة المباركة عاهد ربك الآن على التوبة، على الأوبة، على العودة..
2- اصدق مع الله
واعلم بأن أعظم وسيلةٍ تعان بها على ذلك أن تَصدُق في طلب ذلك من الله جل جلاله فمَن صدق الله صدقه، مَن صدق الله صدقه والله لو صدقت الله في أن تقوم الليل لأقامك بين يديه بالليل، والله لو صدقت الله في أن تغض بصرك عن الحرام لأعانك على غض بصرك عن الحرام، والله لو صدقت الله في كف لسانك عن الغيبة والنميمة والكذب، وترك أكل الربا، وترك أكل أموال اليتامى إلى غير ذلك والله لأعانك على ذلك، أما أن تذكر الآن بكل ما ذكرت به من آياتٍ ومن أحاديث النبي الصحيحة ثم تعرض، ثم تزوغ، ثم ينحرف قلبك فالنتيجة ولا حول ولا قوة إلا بالله " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "الممتحنة : 7
3- وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ
أما ثمرة تحقيق الإيمان بالله ورسوله " وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ "التغابن : 11 فإن حققت الإيمان الآن بالله وبرسوله وامتثلت الأمر، واجتنبت النهي، ووقفت عند الحد وأنت تردد مع الأولين الصادقين " سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"البقرة : 285 إن فعلت ذلك هدى الله قلبك كثمرةٍ حقيقيةٍ طبيبعيةٍ لتحقيقك للإيمان بالله ورسوله " وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ " فالإيمان سببٌ لهداية القلب ونتيجةٌ كذلك لهداية القلب فكلاهما من الآخر، فاستعن بالله واصدق " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " هكذا علَّم النبي معاذ بن جبل أن يسأل الله بعد كل صلاة ثم اختر الأوقات التي تتناسب مع نفسيتك ومع إقبال قلبك على الطاعة وعلى الله..
4- اختر أوقات عبادة مناسبة لنفسيتك وأريحيتك
انتبه لهذا فهذا مهم والله مهم أقول اختر من الأوقات ما يتناسب مع أريحيتك أنت ومع نفسيتك أنت يعني قد يقرأ الإنسان الآن جزءًا من كتاب الله جل وعلا ولا يستطيع أن يدخل إلى الجزء الثاني قد يصاب بشيءٍ من السأم لا حرج عليك إطلاقًا، أغلق كتاب الله وابحث عن طاعةٍ أخرى تتواءم وتتلاءم مع أريحيتك الآن اخرج مثلًا لزيارة أرحامك بنية فهذه طاعة, اذهب إلى جامع كهذا الجامع المبارك وساهم مع إخوانك في أي عمل من أعمال الخير أو بأي مبلغ من المال في هذه الأنشطة الكريمة في هذا المكان بنية. غيِّر العمل واختر للعمل وقت يناسبه يتفق مع إقبال قلبك ونفسك عليه, هل تريد دليلًا على هذا الطرح الذي أُؤَصِّلُه. روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الدين يسر" مُيَسَّر.. جميل؛ لأنه دين الخالق الذي يعلم من خلق, "وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" الملك:14 "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه أي إلا غلبه الدين, فسددوا", والسداد هو السير على طريق الاستقامة, هذا هو السداد لغةً واصطلاحًا, "فسددوا" أي استقيموا على الصراط المستقيم وعلى منهج الله ورسوله, وسيروا على درب المصطفى صلى الله عليه وسلم, "فسددوا" طيب مانقدرش على السداد, لا نستطيع أن نسير على طريق السداد أي على طريق الاستقامة سيرًا منظبطًا لا انحراف فيه ولا اعوجاج؛ لأننا لسنا ملائكة بررة ولسنا رسلًا ولا أنبياءً, لا نستطيع السداد على طول الخط, بل قد تتعثر قدم واحد منا في بؤرة معصية وقد تجذب ثياب الآخر أشواك الذنوب.. فلا حرج, الرب ربٌ والعبد عبدٌ, ماذا أصنع؟ اجذب ثيابك من أشواك الذنوب واغسلها بدموع التوبة, وارفع قدمك من حفرة المعصية وجدد الأوبة إلى الله وأنت على يقين مطلق أنه جلَّ جلاله سيفرح بتوبتك وأوبتك وهو الغني عنك وعن جميع العالمين.. "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواعَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِإِنَّ اللَّهَيَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" الزمر:53
5- أقبِل على الله لتسعَد في الدنيا والآخرة
أيها الأفاضل والله إن من أغلى اللحظات عندي ومن أجمل الكلمات على قلبي تلك الكلمات التي أُحبِّب بها الخلق إلى رب الأرض والسموات, أقبِل عليه, أقبِل عليه جلَّ جلاله, أقبِل عليه لتسعد في الدنيا والآخرة, عاهد الله الآن الآن وإلّا.. فالأنفاس تجري والأيام تمر تسحب معها السنين وتَجُر خلفها الأعمار وستطوى حياتك قَلَّت أم كثرت لترى نفسك في عسكر الموتى, وبعدها ترى نفسك واقف بين يدي الملك, ليس بينك وبينه ترجمان, فتنظر أيمن منك فلا ترى إلا ما قدَّمت, وتنظر أشأم منك فلا ترى إلا ما قدمت, وتنظر بين يديك فلا ترى إلا النار تلقاء وجهك, فاتقي النار ولو بشق تمرة كما قال النبي في الصحيحين من حديث عدي ابن حاتم: "فاتَّقُوا النَّارَ ولَو بِشِق تَمْرَة" اللهم اعصمني وإياكم من النار, واجعلني وإياكم من أهل الجنة بصحبة النبي المختار, فاصدق في طلب العون من الله واختر الوقت الذي يتلاءم مع إقبالك أنت على الطاعة.. الشاهد من الحديث "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشادَّ الدِّين أَحدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدوا طيب مانقدرش, وَقَارِبوا", خلاص إن لم تستطع أن تبلغ حد الاستقامة فقارب من الاستقامة.. قارب منها, إن زَلَّت قدمك.. هيا عاود السير, إن وقعت.. قم, إن تعثرت.. ارتفع والجأ إليه جل جلاله أن يتوب عليك, يا مولانا وقعت في الذنب وتبت.. ثم وقعت فيه وتبت.. تم وقعت فيه وتبت, اعلم بأن الله لا يمل حتى تمل. المهم أن تُقبل عليه وأنت لست مصرًا على العودة للمعصية والذنب مرة أخرى, المهم أن تُقبل وأنت بالفعل نادم على ما فعلت وتسأله بصدق أن يثبتك وأن يعينك على الاستقامة, فإن لم تستطع فالمقاربة من الاستقامة, ثم قال.. انتبه إلى هذه اللفتة النبوية التي قَل ما ينتبه اليها.. قال: "واستعينوا" أي استعينوا على السداد, فإن لم تستطيعوا السداد فالمقاربة على طريق السداد وعلى طريق الاستقامة "وَاسْتَعينُوا بِالغَدْوَة وَالرَّوحَة وشيْءٍ مِن الدُّلجَة", إيه ده؟ "اسْتَعِينُوا بِالغَدوَة" الصباح الباكر.. وقت من أبرك الأوقات ومن أعظم الأوقات, وَظِّف هذا الوقت في الطاعة, في قراءة وردك اليومي القرآني, أو في الاستغفار, أو في الذِكر, أو في صلاة الضحى بعد شروق الشمس, "وَاسْتَعِينوا بِالغَدوَةِ وَالرَّوحَةِ" صحيح البخاري وقت المساء.. اجلس في بيت الله أو في بيتك أو في مكتبك أو في سيارتك وردد أذكار المساء في قلب حاضر وشيء من الدلجة, "الليل أنس المحبين وروضة المشتاقين وإن لله عبادًا _اللهم اجعلنا منهم بمنِّك وكرمك_ يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها، حتى إذا ما جنّهم الليل، واختلط الظلام ونُصِبت الفُرُش، وخلا كل حبيب بحبيبه، قاموا فنصبوا إلى الله أقدامهم، وافترشوا على الأرض جباههم، وناجوا ربهم فقرؤوا قرآنه، وطلبوا إحسانه وإنعامه؛ فَوالله إن أول ما يعطيهم ربهم أن يقذف من نوره في قلوبهم"، آهٍ لو استنار القلب بنور الإقبال على الله جل وعلا, آهٍ لو سجد القلب إلى الرب سبحانه وتعالى, والله لأقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية.. ولو أظلم القلب بظلمة الذنب والمعصية, أقبلت سحائب البلاء والشر والفتن إليه وعليه من كل ناحية, فيصبح صاحب هذا القلب كالأعمى الذي يتخبط في الظلام لا يرى طريقه ولا يجد من يدله على الطريق.
6- صاحب الأخيار وابتعد عن الأشرار
ثم اصحب الأخيار، وخذ القرار الآن بقوة ورجولة، وابتعد عن صحبة الأشرار, فالجليس الصالح كحامل المسك, إما أن تشم الرائحة الكريمة الزكية, وإما أن تبتاع منه, وصاحب السوء, سيحرق ثيابك, وسيحرق فؤادك, وسيحرق بدنك, وسيؤزك أزًا على المعصية, وسيحرك عندك الشهوات الهاجعة, وسيستثير عندك الغرائز الكامنة, فابتعد عن صاحب السوء.. أخاطب أولادي أحبابي, خذ القرار برجولة.. "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة "مريم:12 لا تصحب يا ولدي الغالي, إلا من يدلك على الخير, إلا من يذكرك بالله, إلا من يذكرك بأي عمل من أعمال الفضائل في الدنيا أو في الآخرة, واصحب الأطهار من الصالحين والعلماء الربانيين، وارحل إليهم، وسافر إليهم لتراهم بعينيك ولتجالسهم بالرُّكَب ولتزاحمهم بالرُّكَب, فإن رحمات الله تتنزل على مجالس العلماء الربانيين الصادقين, وإن الله جل جلاله يحيي بقلوب العلماء الربانيين القلوب الميتة كما يحيي الله الأرض بوابل المطر, اصحب العلماء الربانيين فوجوههم تذكرك بالله, ناهيك عن كلماتهم
بين الجوانح في الأعماق سكناها..
فكيف تُنسى ومَن في الناس ينساها..
الأذن سامعة والعين دامعة والروح خاشعة والقلب يهواها..
فكيف تُنسى ومَن في الناس ينساها..
الأذن سامعة والعين دامعة والروح خاشعة والقلب يهواها..
أيا عبــد كـَــم يـــراك الله عاصيـــا حريصًا على الدنيا وللموت ناسيـــــا
أنسيت لقاء الله واللحد والثرى ويومًا عبوسًــــا تشيب منه النواصيــا
لو أن المرء لم يلبس ثيابا من التقى تجرد عُريانا ولو كـــان كاسيا
ولو أن الدنيـــــــا تدوم لأهلهــــــــــا لكـــــان رســــــــــول الله حيـــــًا وباقيــــــا
ولكنـــها تفنــى ويفنــى نعيمــــهـا وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي
أنسيت لقاء الله واللحد والثرى ويومًا عبوسًــــا تشيب منه النواصيــا
لو أن المرء لم يلبس ثيابا من التقى تجرد عُريانا ولو كـــان كاسيا
ولو أن الدنيـــــــا تدوم لأهلهــــــــــا لكـــــان رســــــــــول الله حيـــــًا وباقيــــــا
ولكنـــها تفنــى ويفنــى نعيمــــهـا وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي
تم بحمد الله
رابط المادة
http://www.way2allah.com/khotab-item-12991.htm
شاهدوا الدرس للنشر على النت في
قسم تفريغ الدروس تفضلوا هنا:
https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36
تعليق