إخوتي وأخواتي في الله:
هذه محاضرة أكثر من رائعة لفضيلة الشيخ محمد حسان "حفظه الله" بعنوان:
انتبه فالموت قادم!
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر هادم اللذات (الموت)؛ لأن ذلك يحمل على التوبة والاستعداد للقاء الله، والموت ما ذكر في قليل إلا كثره، ولا في كثير إلا قلله، فطوبى لمن استعد له.
الموت حق
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي ينادي يوم القيامة بعد فناء خلقه ويقول: (أنا الملك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، ثم يقول جل وعلا: لمن الملك اليوم؟ ويجيب على ذاته سبحانه ويقول: لله الواحد القهار)، سبحانه.. سبحانه.. سبحانه، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان من كتب الفناء على جميع خلقه وهو الحي الباقي الذي لا يموت. وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، شرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وفضله على جميع خلقه، وزكاه في كل شيء، وبعد كل هذا خاطبه بقوله: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" [الزمر:30].
فاللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فحياكم الله جميعاً أيها الأحباب وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً منزلاً من الجنة، وأسأل الله جل وعلا أن ينضر وجوهكم، وأن يزكي نفوسكم، وأن يشرح صدوركم، وأن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك ومولاه، و هو على كل شيء قدير.
أحبتي في الله!
إننا الليلة على موعد مع هذا الموضوع الذي أتألم منه كثيراً؛ لأن دعاتنا وشيوخنا لا يذكرون الناس به إلا في المناسبات فقط، مع أننا في أمس الحاجة إلى أن نذكره وإلى أن نتذكره دائماً وأبداً، امتثالاً عملياً لوصية حبيبنا ورسولنا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما في الحديث الذي رواه بعض أصحاب السنن -وهو حديث حسن- من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات. قيل: وما هادم اللذات يا رسول الله؟ قال: الموت)
فانتبه أيها المسلم، فإن الموت قادم، فإننا نعيش عصراً طغت فيه الماديات والشهوات، وانشغل فيه كثير من الناس عن لقاء رب الأرض والسماوات، انتبه فلابد من أن تستقر هذه الحقيقة الكبرى في قلبك وعقلك ووجدانك.
إن الحياة في هذه الأرض موقوتة محدودة بأجل، ثم تأتي نهايتها حتماً فيموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت المجاهدون ويموت القاعدون، يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد، يموت المخلصون الصادقون الذي يأبون الضيم ويكرهون الذل، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن، يموت أصحاب الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية، ويموت الفارغون التافهون الذين لا يعيشون إلا من أجل المتاع الرخيص، الكل يموت
"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ" [آل عمران:185].
ولذا سمى الله هذه الحقيقة في القرآن بالحق، فقال جل وعلا:
"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" [ق:19-22].
"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ" [ق:19]، والحق أنك تموت والله حي لا يموت.
"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ" [ق:19]، والحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب.
"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ" [ق:19]، والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران.
"ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ" [ق:19].
أي: ذلك ما كنت منه تهرب، وذلك ما كنت منه تجري، وذلك ما كنت منه تخاف، تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض خوفاً من الموت، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع هرباً من الموت، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ رعباً من الموت.
أيها القوي الفتي! يا أيها الذكي! يا أيها العبقري! يا أيها الكبير! يا أيها الوزير! يا أيها الأمير! يا أيها الصغير:
كل باك سيُبكى وكل ناع سيُنعى وكل مدخور سيفنى وكل مذكور سينسى ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى
أيا من يدعي الفهم
إلى كم يا أخا الوهم، تعب الذنب بالذنب، وتخطي الخطأ الجم، أما بان لك العيب؟ أما أنذرك الشيب؟ وما في نصحه ريب ولا سمعك قد صم.
أما نادى بك الموت؟ أما أسمعك الصوت؟ أما تخشى من الفوت؟ فتحتاط وتهتم
أما نادى بك الموت؟ أما أسمعك الصوت؟ أما تخشى من الفوت؟ فتحتاط وتهتم
فكم تسدر في السهو، وتختال من الزهو، وتنفض إلى اللهو كأن الموت ما عم.
كأني بك تنحط، إلى اللحد وتنغط، وقد أسلمك الرهط إلى أضيق من سم.
هناك الجسم ممدود، ليستأكله الدود، إلى أن ينخر العود، ويمسي العظم قد رم.
فزود نفسك الخير، ودع ما يعقب الضير، وهييء مركب السير، وخف من لجة اليم.
بذا أوصيك يا صاح، وقد بحت كمن باح، فطوبى لفتى راح بآداب محمد يأتم ......
كلا إذا بلغت التراقي
صدق الله جل وعلا إذا يقول:
"كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ" [القيامة:26-30].
"كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ" [القيامة:26]
أي: إذا بلغت الروح الحلقوم
"وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ" [القيامة:27]
أي: من الذي يرقيه؟ من الذي يبذل له الرقية؟ من الذي يقدم له العلاج؟ من الذي يحول بينه وبين الموت؟ انظر إليه وهو صاحب الجاه، صاحب السلطان، صاحب الأموال، صاحب السيارات، صاحب العمارات، صاحب الوزارات. انظر إليه وهو على فراش الموت، التف الأطباء من حوله، ذاك يبذل له الرقية، وذاك يقدم له العلاج، يريدون شيئاً وملك الملوك قد أراد شيئاً آخر. انظر إليه -أيها الحبيب- وقد اصفر وجهه، وشحب لونه، وبردت أطرافه، وتجعد جلده، وبدأ يحس بزمهرير قارس يزحف إلى أمام اليدين والقدمين، يحاول جاهداً أن يحرك شفتيه بكلمة التوحيد، فيحس أن الشفة كالجبل لا يتزحزح إلا لمن يسر الله له النطق بـ (لا إله إلا الله)، إلا لمن عاش على الإيمان ومات على الإيمان كما قال ربنا جل وعلا:
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ" [فصلت:30-32].
ينظر إلى أهله وإلى أحبابه، فيراهم مرة يبتعدون ومرة يقتربون، ويرى الغرفة التي هو فيها مرة تضيق عليه فتصغر كخرم إبرة، ومرة يراها كالفضاء الموحش، فإذا وعى ما حوله في الصحوات بين السكرات والكربات نظر إليهم نظرة استعطاف، ونظرة رجاء ونظرة أمل، ونظرة تمن، وقال لهم بلسان الحال -بل وبلسان المقال-:
يا أحبابي! يا أولادي! يا أبنائي! لا تتركوني وحدي، ولا تفردوني في لحدي، أنا أبوكم، أنا حبيبكم، أنا الذي بنيت لكم القصور، أنا الذي عمرت لكم الدور، أنا الذي نميت التجارة، أنا صاحب الجاه، أنا صاحب الوزارة، أنا صاحب السلطان، أنا صاحب الأموال، أنا صاحب الكراسي، لا تتركوني وحدي، ولا تفردوني في لحدي، افدوني بأعمالكم، من منكم يزيد في عمري ساعة أو ساعتين؟
وهنا يعلو صوت الحق، كما قال الحق جل وعلا:
"فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ* وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ" [الواقعة:83-96].
سبحانك يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة، سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة، سبحانك يا من نقلتهم بالموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بألوان الطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب.
"كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ " [القيامة:26-27].
أي: من الذي يرقيه؟ من الذي يبذل له الرقية؟ من الذي يقدم له العلاج؟ من الذي يحول بينه وبين الموت؟
وقيل: إن معنى (مَنْ رَاقٍ) أي: من الذي سيرقى بروحه إلى الملك جل وعلا؟ وهذا معنى آخر، فمن الذي سيرتقي بهذه الروح من الملائكة؟
" وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ " [القيامة:26-29].
أهذا هو الذي سيخرج به وهو هذه الأكفان وهذا القماش؟ أين ماله؟ أين جاهه؟ أين كرسيه؟ أين سلطانه؟ أين دولاراته؟ أين أولاده؟ أين طائراته؟ أين دباباته؟ أين وزارته؟ أين الجاه؟ أهذا هو الذي سيخرج به؟ ......
حقيقة الدنيا
النفس تجزع أن تكون فقيرة ،والفقر خير من غنى يطغيها وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها.
وقال آخر: هي القناعة فالزمها تكن ملكاً لو لم تكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن لا والله، في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة: ماله، وأهله، وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد) يرجع الأهل، ويقسم المال على الورثة، ولا يبقى لك إلا عملك، وينادى عليك بلسان الحال: رجعوا وتركوك يا مسكين، يا من شغلك مالك عن حقوق الله جل وعلا، يا من شغلتك تجارتك عن السجود بين يدي الله جل وعلا، يا من سمعت المؤذن يقول لك: (حي على الصلاة) وأنت في بيتك، وفي تجارتك، وفي حقلك، وفي وزارتك، وفي مكتبك ما تحرك فيك ساكن، وما قمت لله جل وعلا لتضع الأنف والجبين في التراب ذلاً لخالقك.
يقال لك بلسان الحال: رجعوا وتركوك، وفي التراب وضعوك، وللحساب عرضوك، ولو ظلوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا عملك مع رحمة الحي الذي لا يموت، انتهى كل شيء. فكم من ليلة يفرح الناس بها، يسهرون ويمرحون ويضحكون، وفي الصباح الباكر يبكون،
"وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا" [النجم:42-44].
يا نفس قد أزف الرحيل
وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويل
فلتزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل
وليركبن عليك فيه من الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز ولا الذليل
"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ" [ق:19]
نام هارون الرشيد على فراش الموت فقال لإخوانه من حوله: أريد أن أرى قبري الذي سأدفن فيه، فحملوا هارون إلى قبره، ونظر هارون إلى القبر وبكى، ثم التفت إلى الناس من حوله وقال:
"مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ" [الحاقة:28-29]
ثم رفع رأسه إلى السماء وبكى وقال: "يا من لا يزول ملكه أرحم من قد زال ملكه".
ولقي الفضيل بن عياض رجلاً فقال له الفضيل : كم عمرك؟ قال الرجل: ستون سنة. قال الفضيل : إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، يوشك أن تصل! فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال الفضيل : يا أخي! هل عرفت معناها؟ قال: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع. فقال الفضيل : يا أخي! إن من عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً. فبكى الرجل وقال: يا فضيل! وما الحيلة؟ قال الفضيل : يسيرة. قال: ما هي -يرحمك الله-؟ قال: أن تتقي الله فيما بقى يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي.
سفري بعيد وزادي لن يبلغني
وقوتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها
الله يعلمها في السر والعلن
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً
على المعاصي وعين الله تنظرني
ما أحلم الله عني حيث أمهلني
وقد تماديت في ذنبي ويسترني
كأنني بين تلك الأهل منطرحٌ
على الفراش وأيديهم تقلبني
كأنني وحولي من ينوح ومن يبكي
عليَّ وينعاني ويندبني
وقد أتوا بطبيب كي يعالجني
ولم أر الطب هذا اليوم ينفعني
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها
من كل عرق بلا رفق ولا وهن
وقام من كان أحب الناس في عجل
نحو المغسل يأتيني يغسلني
فجاءني رجل منهم فجردني
من الثياب وأعراني وأفردني
وأودعوني على الألواح منطرحاً
وصار فوقي خرير الماء ينظفني
وأسكب الماء من فوقي
وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن وحملوني على الأكتاف أربعة
من الرجال وخلفي من يشيعني
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا
خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا علي صلاة لا ركوع لها
ولا سجود لعل الله يرحمني
وودعوني جميع الأهل وانصرفوا
وقدموا واحداً منهم يلحدني
فكشف الثوب عن وجهي لينظرني
فأسكب الدمع من عينيه أغرقني
وقال هلوا عليه التراب واغتنموا
حسن الثواب من الرحمن ذي المنن
يا نفس ويحك توبي واعملي حسناً
عسى تجزين بعد الموت بالحسن
وامنن عليَّ بعفو منك يا أملي
فإنك أنت الرحمن ذو المنن
هذه حياتك يا ابن آدم، هذه قصتك، من أنت؟ يا ابن التراب وما دون التراب غداً أقصر فإنك مأكول ومشروب علام الكبر؟ وعلام الغرور؟ أنسيت أصلك؟ أنسيت ضعفك؟ أنسيت فقرك؟ أنسيت عجزك؟ أنسيت أنك من التراب خلقت وإلى التراب تصير؟ فلماذا تحارب دين الله؟ ولم تحارب سنة الحبيب رسول الله؟ ولم تصد عن سبيل الله؟
تذكر أن الكرسي لو دام لغيرك ما وصل إليك، إن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة؛ لأن الليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال فلابد من دخول القبر.
وانتبه واعلم أن الدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي دار المقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تفضحوا أستاركم عند من يعلم أسراركم.
قال لقمان لولده: أي بني! إنك من يوم أن نزلت إلى الدنيا استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة، فأنت إلى دار تقبل عليها أقرب من دار تبتعد عنها.
كم ستعيش أيها المسئول؟ يا من حملك الله أمانة الحكم، وأمانة الإعلام، وأمانة الوزارة، وأمانة التربية، وأمانة التوحيد، وأمانة الأبوة.
تعليق