Tweet
كلامك عنوانك
للشيخ الداعية البورسعيدي / محمد عبد الباقي
قال تعالى
وَقَالَ الْمَلِك ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّك الْيَوْم لَدَيْنَا مَكِين أَمِين
سورة يوسف
فلما كلمه فيه دليل على أنهما مكنه وما أعطاه هذه المنزلة لمجرد حسن صورته ولكن لما كلمه أي لما سمع كلامه وما فيه من الأدب والأخلاق والعلم ، فإن الملك لم ينظر إلى صورة يوسف مع حسنه وجماله الخارق ، إلا أنه ما اصطفاه لجماله ولا لحسن منظره ، إنما لما كلمه ، ورأى رجاحة عقله ، وأمانته ، وعلمه ، وفيه دليل على أن العبد لا ينظر إلى صور الناس ، إنما ينظر إلى أعمالهم وأفعالهم .
ٍفكم من رجل دميم الخلقة لكنه عند الله عظيم ، وكم من رجل وجيه في الناس جميل الخلقة لكنه لا يزن عند الله شيئا ً ، وذلك من حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة .. الرجل الجسيم .. ضخم الجثة .. جميل المنظر .. فلا يزن عند الله جناح بعوضة
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ . وَقَالَ اقْرَءُوا : (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) رواه البخاري (4729) ومسلم (2785(
يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن شيء مع جاهه ، وجماله ، وسلطانه ، وحسن خلقته إلا أنه لا يزن عند الله شيء . ويؤتى بالرجل الدميم فيكون في أعلى المراتب ، كان للنبي عليه الصلاة والسلام صاحب .. يقال له " جليبيب " وكان رجل به دمامة .. كان رجل أسود .. أمسك به النبي عليه الصلاة والسلام من خلفه .. وقال من يشتري هذا العبد .. الرسول عليه الصلاة والسلام يمازحه .. من يشتري هذا العبد .. فقال : إذن تجدني كاسدا ً يا رسول الله .. من يشتري هذا العبد الأسود هذه تجارة كاسدة ..فقال صلى الله عليه وسلم :
لكنك عند الله لست بكاسد ..
لكنك عند الله لست بكاسد ..
وكذلك صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان جهري الصوت وكانت به دمامة ، كان أسود ، قصير القامة ، وهو الرجل الذي اختلعت منه زوجته فقالت يارسول الله ني لا أعيب عليه خلقا ً ولا دينا ً غير إني أكره الكفر بعد الإيمان ، فاختلعت منه وفي بعض الروايات أنها قالت : ( رأيته بين الرجال أسودهم وأقصرهم وأشدهم دمامة ) ومع ذلك قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام :(نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ )...(نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ) وهو الذي لما نزل قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوالَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَصَوْتِالنَّبِيِّوَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ
اعتزل في بيته وقال أنا أرفعكم صوتا ً على رسول الله فحبط عملي وأنا من أهل النار ، فأرسل إليه النبي عليه الصلاة والسلام وقال : بل أنت من أهل الجنة .
على دمامته .. على سواده ، لكنه عند الله يزن الجبال .
وهذا عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – يصعد على نخلة فيضحك أصحابه من دقة ساقه كان نحيفا ً نحيلا ً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – :
أَتَضْحَكُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ
وفيه دليل على أن الناس لا يؤخذون بالمظهرو المنظهر وكم من وجيه لا يزن عند الله شيء فهذا النسيب الحسيب .. فهذا النسيب الحسيب " أبو لهب " من أهل النار ، وهذا " بلال " العبد الحبشي الأسود من أهل الجنة سمع النبي عليه الصلاة والسلام – خشخشة نعليه في الجنة فقال : يا بلال ، لقد سمعت البارحة صوت نعليك في الجنة ..
وسأله النبي عن أي عمل أرجى إليه فقال ما توضأت وضوءا ً إلى وصليت به ركعتين .
عن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلاَلٍ : " يَا بِلاَلُ ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإسْلاَمِ ، فَإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ _ حركة النعل وصوته على الأرض _ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ " قَالَ : مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أرْجَى عِنْدي مِنْ أَنِّي لَمْ أتَطَهَّرْ طُهُوراً فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أنْ أُصَلِّي " متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ البخاري
عن بريدة رضي الله عنه قال : : أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً فدعا بلالاً فقال : " يا بلال ! بم سبقتني إلى الجنة البارحة ، سمعت خشخشتك _ الصوت والحركو _ أمامي ، فأتيت على قصر من ذهب مربع مشرف فقلت : لمن هذا القصر ؟ فقالوا : لرجل من قريش ، فقلت : أنا قرشي ؟ لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب ، فقال بلال : يا رسول الله ، ما أذنت قط ، إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث إلا توضأت ، عندها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بهذا " (رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وكذا قال الذهبي في التلخيص )
فالنظر يكون بالعمل والأقوال لا بالصورة والمنظر .
وَقَالَ الْمَلِك ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ
.. ولم يقل ولما رآه ..
فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّك الْيَوْم لَدَيْنَا مَكِين .. ( أي مُمَكَن ) ..
مقال من خطبة حكم وعبر من قصة يوسف
10 - 5 - 2013 م
تعليق