إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صفة الصلاة للشيخ سعد بن ناصر الشتري // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صفة الصلاة للشيخ سعد بن ناصر الشتري // مفهرس




    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
    أما بعد

    صفة الصلاة لفضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشتري
    من دروس الدورة العلمية الثالثة "الأكاديمية الإسلامية المفتوحة"


    الدرس الأول



    الحمد لله رب العالمين، أحمده -جل وعلا- وأشكره وأُثني عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.

    أما بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم ممن دخل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- « سبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يومَ لاظِلَّ إلاظِلُّه »، وذكر منهم « ورجلان تحابَّا في اللهِ اجتَمَعا عليه وتفَرَّقا عليه». صحيح البخاري

    وبعد، حديثنا في هذا اليوم عن صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الصلاة ركن أصيل من دين الإسلام كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم:
    « بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا ».صححه الألباني


    لما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل إلى اليمن
    قال:
    «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لاإله إلا الله وأني رسول اللهِ،فإنهم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة،فإنهم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم"
    صحيح مسلم

    ثم قال له: «واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. ».صحيح مسلم


    هذه الصلاة إذا أردنا أن نجعلها مؤثرة علينا فلا بد أن تكون على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى صفة أدائه للصلاة، كما قال -صلى الله عليه وسلم: « وصلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي »صحيح البخاري، كما في الصحيح من حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه.




    ما هي آثار الصلاة؟

    1- يقول الله -عز وجل: "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ"[العنكبوت: 45].

    متى تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر؟
    إذا كانت على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفته.


    2- وكذلك من آثار الصلاة: أن الصلاة تزرع مراقبة رب العزة والجلال في قلبك، لأنك عندما تصلي تستشعر أنك تخاطب مَن؟
    تخاطب رب العزة والجلال.

    عندما تصلي تعرف أن الله -جل وعلا- تجاهك يلاحظ أعمالك، ومن ثَم تدرب نفسك على استشعار رب العزة والجلال، لو أن الناس حرصوا وتخلقوا بهذا الخلق وهو استشعار مراقبة الله في حياتهم؛ لصلحت أحوالهم واستقامت أمورهم، لن تظلم، ولن تعتدي، ولن تفعل شيئًا من أذية الآخرين؛ لأنك تطلع أو تستشعر اطلاع رب العزة والجلال، كما قال تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ"[البقرة: 235].


    3- كذلك هذه الصلاة تجعلك تقدم أمر الآخرة على أمر الدنيا، لأنك تترك جميع أمور الدنيا لتتوجه لصلاتك، وبالتالي تتعود على تقديم أمر الآخرة، والله -جل وعلا- قد وعد مَن قدَّم أمر الآخرة بأن يُنيله الدنيا والآخرة، "مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"[النساء: 134].


    4- كذلك هذه الصلاة تجعلك تبني نفسك على التسليم لأوامر الله، لا تدخل اجتهاداتك الشخصية، ولا تدخل رغباتك في كيفية أداء صلواتك.

    لو جاءنا إنسان وقال: أنا سأقدم السجود على الركوع.
    قلنا: لا تقبل صلاتك، لماذا؟
    لأن الصلاة عبادة، والعبادات مبينة على توقيف والأخذ عن نبينا -صلى الله عليه وسلم.
    فهذه الصلاة تعودنا على هذا المبدأ.


    5- هذه الصلوات تبعد عنا التكبر واحتقار الآخرين، لأنها تعودنا على الخضوع والذل لرب العزة والجلال، وبالتالي يجعلنا هذا لا نستسلم للتكبر أو استصغار غيرنا، بل نتواضع، نتقرب بذلك لله -جل وعلا.


    6- هذه الصلوات تنظم أوقاتنا، لأنك إذا كنت تصلي الخمس صلوات، صلاة فجر، وظهر، وعصر، ومغرب، وعشاء، كل صلاة من هذه الصلوات تقلب حياتك وتجعلك تباشر أعمالًا جديدة مغايرة لأعمالك التي قبلها.


    7- هذه الصلوات تؤثر على نفسيتك، لماذا؟
    لأنك إذا أتيت لهذه الصلاة عرفت أنك تخاطب رب العزة والجلال وبالتالي ترتاح نفسك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: « يابلالُ أقمِ الصلاةَ،أرِحْنا بها »صححه الألباني، وكما قال -صلى الله عليه وسلم: « وجعلَتْ قرةُعَيني في الصلاةِ».صححه الألباني


    8- هذه الصلاة أيضًا تعود العبد على مناجاة رب العزة والجلال، وعرض الحوائج على رب العالمين، ومتى عرفت حوائجك على ربك استجاب الله -جل وعلا- دعاءك، ويسر أمورك في دنياك وآخرتك.
    يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: « وأما السجودُ فاجتهدوا في الدعاءِفقَمِنٌ أني ستجابَ لكم. »صحيح مسلم، يعني حري أن يُستجاب لكم.


    فوائد هذه الصلاة كثيرة عظيمة على حياة الإنسان في دنياه وآخرته،
    ولذلك نتقرب لله -جل وعلا- بجعلها على أكمل الوجوه من خلال أدائها على الطريقة التي أداها محمد -صلى الله عليه وسلم-، ورغَّب فيها لتكون صلاتنا على وِفق ما جاء في شرع الله، ولتكون صلاتنا مثمرة للثمرات العظيمة الجليلة التي تصلح بها حياتنا.




    الطهارة


    أول هذه الصلاة، وقبل أن نأتي بالصلاة نأتي بالطهارة، بالاغتسال والوضوء، كما قال الله -جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا"[المائدة: 6]، آية صريحة فيما يتعلق بالوضوء والطاهرة.

    يقول النبي -صلى الله عليه وسلم:
    « لايقبلُ اللهَ صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتى يتوضأَ »،صحيح البخاري، وهذا يدلك على أن ديننا العظيم مبني على الطهارة، سواء كان فيما يتعلق بالطهارة الحسيَّة التي أخذنا نماذج من ترغيب شرعنا للطهارة فيها، جاءت الشريعة بمشروعية الاغتسال في مواطن عديدة، في يوم الجمعة، في صلوات معينة، في أنساك الحج، إلى غر ذلك مما جاء به الشرع.


    وهكذا أيضًا جاءت الشريعة بالطهارة المعنوية في نفوسنا،
    وأول ذلك: ألا تتعلق قلوبنا بغير الله، فلا نخاف إلا من رب العزة والجلال، ولا نرجو إلا رب العزة والجلال، صاحب القوة، صاحب المال، الحيوانات المفترسة؛ لا نخافها، وإنما نخاف من الله أن يسلطها علينا.



    وهكذا نطهر قلوبنا، فلا تشتمل قلوبنا على حقدٍ لأحد، ولا حسدٍ لأحد، ولا نتمنى زوال نعمة الله على الناس؛ بل نتمنى الخير لغيرنا كما نتمنَّاه لأنفسنا، لا نتمنى أن يكون الآخرون مثلنا، وإنما نتمنى لهم أن يكونوا على أعلى الدرجات وأحسنها،
    فأنا أتمنى لكم العلم الوفير الذي يكون أكثر من علمي كما أتمناه لنفسي، فلا أتمنى أن تكونوا على علم يسير؛ وإنما أتمنى من الله -عز وجل- أن ينيلكم العلم الكثير والفقه في دين الله -عز وجل-، هذا طهارة معنوية ينبغي بنا أن نربي أنفسنا عليها.

    يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: « لايُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه مايُحِبُّ لنَفْسِه ».صحيح مسلم


    حتى أولئك العصاة، وحتى أولئك المخالفون لدين الله، وحتى أولئك المحاربون لله ولرسوله؛ نتمنى لهم الخير، ونتمنى لهم صلاح الأحوال، ونتمنى أن يسعدهم الله بجعلهم من أهل دينه، ولا نتمنى لهم الشر، وإذا تمنينا عدم قدرتهم على الشر ليس من أجل أننا نريد السوء بهم؛ وإنما لأننا نريد الخير بهم، فنريد ألا يتمكنوا من الصد عن دين الله بهذه الإمكانات، فنتمنى زوال ما لديهم من الإمكانات ليحققوا مصلحة أنفسهم، وليس من أجل ذواتنا نحن، لأننا نعلم أن دين الله يتولاه رب العزة والجلال، ولكن نحن نريد نجاة أنفسنا بمثل هذه الأمنيات.


    هكذا أيضًا نطهر ما في قلوبنا طهارة معنوية بأن نوحد القصد لله -عز وجل-، سواء في صلواتنا أو في بقية أعمالنا، ومن ثَمَّ نقلب الحياة لتكون طاعة لله -عز وجل-، جلوسنا في هذا المجلس نقصد به طاعة الله، نقصد به إرضاء رب العزة والجلال، نُريد به أن يحبنا الله، نريد أن تتنزل علينا السكينة، وتغشانا الرحمة، وتحفنا الملائكة، ونريد أن يذكرنا رب العزة والجلال بمثل هذه المجالس.


    هكذا أيضًا في سائر حياتنا، حتى في تصرفاتنا اليسيرة، عندما نأكل الأكل نقصد بذلك أن نرضي الله بأن نقوي أبداننا على طاعته، فيكون أكلنا طاعة لله -عز وجل-، وكل حبة أرز نأكلها تكون في ميزان حسناتنا.

    هكذا أيضًا حتى فيما يتعلق بنومنا، ننوي به إرضاء رب العزة والجلال، فنكون مأجورين عليه لأننا جعلناه وسيلة لطاعة الله، نقوي أبداننا على صلاة الليل وعلى صلاة الفجر، وعلى الاكتساب.


    كذلك في مسألة الاكتساب والعمل ننوي بذلك التقرب لله -عز وجل-؛
    لأننا نقصد إعفاف أنفسنا والله قد أمرنا بذلك، نقصد بذلك النفقة على مَن تحت أيدينا؛ لأن الله قد أمرنا بذلك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم:
    « كفَى بالمرءِ إثمًا أن يُضيعَ من يقوتُ ».صحيح



    هكذا أيضًا نتقرب إلى الله -عز وجل- قبل صلواتنا بإزالة النجاسات في أبداننا، في ثيابنا، وما ذاك إلا لأن شريعتنا شريعة طهارة ونقاء وصفاء في جميع أمورنا، في داخل قلوبنا، وفي أبداننا، وفي ثيابنا، وفي محالِّ صلواتنا، والله -عز وجل- يقول: "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ"[المدثر: 4].




    استقبال القبلة



    هكذا أيضًا من الأمور التي نستشعرها في هذه الصلوات: أننا نستقبل القبلة، ليكون أهل الإسلام كلهم يتجهون بمقاصدهم ونيَّتهم مقصدًا واحدًا، فتتحد الكلمة، وتتآلف القلوب، ويزول ما قد يُلقيه الشيطان في نفوسنا من تفرقة بين أهل الإيمان، كما قال الله -جل وعلا: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ"[المائدة: 91].


    ولذلك نتقرب إلى الله -عز وجل- بإزالة هذه العداوة وهذه البغضاء، ومَن رأيته من إخواني على خطأ أو مخالفة تقربت إلى الله -عز وجل- بنصيحته وإرشاده وبيان الحق له وتحذيره من مغبة ما هو فيه، ساء كان في معصية، أو في بدعة، أو في مخالفة كبيرة.

    هكذا أيضًا نتقرب إلى الله -جل وعلا- بجميع الوسائل التي تعلمنا هذه القبلة التي نتوجه إليها، فنتعرف من الشمس ومن القمر ومن محاريب المسلمين ومن الآلات الحديثة التي تعرفنا بالجهات؛ وهذا يدلك على أن هذا الدين القويم يُرغِّب أهل الإيمان في أن يستعملوا جميع الإمكانات لتصحيح حياتهم، وإقامتها على أكمل الوجوه وأتمها.


    هكذا أيضًا جاءت الشريعة باستعمال المياه في الطهارة، لأن هذه المياه تحصل بها طهارة أبداننا، كما قال الله -جل وعلا: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ"[الأنفال: 11].





    الغاء وساوس الشيطان


    كذلك أيضًا مما نقدم به بين يدي صلواتنا: أن نلغي وساوس الشيطان التي يلقيها في صدورنا، الشيطان يأتي إلى العباد، ويريد أن يجعلهم ممن يترك أحكام الله والعمل بشعائر دينه، ويأتي إلى الناس أهل الطاعات من أجل أن يجعلهم يتأسَّفون ويتحسَّرون على فعلهم للطاعة، فيأتي إلى بعض الناس ويبدأ يشككه في طهارته، ويجعله يوسوس فيها، ويأتي إلى آخرين ويوسوس إليهم في صلواتهم.


    ولذا تجد بعض الناس يزيد في الوضوء، ويغسل فيه مرات عديدة، وهكذا في الصلاة يعيد التكبيرة بعد التكبيرة، والقراءة بعد القراءة، مَن الذي ألقى في نفسه ذلك؟

    الشيطان الرجيم، الذي أمرنا الشرع بعدم اتباع خطواته، "وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" [البقرة: 168].
    ولذلك لا نستجيب لهذه الوساوس، إذا قال: اغسل مرة رابعة؛ لم نلتفت إليه، ولم نستجب لوساوسه، ولم نجعل لها في نفوسنا أي تأثير.
    وإذا قال: هذه التكبيرة لا تُجزئ، وهذا الركوع لا يُجزئ؛ حينئذٍ لا نلتفت إلى هذه الوساوس.

    لماذا؟

    لأن هذه الوساوس نعلم أنها من الشيطان الرجيم.




    الشرع نهانا عن الإسراف في المياه، نهانا عن الغسل مرة بعد مرة بما يزيد على ثلاث مرات، ولذلك وقع اتفاق الفقهاء على أن المرة الرابعة محرمة لا تجوز، يأثم بها الإنسان.

    لماذا؟

    لأنه قد خالف بذلك طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الطهارة.





    ذكر الله بقلوبنا وألسنتنا


    من الأمور التي نقدم بها بين يدي جميع أعمالنا: أن نذكر الله -سبحانه وتعالى- بقلوبنا وبألسنتنا.

    أما بالقلوب:
    بمعرفة الأحكام الشرعية لأفعالنا قبل أن نُقدم عليها، فلا تقدم على فعل حتى تعرف ما هو شرع الله، وما هو دين الله في هذا الفعل الذي تريد أن تفعله؟، وخصوصا في عباداتك،
    "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ"[الأنعام 162، 163]، وبالتالي لا بد أن تجعل حياتك كلها طاعة لله، وأن تجعلها على وفق شريعة الله، خصوصًا فيما يتعلق بعباداتك، وفي مقدمتها الصلاة والنسك.



    ولذلك نستشعر هذا المعنى وهذا الذكر القلبي في كل فعل نريد أن نفعله.


    وكذلك أيضًا الذكر اللساني:
    فنذكر الله بألسنتنا قبل أن نؤدي أي فعل نريده، فنعرف سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.


    فمثلًا قبل الجماع يقول الإنسان: « باسم الله،اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان مارزقتنا" صحيح البخاري
    قبل دخول الخلاء يقول الإنسان: « بسمِ اللهِ، اللهمَّ إِنَّي أعوذُ بكَ منَ الخبُثِ والخبائِثِ ».صححه الألباني

    وإذا خرج قال: «غفرانك»؛ لأن هذا اللفظ هو الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأما قول الإنسان: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني"، فهذا لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وبالتالي نقتصر على اللفظ الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم.


    هكذا أيضًا قبل الوضوء نتقرب إلى الله -عز وجل- بأن نقول: "بسم الله"، وإن قال الإنسان: "بسم الله الرحمن الرحيم"، على الصحيح أنه لا حرج عليه في مثل ذلك، لأن الألفاظ الواردة في التسمية مطلقة، فتشمل كل لفظ تسمية.

    ومن الأمور التي يقولها الإنسان ويذكر الله بعد فراغه من الوضوء أن يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله»، يتقرب بذلك إلى الله -عز وجل- لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أن مَن قال ذلك بعد إسباغه للوضوء وإحسانه تُفتح له أبواب الجنة الثمانية.

    وأما لفظة "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" فهذه لم تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما وردت بإسناد غير ثابت، ومن ثَمَّ لا يُشرع لنا أن نقولها.

    إذن هذه ألفاظ ذكر نتقرب إلى الله -عز وجل- بها.





    ستر العورات


    كذلك من الأمور المتعلقة بهذا: أن تقرب لرب العزة والجلال بستر عوراتنا، سواء في الصلاة أو في غيرها.
    لما قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟
    قال -صلى الله عليه وسلم: « إنِ استطعتَ أنْ لا يراها أحدٌ فافعلْ ».صحيح البخاري
    وقد قال الله -عز وجل: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ"[الأعراف: 31].


    هذه الآية نزلت في أي شيء؟

    نزلت أصالة فيما كان يفعله أهل الجاهلية، كان مَن لم يكن من أهل مكة ولم يعطه أحد من أهل مكة ثيابًا يطوف بالبيت عريانًا، حتى أن امرأة طافت بالبيت عريانة ووضعت يدها على فرجها، وتقول:
    اليوم يبدو بعضه أو كله ** فما بدا منه فلا أحله


    فلما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق إلى الحج سنة تسع، نادى المنادي ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فتغيَّرت حال الناس.

    وانظر إلى قول الله -عز وجل: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"[الأعراف: 26].

    ثم قال -جل وعلا: "يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ"[الأعراف: 27]، أين التعري هذا؟


    في مكة عند بيت الله، ومع ذلك لما علا صوت الحق وجاء منادي الخير والهدى عاد الناس إلى الطريقة الحسنة الحميدة بستر عوراتهم.
    ولذا لا تجزع من مناداة بعض الناس بالتكشُّف وعدم التستر؛ لأن الناس متى دخل الإيمان في قلوبهم ودخلت مخافة رب العزة والجلال ورجاؤه في قلوبهم غيَّر الله أحوالهم وسلوكهم.

    من الأمور المتعلقة بشروط الصلاة: أن الشريعة قد جاءت بالطهارة، ولذلك أمرت باجتناب النجاسات -كما تقدم.


    النهي عن قضاء الحاجة في الأماكن العامة



    ومن اجتناب النجاسات: أن الشريعة نهت عن قضاء الحاجة في الأماكن العامة التي يحتاج الناس إليها، كما في الطرقات، وكما في المياه، وكما تحت الأشجار، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « اتَّقوا اللَّاعِنَينِ »صححه الألباني، يعني التبول وقضاء الحاجة في تلك الأماكن.

    لماذا سميت بهذا الاسم؟
    لأن الناس قد يُلحقون اللعن بمَن كان كذلك، أو لأن صاحب هذا الفعل يستحق اللعن والإبعاد عن رحمة الله -جل وعلا.





    الإلتزام بأوقات الصلاة


    من الأمور التي نذكر بها في هذا أيضًا: الالتزام بأوقات الصلوات، وأداء كل صلاة في وقتها، فإن الله -عز وجل- يقول: "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا" [النساء: 103].

    ما معنى كتابًا؟
    أي واجبًا مفروضًا.
    موقوتًا: أي له أوقات محددة.
    والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد فسَّر هذا بفعله، فأدَّى في اليوم خمس صلوات، صلاة الفجر يؤديها -صلى الله عليه وسلم- بعد طلوع الفجر الصادق.

    وأنبه هنا إلى مسألة:

    وهي أن الفجر الصادق يبتدئ ببزوغه وقت صلاة الفجر، بعض الناس يظن أن وقت الفجر لا يبتدئ إلى بعد انتشار الوضوء، وهذا فهم خاطئ؛ بل إذا بزغ الفجر الصادق فحينئذٍ جازت الصلاة، ودخل وقت صلاة الفجر،
    ووجب على الناس الذين يريدون الصيام أن يُمسكوا، ولا ينتظر حتى ينتشر في الأفق، فنور الفجر إذا بزغ من الفجر حتى يأتي إلى وسط السماء، ثم ينتشر في الكون.



    متى يدخل وقت الفجر؟


    ببزوغ الفجر، لا بانتشار الضوء في الأفق، فيأتي بعض الناس ويظنون أن وقت الفجر لا يبتدئ إلا بانتشار الفجر في الأفق، وهذا فهم خاطئ، هو صحيح هناك فجر صادق وفجر كاذب.
    الفجر الكاذب: يأتي حتى يتوسط في كبد السماء ثم يقف.
    والفجر الصادق: يأتي فينتشر في الأفق.

    لكن متى يبتدئ الفجر الصادق؟
    بمجرد بزوغه ولو لم يصل إلى كبد السماء بعد، ولو لم ينتشر في الأفق، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الفجر بغلس.

    وهكذا أيضًا متى ينتهي وقت الفجر؟
    بطلوع الشمس، فإذا ابتدأ حاجب الشمس بالخروج؛ فحينئذٍ انتهى وقت الفجر.
    وأما وقت الظهر: فيبتدئ بزوال الشمس، وانتقال الشمس من كبد السماء إلى جهة المغرب، وينتهي وقتها بصيرورة ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال.

    ووقت العصر: يبتدئ من انتهاء وقت الظهر، وينتهي بصيرورة ظل كل شيء مثليه، وهو قريب من اصفرار الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يؤخر صلاة العصر عن هذا الوقت، ويختم وقته الاضطراري بغروب الشمس.

    وأما صلاة المغرب: فتبتدئ من تمام غروب الشمس وغيابها عن الأفق، وينتهي وقتها بغياب الشفق الأحمر.
    وأما صلاة العشاء: فيبتدئ وقتها من غياب الشفق، ويستمر على الصحيح إلى نصف الليل، كما ورد ذلك في حديث جابر وغيره من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم.

    هذه الأوقات تنظم حياة المسلم، وتجعله يحسن التخطيط، ويكون متمهرًا في ترتيب أوقاته.


    المكلفون بالصلاة


    من الأمور المتعلقة بهذا: أن الشريعة خاطبت بالصلاة جميع العقلاء، فما دمت عاقلًا فأنت مخاطبٌ بالصلاة، يدخل في هذا الصحيح والمريض، والكبير، والبالغ، والذكر والأنثى؛ فساوت الشريعة بينهم في هذا الواجب العظيم، واجب الصلاة.

    لا يقول قائل: وصلت إلى مرحلة لا أُخاطَب بالصلاة!
    فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- حافظ على الصلاة إلى وفاته، وفي سياق الموت كان -صلى الله عليه وسلم- يخاطب أمته بالتذكير بالصلاة، فمن قال: ارتفعت عني التكاليف، أو وصلت إلى مرحلة لا أُخاطَب فيها بشيء من الواجبات؛ قلنا: كذبت، الشريعة كاملة، الشريعة وافية.




    ومن الأمور التي نذكر بها هنا: أن النائم يُخاطب بالصلاة قبل نومه وبعد نومه
    .


    أما قبل النوم: فيُخاطب بالاستعداد للصلاة، وتجهيز الأسباب التي تجعله يؤدي الصلوات في أوقاتها.
    وأما بعد النوم: فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم: « مَن نَسِيَ صلاةً فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها،لاكفارةً لها إلاذلك ، ثم تلا -صلى الله عليه وسلم- قول الله -عز وجل: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي" [طه: 14]».

    وأما المجنون فإنه لا يُخاطب بالصلاة، ولا يُطالب بها.

    أما المريض ولو كان على فراشه، ولو كان لا يستطيع تحريك شيء من بدنه؛ فإنه متى كان حاضر القلب وجب عليه أن يؤدي الصلاة؛ لأن قول الله تعالى: "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ"[البقرة: 43]، يشمله.

    وأما المغمى عليه فقد اختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال مشهورة:
    - ذهب علماء الحنابلة إلى أنه يقضي الصلاة ولو طالت المدة، ولو جلس عشر سنين.
    لماذا؟



    قالوا: لأن الإغماء يُماثل النوم، والنائم يُخاطَب ويُطالَب بقضاء الصلوات، والإغماء يجوز على الأنبياء بخلاف الجنون.
    - وذهب فقهاء المالكية والشافعية إلى أن المغمى عليه لا يقضي الصلاة ولا يُطالب بها، وقالوا: هو مثل المجنون، لأننا لا نستطيع إيقاظه.
    - وذهب فقهاء الحنفية إلى أن الإغماء إن كان أقل من يوم وليلة فإن المغمى عليه يقضي هذه الصلوات، لأنه حينئذٍ يُماثل النوم، وإن كان إغماؤه أكثر من خمسة أوقات فإنه لا يُطالب قضاء الصلوات، لأنه حينئذٍ بمثابة المجنون.

    ولعل قول الحنفية في هذه المسألة أرجح الأقوال، لأنه الذي يسير على القياس الصحيح.

    مَن كان مصليًا شهدنا له بالصلاة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بأنه « من شهد أن لا إله إلاالله، وأن محمدا رسول الله،واستقبل قبلتنا،وصلى صلاتنا،وأكل ذبيحتنا،فهو مسلم له ما للمسلمين،وعليه ماعلى المسلمين ».صححه الألباني

    ولو قُدِّر أن إنسانًا بدأ بالصلاة ولو لم يتشهد الشهادتين؛ حكمنا عليه بأنه من أهل الإسلام.




    من الأمور التي أنبه عليها هنا:
    وجوب تعويد الأولاد والأبناء على أداء الصلوات، فإن الشريعة قد أمرتنا برعايتهم، وبجعلهم يؤدون ما ينفعهم، فتعويد الأبناء على الصلاة وترغيبهم فيها وشرحها لهم من أفضل القربات التي نتقرب بها إلى رب العزة والجلال.



    ولذلك على أهل الإيمان أن يتقربوا إلى رب العزة والجلال ببث هذه الصلوات، وبالدعوة إليها، وبترغيب الآخرين فيها وحثهم عليها، وجعلهم يؤدونها في أوقاتها، صلاة الفجر نتقرب إلى الله -عز وجل- بتعويد الناس على أدائها في أوقاتها.





    إذا انتشرت الصلاة في الأمة كان لها التأثير العظيم،
    جعلت النفوس تستقيم، وأبدل الله ما في القلوب من بغضاء بمحبة وتآلف، إذا انتشرت الصلاة في الناس عودتهم على العمل، إذا انتشرت الصلاة في الناس كان ذلك من أسباب استقرار أحوال الخلق وأمنهم في مساكنهم وفي بلدانهم، إذا انتشرت الصلاة في الناس كان ذلك من أسباب رغد العيش وتوفر الأعمال كما قال تعالى:
    "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" [طه: 132].





    أسأل الله -جل وعلا- أن يسبغ عليكم نعمه، وأن يُدرَّ عليكم رزقه، اللهم يا حي يا قيوم اجعلنا من المحافظين على صلواتنا، اللهم يا حي يا قيوم أنت المعين لنا على طاعتك فأعنَّا على أنواع الطاعة برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم انشر الصلاة في الأمة، اللهم اجعلنا ممن يستفيد منها، اللهم اجعلنا ممن يؤديها على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه، اللهم يا حي يا قيوم نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تصلح قلوبنا، وأن تزرع فيها مخافتك ورجاءك واستشعار مراقبتك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

    هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

    وفقكم الله للخير إخواني.


    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36


  • #2



    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
    أما بعد

    صفة الصلاة لفضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشتري
    من دروس الدورة العلمية الثالثة "الأكاديمية الإسلامية المفتوحة"

    السيرة الذاتية لفضيلة الشيخ

    الإسم/ سعد بن ناصر بن عبدالعزيز أبو حبيب الشثري

    نشأته:-
    نشأ الدكتور سعد بن ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري، في أسرة علم ودين أبًا عن جد، فكان منذ صغره مهتمًا بطلب العلم الشرعي والتوجه له، واستمر على ذلك إلى أن أتم دراسته الجامعية في كلية الشريعة بالرياض ، ومن ثم اختير معيدا فيها .

    سمت همته لدراسة الماجستير؛ حيث قدم فيها رسالته التي عنوانها : "التفريق بين الأصول والفروع"، ثم نال درجة الدكتوراه عام 1417هـ مقدما أطروحة بعنوان "القطع والظن عند الأصوليين" .


    حصل على تزكيات علمية من العديد من العلماء كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ، والشيخ عبد العزيز الراجحي ، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، والشيخ صالح الفوزان ، والشيخ عبد الله البراك وغيرهم .


    حصل على العديد من الإجازات العلمية في رواية كتب السنة من عدد من العلماء كالشيخ عبد الله العقيل

    مشايخه:-
    وقد تتلمذ الشيخ على يد عدد من العلماء والمشايخ الفضلاء ، وتأثر بهم تأثرا واضحا ، وكان من أبرزهم :
    - سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - .
    - سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء و الرئيس العام لهيئة البحوث العلمية والإفتاء
    العمل:-
    أستاذ مشارك بكلية الشريعة بالرياض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية





    الفهرس


    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

    تعليق


    • #3
      رد: صفة الصلاة لفضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشتري


      الدرس الأول

      لقراءة الدرس مكتوبًا "تفريغ"
      هنا
      تفريغ الدرس الأول






      للمشاهدة والاستماع

      http://www.youtube.com/watch?v=V8NRsxhFxJs


      التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-02-2014, 11:08 PM.

      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
      وتولني فيمن توليت"

      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

      تعليق


      • #4
        رد: صفة الصلاة للشيخ سعد بن ناصر الشتري


        الدرس الثاني



        د. سعد الشثري

        صفة الصلاة (2)
        وقد يمرُّ علينا شيءٌ من الخلافات الفقهيَّة بين السَّادة الفقهاء، ولكن ليس معنى هذا أنَّ الغالب في المسائل هو الخلاف.

        فمثلًا في الصلاة:
        أساس الصلاة وأركانها محل اتِّفاقٍ بين الفقهاء، فلا تجد فقيهًا يقول: لا تُكبِّر تكبيرةَ الإحرام، ولا تجد فقيهًا يقول: لا تقرأ سورة الفاتحة، ولا تجد فقيهًا يقول: لا تركع، أو لا تسجد، أو لا تجلس للتَّشهد؛ فكلُّ هذه مسائل محل اتِّفاقٍ.

        فجوهر الصلاة وعظمها وأركانها محلُّ اتِّفاقٍ بين الفقهاء، ولكن المسائل الخلافية مسائل يسيرة بالنسبة لأصول مسائل الصَّلاة، والمسائل الخلافية لها أسباب، ولها ثمرات ونتائج.


        فأمَّا الأسباب
        :
        فقد لا تصل بعضُ الأحاديث لبعض الفقهاء، فتخفى عليه السُّنة ولا يعرفها.

        وقد يكون ذلك الفقيه ظنَّ أنَّ تلك السُّنة لم تثبت، أو أنَّه يُقابلها ما هو أقوى منها من الأدلة، ولا يكون الأمرُ كذلك.
        وقد يكون الاختلافُ بسبب إساءة الأتباع لفهم كلام الإمام، إلى غير ذلك من الأسباب.




        وهذا الخلافُ له ثمرات عظيمةٌ وكثيرةٌ، فمن تلك الثَّمرات:


        - نماء البحث العلمي: فيتباحث الناسُ في مسائل الصلاة، ويتعرَّفون على أحكامها؛ لأنَّهم متى اختلفوا تباحثوا وتناقشوا، وردَّ بعضُهم على بعضٍ، فكان ذلك من أسباب ازدهار العلم ونمائه.
        نأتي إلى موضوعنا وهو صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد ذكرنا شيئًا من المُقدِّمات والشُّروط في مجلسنا الماضي، وفي هذا المجلس -بإذن الله عز وجل-




        ندخل في صفة الصلاة.


        أول ذلك: إذا استقبل الإنسانُ القبلةَ يجب عليه أن يُصلي قائمًا، فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُصلِّ شيئًا من الفرائض إلا وهو قائمٌ، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: « صلِّ قائمًا،فإن لمتستَطِعف قاعدًا،فإن لمتستَطِعف علَى جنبٍ » صححه الألباني
        ولما جاء الرجلُ الذي أساء في صلاته قال له النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ»صححه الألباني، معناه أنَّ القيام ركنٌ من أركان الصَّلوات.
        ثم يستقبل الإنسانُ القبلةَ، وينوي الدُّخولَ في الصلاة، والنية محلها القلب كما هو مفهوم النية في لغة العرب.

        وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»صحيح البخاري، فإذا قصد الإنسانُ الصلاةَ يكون قد نوى، وإذا علم أنَّه بعد قليلٍ سيُصلي يكون بذلك قد نوى الدُّخولَ في الصلاة.

        أمَّا التَّلفُّظ بالنية فلم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه تلفَّظ بالنية، ولذلك فهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو عدم التَّلفُّظ بالنية.

        بعد ذلك يُشرع للإنسان أن يُكبِّر، وبه يدخل في الصلاة
        ، والتَّكبير يكون بقول: الله أكبـر.

        وعند أحمد ومالك لا يُجزِئ إلا هذه اللَّفظة، فلو قال: الله الأكبر؛ لم يُجزئه، خلافًا للشافعي. ولو قال: الله أعظم، لم يُجزئه، خلافًا للإمام أبي حنيفة.
        وكلامنا في نقل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُؤثر عنه -صلى الله عليه وسلم- إلا لفظ التَّكبير في دخوله للصلاة، وفي انتقاله بين أركان الصَّلاة.
        وقد جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- " كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يُكبِّرُفي كلِّ خَفضٍ ورفعٍ"صححه الألباني، فهذا يشمل ما لو سجد سجود التِّلاوة في أثناء الصلاة، فإنَّ هذا يُقال له: خفضٌ ورفعٌ.

        ومن ثَمَّ يُشرع له أن يُكبِّر عند ذهابه لسجود التِّلاوة، وعند رفعه منه
        .

        تكبيرة الإحرام يتذكَّر الإنسانُ بها أنَّ الله أكبر من كلِّ شيءٍ، ومن ثَمَّ يترك الهموم، ويترك الأفكارَ، ويُقبِل على صلاته؛ لأنَّه بذلك يُناجِي ربَّه كما ورد في الحديث الصَّحيح.
        وإذا كبَّر الإنسانُ استحضر الخشوعَ، والخشوع معنى عظيم في الصَّلاة يُؤثِّر في قلب المُصلي

        وخشوع الإنسان له أسبابٌ، من تلك الأسباب:

        - أن يتفكَّر فيما سيقرؤه في أثناء صلواته، فعندما تتفكر في قراءتك تكون بذلك ممن خشع في أثناء الصلاة.
        - هكذا عندما تحرص على تطبيق السُّنة في جميع أفعالك في الصَّلاة تكون بذلك ممن خشع في الصلاة.
        وإذا استحضرت كيف تضع يديك، وكيف تضع قدميك، وكيف تضع ركبتيك، ونحو ذلك؛ حينئذٍ تكون قد تقرَّبت لله -عز وجل- بهذه الأفعال، وفي نفس الوقت يكون ذلك من أسباب خشوعك في الصلاة.
        قال الله -جل وعلا: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" [المؤمنون: 1، 2].




        ويُستحَبُّ للإنسان عند تكبيرة الإحرام أن يرفع يديه حذو منكبيه.


        ما المَنْكِب؟
        المَفْصِل الذي يكون بين الكتف والعَضُد، فهذا هو المنكب.
        ويُستحب له -على الصَّحيح- أن تكون أطرافُ أصابعه عند فروع أُذنيه.
        جاء في حديث ابن عمر وأبي حميدٍ وغيرهما أنَّهم قالوا أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يرفع يديه حَذْو مَنْكِبَيه"صحيح البخاري
        وفي حديث أبي هريرة أنَّه كان يرفع يديه إلى فروع أُذُنيه، "رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يَرفعُ يديهِ إذا كبَّرَ وإذا رَكَعَ وإذا رفعَ رأسَهُ منَ الرُّكوعِ حتَّى يبلُغَ بِهِما فروعَ أذُنَيْه"صححه الألباني

        فنجمع بينهما بأن يكون أسفلُ الكَفِّ حذو المَنْكِبين، وأن تكون الأصابعُ عند فروع الأُذنين، وبذلك نجمع بين الأحاديث الواردة في هذا الباب.

        ورفع اليدين في هذا الموطن محلُّ إجماعٍ بين العلماء، وقد ورد رفعُ اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند تكبيرة الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند الرفع من التَّشهد الأول إلى الركعة الثالثة.
        فهذه المواطن الأربعة يُستَحَبُّ للإنسان أن يرفع يديه إلى منكبيه فيها، وتكون أصابعه مضمومةً ممدودةً بعضها إلى جنب بعضٍ، لا فراغات بينها، ممدودة غير مقبوضةٍ.
        قال أبو حُمَيْدٍ السَّاعدي: " أنَّ رسولَ اللَّهِ كانَ إذا افتتحَ الصَّلاةَ رفعَ يدَيهِ حذوَ منكبيهِ وإذا كبَّرَ للرُّكوعِ وإذا رفعَ "صححه الألباني
        وجاء في حديث ابن عمر إثبات الموطن الرابع: عند القيام من التَّشهد الأول.

        بعد ذلك أين يضع يديه؟

        قال جمهورُ أهل العلم بأنَّه يضع اليد اليمنى على اليد اليسرى؛ لِمَا ورد من حديث جماعةٍ في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان يضع يده اليمنى على يده اليُسرى، وقد أخبر بعضُ الصَّحابة أنَّ هذا الفعل من السُّنة.
        وبهذا قال جمهورُ أهل العلم.

        وقال بعضُ المالكيَّة أنَّه يُستَحَبُّ أن يَسْدِلَ يديه، وألا يضع اليد اليمنى على اليد اليسرى، وأخذوا ذلك من فعل الإمام مالك، فإنَّ الإمام مالك لما أفتى بأنَّ أيمان المُكْرَه غير لازمةٍ ضربه بعضُ الولاة؛
        لأنَّهم خشوا أن يأخذ بعضُ الناس بهذه الفتوى، فلا يلتزموا بطاعة الولاة؛ فضربوه حتى انخلعت كتفه -رحمه الله- فكان لا يستطيع أن يرفع يديه وأن يقبضهما، فظنَّ أصحابُه وتلاميذه أنَّه يقول أنَّ السُّنة في هذا الباب كذلك، وإلا فالإمام مالك قد نصَّ في كتاب "الموطأ" على استحباب وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى.


        ولذلك تكلَّم بعضُ فقهاء المالكية على غيره من الفقهاء بالتَّشنيع عليهم في هذا الباب، فمثلًا لو شاهدت كلامَ الإمام ابن عبد البر في هذا الباب وفي شرحه في "التَّمهيد" لوجدته ينصُّ صراحةً على أنَّ مذهب الإمام مالك -رحمه الله- هو قبض اليد اليسرى باليد اليمنى.


        أين تُوضَع؟

        ليس في ذلك أحاديث ثابتةٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وورد في حديث أنَّه على الصَّدر، لكن فيه راوٍ مُتكلَّمٌ فيه عند ابن حبَّان، وورد أنَّه يضعه فوق السُّرَّة، وأنَّه تحت السُّرَّة، وكلها أحاديث لم تثبت عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم.
        وبكلِّ محلٍّ من هذه المحالِّ أخذ بعضُ الفقهاء، لكن بما أنَّ الباب لم يثبت فيه شيءٌ فنقول: الأمر في هذا واسعٌ، فلا فرقَ بين موطنٍ وموطنٍ آخر.

        كيف يقبض يده اليسرى بيده اليمنى؟

        ورد أنَّه يقبض اليد باليد، وورد أنَّه يقبض السَّاعدَ ويقبض المَفْصِل.
        ولذلك نقول: المُستَحَبُّ في هذا الباب أن يضع الإنسانُ يدَه اليمنى بحيث تكون على جزءٍ من كفِّه، وعلى المَفْصِل، وعلى جزءٍ من السَّاعد، وبذلك يكون قد امتثل الأحاديث الواردة في هذا الباب.




        ماذا يقرأ بعد هذا؟


        قال جمهورُ أهل العلم: يُستَحَبُّ له أن يدعو بدعاء الاستفتاح، وقد وردت في ذلك ألفاظٌ متعددةٌ، منها ما ورد في حديث أبي هريرة أنَّه سأل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم: رأيت إسكاتتك بين التَّكبير والقراءة ما تقول فيها؟
        فقال: «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ».صحيح مسلم

        والإمام الشَّافعي اختار ما ورد في حديث عليٍّ أنَّه يقول في دعاء الاستفتاح: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ...»صحيح مسلم إلى آخر ما ورد في الآية.

        والإمام أحمد كان يختار أن يقول: « سبحانَك اللَّهمَّ وبحمدِك تبارَك اسمُك وتعالَى جدُّكَ ولاإلَه غيرُك »صححه الألباني، كما ورد ذلك مرفوعًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وموقوفًا على عمر -رضي الله عنه.
        وكلُّ هذه واردة.
        والإمام مالك كان يقول بعدم مشروعية دعاء الاستفتاح؛ لأنَّه قد ورد في حديث أنس أنَّه قال: "كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بـ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ" [الفاتحة: 2] ".
        ولذلك قال بعدم مشروعية دعاء الاستفتاح.
        وقال الجمهورُ بأنَّ حديث أنس يُراد به ما يتعلَّق بالقراءة والجهر بها، بخلاف ما يُسِرُّ به.

        وبعد دعاء الاستفتاح يستعيذ من الشَّيطان،
        ويُبَسْمِل، فإن كان في الصلاة السِّريَّة فلا إشكالَ أنَّه يُبَسْمِل سرًّا، وأمَّا بالنسبة للصلاة الجهريَّة فعند الإمام الشَّافعي أنَّه يُستَحَبُّ له أن يجهر بالبسملة، واستدلَّ على ذلك بأن قال: "هي آيةٌ من سورة الفاتحة"؛ ولذلك يرى كثيرٌ من الشَّافعية بطلان صلاة مَن لم يقرأ بالبسملة.

        والصَّواب: أنَّ البسملة ليست آيةً من سورة الفاتحة، وإنما هي آيةٌ للفصل بين السور، وفي مُقدِّمة السور؛ وذلك لما ورد في الصَّحيح من حديث أبي هريرة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-

        قال: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ".قَالَ اللهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". قَالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ". قَالَ اللهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ". قَالَ اللهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. وَإِذَا قَرَأَ بَقِيَّةَ السُّورَةِ قَالَ اللهُ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»صحيح مسلم


        فلم يذكر البسملة؛ مما يدلُّ على أنَّ البسملة ليست آيةً من سورة الفاتحة، ومن ثَمَّ يُقال بعدم استحباب الجهر بها في الصَّلوات الجهرية.

        ثم بعد ذلك يقرأ سورةَ الفاتحة، وسورة الفاتحة ركنٌ في الصلاة، هذا بالنسبة للإمام والمُنفرد، فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»صحيح البخاري، وأخبر أنَّ الصلاة التي لا يُقرَأ فيها بفاتحة الكتاب خِدَاجٌ، يعني ناقصة.

        أمَّا بالنسبة للمأموم:

        فقد اختلف الفقهاءُ في حكم قراءة الفاتحة بالنسبة للمأموم على ثلاثة أقوالٍ مشهورة:
        القول الأول: أنَّ قراءة الفاتحة للمأموم مُستحبَّة في الصَّلوات الجهرية، والصَّلوات السِّرية، وليست بواجبةٍ.
        والقول الثاني: أنَّها واجبةٌ في السِّرية دون الجهرية.
        والقول الثالث: أنَّ قراءة الفاتحة واجبةٌ في الصَّلوات الجهرية، والصَّلوات السرية.
        ومعنى كونها واجبة: أنَّها تسقط حال العُذْر كما لو لم يُدرك الإنسانُ إلا الركوعَ، فإنَّه يُدرِك بذلك الركعةَ كما في حديث أبي بكرةَ لما أقرَّه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على احتساب الركعة بإدراكه للرُّكوع؛ فدلَّ هذا على أنَّ قراءة الفاتحة ليست بركنٍ.

        وأمَّا كونها واجبةً فهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الإمام الشَّافعي -رحمه الله- خلافًا لجمهور الفقهاء
        .

        ودليل ذلك: ما ورد في سُنن أبي داود أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بأصحابه، فلمَّا فرغ من الصَّلاة قال: «مَنْ ذَا الَّذِي يُنَازِعُنِي بِالْقِرَاءَةِ؟». ثم قال -صلى الله عليه وسلم: «لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»صححه ابن باز وهذا الخطاب مُوجَّهٌ للمأموم، وليس مُوجَّهًا للإمام ولا للمُنفرد.
        وهذا الحديث من رواية ابن إسحاق صاحب السِّيرة، وهو صدوقٌ لكنَّه يُدَلِّس، فلا يُقبَل ما لم يُصرِّح فيه بالتَّحديث، وقد صرَّح بالتَّحديث كما ورد في بعض أسانيد -أو طرق- هذا الحديث.
        ولذلك قلنا أنَّ قراءة الفاتحة من الواجبات.


        وعلى الإنسان أن يتعلم قراءةَ الفاتحة، وأن يضبطها، وأن ينطقها على وَفْق لغة العرب بمخارج الحروف المُعتادة عند العرب، وأن يتعلم ذلك.
        وإذا عجز الإنسانُ عن حفظها أمكنه أن يكتبها، وأن يستمع إليها، وأن يقرأها في أثناء صلاته.

        ثم بعد ذلك يُستَحَبُّ له أن يقرأ سورةً بعد سورة الفاتحة
        ،
        وذلك في الرَّكعتين الأُوليين من الصَّلوات، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصَّلوات الجهريَّة ويجهر بالقراءة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا قَرَأَ -يعني الإمام- فَأَنْصِتُوا»صححه الألباني، أي استمعوا لقراءته.

        وقد قال الله -عز وجل: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" [الأعراف: 204].
        وقد حُكِيَ اتِّفاق الصَّحابة على أنَّ هذه الآية يدخل في مدلولها قراءة الإمام في الصَّلوات.

        ثم بعد ذلك يُستَحَبُّ للإنسان أن يسكت قليلًا في أثناء القراءة،
        وقد ورد في بعض الأحاديث أنَّه "كان يسكت بعد القراءة".

        فاختلف الفقهاءُ في هذه اللَّفظة: هل المراد بها أنَّه يسكت بعد قراءة الفاتحة أو أنَّه يسكت بعد تمام القراءة وقبل الرُّكوع؟
        وللعلماء في ذلك قولان مشهوران، ويظهر لي أنَّ المراد بالحديث السكوت بعد قراءة الفاتحة، وقبل قراءة السُّورة الأخرى.
        وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُنَوِّع بين القراءة، فيقرأ مرةً بقصار السور، ومرةً بطوالها، وكان الغالبُ في صلاة الفجر أن يُطَوِّل في القراءة؛ وذلك لقوله تعالى: "وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا" [الإسراء: 78].
        وأمَّا بالنسبة لصلاة المغرب: فكان يقرأ فيها بقصار السُّور، وربما قرأ فيها بالمتوسط منها، فقرأ مرةً بالمُرسلات، ومرةً بالطور، وربما قرأ بالطِّوال، فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه "قرأ بسورة الأعراف في صلاة المغرب".
        وأمَّا بالنسبة لصلاة العشاء: فقد أرشد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- معاذَ بن جبلٍ إلى أن يقرأ في صلاة العشاء بـ: "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى" والغاشية، وما تلاهما من السور.
        وأمَّا بالنسبة لصلاة الفجر: فكان -كما تقدم- يُطيل القراءة، وربما قلَّل القراءة، وفقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قرأ في سورة الفجر بسورة "والتين"، ولكن أكثر أهل العلم يقولون أنَّه قرأها في السفر، ولم يقرأها في الحضر.




        ثم بعد ذلك يُكبِّر، وهذه التَّكبيرة تكبيرة الرُّكوع، فيركع ويُكبِّر في أثناء الركوع.


        ويُستَحَبُّ أن تكون التكبيرة في أثناء الانتقال، بحيث يبتدئ بها مع بدء الانتقال، وينتهي مع انتهاء الانتقال، واستقراره في الرُّكوع، فقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُكبِّر في الركوع في كلِّ خفضٍ ورفعٍ، وجعل هذا التَّكبير للانتقال، ولذلك قلنا يُستحب أن يكون التكبير في أثناء الانتقال.
        وإذا كبَّر في أثناء انتقاله يُستَحبُّ له في هذه الحالة أن يرفع يديه -كما تقدم- وقد ورد ذلك في الأحاديث الصَّحيحة.
        ورفع اليدين هو قول جماهير أهل العلم؛ خلافًا للإمام أبي حنيفة، وقد ورد في رفع اليدين في هذا الموطن عن قُرابة خمسة عشر صحابيًّا.


        والإمام أبو حنيفة يستدلُّ بما ورد في السُّنن من حديث ابن مسعود: "كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، ثم لا يعود".

        ولكن هذا الحديث ضعيفُ الإسناد جدًّا، ولم يثبت عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ومن ثَمَّ قيل باستحباب رفع اليدين في المواطن الثلاثة الأخرى.
        وإذا كبَّر للركوع وركع فإنَّه حينئذٍ يُساوي ظهرَه، وقد ورد في حديثٍ لأبي حُمَيدٍ قال: "ثم هَصَرَ ظهرَه"صحيح البخاري

        وقد ورد في بعض الألفاظ: "أنَّه يُساوي رأسه مع ظهره، وأنَّه لو صُبَّ الماءُ على ظهره لم يسقط منه شيءٌ"، كما ورد ذلك في الخبر.

        وقد ورد في الحديث أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه"صححه الألباني
        وكانوا في أول الإسلام يضعون اليدين بين الرُّكبتين، ثم بعد ذلك نُسِخ فجُعل وضع اليدين على الرُّكبتين.
        ويُشرع أن يُفرِّق بين أصابعه، وقد ورد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يُجافي بين يديه وعَضُدَيه"، فيجعل بينهما مجالًا، ولا يُلصِق اليد بالجنب.

        ثم بعد ذلك يقول في أثناء الرُّكوع
        :
        "سبحان ربي العظيم"؛ وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «فأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ». صحيح مسلم

        وورد في الحديث أنَّه لما نزل قوله تعالى: "فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ " [الواقعة: 74] قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»حديث حسن
        ويُستَحَبُّ عند العلماء أن يقولها ثلاثًا، والواجب عند أحمد أن يقولها واحدةً، والجمهور يقولون أنَّها من المُسْتَحَبَّات.
        ومذهب أحمد في القول بالوجوب أرجح؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بذلك فقال: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»، وقال: «فَعَظِّمُوا»، والأصل في ألفاظ الأوامر أن تكون للوجوب، ولكنَّها ليست من الأركان، فمَن تركها نسيانًا لم تبطل صلاتُه بذلك، بخلاف مَن ترك الركوع.

        ثم بعد ذلك يرفع من الركوع

        ويقول: "سمع الله لمَن حمده"، بمعنى: استجاب الله -جل وعلا- لمَن يحمده.

        وحينئذٍ نقول: يُستَحَبُّ لمَن يدعو الله أن يحمد الله -جل وعلا- في أثناء الدُّعاء، وأن يتقرَّب بذلك لله -جل وعلا- ليكون ذلك من أسباب استجابة الدُّعاء.
        وقد ورد في الحديث أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يدعو لم يحمد الله في دعائه ولم يُصَلِّ على نبيه، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: « عَجِلَ هَذَا»صححه الألياني، ثم أرشد أصحابَه إلى أن يحمدوا الله، وأن يُصلوا على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في دعائهم.
        ثم بعد ذلك يقف ويعود إلى وقوفه السَّابق، والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قد قال: «وَإِذَا قَالَ -يعني الإمام- سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ».صححه الألباني

        وقد وردت بألفاظٍ متعددةٍ:

        - ورد بلفظ: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» و «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» بزيادة الواو. وورد بلفظ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» بزيادة "اللهم". وورد بلفظ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» بزيادة "اللهم" والواو. وكلها ثابتة في الصَّحيح.
        وإذا قال الإنسانُ أيَّ هذه الألفاظ فإنَّه يُجزئ.




        فإن سأل سائلٌ: أيُّها أفضل؟


        قلنا: الأفضل فيها الأكثر في الألفاظ؛ لأنَّ كلَّ لفظٍ ينطقه الإنسانُ في صلاته يُؤجَر عليه.
        ثم بعد ذلك يُشرَع للإنسان أن يذكر الله -جل وعلا- وقد ورد في ذلك أنَّ رجلًا قال: "اللَّهمَّ لك الحمد حمدًا طيبًا مُباركًا فيه كما يُحب ربُّنا ويرضى"، فابتدرته الملائكةُ ليُسجلوا لفظه.

        أمَّا بالنسبة لوضع اليدين؛ فما المشروع في اليدين في هذه الحالة؟

        اختلف العلماءُ في هذه المسألة على ثلاثة أقوالٍ مشهورةٍ:
        - فعند الإمام مالك وأبي حنيفة: أنَّه لا يُشرَع وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في هذا الموطن.
        - وعند الإمام أحمد أنَّ وضع اليد اليمنى على اليسرى والسَّدْل سواء، فيرى أنَّ القبض والسَّدْلَ سواء بالنسبة لما بعد الرُّكوع.
        - ويرى الإمام الشَّافعي استحباب القبض.

        ولعلَّ مذهب الإمام الشَّافعي في هذه المسألة أرجح؛ لأمرين:

        • الأمر الأول: ما ورد في الأحاديث: كنا نُؤمَر بوضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة، "إِنَّا معشرَ الأنبياءِ ، أُمِرْنَا أنْ نُّعجِلَ إفطارَنا ، ونؤخِرَ سحورَنا ، ونَضَعَ أيمانَنَا عَلَى شمائِلِنا في الصلاةِ" صححه الألباني، ولم يُفرِّق بين ما كان قبل الركوع، وما كان بعده.
        • الدليل الثاني: ما ورد في حديث أبي حُمَيدٍ السَّاعدي أنَّه قال: "فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كلُّ فَقَارٍ إلى مكانه"صحيح البخاري، وكان مكان اليدين قبل الرُّكوع هو كونهما مقبوضتين.
        ولهذا فإنَّ القول بالقبض أرجح القولين في هذه المسألة، والخلاف فيها من قديمٍ وليس خلافًا ناشئًا.
        ثم بعد ذلك يُستَحَبُّ للإنسان أن يذكر الله -عز وجل- في هذا الموطن.



        وأمَّا بالنسبة لدعاء القُنُوت:


        - فإن كان في النَّوازل فإنَّه يُشرَع دعاء القنوت على الصَّحيح من أقوال أهل العلم؛ لما ورد في حديث أنسٍ: " قنت رسولُ اللهِ شهرًا بعد الرُّكوعِ ،يدعو علَى رعلٍ ، وذكوانَ ، وعُصَيَّةِ ، عصتِ اللهَ ورسولَه"صححه الألباني، قتلوا القُرَّاء، فدلَّ هذا على مشروعية قنوت النَّوازل.

        وقد اختلف الفقهاءُ في قنوت النَّوازل هل يختص بالفجر أو يختصُّ بالصَّلوات الجهرية أو يكون عامًّا في جميع الصَّلوات؟

        والأظهر أنَّه يُشرَع في جميع الصَّلوات، ولكنَّه ليس على سبيل الوجوب؛ وذلك لأنَّه قد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- القنوتُ في كلٍّ منها، فدلَّ ذلك على مشروعيته في الجميع.
        - وأمَّا بالنسبة للقنوت في صلاة الفجر في غير النَّوازل: فقد اختارته طائفةٌ من أهل العلم، وهو مذهب الإمام الشَّافعي، وقولٌ لكثيرٍ من المالكيَّة، واستدلُّوا على ذلك بما ورد في حديث أنسٍ.

        والجمهور على أنَّ دعاء القُنوت في الفجر إنما يكون في النَّوازل خاصَّةً، ولا يكون لجميع الأيام، واستدلُّوا على ذلك بأنَّ أحاديث القنوت قيَّدته بشهرٍ، واستدلُّوا على ذلك بما ورد من حديث أبي برزة أنَّه قال عن القنوت في الفجر: "يا بُني، مُحْدَث"، يعني أنَّه أمرٌ جديدٌ لم يكن عليه أهل الزمان الأول.

        ثم بعد ذلك يُشرَع للإنسان أن يسجد، والسُّجود من واجبات الصلاة، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا" [الحج: 77]، فهو ركنٌ فيها، فمَن لم يسجد في صلاته بطلت صلاتُه، وليست صلاتُه بصحيحةٍ إلا أن يكون عاجزًا عن السُّجود.

        وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: « وأماالسجودُ فاجتهدوا في الدعاءِ فقَمِنٌ أن يستجابَ لكم. »صحيح مسلم

        ويُشرَع للإنسان عند السُّجود وعند الهُوي إلى الأرض أن يُكبِّر دون أن يرفع يديه؛ لما ورد في حديث ابن عمر أنَّه لما ذكر رفع اليدين حذو المَنْكِبين قال: "ولم يكن يفعل ذلك عند السُّجود".
        فأي انتقالٍ يكون قبل السُّجود أو بعد السُّجود فإنَّه لا يُشرَع فيه رفع اليدين حذو المَنْكِبين.
        وأمَّا الانتقال الذي ليس قبله سجودٌ وليس بعده سجودٌ فإنَّه يُشرَع فيه رفع اليدين؛ لما ورد من حديث ابن عمر في هذا الباب.

        ثم يقول في أثناء سجوده: "الله أكبر"، فهذا ذكرٌ مشروعٌ عند كلِّ انتقالٍ.

        ويقول في أثناء السُّجود: "سبحان ربي الأعلى".
        قال أحمد بوجوب ذلك، خلافًا للجمهور.
        واستدلَّ على ذلك بأنَّه لما نزل قوله تعالى: "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى" [الأعلى: 1] قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ»، وهذا حديثٌ حسنُ الإسناد، والطَّلب فيه قد جاء بصيغة الأمر، والأصل في الأوامر أن تكون للوجوب.
        والواجب أن يقولها الإنسانُ مرةً، وإذا قالها ثلاثًا فحينئذٍ وصل درجةَ الكمال، وإن زاد أو أكثر من الأدعية والأذكار في أثناء السُّجود فإنَّه يُرجَى له حينئذٍ أن يكون قد نال الأجرَ والثَّواب من ربِّ العزَّة والجلال.




        وأمَّا بالنسبة لكيفية السُّجود:
        فإنَّه يسجد بجعل الأعضاء السَّبعة على الأرض، جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّه قال: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ».صحيح البخاري


        ما هذه الأعظم؟

        أولًا: أصابع القدمين. وثانيًا: الرُّكبتان. هذه أربعة. ثالثًا: اليدان. هذه ستة. رابعًا: الجبهة والأنف. هذا هو السَّابع.
        فهذه سبعة أعضاء يجب على الإنسان أن يضع هذه الأعضاء على الأرض، وإذا لم يضعها على الأرض فإنَّ سجوده لا يكون تامًّا؛ بل يكون سجودًا باطلًا، ولا تصح صلاتُه حينئذٍ.

        ولو قُدِّر أنَّه وضع هذه الأعضاء ولو للحظةٍ أجزأته.

        ولا يجب أن تصل إلى الأرض، يعني لو سجد على شيءٍ غير مباشرٍ كما لو سجد على طرف ثوبه، أو سجد على كُوفيَّته، أو سجد على شيءٍ من ثيابه، أو كان عليه جوارب أو خِفَاف؛ فحينئذٍ يُقال له أنَّه قد سجد على الأعضاء السبعة.
        ومَن عجز عن السُّجود على جبهته سقط عنه السُّجود كله، فمَن كان يُصلي على الكرسي لعجزٍ فإنَّه لا يضع شيئًا أمامه ليسجد عليه، وإنما يُومِئ بالسُّجود إيماءً، ولا يُشرَع له في هذه الحالة أن يضع سجادةً أو يضع طاولةً ليسجد عليها.

        وبالنسبة لأصابع القدمين:

        يُستَحَبُّ أن تكون أصابعُ القدمين مُوجَّهةً إلى جهة القبلة بأن يُميلها ويضغط عليها قليلًا؛ لتكون الأصابع مُتوجِّهةً إلى القبلة.

        ويُلاحظ أنَّ بعض الناس عند السُّجود قد يرفع قدميه ولا يجعلهما على الأرض، فهذا خطأٌ ولا تتم الصلاةُ بذلك.
        وهكذا أيضًا بالنسبة لليدين: يُستَحَبُّ أن تضم الأصابعَ وألا تُفرِّقها، وأن تكون الأصابع ممدودةً، وأن تكون حذو مَنْكِبيه على وَفْق رفعه لليدين في تكبيرة الإحرام. فهذا هو المشروع.

        ويُستحب للرجل أن يُجافي بين عَضُديه، وألا يجعل يديه مُجاورتين لجنبيه إذا لم يُضايق مَن حوله.

        وهكذا أيضًا يُستحب له أن يُطِيل في سُجوده، بمعنى أن يُباعد بين محلِّ سجوده وبين محلِّ رُكبتيه.
        وهكذا أيضًا لابُد من وضع الكفَّين على الأرض، فلا يصح أن يضع كفَّيه على فخذيه، فإنَّه لا تصح الصلاةُ في هذه الحالة، ولا يصح له أن يضع يديه على رأسه فتبطل الصلاةُ حينئذٍ.
        ويجب على الإنسان أن يرفع مِرْفَقَيه وساعديه عن الأرض؛ فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن انبساطٍ كانبساط الكلب.

        وبعد ذلك يُشرَع له أن يجلس، وأن يُكبِّر عند الجلوس
        ،
        ويُشرَع له في هذا الجلوس أن يكون مُفترشًا.


        ما معنى كونه مُفترشًا؟

        أن ينصب رِجْلَه اليمنى، وأن يجلس على رِجْلِه اليسرى التي يضعها مفروشةً على الأرض، هذا هو الصَّحيح من قول أهل العلم في كيفية الجلوس.
        ويُشرَع له في اليدين أن يضع يديه مضمومةَ الأصابع على فَخِذَيه، فلا يجعلهما على رُكبتيه، وإنما يجعلهما على فَخِذيه، بحيث تكون أطرافُ الأصابع قبل الرُّكبتين بقليلٍ.
        وأمَّا ما يفعله الناسُ من قبض الرُّكبتين باليدين فهذا ليس واردًا عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وخلاف ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم.




        ماذا يقول في الجلسة بين السَّجدتين؟


        يدعو الله -عز وجل- بما حضر عنده، وإن قال: « اللهم ! اغفِرْ لي وارحمْني وعافِني وارزُقْني »صحيح مسلم، فهذا أيضًا من الأذكار الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
        ثم بعد ذلك يُكبِّر للسُّجود دون رفع اليدين، وتكون تكبيرته مُوازيةً لانتقاله: أوله بأوله، وآخر التَّكبير بآخر الانتقال.
        ويفعل في سجدته الثانية كما فعل في السَّجدة الأولى.



        وبذلك نكون قد أتممنا الرَّكعة، ولعلنا نُواصل ما يتعلَّق بصفة الصَّلاة في يوم غدٍ -بإذن الله عز وجل.

        أسأل الله -جل وعلا- أن يُسبغ عليكم نعمَه، وأن يُدِرَّ عليكم خيراتَه، وأن يرزقَكم العلمَ النافع، والعملَ الصَّالح، وأن يجعلكم من الهُداة المُهتدين.
        اللَّهم أصلح قلوبَنا جميعًا، اللَّهمَّ يا حيُّ يا قيُّوم، املأها من التَّقوى والسُّرور والسَّكينة برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.
        اللَّهمَّ وفِّقنا لما تُحب وترضى، واجعل أعمالَنا على البر والتَّقوى برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
        اللَّهمَّ اجعلنا من المُحافظين على صلواتنا، اللَّهمَّ اجعلنا ممن يُحافظ على الصَّلاة مع الجماعة، وممن يُؤدِّيها على أكمل وجوهها برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.
        "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الصافات: 180- 182].






        "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
        وتولني فيمن توليت"

        "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

        تعليق


        • #5
          رد: صفة الصلاة لفضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشتري


          الدرس الثاني
          الدرس مكتوبًا هنا
          تفريغ الدرس الثاني





          للمشاهدة والإستماع

          http://www.youtube.com/watch?v=YaHLpG4O8S8



          "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
          وتولني فيمن توليت"

          "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

          تعليق


          • #6
            رد: صفة الصلاة للشيخ سعد بن ناصر الشتري

            السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

            جزاكم الله خيراا ونفع بكم
            ~وقفات مع الصحابة وامهات المؤمنين~ ♥♥♥متجدد♥♥♥

            سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

            تعليق


            • #7
              رد: صفة الصلاة للشيخ سعد بن ناصر الشتري

              المشاركة الأصلية بواسطة أم صُهيب مشاهدة المشاركة
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

              جزاكم الله خيراا ونفع بكم
              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              اللهم آمين وإياكم أختنا الفاضلة
              بوركتم على مروركم الطيب

              "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
              وتولني فيمن توليت"

              "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

              تعليق


              • #8
                رد: صفة الصلاة لفضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشتري

                جزاكم الله خي ا ونفع بكم
                ينقل لقسم التفريغ

                اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

                تعليق


                • #9
                  رد: صفة الصلاة لفضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشتري

                  جزاك الله خيرًا كثيرًا
                  ونفع الله بك

                  كلمة الدكتور حازم شومان لفريق التفريغ بشبكة الطريق الى الله

                  لا حول ولا قوة إلا بالله

                  اللهم بلغنا رمضان

                  تعليق

                  يعمل...
                  X