إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)]آل عمران.[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)]النساء. [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)]الأحزاب.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
حياكم الله جميعاً أيها الإخوة الأخيار، وأيتها الأخوات الفاضلات، وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت العامر على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته إنه ولي ذلك ومولاه.
أحبتي في الله
((فلنتق الله إن أردنا النجاة)).
هذا هو عنوان لقاءنا في هذا اليوم الكريم المبارك فلنتق الله إن أردنا النجاة.
ما هذا الواقع المر الأليم، الذي تحياه أمتنا عامة، ومصرنا خاصة؟.
أين مراقبتنا لربنا جل وعلا؟. أين خوفنا من الله عز وجل؟.
لقد رُفع غطاء الخوف عن الخلق من مراقبة السلطان والقانون، فظهرت أخلاق الناس على حقيقتها المرة الأليمة.
ما اتقى الله عز وجل..
من صوب السلاح في وجه أخيه، ما اتقى الله عز وجل من قطع الطُرق، ما اتقى الله عز وجل من جلس على كرسي أو في منصبٍ، فما راع الخالق والخلق، ما اتقى الله عز وجل من انتقل كل ليله من فضائية إلى أخرى لينتهك الأعراض، وليستبيح الحُرمات، ما اتقى الله عز وجل من كذب في الليل والنهار، ما اتقى الله عز وجل من سرق أقوات هذا الشعب المظلوم المسكين، سرق السلع، وهربه هنا أو هناك أو هنالك. وأكل وامتص دماء هذا الشعب، ما اتقى الله عز وجل من أطلق لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ما اتقى الله عز وجل من ظلم خلق الله وعباد الله، ما اتقى الله عز وجل من يستطيع أن يأتي للمظلوم بحقه ولم يفعل، ما اتقى الله عز وجل من قدم مصلحته الشخصية والحزبية والجماعية على مصلحة هذا البلد وعلى مصلحة هذا الشعب المقهور المظلوم.
نعم.. أنا أعتقد اعتقاداً جازماً أن أحوالنا لن تُصلح بالقوانين، ولا بالبرلمانات، ولا بمجلس الشورى ولا بمجلس الشعب ولا بتعديل الدستور، ولا بغير ذلك. وإنما لن يُصلح الله أحوالنا في الدنيا ولن يسعدنا ربنا جل وعلا في الآخرة، إلا إن حققنا التقوى. إلا إن اتقيناه وراقبناه، وإلا لاحتاج كل واحد منا إلى مسئول يراقبه، لو راقبنا العلي الأعلى ما احتجنا إلى مراقبة القانون الوضعي الأعمى، لو اتقيت العلي الأعلى ما احتجت إلى قانون وضعي أعمى.
نريد التقوى..
والله ما أحوجنا إلى التقوى، أعلم أن جُل العلماء والدعاة، قد ابتعدوا عن مثل هذه الموضوعات الأصيلة، وعن مثل هذه المعاني النبيلة، وغرق الكل أو الجُل في هذه السياسات والصراعات المريرة المؤلمة، ونسي كثير من أهل العلم أن أصل النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة.. في أن يرد الناس من جديد إلى الله جل علاه.
نعم.. نحتاج أن نرجع إلى ربنا جل وعلا، نحتاج أن نُذكر أنفسنا بالله من جديد، نحتاج إلى أن نُذكر أنفسنا بالخوف منه. بحبه، بمراقبته، بالتوكل عليه، بخشيته في السر والعلن ، بالخشية منه، إلى غير ذلك من هذه المعاني الذي لا يتحقق الإيمان الكامل إلا بها.
فالإيمان ليس مجرد كلمة ترددها الألسنة فحسب، ولكن الإيمان الذي ينجو به أصحابه: قول واعتقاد وعمل.
نعم..لطالما أردت أن أذكر الناس بهذه الآيات الكريمة التي يفتتح بها جُل الخطباء خطبة الجمعة والتي تلوتها على مسامع حضراتكم اليوم. [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)]آل عمران يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ]. [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا] إلى آخر هذه الأوامر بتقوى الله عز وجل.
لا تتصور أن التقوى موعظة، لا تتصور أن التقوى مجرد كلمات يرددها عالم أو داعي، بل التقوى غاية الغايات، إذا كانت الغاية من خلق السموات والأرض هي العبادة، [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)]الذاريات.
إذا كانت الغاية من خلق الخلق وخلق السماء والأرض، وخلق الجنة والنار وإنزال الكتب وإرسال الأنبياء والرسل. إذا كانت الغاية هي "العبادة" فإن الغاية من العبادة هي التقوى، فهي غاية كل غاية، قال جل وعلا:[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)]البقرة.
الغاية من العبادة.. أن نحقق التقوى، الغاية من صلاتنا.. أن نحقق التقوى، الغاية من الصيام.. أن نحقق التقوى، الغاية من الحج.. أن نحقق التقوى، الغاية من كل عبادة أن نتق الله سبحانه وتعالى.
فما هي التقوى إذن؟
التقوى: هي اسم من التق، والمصدر الالتقاء وكلاها مأخوذ من مادة وقى، والوقاية حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، فتقوى العبد لربه –خلي بالك- فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين سخط الله، وغضبه، وعذابه، وعقابه، وقاية.
آلا تريد أن تحقق هذه الوقاية؟
آلا تخشى سخطه؟.
آلا تخشى غضبه جل وعلا؟.
آلا تخشى عقابه؟.
يا من توهمت أن الكرسي سيدوم إليك، ولو دام إليك ما دام لغيرك، وما مر إلا عامان، وما اتعظ واعتبر كثير من الخلق. فالكراسي إلى زوال ، والمناصب إلى فناء.
يا من تحرص على أكل المال ولو كان من الحرام ، ولو سرقت أقوات هذا الشعب، ما نفع المال أصحابه لا في الدنيا ولا في الآخرة، إلا إذا جُمع من الحلال ، واتقى فيه صاحبه الكبير المتعال.
ما اعتبر واتعظ كثير من أهل مصر، بما أجراه الله جل وعلا على أرض مصر من آيات تذيب الصخر وتلين الحجارة، لكن صنفاً من الخلق يحمل في صدره قلوباً أقسى والله من الحجارة، فالحجارة تلين، وتخشع، وتخضع، وتخاف الله وعلا.
فوالله ما خر حجر من جبل إلا من خشية الله جل جلاله:[لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ..(21)]الحشر.
والقرآن يتلى علينا في الليل والنهار، لكن أين القلوب الخاشعة؟ أين القلوب الخاضعة؟ أين الدموع الدامعة؟
يا نادماً على الذنوب.. أين أثر ندمك؟
يا خائفاً من الله أين أثر خوفك؟.
أين مراقبتك لمولاك؟
أين تقواك لله في ليلك ونهارك، وسرك وعلانيتك، وقولك وصمتك، ونهارك وليلك؟
أين تقواك ؟ أين خوفك من عقابه، أين خوفك من عذابه، أين خوفك من سخطه وغضبه جل جلاله؟
أخشى أن نكون ما نحن فيه الآن إنما هو غضب من الله، لأننا لم نشكر الله على نعمه، ولم نراقب الله في سرنا وعلانيتنا، وفي أقوالنا وأفعالنا.
فلا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يُرفع بلاء إلا بتوبة.
فتش في ذنوبك، وليفتش أهلنا في الذنوب والمعاصي، فما نحن فيه الآن من ضنك، وضيق، وصراخ، وألم، وهم، وحزن، وتصارع، وتناحر على الكراسي الزائلة، والمناصب الفانية، بسبب ذنوبنا.
أنا لا أقول ذلك رجماً بالغيب، بل هو قول ربي جل وعلا:[..ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ..(146)]الأنعام. أي بظلمهم.
أنا لا أعلم زمناً انتهكت فيه الأعراض، وتطاول فيه الخلق على الحُرمات كهذه الأيام، تُرتكب كل يوم كبيرة القذف، القذف كبيرة من الكبائر. ترتكب كل ليلة على شاشات الفضائيات، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، وفي الجرائد، والصحف، والمجلات. ناهيك عن سفك الدماء، وحرق الممتلكات، والاعتداء على المؤسسات، والاعتداء على الأفراد إلى غير ذلك. من ظلمات فوق ظلمات، وذنوب فوق ذنوب، ومعاصي فوق معاصي.
تقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين سخطه، وغضبه، وعذابه، وعقابه، وقاية.
ما هذه الوقاية؟.
هذه الوقاية..هي فعل الطاعات واجتناب المعاصي، هي امتثال الأمر واجتناب النهي والوقوف عند الحد؟.
سأل سائل أبي هريرة:"يا أبا هريرة ما التقوى؟. فقال له: هل مشيت على طريق فيه شوك؟. قال: نعم. قال: وماذا صنعت؟. قال: كنت إذا رأيت الشوك اتقيته -أي ابتعدت عنه- فقال أبو هريرة: ذاك التقوى".
فأخذ ابن المعتز هذا الجواب البليغ، وصاغه صياغة معبره فقال:
خل الذنوب-اترك ابتعد-.
خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
أين المسلمون في المساجد في الصلوات؟ في صلاة الفجر؟.
بل أين طلبة العلم في دروس العلم؟.
كنا في الزمن الماضي لخوفنا نهرع إلى الله في بيوته، ونلتف حول العلماء في حلق الذكر ومجالس العلم.
أين طلبة العلم الآن؟. أين الصفوة من أبناء الأمة الآن؟.
التفوا حول مواقع التواصل الاجتماعي، تاه شبابنا عبر مواقع الانترنت.
انظر إلى بيوت الله في صلاة الفجر لتعلم يقيناً أننا لسنا أهل لنصرة الله، ولسنا أهل لأن يرفع الله عنا البلاء، انظر إلى الواقع لتعرف النتيجة المرة التي وصلنا إليها الآن.
نعم.. نريد من يردنا من جديد إلى الله، ومن يذكرنا مرة أخرى بالله جل علاه، وإلى من يجدد الإيمان في قلوبنا بربنا سبحانه وتعالى.
بل والله لا أبالغ إن قلت نحن الآن في أمس الحاجة إلى من يعرفنا بالله، بأسماء جلاله، وصفات كماله، وشرعه المحكم، وأوامره ونواهيه وحدوده.
يتبع بإذن الله.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
حياكم الله جميعاً أيها الإخوة الأخيار، وأيتها الأخوات الفاضلات، وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت العامر على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته إنه ولي ذلك ومولاه.
أحبتي في الله
((فلنتق الله إن أردنا النجاة)).
هذا هو عنوان لقاءنا في هذا اليوم الكريم المبارك فلنتق الله إن أردنا النجاة.
ما هذا الواقع المر الأليم، الذي تحياه أمتنا عامة، ومصرنا خاصة؟.
أين مراقبتنا لربنا جل وعلا؟. أين خوفنا من الله عز وجل؟.
لقد رُفع غطاء الخوف عن الخلق من مراقبة السلطان والقانون، فظهرت أخلاق الناس على حقيقتها المرة الأليمة.
ما اتقى الله عز وجل..
من صوب السلاح في وجه أخيه، ما اتقى الله عز وجل من قطع الطُرق، ما اتقى الله عز وجل من جلس على كرسي أو في منصبٍ، فما راع الخالق والخلق، ما اتقى الله عز وجل من انتقل كل ليله من فضائية إلى أخرى لينتهك الأعراض، وليستبيح الحُرمات، ما اتقى الله عز وجل من كذب في الليل والنهار، ما اتقى الله عز وجل من سرق أقوات هذا الشعب المظلوم المسكين، سرق السلع، وهربه هنا أو هناك أو هنالك. وأكل وامتص دماء هذا الشعب، ما اتقى الله عز وجل من أطلق لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ما اتقى الله عز وجل من ظلم خلق الله وعباد الله، ما اتقى الله عز وجل من يستطيع أن يأتي للمظلوم بحقه ولم يفعل، ما اتقى الله عز وجل من قدم مصلحته الشخصية والحزبية والجماعية على مصلحة هذا البلد وعلى مصلحة هذا الشعب المقهور المظلوم.
نعم.. أنا أعتقد اعتقاداً جازماً أن أحوالنا لن تُصلح بالقوانين، ولا بالبرلمانات، ولا بمجلس الشورى ولا بمجلس الشعب ولا بتعديل الدستور، ولا بغير ذلك. وإنما لن يُصلح الله أحوالنا في الدنيا ولن يسعدنا ربنا جل وعلا في الآخرة، إلا إن حققنا التقوى. إلا إن اتقيناه وراقبناه، وإلا لاحتاج كل واحد منا إلى مسئول يراقبه، لو راقبنا العلي الأعلى ما احتجنا إلى مراقبة القانون الوضعي الأعمى، لو اتقيت العلي الأعلى ما احتجت إلى قانون وضعي أعمى.
نريد التقوى..
والله ما أحوجنا إلى التقوى، أعلم أن جُل العلماء والدعاة، قد ابتعدوا عن مثل هذه الموضوعات الأصيلة، وعن مثل هذه المعاني النبيلة، وغرق الكل أو الجُل في هذه السياسات والصراعات المريرة المؤلمة، ونسي كثير من أهل العلم أن أصل النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة.. في أن يرد الناس من جديد إلى الله جل علاه.
نعم.. نحتاج أن نرجع إلى ربنا جل وعلا، نحتاج أن نُذكر أنفسنا بالله من جديد، نحتاج إلى أن نُذكر أنفسنا بالخوف منه. بحبه، بمراقبته، بالتوكل عليه، بخشيته في السر والعلن ، بالخشية منه، إلى غير ذلك من هذه المعاني الذي لا يتحقق الإيمان الكامل إلا بها.
فالإيمان ليس مجرد كلمة ترددها الألسنة فحسب، ولكن الإيمان الذي ينجو به أصحابه: قول واعتقاد وعمل.
نعم..لطالما أردت أن أذكر الناس بهذه الآيات الكريمة التي يفتتح بها جُل الخطباء خطبة الجمعة والتي تلوتها على مسامع حضراتكم اليوم. [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)]آل عمران يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ]. [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا] إلى آخر هذه الأوامر بتقوى الله عز وجل.
لا تتصور أن التقوى موعظة، لا تتصور أن التقوى مجرد كلمات يرددها عالم أو داعي، بل التقوى غاية الغايات، إذا كانت الغاية من خلق السموات والأرض هي العبادة، [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)]الذاريات.
إذا كانت الغاية من خلق الخلق وخلق السماء والأرض، وخلق الجنة والنار وإنزال الكتب وإرسال الأنبياء والرسل. إذا كانت الغاية هي "العبادة" فإن الغاية من العبادة هي التقوى، فهي غاية كل غاية، قال جل وعلا:[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)]البقرة.
الغاية من العبادة.. أن نحقق التقوى، الغاية من صلاتنا.. أن نحقق التقوى، الغاية من الصيام.. أن نحقق التقوى، الغاية من الحج.. أن نحقق التقوى، الغاية من كل عبادة أن نتق الله سبحانه وتعالى.
فما هي التقوى إذن؟
التقوى: هي اسم من التق، والمصدر الالتقاء وكلاها مأخوذ من مادة وقى، والوقاية حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، فتقوى العبد لربه –خلي بالك- فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين سخط الله، وغضبه، وعذابه، وعقابه، وقاية.
آلا تريد أن تحقق هذه الوقاية؟
آلا تخشى سخطه؟.
آلا تخشى غضبه جل وعلا؟.
آلا تخشى عقابه؟.
يا من توهمت أن الكرسي سيدوم إليك، ولو دام إليك ما دام لغيرك، وما مر إلا عامان، وما اتعظ واعتبر كثير من الخلق. فالكراسي إلى زوال ، والمناصب إلى فناء.
يا من تحرص على أكل المال ولو كان من الحرام ، ولو سرقت أقوات هذا الشعب، ما نفع المال أصحابه لا في الدنيا ولا في الآخرة، إلا إذا جُمع من الحلال ، واتقى فيه صاحبه الكبير المتعال.
ما اعتبر واتعظ كثير من أهل مصر، بما أجراه الله جل وعلا على أرض مصر من آيات تذيب الصخر وتلين الحجارة، لكن صنفاً من الخلق يحمل في صدره قلوباً أقسى والله من الحجارة، فالحجارة تلين، وتخشع، وتخضع، وتخاف الله وعلا.
فوالله ما خر حجر من جبل إلا من خشية الله جل جلاله:[لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ..(21)]الحشر.
والقرآن يتلى علينا في الليل والنهار، لكن أين القلوب الخاشعة؟ أين القلوب الخاضعة؟ أين الدموع الدامعة؟
يا نادماً على الذنوب.. أين أثر ندمك؟
يا خائفاً من الله أين أثر خوفك؟.
أين مراقبتك لمولاك؟
أين تقواك لله في ليلك ونهارك، وسرك وعلانيتك، وقولك وصمتك، ونهارك وليلك؟
أين تقواك ؟ أين خوفك من عقابه، أين خوفك من عذابه، أين خوفك من سخطه وغضبه جل جلاله؟
أخشى أن نكون ما نحن فيه الآن إنما هو غضب من الله، لأننا لم نشكر الله على نعمه، ولم نراقب الله في سرنا وعلانيتنا، وفي أقوالنا وأفعالنا.
فلا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يُرفع بلاء إلا بتوبة.
فتش في ذنوبك، وليفتش أهلنا في الذنوب والمعاصي، فما نحن فيه الآن من ضنك، وضيق، وصراخ، وألم، وهم، وحزن، وتصارع، وتناحر على الكراسي الزائلة، والمناصب الفانية، بسبب ذنوبنا.
أنا لا أقول ذلك رجماً بالغيب، بل هو قول ربي جل وعلا:[..ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ..(146)]الأنعام. أي بظلمهم.
أنا لا أعلم زمناً انتهكت فيه الأعراض، وتطاول فيه الخلق على الحُرمات كهذه الأيام، تُرتكب كل يوم كبيرة القذف، القذف كبيرة من الكبائر. ترتكب كل ليلة على شاشات الفضائيات، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، وفي الجرائد، والصحف، والمجلات. ناهيك عن سفك الدماء، وحرق الممتلكات، والاعتداء على المؤسسات، والاعتداء على الأفراد إلى غير ذلك. من ظلمات فوق ظلمات، وذنوب فوق ذنوب، ومعاصي فوق معاصي.
تقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين سخطه، وغضبه، وعذابه، وعقابه، وقاية.
ما هذه الوقاية؟.
هذه الوقاية..هي فعل الطاعات واجتناب المعاصي، هي امتثال الأمر واجتناب النهي والوقوف عند الحد؟.
سأل سائل أبي هريرة:"يا أبا هريرة ما التقوى؟. فقال له: هل مشيت على طريق فيه شوك؟. قال: نعم. قال: وماذا صنعت؟. قال: كنت إذا رأيت الشوك اتقيته -أي ابتعدت عنه- فقال أبو هريرة: ذاك التقوى".
فأخذ ابن المعتز هذا الجواب البليغ، وصاغه صياغة معبره فقال:
خل الذنوب-اترك ابتعد-.
خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
أين المسلمون في المساجد في الصلوات؟ في صلاة الفجر؟.
بل أين طلبة العلم في دروس العلم؟.
كنا في الزمن الماضي لخوفنا نهرع إلى الله في بيوته، ونلتف حول العلماء في حلق الذكر ومجالس العلم.
أين طلبة العلم الآن؟. أين الصفوة من أبناء الأمة الآن؟.
التفوا حول مواقع التواصل الاجتماعي، تاه شبابنا عبر مواقع الانترنت.
انظر إلى بيوت الله في صلاة الفجر لتعلم يقيناً أننا لسنا أهل لنصرة الله، ولسنا أهل لأن يرفع الله عنا البلاء، انظر إلى الواقع لتعرف النتيجة المرة التي وصلنا إليها الآن.
نعم.. نريد من يردنا من جديد إلى الله، ومن يذكرنا مرة أخرى بالله جل علاه، وإلى من يجدد الإيمان في قلوبنا بربنا سبحانه وتعالى.
بل والله لا أبالغ إن قلت نحن الآن في أمس الحاجة إلى من يعرفنا بالله، بأسماء جلاله، وصفات كماله، وشرعه المحكم، وأوامره ونواهيه وحدوده.
يتبع بإذن الله.
تعليق