إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خطبة لذة الظهور للشيخ صلاح الدين بن علي بن عبد الموجود // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خطبة لذة الظهور للشيخ صلاح الدين بن علي بن عبد الموجود // مفهرس

    بسم الله الرحمن الرحيم
    خطبة الجمعة 22 من ذي الحجة 1432هـ
    لذة الظهور

    إِنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.
    وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
    وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً
    وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
    ) [النساء:1].

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
    وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
    [ الأحزاب:70-71].

    أَمَّا بَعْدُ:
    فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تعَالَى، وَخيرَ الهَدْيِ<الهَدْي: السيرة والهيئة والطريقة.>
    هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة.

    ثم أما بعد:
    عباد الله إن للنفس مع العبد لها أحوال، أحوال بين خمول وبين نشاط، لها أحوال بين غلو وتفريط،
    لها أحوال قد تودي به إلى مواطن هلكة، والسعيد من وفق إلى معرفة نفسه وإلى أطرها إلى الحق كما قال عز وجل:
    {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}. [يوسف: 108].

    والبصيرة لا تكون إلا من الوحي، إلا من كلام الله عز وجل، ومن سنة رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم،
    البصيرة أن يبصر العبد الطريق، وأن يعرف كيفية الوصول إلى الله سبحانه وتعالى.

    للنفس أحوال ومن ثم كان من رحمة الله عز وجل أن أرسل رسلًا
    {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}. [النساء:165].
    أرسل {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}
    حتى يتحرك العبد ويقف مع نفسه، ويراجع هذه النفس إلى أين يسير؟ والناس طرائق يختلفون حسب ضابط الشرع، أما ضابط النفس فمهلك،
    ولذلك لو جمعنا أفات الدنيا لرأينا أن أفات الدنيا تدور على أفتين عظيمتين:-

    الأولى: وهي المال.
    الثانية: وهي الجاه الشرف.
    فالمال به قوام الحياة، والنفس تواقة، التي حرمت من الجنة ورأت ما فيها من النعيم تستقل الدنيا، فلو جمع لابن آدم واديًا من ذهب لأراد إليه آخر،
    لأنه مستقل ولا يملأ جوف ابن أدم إلا التراب، هذا الذي خلق من التراب مآله إلى التراب، فمهما جمع له من الدنيا يتقالّ.

    فالمال به قوام الحياة، ليس للعبد عند المال منتهى، ومن ثم شتت المال قلبه، وغير عقله، وقطع ما بينه من صلات وبين غيره،
    لأنه يريده ولأن المال مرغوب، بل هو خير مرغوب، فمن ثم كان المال من أعظم أسباب انحراف العبد عن طريق الله عز وجل.

    وأرسل الله الرسل، كانوا فقراء، كانوا في شغف من العيش، كانوا أنموذجًا حرموا من الدنيا وهم يقولون للناس هيا إلى جنة عرضها
    السموات والأرض، وقليل من الأنبياء من جمعت له الدنيا، لبيان أن الأصل أن العبد يأخذ من الدنيا بلغته -ما يبلغه- إلى الدار الآخرة.

    وقد كان هذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:
    "مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا وَالدُّنْيَا ؟ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَرَاكِبٍ ظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا".
    < الترمذي (2377)، ابن ماجه (4109)، أحمد (1/391) عن ابن مسعود >.

    وكما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيا عبد الله بن عمر في بعض طرق
    المدينة قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْكِبِى فَقَالَ
    " كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ
    "< البخاري (6416)>

    ابن عمر يسمع هذه الموعظة، يرى النبي صلى الله عليه وسلم يضع يديه على منكبيه ثم يقول يا عبد الله
    " كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ " بمعنى كن من الدنيا مستقل على قدر حاجتك، لأن
    الحاجة إن زادت عطلتك وأشغلتك، وحرمتك السرعة والمنافسة على من سابق إلى جنة عرضها السموات والأرض،
    فكان المال مطلوب فيه تبذل الأنفس والمهج، فيه تهيم النفس وتطلبه وترغب فيه.

    والأمر الثاني هو الجاه، المنزلة وهي أعلى المراتب وهي أعظمها على الإطلاق، فإن الجاه يبذل من أجله المال، كم من أقوام ينفقون المال
    من أجل الجاه، ومن ثم كان المال لشراء الدنيا، وكان الجاه لشراء القلوب، فإن بالجاه تشتري قلب من شئت ما دام دونك، كلما كنت فوق
    كلما كان من دونك عبد لك، شاء أم أبى، إما بعبودية اضطرار أو بعبودية محبة، لأن الأدنى دائمًا ينظر إلى الأعلى من منطلق الضعف -العلو
    - فكان الجاه هو أعظم المنازل.

    ومن ثم حينما ننظر إلى السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، على رأس هؤلاء،
    إمام رأس الناس "إِمَامٌ عَادِلٌ" لأن القلوب جميعًا تتجه إلى الأعلى إلى الإمام، إن كان تقيًا كانت المحبة شرعية،
    وإن كان فاسقًا فاجرًا ظالمًا باغيًا كانت هناك محبة ظاهرة اضطرارية، ثم يلعن بعد موته.

    وفي الحديث الذي رواه الترمذي عَنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيّ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ ، وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ
    . < الترمذي (2376)، أحمد (3/460) >

    فمن ثم كان لزامًا على العبد أن يقف مع نفسه وقفة، ماذا أريد؟ إلى أين تتجه نفسي؟ لأن الإنسان إن ترك نفسه ما فوجئ إلا بسكرات الموت،
    لأن النفس تمني وتمني وتمني، ولا تزال تمني العبد بالمال إلى ما لا نهاية، وبالشرف إلى ما لا نهاية، وترى من العجيب أن العبد مهما بلغ من المال
    فلن يحقق سعادة، ومن ثم يطلب المزيد، ألا ترون أنه مهما بلغ من المال يفرح بالربح، ويحزن من أجل الخسارة، بل كلما لآزمته الخسارة كلما ضاق صدره، وعظم بلائه، وتشتت عقله، على الرغم من أن أصوله التي عنده قد تكفيه إلى ما بعد الممات، ولكنها النفس.

    وكذلك الجاه أو الشرف المنزلة المكانة يطلبها العبد، وهذا قد حذرنا منه ربنا عز وجل {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}. [الأنعام: 120].
    ظاهر الإثم: الذنوب، المعاصي، الكبائر، باطن الإثم: هي هذه الفجوة العظيمة التي قد يسقط فيها العبد، أن ينحرف جزئيًا أو كليًا عن
    الله عز وجل ولا يعلم به أحد، ربما هو لا يعلم عن نفسه أنه منحرف، وأنه قد حاد عن الطريق.

    ومن ثم كانت البصيرة بالطريق من أعظم أسباب معرفة النفس، أن يجعل العبد لنفسه خارطة، أن يجعل العبد لنفسه منهجًا،
    أن يجعل العبد لنفسه قواعد يسير عليها بضابط، فإن انحرف عما وضع علم أنه منحرف، ربما هذا يتعسر ويصير من أصعب الأشياء لقلة المعين،
    وضعف النفس، وللمشارك فيما تطلب، من باطن الاثم .

    بل ربما يطفح باطن الإثم فيصبح ظاهرًا ولا يشعر به أحد حتي صاحبه لأنه يصير أمرًا عاديًا يتطاول فيه الناس، لأن الأصول قد تمحى،
    ولأن الأصول قد تذوب أعني الشرع الذي يضبط، يضبط سير العبد على الطريق أم لا، ولذلك كان النبي صلي الله عليه وعلى آله
    وسلم كثيرًا ما يرسم لأصحابه الطريق، يعني ربما بالقول أو بالفعل.

    فكما روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ :
    خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللهِ ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ

    [ رسمًا على الأرض على التراب على الرمال ]، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ سُبُلٌ - قَالَ يَزِيدُ : مُتَفَرِّقَةٌ - عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَرَأَ :
    {وَإِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ، فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. < ابن ماجه (11)، أحمد (1/435) >.
    هذا هو السبيل سبيل الله،و وهذه السبل الطرق التي تحيد وتبتعد عن الأصل.

    فمن ثم كان على العبد أن يراجع نفسه، أنت في خطة في مرحلة قريبة، أقصاها مائة عام في الحياة، أعلى شئء مائة سنة، وربما نت+ندر بمن زاد على المائة، فلما تضيعها في شتات نفسك، وضياع قلبك؟ في مال تافه وفي منصب دني، ترى نفسك في شتات عن أمر آخرتك، ثم فجأة قامت قيامتك بموتك،
    ترى نفسك عاجز أن ترجع إلى ركعة إلى سجدة إلى ذكر إلى لحظة في المسجد، إلى خلوة {رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}.[المؤمنون: 100:99].

    أيها الأحباب إن باطن الإثم هو أعظم من ظاهره، لأن ظاهر الإثم قد يأديه العبد وهو رافض، كم من أصحاب معاصي وذنوب ينكرون على
    أنفسهم هذا؟ كم من أصحاب ذنوب ومعاصي ينكر عليهم غيرهم ظاهرًا، أما باطن الإثم قل من يتفطن إليه، لأنه كالسرطان الذي يفاجئ
    صاحبه بسكرات الموت، أنه على وشك النهاية.

    فلذلك كان لزامًا على العبد أن يكون على بصيرة بطريه إلى الله عز وجل، أن يراجع نفسه، أن يراجع غيره، بل ربما ترى أن العبد يأتي
    من الطاعات والقربات، تراه علمًا وراية، وباطن الإثم عظيم، ربما استعمل الطاعات في باطن الإثم والقربات في باطن الإثم، أظهر على جوارحه
    طاعات وخلا بربه بالبليات.

    فمن ثم كان تخدير الطاعة الظاهرة يعطيه لذة شيء، فمن ثم كان هلكه أقرب وإثمه أعظم.
    أما سمعتم عن الأشقياء الثلاثة من هم؟ وما حالهم؟ فقد روى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ
    رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
    يَقُولُ " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ.
    قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ.

    ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ
    تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ
    بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ
    فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ
    عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ
    ". < مسلم (1905)، أحمد (2/322) >.
    أول ما تسعر النار بثلاثة من هم؟ بقارئ القرآن، بطالب علم، بمعلم، بمجاهد، بمنفق، أول ما تسعر النار بثلاثة
    "وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا" هنا ظاهر الإثم قد يكتشفه العبد ويعرفه
    ، أما باطن الإثم قد يكون عند العبد وهو على ظاهر من الطاعات.

    "فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ.
    وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ
    ." ما جنايته؟ رجل له راية، عالم حفظ القرآن وأتقنه،
    وعلم العلم وعلمه، ثم هتك ستره على رؤوس الخلائق، يقول بيقين ماذا عملت؟ قال قرأت القرآن وتعلمت العلم، وعلمت القرآن وعلمت العلم، "كَذَبْتَ" وليس بكاذب، إنما كذب لأن الباطن باطن إثم، كان مجرد هذا العلم سبيل ووسيلة لإشباع رغبات النفس.

    هذا المجاهد الذي جاهد حتى قتل جيء به "رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ.
    قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ
    " والله أعلم بحاله، في ظاهر أمره الصدق لأنه فعل وبذل ورحه حتى قتل إلى آخر لحظة
    "وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ" النفس لم تتجه إلى الله عز وجل في العمل، إنما هو ظاهر أما الباطن باطن إثم.

    ورجل أنفق ماله، ينفق أناء الليل وأطراف النهر، صار الإنفاق عنده لذة، متلذذ بالإنفاق، ما يرى بابًا من الخير إلا وسابق
    "فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ" فعل كل خير "قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ"
    وهنا لو لحظنا أنه أنفق بالليل لا يراه أحد، وأنفق بالنهار يراه بعض الناس وكلا الأمرين اندمج بحيث أنه ما توجه بالعمل لله عز وجل، لأنه
    نال حظ نفس، صار الناس يتحدثون ويتكلمون أن فلان منفق، أن فلان مجاهد، أن فلان عالم "فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ
    أُلْقِىَ فِى النَّارِ
    .

    فالبصيرة أن تعرف الطريق، أن تعرف الطريق إلى الله عز وجل وأن تذر ظاهر الإثم وباطنه، ما خبيئتك عند الله عز وجل؟ إن العبد
    عندما يضع الطريق أمامه ويريد أن يكون على بصيرة فأنت ظاهر وباطن، ظاهرك طاعات وباطنك حينما تخلو بربك إن كان الباطن
    أعظم من الظاهر فأنت أنت، وإن كان الظاهر والباطن سواء فأنت على شفا جرف ربما ينهار بك، وإن كان الظاهر أعلى وأفضل
    من الباطن هذا هو النفاق الذي ابتليت به هذه الأمة، ما سبقت أمة من الأمم نفاقًا إلا هذه الأمة، ظهر فيها النفاق وهو اختلاف السر والعلانية.

    ومن ثم كان الأخيار يراعون أمر النفس ضبطًا وسلوكًا واتجاهًا، يعرفون موضع القلب أين يسير هل إلى الله عز وجل؟ أين خبيئتك؟
    كم لك من الليل مع الله عز وجل؟ كم لك في السر مع الله عز وجل؟ كم من خلوات تخلو بربك تناجيه وتستنجد به وتلوذ بجنابه وتدعوه خوفًا
    وطمعًا؟ ربما عند ضر فاحش، كم من اللحظات تذكره؟ ربما عند هم وكرب شديد، أما من سبق فكانوا لا، خلواتهم كانت أعظم من ظهورهم،
    السر كان أعظم من العلانية.

    عدوا إلى ربكم واستغفروه ......
    الخطبة الثانية


    الحمد لله رب العلمين،والعاقبة للمتقين،ولا عدوان إلا على الظالمين،واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
    عباد الله لقد وفق أصحاب النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم بتوفيق الله لهم أن ابتعث فيهم محمدًا صلي الله عليه وعلى آله وسلم نبيًا ورسولًا،
    دلهم على الخير وأخذ بقلوبهم ونفوسهم إلى الله عز وجل، فما بقي في قلب أحدهم مثقال ذرة من انحراف أو بُعد عن الله عز وجل، وهذا هو
    التوفيق.

    ومن ثم لو نظرنا في أصحاب النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم نرى أن النفوس قد علت وسمت.
    هذا الصديق رضي الله عنه لما يأتيهم الخبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفن بعد، أن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة،
    يريدون أن يعيِّنُوا منهم أميرًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخرج سريعًا مع عمر لأن هذا أمر خطير، وقد سمعوا جميعًا أن الخلافة
    في قريش لا يتعداها أحد عن قريش، وربما أخذتهم الحمية ونسوا أو تناسوا هذا الأمر، فأسرع الصديق وعمر في الطريق قابلا أبا عبيدة بن الجراح، فانطلقوا جميعًا حتى دخلوا ووصلوا إلى السقيفة فإذا بسعد بن عبادة مسجى مريض وحوله جماعة.

    فقال الصديق يا سعد ما لكم معشر الأنصار أتريدون أن تسلبوا هذا الأمر ممن أعطاهم الله عز وجل ورسوله؟.
    فهنا استحيى سعد وقال منا أمير ومنكم أمير، كثر اللغط وارتفعت الأصوات فقال الصديق يا سعد أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
    يقول نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فلم الأنصار.

    في هذه اللحظة خاف الصديق من اللغط لأنها فتنة وأعظمها هو موت النبي صلى الله عليه وسلم فالقلوب متغيرة، القلوب ليست كسابق عهد
    كما قال أنس رضي الله عنه كنا كغنم في ليلة شاتية بلا مأوى ولا راعي، فأسرع الصديق رضي الله عنه وقبض على يد عمر وقال هيا أبايعك
    ليكون الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال عمر والله، لنقف على مدى النفوس، والله لان أتقدم فتضرب عنقي أحب إليَّ من أن إلىَّ أقوامًا فيهم أبو بكر، لما لم يتقدم عمر فرصه،
    ليكون رأسًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعندها عجَّل عمر وأمسك بيد الصديق وبايعه ثم بايعه الناس.

    هذه الأمة عرفت طريقها إلى الله عز وجل، لها رؤوس لها منارات تسير بها وتهتدي.
    ومن ثم مر بالأمة فتن عظيمة، من أعظمها وأشدها ما وقع بين على رضي الله عنه وبين معاوية رضي الله عنه، تطايرت الرؤوس،
    كم من نساء بتن ثكالى؟ وبتن أيامى بلا رجال وبلا أبناء؟ ثم عظم واستحرى القتل إلى أن قتل على رضي الله عنه.

    تعاطف الناس بقتل على فاجتمع جيش عظيم مع الحسن وزحف إلى معاوية، نظر الحسن بن علي رضي الله عنه إلى جيش عظيم سيدكدك
    جيش معاوية، فكر وقال إلى أين نتجه؟ لن يستسلم معاوية إلا بقتل جماعة ممن معه أو ممن معي، فاقترح على القادة التسليم، هذا إمام
    مسلم وهو إمام مسلم، فوافق جماعة بل وافق الغالب بعد تطاير الرؤوس، وأرسل إلى معاوية بعقود وعهود، وبشروط وتم الاتفاق وتنازل
    الحسن بعد مقتل أبيه وجماعة من المسلمين لمعاوية رضي الله عنه حتى سمى هذا العام بعام الجماعة، اتفاق عام.

    فأيها الأحباب إن هذا الجيل تربى على أن له رؤوس، عرف الله عز وجل على بصيرة، عرفوا معنى ظاهر الإثم وباطن الإثم، تخلوا عن
    ظاهر الإثم وفتشوا عن باطن الإثم حتى وصلوا إلى مواطن الخلل فأزالوه ومحوه.

    كانوا في الرؤوس رؤوس، من كخالد بن الوليد القائد الهمام، الذي رد ودحر المرتدين، كان العدو حينما يسمعون بخالد يفرون،
    قال عظيم الروم نقول بأن خالد معه ملك يؤيده، ويقاتل معه، في لحظة أرسل عمر أبا عبيدة بن الجراح وقال اذهب إلى خالد ورده إلى أن
    يكون جندي، ليكون جنديًا من جنود المسلمين، وأنت القائد الإمام.

    وصل أبو عبيدة في حمم المعركة بعد أن انتهت المعركة أعطى الرسالة لخالد وضعها خالد على رأسه، ماذا تحول خالد الأمر من قائد عام إلى جندي،
    قيل لخالد أرأيت ما فعل بك عمر وفعل ولما وكيف؟ فقال خالد اسكت فوالله لو مات عمر لترون أمورًا عظيمة إن عمر بابًا يسد بينكم وبي الفتن.

    كانوا رجال عرفوا الطريق، عرفوا متى يتقدمون ومتى يتأخرون، عرفوا موضع القلب أين يسير القلب، عرفوا موضع الخلل أين مكانه، ومن ثم عزوا.
    من سمع عن طلحة بن مصرف؟ هذا من التابعين كان عالمًا فذًا مشهورًا بالقرآن -بالقراءات- والحديث، وكان بالقرآن أشهر، كان الناس يتوفدون على بابه أيامًا حتى يأخذ أحدهم دوره ليقرأ على طلحة بن مصرف، وجد في نفسه نخوة، رأى من نفسه منزلة، فأراد أن يصرف الاسم، لغيره لا يريد
    أن يكون مشهورًا بهذه الصورة طالما أن هناك من يسد، فكان الاعمش سليمان بن مهران، كان الأعمش ثيابه بالية وكان فقيرًا، كان يقول
    لولا العلم ما كلمني أحدن ووالله لو كنت بقالًا في الكوفة ما اشترى مني أحد.

    ذهب طلحة بن مصرف وقعد على باب سليمان بن مهران الأعمش ليتعلم ليقرأ عليه القرآن، أكان طلحة بن مصرف في حاجة إلى أن يقرأ
    على الأعمش؟ لا ولكنه أراد أن يصرف عنه الاسم والشهرة، قال الناس ما بال طلحة يجلس على باب الأعمش ويتعلم من الأعمش،
    إذا الأعمش أعلم من طلحة، فصرف الأمر إليه.

    أيها الحبيب نحن في حاجة إلى بصيرة، بصيرة بنفسي أين نفسي؟ أين موطنها؟ أين موضعها؟ أين مسارها؟ قد تغتر بطاعات ظاهرات،
    قد تغتر بثناء الناس، أنت أنت أنت وكم قتل الناس من فحل، كم أسقط الناس من راية، أنت أنت حتى تصل في نفسك إلى أعلى
    المنازل فيأتيك الموت فترى نفسك في القاع.

    روى ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :
    « لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا
    ».

    طاعات ظاهرات كثيرة أما الباطن معكر
    قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ :
    « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا
    ».< ابن ماجه (4245) >

    باطن الإثم تركوا ظاهر الإثم أما باطن الإثم ما استطاعوا أن يتخلوا عنه ومن ثم ارتجت الامة وانحرف المسار، وتغير الحال وصار الذَّنَب رأسًا،
    والرأس ذَنَبًا وانقلبت الامور.

    فمن ثم لا سبيل لنجاة هذه الامة، لا سبيل لنجاة فرد إلا أن يغير وأن يمحو ظاهر الإثم وباطنه.
    أسأل الله الكريم المنان الملك الجواد أن يغفر
    ذنوبنا وأن يقل عثرتنا وأن يرحمنا برحمته
    اللهم ارحمنـا برحمتك اللهم حبب إلينا
    الإيمان وزينـه في قلوبنا وكره إلينا
    الكفر والفسوق والعصيان اللهم
    إنا نسألك الجنة وما يقرب
    إليها من قول أوعمل
    ونعوذ بك من النار
    وما يقرب إليها
    مـن قـول
    أو عمل
    وأقم الصلاة
    ..اهـ
    التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 29-12-2011, 04:25 PM. سبب آخر: تنسيق الموضوع
    صور من حياة
    الشيخ
    صلاح الدين على بن عبد الموجود
    [FLV]http://www.youtube.com/watch?v=CbLqDUS1wV4&feature=channel_video_title[/FLV]

  • #2
    رد: خطبة لذة الظهور للشيخ صلاح الدين بن علي بن عبد الموجود

    أسأل الله الكريم المنان الملك الجواد أن يغفر
    ذنوبنا وأن يقل عثرتنا وأن يرحمنا برحمته
    اللهم ارحمنـا برحمتك اللهم حبب إلينا
    الإيمان وزينـه في قلوبنا وكره إلينا
    الكفر والفسوق والعصيان اللهم
    إنا نسألك الجنة وما يقرب
    إليها من قول أوعمل
    ونعوذ بك من النار
    وما يقرب إليها
    مـن قـول
    أو عمل

    تعليق


    • #3
      رد: خطبة لذة الظهور للشيخ صلاح الدين بن علي بن عبد الموجود

      جزاكم الله خيرا
      صور من حياة
      الشيخ
      صلاح الدين على بن عبد الموجود
      [FLV]http://www.youtube.com/watch?v=CbLqDUS1wV4&feature=channel_video_title[/FLV]

      تعليق


      • #4
        رد: خطبة لذة الظهور للشيخ صلاح الدين بن علي بن عبد الموجود

        السلام عليكم
        جزاكم الله خيرا , وبارك الله فيكم , وجعل عملكم في ميزان حسناتكم
        عامِل الناسَ بِـ جمالِ قَلّبك ، وطيبتِهِ ، ولا تَنتظر رداً جميلاً ، فَـ إن نَسوها لا تَحزن ، فَـ الله لَن ينساك

        تعليق


        • #5
          رد: خطبة لذة الظهور للشيخ صلاح الدين بن علي بن عبد الموجود

          جزاكم الله خيرا
          صور من حياة
          الشيخ
          صلاح الدين على بن عبد الموجود
          [FLV]http://www.youtube.com/watch?v=CbLqDUS1wV4&feature=channel_video_title[/FLV]

          تعليق

          يعمل...
          X