أثر الأخلاق في نجاح الداعية
إلى يوم الدين ، هو الذي دعا إلى الله سبحانه وتعالى على هدى وصراط مستقيم وهو الذي قال الله له " قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " يوسف: ١٠٨،وهو الذي أمره ربه فقال له " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " النحل: ١٢٥ وهو الذي بلّغ رسالة ربه بأمانة و إخلاص ولم يخش إلا الله سبحانه وتعالى .
أيها الإخوة إن وظيفة الدعوة إلى الله عز وجل من أشرف الوظائف وأعلاها، وقد تكلمنا سابقًا في عظم هذه المسؤولية و أننا سنسأل عنها يوم القيامة ، سنسأل عن تبليغ هذا الدين ، إذا كان الإسلام شرفا للمسلم فإن هذا الشرف سيُسأل عنه " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ "الزخرف: ٤٤ ، ونشهد اليوم من بعض مظاهر الفتور شيئًا من التكاسل في الدعوة إلى الله و تعالى، هذا لا يصح أن يكون بحال.. فكيف يقعد المسلم الذي يعلم أنه على الحق وأنه يدين بدين الحق.. كيف يقعد عن الدعوة إلى الله عز وجل ؟ و كيف يترك أقرباءه و جيرانه و أصدقاءه و أهل حيّه بل و أهل بلده ؟ كيف يتركهم دون دعوة ؟ بل كيف يترك الكفار الذين يستطيع الوصول إليهم و هم منتشرون بين المسلمين ؟ كيف يتركهم بغير دعوة إلى الله عز و جل ؟
حقا إن بعض الأشياء التي تؤجج في النفس الدعوة إلى الله قد خبا نورها في نفوس الكثيرين، ولذلك نرى اليوم من ضمن ما نرى من علامات عدم الجدية في أخذ هذا الدين و البرود الذي اعترى كثيرًا من الدعاة إلى الله عز وجل ، التكاسل عن الدعوة.. و كذلك في بعض أوساط طلبة العلم الذين لا يبلِّغون ما تعلموا مع أن الله سبحانه و تعالى قد أخذ العهد على " وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ "آل عمران: ١٨٧ كيف يتكاسل المسلم عن تبليغ الدعوة و النبي عليه الصلاة و السلام قال آمرًا" بلغوا عني و لو آية "صحيح الجامع .
ولعل هذا الفتور في الدعوة الذي نعيشه له أسباب منها: الانشغال بالحياة الدنيا وزينتها..هو الذي ألهى كثيرًا من الشباب الذين عملوا في الوظائف و غيرها و التجارات عن الدعوة إلى الله عز وجل وقد كان بعضهم يوما من الدهر شعلة نشاط يتحرك بحرقة من أجل تبليغ هذا الدين ، لا يقرّ له قرار ولا يهدأ له بال إلا بالاتصال بالناس ودعوتهم إلى الله عز وجل فينبغي أن تتحرر نفوسنا من الكسل ، وأن نخرج من هذه القوقعة التي حشرنا أنفسنا فيها وأن نقوم بالدعوة إلى الله وتبليغ هذا الدين فهذا واجب ونأثم لو تخلفنا عن القيام به، وهذه الدعوة وظيفة الأنبياء وهي شرف ولا شك ، وينبغي إعداد العدة لها ، والعمل من أجل إنجاحها ، والدعوة لها أساليب ووسائل ومنهج فهي مهمة كبيرة ونحن أيها الإخوة في عصر الإقناع وتسويق الفكرة ،وتسويق الفكرة أعظم من تسويق السلعة حتى عند أعداء الله ، الذين يبذلون كل ما يستطيعون من أجل تسويق الأفكار و أنت ترى جهودهم في نشر الدين النصراني أو الأفكار المنحرفة سواء ما تقوم به الكنيسة بجميع فروعها أو الأحزاب الضالة لأجل نشر أفكارها تكون بالتخطيط و العمل الدؤوب من أجل نشر تلك الأفكار و العقائد المنحرفة ، و هم أسخياء كرماء يبذلون و يضحون ، ويسافرون و يتغربون عن أوطانهم من أجل نشر عقيدتهم الضالة و يزخرفون القول ويعلِّبون الأفكار بهذه الإطارات و هذه الزخارف التي تنطلي على كثير من ضعفاء العقيدة و العلم ، ولذلك تنتشر أفكارهم بين الناس ،و لا شك أن المسلم الذي رزقه الله سبحانه و تعالى فهما في دينه وحبًّا لعقيدته سيُسارع بلا شك لأجل نشر هذا الدين بالدعوة إلى الله عز و جل .
و لا شك أيها الإخوة أن من أهمّ عوامل نجاح الداعية إلى الله سبحانه الخلق الحسن ، و الله سبحانه قد خصّ آياتٍ في كتابه لحمل أخلاق عظيمة ذكرها سبحانه في محكم تنزيله لتدلّ على عظمة الخُلق ، نحن نتكلم الآن في هذه الليلة عن الدعوة و عن الأخلاق .. الارتباط بين الدعوة و الأخلاق: كيف تنجح الدعوة بالأخلاق؟
ونحن نعلم أن بعض المنحرفين نشروا انحرافاتهم كما قلنا بحسن الخُلق، لأن حسن الخلق شيء يمكن أن يكون عليه حتى الكافر.. ولا يمكن أن ينفكّ الدين عن الخلق بل إن الخلق من صميم الدين ، والله عز وجل قال في محكم تنزيله في بعض الآيات " وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًاۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ " لقمان ١٨: 19 و قال الله " وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا "الإسراء: ٢٩ و قال " وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا " الإسراء: ٣٧ و قال الله " وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا "الفرقان: ٦٣ و قال عز وجل " وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "آل عمران: ١٣٤ و قال" لَّا يُحِبُّ اللَّـهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ "النساء: ١٤٨ ، و أمر بقوله " وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ "النور: ٢٢ إلى غير ذلك من الآيات التي ذُكر فيها الخُلق الحسن ، بل ذكرت مفردات هذا الخُلق في عدد من آيات الكتاب العزيز ، و لا شك أن الداعية إلى الله يحتاج إلى أشياء من الأخلاق في سبيل إنجاح مهمته فإنه يحتاج إلى الحلم و الرفق و اللين ، و الصبر و الرحمة و العفو و التواضع و الإيثار و الشجاعة و الأمانة، و الحياء و الكرم و التفاؤل، و الزهد و القصد و الاعتدال و غير ذلك ...
و لن نستطيع أن نُلمّ بهذه الأشياء و بأكثر منها في هذا المقام فنأخذ بعض الأخلاق ، التي تعين الداعية على النجاح في دعوته ، و لنعلم بادئ ذي بدء أيها الإخوة من أن أهم الأشياء في الدعوة أمور ثلاثة : العلم قبلها ، و الرفق معها ، و الصبر بعدها ، العلم و الرفق و الصبر ، هذه من أهم المهمّات في عالم الدعوة إلى الله.
صاحب الأخلاق الحسنة قدوة بذاته ، أخلاقه تدعو الناس إلى الانجذاب نحوه ، إن سمته ليجذب من حوله فيأتون إليه ، وهناك تكون الفرصة للتأثير أكثر مما لو أنه ذهب إليهم ، مع أنه ينبغي عليه أن يأتيهم ، فهذا الخلق هو الذي يجذب الناس كما تجذب الأزهار النحلة و إذا أُتي الداعية فإن المهمة تسهل عليه ، فأما في قصة يوسف عليه السلام " وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ "يوسف: ٣٦ فإذن اشتهر و علم عندهما أن يوسف عليه السلام من المحسنين ، فكيف حصل هذا التصور و الانطباع عندهما بأن يوسف من المحسنين ؟
يوسف عليه السلام دخل السجن متهما بجناية شنيعة ، و من شأن البرئ الذي سجن متهما بجناية شنيعة أن يتحطم نفسيا ، لكن هذا النبي الكريم لا يمكن أن يحدث له ذلك ، فإنه عبد الله تعالى في السجن ، وظهرت عليه سيما الصالحين نتيجة عبادته ولا شك ، دخل و عليه سيما الصالحين و هو يعبد ربه في السجن ، و لذلك قالا له " إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ "يوسف: ٣٦ إن حالك التي رأيناها تدل على أنك من أهل الإحسان هذا ظنهما به ، و يدل على ذلك أيضًا أن أحد الرجلين الذي خرج من السجن ورجع بعد ذلك يستفتي يوسف قال له " يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ "يوسف: ٤٦ فإنه وصف يوسف بالصدّيق ، فلما انجذب المدعو إلى الداعية من غير أن يقول له الداعية تعال .. هو انجذب إليه نتيجة حسن الخلق ، و نتيجة التعامل الحسن ، نتيجة سيما الصلاح ، نتيجة العبادة ، انتهز الفرصة ليذكرهما بالله تعالى ، بالتوحيد أولا و أن الحكم لله و أن الشرك حرام ، قبل أن يجيب مطلبهما و يبين في كلامه أن ظلم الحال مرده إلى الشرك بالله ( 11:55)، لا يصلح للداعية أن يتكلم عن جزئية و الأصل منخرم مهدوم لكنه مع ذلك طمأنهما بأن العلاج موجود عنده " لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا "يوسف: ٣٧ إنها إشاعة الثقة في نفس المدعو، ثم انتقل انتقالا لطيفًا.. الله سبحانه و تعالى أعطاه على ما قال بعض أهل التفسير العلم بما سيأكلان" لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا "يوسف: ٣٧ هذه معجزة أعطاها الله عز وجل ليوسف " ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي "يوسف: ٣٧ انتقل انتقالا لطيفا لتعليمهم التوحيد " إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ "يوسف: ٣٧ إلى آخر الآية ..
بعض الأخلاق التي يحتاج إليها الداعية
و لنعرّج الآن على ذكر بعض الأخلاق التي يحتاج إليها الداعية إلى الله سبحانه و تعالى ، فمن الأخلاق العظيمة التي يحتاج إليها الداعية : الصبر ، هو الخلق الذي يحتاجه حتى تنفتح له مغاليق القلوب ، الصبر على التبليغ و الصبر على الجدال الذي سيواجهه و الرفض و العناد ، الصبر على الأذى الذي قد يلحق به ، النبي صلى الله عليه و سلم صبر على الخنق ، خنقوه بثوب ، و على إلقاء سلى الجزور على ظهره و هو ساجد عند الكعبة ، وعلى وضع الشوك في طريقه و ضرب قدميه بالحجر ، و على الاتهامات الباطلة التي اتهموه بها وقالوا عنه ساحر و كاهن ، و شاعر و مجنون ، وبه جِنّة .. مسه الجن ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " كأني أنظر إلى رسول الله- صلى الله عليه و سلم- يحكي نبيا من الأنبياء- صلوات الله و سلامه عليهم - ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه و يقول( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)"رواه البخاري ، قال بعض الشرّاح " إنه يعني نفسه صلى الله عليه و سلم "
هو الذي ضربه قومه فأدموه ، فإذن الداعية لا ينجح إلا بالصبر ، إنه سيواجه صدودًا و إعراضًا ، هذا لا يفتح له الباب و هذا لا يجيب بالهاتف ، و هذا يغيّر الموضوع إذا أراد الموعظة ، إذا أراد أن يعظه قلب الموضوع و غيّره ، وهذا يتهرب .. و المدعو شخص غير ملتزم بالدين في الغالب ، فلذلك هو يكذب و يخلف المواعيد ، و الداعية ينتظر حتى يذهب و لن يأتي صاحبه ، ويعاود المجيء بدون فائدة ، و قد يجد ألفاظا غير مقبولة .. الداعية سيواجه من المدعو بطئا في الاستجابة و جدلا عقيمًا ، و الله يقول " وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا "المزمل: ١٠ و لا شك أن التحلي بالصبر في هذه المواقف من أعظم الأشياء التي تسبب النجاح للداعية ، أما الذي يجرّب الدعوة فيكلم شخصًا فمن أول ما يجابه بكلمة أذى يترك ، هذا لا يكون له النجاح ، النجاح لا يكون إلا بعد المواظبة و المصابرة على هذه النفوس الملتوية ..
أذكر قصة عبَّر فيها أحد هؤلاء المدعوين عن ألمه مما حصل له من شخص تأثر به ، والتزم بسببه ، فصار يتصل به من وقت لآخر ، فاتصل به ذات يوم بالهاتف فكانت زوجته التي ردت فقال: فلان موجود ؟
عندما يضع الإنسان ثقته في داعية ثم يفاجأ بتصرف من مثل هذه التصرفات فلا شك أن اهتزاز كل القيم التي تلقّاها منه ليس فقط موضوع الصدق .. كل المفهومات و التصورات التي أخذها عنه .. كلها تهتز في نظره ، و إذا لم يكن لهذا المدعو عصمة من الله و رحمة من الله فقد ينتكس ، و لذلك نحن عندما نتكلم الآن عن بعض الأخطاء من قبَل بعض الدعاة فإننا نقول للمدعوين أيضًا : إن أخطاء الدعاة إلى الله عز وجل معكم ليست عذرًا لكم مطلقًا في ترك اتباع الحق ، إذا أخطأ داعية عليك أو جهل أو أساء خلقه معك فإنك لست معذورًا أبدًا .. لست بمعذور مطلقًا في تركك للحق و اتباعك للطريق السوي ، و لذلك فإن بعض الحوادث التي تنبئ عن ترك بعض الأشخاص للالتزام بالدين نتيجة تصرف خاطئ من داعية تنبئ أول ما تنبئ عن انحراف في عقلية المدعو لأنه يربط الدين بالشخص ، فإذا استقام له الشخص استقام هو على الدين ، و إذا رأى شيئًا من التغير أو سوءا في المعاملة ترك الالتزام بالدين ، هذه قلة عقل .. هذا عبارة عن إنسان ضعيف الشخصية ضحل التفكير ، لا يفرّق بين الأشخاص و بين المنهج ، لو كان إنسانا عاقلا لقال : لي صوابه و أترك خطأه ، آخذ مما قاله لي بشكل صحيح و أترك ما أخطأ فيه ، لكن كثيرًا من الناس لا يعملون بذلك ، فيقول بعضهم : أنا ما علي من عقيدة فلان و صلاة فلان ، هذه له أنا علي من تعامله . الدين المعاملة ، و لذلك من اضطراب الموازين عندهم أنهم يعطون الأولوية ليس لعقيدة الشخص و لا لدينه و إنما يعطون الأولوية لأخلاقه و تعامله ، فإذا صار أخلاق فلان من الناس عندهم عالية و تعامله رفيع أحبوه و أقبلوا عليه ولو كان فاجرًا فاسقًا كافرًا مشركًا ، لأن الناس عندهم أن التعامل هو أهم شيء ، يقولون : مالنا و لصلاته ، مالنا ولدينه ، مالنا و لعلمه ، مالنا و لعبادته .. هذه له ، نحن لنا تعامله و أخلاقه ، هذه التي نحن نستفيد منها ، فالناس مع الأسف .. مع الأسف أقول أيها الإخوة .. هذه النقطة في غاية الأهمية .. الناس لا يهتمون بأخذ العلم و الدين .. الأحكام مثلا الشرعية مثلما يهتمون بقضية التعامل و الأخلاق ، و لذلك يحبون بعض الكفار أكثر من بعض المسلمين ، يقولون : هذا الكافر رأينا منه صدق الوعد و الحديث و الكرم ، لا يؤذينا و لا يأكل حقنا ويعطينا الراتب كاملا ، و المستحقات المالية .. فهذا أحب إلينا من المسلم الذي يغلظ علينا بالقول وربما ظلمنا ويخلف المواعيد معنا لو كانت المقارنة فقط في الأخلاق قالوا : خلق هذا أحسن من خلق هذا لكان فيه شيء من الصواب ، لكنهم يقولون فلان أحسن من فلان ، مع أن هذا مشرك و هذا مسلم ، هذا كافر وهذا موحد ، لكن عندهم أن التعامل هو الأساس و هو كل شيء ، فلا بد من تصحيح هذا المفهوم الخطير و الخاطئ الآثم الموجود في النفوس .
و لا يحملنّك يا أخي غلظة داعية أو شدّته في القول أو سوء أسلوبه أن ترفض الحق الذي يقدمه لك ، لأننا نهتم بالمضمون أكثر من الأسلوب، هذا ما ينبغي أن نكون عليه نحن ..نهتم بالمضمون أكثر من الأسلوب و إلا فلنتبع دين النصارى لأن بعض المبشرين كرماء يعطون الدواء مجانًا ورعاية الحامل مجانًا ، و التطبيب مجانًا و الغذاء المتكامل و الإسعافات الأولية مجانًا ، و يبنون لنا مساكن مجانًا في بعض البلدان ، إذا كانت المسألة مسألة تعامل فلنتبع إذن الضال و المشرك و المنحرف لأن تعامله راق و أخلاقه حسنة ، و هذا الكلام قلّ من يفهمه في هذا الزمان ، بسبب أن الناس يهتمون بالشكليات أكثر من المضمون ، نحن لا نسقط الشكليات من الاعتبار و لا نقول إن التعامل و الأخلاق ليست مهمة ، بل إن كل الموضوع هذا الذي نطرحه في هذه الليلة هو تأكيد على قضية الأخلاق و أهمية الأخلاق في نجاح الداعية لكن الكلام الآن موجه إلى المدعو : نقول له : كون فلان أخطأ معك و حصل لك شيء قال تستاهل أحسن ، و هذا خطأ في الأسلوب و التعامل لا شك ، لكن هذا لا يدفعك إلى كرهه و بغضه و إلقاء كل ما يقول له لك من العلم خلف ظهرك لأنه أساء إليك بكلمة ، أو أخلف معك موعد أو ظلمك في حق لم يعطه لك ، لا بد نتحمل الأذية في سبيل أن نأخذ العلم و الدين ، وقلما نجد من الناس ..الكمة القليلون جدًا .. لابد كل شخص و تجد عليه مآخذ ، فإذا كنا سنترك ما عند فلان من الخير و ما عند فلان من العلم و ما عند فلان من النصيحة من أجل شيء من الغلظة أو شيء من الجفاء ، أو شيء من الشدة في الأسلوب فإننا في هذه الحالة سنخسر كثيرًا جدًا ..
نعود إلى موضوعنا ونقول أيها الإخوة إن الصدق.. صدق الداعية مع الله قبل أن يكون مع المدعو هذا من أهم عوامل النجاح ، لا يكفي أن تكون صادقًا في حديثك معه ، و أن تكون منضبطا في المواعيد ، و إذا وعدته بشيء لم تخلف وعدك و أديت ما وعدته به إليه، نقول : إن هذا ليس بكاف فإن الصدق مع الله هو الأساس، لأن بعض التصنعات لا تنطلي على بعض الناس فيرفضون الشخص و إن كان في الظاهر ذا تعامل مستقيم ، بسبب أن النفس لا ترتاح و تثق بمن علاقته بالله مهزوزة .
و ننتقل إلى الخلق الثالث من الأخلاق المهمة جدًا في الدعوة إلى الله عز وجل وهو خلق الرحمةو الشفقة ، " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ "التوبة: ١٢٨ فانظروا -رحمكم الله- إلى هذا الخلق.. خلق الرحمة في نبينا محمد- صلى الله عليه و سلم - " عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ "التوبة: ١٢٨كم مرة صعد إلى ربه ينزل و يصعد إلى الله و ينزل مرة أخرى من أجل أن يطلب التخفيف على الأمة في عدد الصلوات ؟ حتى صارت خمسا بدلا من خمسين .
أقرأه جبريل القرآن بحرف فاستزاده - عليه الصلاة و السلام – إلى أن صارت سبعة أحرف من أجل ألا تشق القراءة على الأمة ، سبعة أحرف ..وكم مرة يدعو الله عز وجل لأمته و قد اختبأ دعوة لأجل أمته يوم القيامة ، عندما يكون الناس في أشد الحاجة .. حاجتهم ماسة يتمنون أن ينفكوا من أرض المحشر ، يتمنون أن ينفكوا من هذا الموقف العصيب ولو إلى النار ، فتدركهم شفاعة النبي - صلى الله عليه و سلم - التي يأذن له بها ربه فيبدأ الحساب .. هذا النبي الكريم كل شيء يشق علينا فهو شاق عليه ، و لذلك جاءت شريعته بالرحمة و التخفيف في عدد من الأشياء .. التيمم هذا لم يكن معروفًا في الأمم السابقة ، وهو موجود في شرعنا ، أدركتنا رحمة الله في تقسيم الغنائم فصارت حلالا لنا " فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا "الأنفال: ٦٩ و كانت محرمة على من قبلنا تنزل نار من السماء لتأكلها ، و المسح على الخفين و أي مكان أدركتك الصلاة فيه تصلي " جعلت لي الأرض مسجدًا و طهورًا "حديث صحيح، و هذا من خصائص هذه الأمة أيضًا ، إلى آخر الرخص التي جاءت في هذه الشريعة ..
الرحمة من أخلاق الداعية المهمة كانت مع كل نبي لأن كل نبي كان داعية في قومه، كان الأنبياء يقولون لأقوامهم.. يقول الواحد منهم " إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ "الأعراف: ٥٩ يخاف عليهم العذاب العظيم خوفه عليهم نتيجة رحمته بهم ، نتيجة الرحمة الموجودة في نفس النبي و الشفقة الموجودة في نفس الرسول هي التي تجعله يخشى على قومه عذاب يوم عظيم ، فينطلق في دعوته ولو ضربوه ولو أدموه ، لكنه مستمر في الدعوة .. إنها الرحمة التي كانت في قلب النبي - صلى الله عليه و سلم - وهو يدعو قومه إلى الله ، لما طردوه ، آذوه فلم يستفق إلا و هو في قرن الثعالب" فانطلقت وأنا مهموم على وجهي "صحيح مسلم، النبي عليه الصلاة و السلام ما كان يدري أين يتوجه ..انطلق مهمومًا على وجهه من شدة ما لقي من الأذى ..لم يستفق و يرجع إلى نفسه ويعرف أين هو إلا وقد صار في قرن الثعالب ، موضع بعيد و أرسل الله إليه ملك الجبال يأتمر بأمر النبي -صلى الله عليه و سلم - ماذا يريد ؟ لو أراد أن يطبق على أهل مكة الجبلين لأطبقهما على أهل مكة وارتاح النبي عليه الصلاة و السلام(من هذه العصبة الكافرة الفاجرة المعاندة التي تعذبه و تسومه و أصحابه أشد العذاب ، لكن هل كان النبي - عليه الصلاة و السلام - يريد أن يرتاح فقط؟ كان يريد الخير لهؤلاء المشركين و الرحمة ، " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده "صحيح مسلم، كان من الممكن أن يكتفي بمن معه من هؤلاء الذين استجابوا .. القلة المؤمنة ويطبق الجبلين و يأمر ملك الجبال بإطباق الجبلين على أهل مكة، لكن رحمته بقومه أبت ذلك و شفقته عليهم رفضت هذا العرض الذي عرضه عليه ملك الجبال
و كذلك فإن من الأخلاق العظيمة التي يحتاج إليها الداعية التواضع.. من أسباب النجاح في الدعوة أن يكون الداعية إلى الله سبحانه و تعالى متواضعًا ، التواضع لله أولا قبل أن يكون للخلق ، التواضع لله سبحانه و تعالى و الذل له عز وجل ، إنه معنى رفيع من معاني العبودية و النبي - صلى الله عليه و سلم - إمام المتواضعين حج على رحل رثٍّ وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم ، و كان يقول في حجته " اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة " حديث صحيح، و كان أصحابه لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك ، وقال – صلى الله عليه و سلم " لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت عليه لأجبت " حديث صحيح، هذا العظم الذي ليس عليه إلا شيء قليل من اللحم يجيب الدعوة إليه ، و كان - عليه الصلاة و السلام - يفلي ثوبه و يحلب شاته و يخدم نفسه ، و كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم و يأكل بأصابعه " آكل كما يأكل العبد، و أجلس كما يجلس العبد " حديث صحيح ، و كان يبدأ بالسلام ويعود المريض ،و كانت الأمة تأخذ به - صلى الله عليه و سلم - فتنطلق به حيثما شاءت ، و هكذا كان أصحابه الدعاة إلى الله عز وجل ، قال عمر : رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - و على عاتقه قربة ماء وولي أبو هريرة إمارة فكان يحمل حزمة من الحطب على ظهره و يقول "طرِّقوا للأمير " ، و مر الحسن على صبيان معهم كِسَرُ خبز فاستضافوه فنزل فأكل معهم ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم و كساهم وقال ( اليد لهم ) يعني هم أصحاب الفضل هم بدؤوني (إنهم لا يجدون شيئا غير ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه ) ، و قال رجاء بن حيوة ( قومت ثياب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وهو يخطب على المنبر باثني عشر درهما.. ) فالتواضع الذي يلمسه المدعو من الداعية يكسبه حبًا له وقبولا لكلامه ، و هذا التواضع ضروري لأن من طبيعة الناس أنهم لا يقبلون قول من يستطيل عليهم ويحتقرهم و يستصغرهم و يتكبر عليهم و لو كان ما يقوله حقًا وصدقًا ، فهم يغلقون قلوبهم دون كلامه ووعظه و إرشاده ، ومن طبائع الناس أنهم لا يحبون من يكثر الحديث عن نفسه ، و يكثر الثناء عليها ، و يكثر من قولة أنا أنا... فعلى الداعية أن يحذر من هذا أشد الحذر، و كذلك فإن من طبع الناس النفور من كل من يتقعر في كلامه، و يتفاصح و يتكلف و يتنطع و النبي - عليه الصلاة و السلام – قال " هلك المتنطعون " صحيح الجامع،و قال " إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي تتخلل بلسانه كما تخلل البقرة" صحيح الترميذي، كيف أن البقرة تخرج لسانها و تلويه و تخفيه و تظهره و تعيده ، و تبديه .. هكذا يفعل بعض الناس مما يكون عيبًا كبيرًا أن يوجد عند داعية، و يكوّن سدًا منيعا يحول دون تأثر المدعوين به، " إن أبغضكم إلي و أبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون .. " حديث حسن،الفكرة السهلة المقبولة ..الفكرة سهلة العرض مقبولة في عقول المدعوين ، و كثير من الناس يكون عندهم بلاغة و أسلوب لكن لا يتأثر بهم القوم، و بعض الناس ضعفاء و يتكلمون باللهجة العامية مع الأشخاص يستجيب لهم الناس بسرعة ، هذا يتكلف و هذا لا يتكلف .. و ليست المسألة دعوة للعامية و ترك الفصحى.. لا .. القضية ترك التكلف و الاصطناع ، و أن يكون الداعية متواضعًا حتى في أسلوبه الذي يدعو به، لماذا يكون بعض الدعاة من حملة الشهادات العليا، خطباء مفوهون و لكن الناس من حولهم منفضون ؟ و آخرون ليس عندهم شهادات و لا عندهم تلك الفصاحة التي عند أولئك و مع ذلك مقبولون محبوبون بين الناس .. المسألة مسألة تواضع .
و من الصفات أو الأخلاق المهمة أيضا التي يحتاج إليها الداعية الحلم " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ "فصلت: ٣٤ هذه الطريقة علمنا الله إياها للتخلص من العداوات أي واحد بينك و بينه عداوة و جفاء افعل معه ما قال الله تزول تلك العداوة، " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "فصلت: ٣٤ قابل إساءته بإحسانك ..ترك السلام سلِّم ، ضيق عليك في المجلس وسع له إذا جلس ، منعك حقك أعطه حقه ، أغلظ لك في الكلام ألن له في الكلام ، سبّك أثن عليه، " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "فصلت: ٣٤ سيئة .. ادفع السيئة بالحسنة فإذا فعلت ذلك صار " الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ "فصلت: ٣٤ أخلص الناس لك و أقرب الناس إليك ، يحبك أكثر من الآخرين ، ولي حميم .. صار ولي ناصر و يعضدك و يقوم معك في الشدائد ولي .. صار وليا لك ، حميم .. قربة شديدة بينك و بينه ، و قد كان النبي - صلى الله عليه و سلم-بحلمه يأسر القلوب و يرغم أنوف أناس تعمدوا الإغلاظ له ، حتى يصيروا مطواعين ينزلون عند دعوته ، و قد حفلت السيرة النبوية بأمثلة كثيرة فمن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك( ما فيه يا رسول الله و لا يا نبي .. محمد حاف ) فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ، ثم أمر له بعطاء " صحيح البخاري. لا بد هذه ضحك قبل أن يعطيه أيضًا، أعطاه.. الضحك و أعطاه المال، أعطاه .. أظهر له رضاه عنه بضحكه و أنه ما أخذ في نفسه، و لا وجد في نفسه عليه، حتى العبوس مع أنه أقل ما يمكن أن يفعله بعضنا في مثل هذه الحالة هذا إذا لم يرد له الصاع صاعين، حتى العبوس.. لم.. بل إنه على العكس من ذلك ابتسم له بل ضحك في وجهه، ثم أمر له بعطاء – صلى الله عليه و سلم .
و كذلك جاءه زيد بن سعلة ،كان يهوديًا، إليه صلى الله عليه و سلم يطلبه دينًا، يطلب دينًا له عليه فأخذ بمجامع قميصه .. يهودي جاء إلى مجلس النبي -عليه الصلاة و السلام - و أخذ بمجامع قميصه و ردائه و جذبه و أغلظ له القول ،و نظر إلى النبي صلى الله عليه و سلم بوجه غليظ ،و قال : يا محمد ألا تقضي لي حقي ؟ إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل ( تماطلون ) .. ظلمه و شدد له في القول ، فنظر إليه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – و عيناه تدوران في رأسه كالفلك المستدير .. عمر يرى هذا المنظر ؟ قال:" يا عدو الله أتقول لرسول الله – صلى الله عليه و سلم - ما أسمع و تفعل ما أرى؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه .. لو لا ما أحاذر من لوم النبي -عليه الصلاة و السلام- لضربت بسيفي رأسك " و رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ينظر إلى عمر في سكون و تؤدة و تبسم ، ثم قال : " أنا و هو يا عمر كنا أحوج إلى غير هذا منك ، يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء و تأمره بحسن التقاضي ، اذهب به يا عمر فاقضه حقه ، و زده عشرين صاعا من تمر "، فكان هذا الموقف سببًا في إسلام هذا الرجل ، ساق ابن حجر –رحمه الله – القصة في الإصابة ، و قال عن إسناد رجاله متقون و الوليد قد صرح بالتحديث، و قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات .
خرج زين العابدين بن علي بن الحسين – رضي الله عنهم – إلى المسجد فسبّه رجل في الطريق ، فقصده غلمان زين العابدين ليضربوه و يؤدبوه ، فنهاهم و قال لهم " كفوا أيديكم عنه " ثم التفت إلى ذلك الرجل و قال " يا هذا أنا أكثر مما تقول ، و ما لا تعرفه عني أكثر مما عرفته ، فإن كان لك حاجة في ذكره ( يعني ذكر معايـبـي) ذكرته لك ، فخجل الرجل و استحيا ، فخلع زين العابدين قميصه و أمر له بألف درهم ، فانصرف الرجل و هو يقول " أشهد أن هذا ولد رسول الله – صلى الله عليه و سلم – " ومما يتبع هذا الخلق خلق آخر وهو اللين و الرفق" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ "آل عمران: ١٥٩ .
فاللين في التعليم مجد جدًا و في الإنكار مفيد للغاية و يؤتي ثماره و أكله ، و هكذا فعل النبي –صلى الله عليه و سلم – مع الأعرابي الذي بال في المسجد ، فإنه كان معه في غاية اللين و الرفق ، و هكذا فعل مع الصحابي الآخر الذي تكلم في الصلاة ، و شمت العاطس .. فاللين و الرفق من خلقه - عليه الصلاة و السلام - ، و هو من الأخلاق العالية التي تنجح الداعية في مسعاه ، و هذا مثال في الدعوة : مر رجل على صلة بن أشيم و قد أسبل إزاره ، هذا الرجل فهم أصحاب صلة أن يأخذوه بالشدة ، فقال : دعوني أنا أكفيكم ، فقال صلة بن أشيم للرجل " يا ابن أخي إن لي إليك حاجة ،أنا محتاج إليك .. أريد منك حاجة ، قال :و ما حاجتك يا عمي ؟ قال : أحب أن ترفع من إزارك ، فقال : نعم و كرامة ، فرفع إزاره ، فقال صلى لأصحابه : لو قرعتموه لقال لا و لا كرامة و شتمكم .. فالنفوس مجبولة على محبة من يرفق بها و يحسن إليها ..
و من العلماء المعاصرين الذين اشتهروا باللين و الرفق و حسن الخلق، علامة أصيل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي - رحمه الله تعالى- و جعل الجنة مأواه ومثواه ، و نفعنا بعلومه ، هذا الرجل كان من خلقه شيء عجيب يعرفه من عاصره و عايشه ، و كان من رفقه أنه يتحاشى وضع العاصي في الموقع المحرج ، كان له إنسان أو صديق بينه و بينه معرفة و هذا الإنسان كان مدخنا ، لكنه لا يدخن بحضرة الشيخ طبعًا ، بل إنه يتحاشى جدًا أن يطلع الشيخ منه على مثل هذا الأمر ، و كان هناك طريق ضيق .. سكة ضيقة، دخل الشيخ مرة فيها يمر عابرا و هذا الآخر قد أتى من الناحية الأخرى و كل منهما لا يدري أن الآخر قد سلك في هذه السكة الضيقة التي لا مجال فيها للف و لا الدوران، و كان هذا الرجل يدخن.. الدخان في يده .. ويقترب كل واحد منهما من الآخر ، حتى ما صار بينهما إلا متر ففوجئ الرجل بالشيخ و فوجئ الشيخ بالرجل ، فوجئ الرجل بالشيخ و الدخان في فيه ، يقول : إنني ألقيت السلام و أغلقت فمي ، و الدخان يخرج من أنفي ، و أنا في غاية الدهشة و الاضطراب من الشيخ ، فماذا فعل ؟ يقول : ما نظر إلي أبدا ، رد السلام و مشى و لا كأنه يعرفني ، ولا كأنه يعرفه ، و بعد ذلك تكلم الشيخ في مناسبة أخرى الداعية لا يترك المنكر لكن إذا استطاع أن يوصل النصيحة إلى المدعو بدون إحراج المدعو فهذا أمر مطلوب.
و اشتكى إلى الشيخ.. الناس اشتكوا إليه عن رجل.. شكوا له رجلا يتعدى على الحريم بالليل، ويقول بعض الألفاظ المشينة وهو لا يظل في الصلاة إلا قليلا، فلقيه الشيخ مرة.. لقي هذا العاصي في الطريق ، فقال له الشيخ " العزومة إما عندي أو عندك "، إما آتيك أو تأتيني ، الآخر هذا قال عندي ، فقال الشيخ : نحتكم أو يكون بيننا الحكم أن الأقرب إلى بيته ..البيت الأقرب هو الذي تكون فيه الدعوة ، فحسبوها فوجدوا بيت الشيخ أقرب ، فجاءه فأكرمه الشيخ في منزله، و ألان له الكلام و أحسن ضيافته ، ثم قال له : أنت يا فلان من عائلة كبيرة و محترمة و معروفة و لكن شاعت عنك إشاعة و أرجو أنها كلها ليست بصحيحة ، و صار من أمرك أنك لو ما فعلت خطأ و حصل شيء في البلد قالوا فلان هو الذي فعل ، ولو أنك ما فعلته ، اتهمك الناس على سمعتك فقام الرجل و اعتذر ، و قال : ما تركت المسجد بعدها و تركت الخروج بالليل ، و صار يتحاشى و يستحي و يحذر أن يبلغ الشيخ عنه أي خبر سيء ، و نصح مرة تاركا لصلاة الفجر في الجماعة على انفراد فما تركها بعد ذلك ، و كان من حسن خلقه و حسن تعليمه أنه سمع مرة صاحب حمار يجر عربة ، رجل عنده عربة يجرها حمار ، وقف الحمار في الطريق و استعصى على صاحبه و الحمار حمار ، ورفض أن يواصل الطريق و صاحبه يضربه و ينهره من دون فائدة ، ثم صرخ الرجل قال ما فيه واحد من أولاد الحرام يمشي لي هذا الحمار ؟ و كان الشيخ مارا فسمعه يقول هذه الكلمة ، فقال الشيخ : لا على هون بل فيه من أولاد الحلال من يمشيه إن شاء الله ، ثم قبض الشيخ بيده على ركبة الحمار و جذبه إلى الأمام فمشى الحمار ، فاندهش الرجل : قال سبحان الله يا شيخ حتى الحمير يستجيبون لك ؟
و بعض هؤلاء المشايخ أيها الإخوة و القضاة الحقيقة الذين مروا في هذه الجزيرة، لم يكتب تاريخهم و ليس لهم مصنفات، و لا أشرطة طبعا و محاضرات، و كانوا على خلق عظيم جدا وعلم وافر..لكن ما سارت بأخبارهم الركبان، إنما الذي يجلس مع بعض كبار السن و بعض تلاميذ بعض العلماء يسمع عجبا من أخبار ينقل مثلها في كتب عن أخلاق السلف..
على أية حال الرفق بالناس و حسن الخلق دائما يكون من مفاتيح القلوب المستغلقة ، يقول الأستاذ سيد –رحمه الله - : " عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون..( يتكلم عن بعض خبرته في الدعوة) قد لا تراه العيون أول وهلة، شيء من العطف على أخطائهم و حماقاتهم.. شيء
شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية باهتماماتهم و همومهم، ثم ينكشف لك النبع الخيّر في نفوسهم حين يمنحونك حبهم و مودتهم و ثقتهم في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق و صفاء و إخلاص.. هذه الثمرة الحلوة إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته بالعطف الحقيقي على آلامهم و على أخطائهم و على حماقاتهم كذلك ، و شيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك أكثر مما يتوقع كثيرون ، و صحيح أن اللين و الرفق مهم لكن هذا لا يعني أنك تتنازل عن أشياء من الدين و تسكت إذا انتهكت حرمات الله ،و لا تنبس ببنت شفة إذا استهزئ بشيء من دين الله .. لا .. كلا
فإذن اللين و الرفق في البداية لكن إذا حصل أن الشخص تمادى و صار يقع في دين الله و يستهزئ بحرمات الله .. ينتهك حرمات الله أو يستهزئ بشرع الله .. فهل يبقى الإنسان رفيقا و لينا على طول الخط؟ لا .. و لذلك قال الله عز وجل ( يؤخذ الموقف الآخر من الآية الأخرى) " فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ * قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ "طه 60 : 61فالشدة في الموعظة مهمة أيضًا .. ليست قضية اللين و الرفق فقط ، " فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ * قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ "طه 60 : 61لما قال فرعون " إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا "الإسراء: ١٠١ قال موسى " وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا "الإسراء: ١٠٢.
و من الأخلاق التي تكون سببًا في نجاح الداعية إلى الله عز وجل من عوامل نجاح الداعية، الأخلاق التي لها أثر في نجاح الداعية الكرم.. الكرم أن تعطي أن تهب أن تهدي تغدق على المدعو، تضيّفه تكرمه..تعينه تبذل له، الكرم..الكرم من مفاتيح القلوب المستغلقة ، جاء في صحيح مسلم عن أنس " ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه . قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين . فرجع إلى قومه ، فقال : يا قوم أسلموا . فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة " يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، و روى مسلم رحمه الله أيضًا في صحيحه " غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح ، فتح مكة . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين . فاقتتلوا بحنين . فنصر الله دينه و المسلمين . وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم . ثم مائة . ثم مائة . قال ابن شهاب : حدثني سعيد بن المسيب ؛ أن صفوان قال : والله ! لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني ، وإنه لأبغض الناس إلي . فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي "كان يعطي مئة .. مئة من الإبل ، كم تساوي مئة من الإبل ؟ .. مئة
و في المقابل .. مقابل الكرم على الداعية أن يكون على خلق عظيم جدا و مؤثر للغاية وهو خلق التعفف و الزهد بما في أيدي الناس، التعفف و التجرد عن المطامع، إن من توجه إليه الدعوة...هذا الكلام..هذا الخلق مهم بالنسبة للدعاة الذين يقولون إننا نريد أن ندعو علية القوم و الأغنياء و الوجهاء، يقولون يعني هذا لو أسلم الواحد منهم أو استقام الواحد منهم ينتفع الدين، ينتفع المسلمون انتفاعا كثيرا.. نقول إن الذي يحتك بهذه الطبقة من الناس التجار و الوجهاء ويريد أن يدعوهم إن عليه أن يهتم بهذا الخلق غاية الاهتمام ، وهو خلق التعفف و الزهد ، لأن من توجه إليه الدعوة إذا رأى أن الداعية ينافسه فيما آتاه الله إياه فإنه سيشك في إخلاصه ، فلا بد أن يوضح الداعية أنه ليس طالب جاه و لا منصب ولا رائد ثروة و لا مال .
هو الذي ضربه قومه فأدموه ، فإذن الداعية لا ينجح إلا بالصبر ، إنه سيواجه صدودًا و إعراضًا ، هذا لا يفتح له الباب و هذا لا يجيب بالهاتف ، و هذا يغيّر الموضوع إذا أراد الموعظة ، إذا أراد أن يعظه قلب الموضوع و غيّره ، وهذا يتهرب .. و المدعو شخص غير ملتزم بالدين في الغالب ، فلذلك هو يكذب و يخلف المواعيد ، و الداعية ينتظر حتى يذهب و لن يأتي صاحبه ، ويعاود المجيء بدون فائدة ، و قد يجد ألفاظا غير مقبولة .. الداعية سيواجه من المدعو بطئا في الاستجابة و جدلا عقيمًا ، و الله يقول " وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا "المزمل: ١٠ و لا شك أن التحلي بالصبر في هذه المواقف من أعظم الأشياء التي تسبب النجاح للداعية ، أما الذي يجرّب الدعوة فيكلم شخصًا فمن أول ما يجابه بكلمة أذى يترك ، هذا لا يكون له النجاح ، النجاح لا يكون إلا بعد المواظبة و المصابرة على هذه النفوس الملتوية ..
و من الأخلاق العظيمة التي تكون سببا مباشرا في نجاح الداعية إلى الله عز وجل : الصدق ، قال الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "التوبة: ١١٩ ، " وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا "الإسراء: ٨٠ فالداعية الصادق مع الله ، الصادق مع الناس الذي عهد عنه صدق الحديث يُرى أثر صدقه في وجهه ، و النبي - صلى الله عليه و سلم- لما كان بعض الناس يسمع كلامه و هو يدعوهم وهم لم يروه قبل ذلك ، و إنما أتوا مكة فرأوه لأول مرة كانوا يشهدون أن وجهه ليس بوجه كذاب ، ذلك لظهور أثر الصدق على وجهه – صلى الله عليه و سلم - و في كلامه ، فكلام الإنسان الصادق يؤثر أثرًا بالغًا ، و لذلك فلا بد من الحذر الشديد من الوقوع في الكذب ، فإن الكذب من الأشياء التي تُفقد المدعو الثقة في الداعية ، و كذلك الحذر من استخدام التورية فإن الداعية قد يفهم التّورية أما المدعو فلا يفهمها إلا على أنها كذب ، ولو أن الداعية كذب مرة واحدة فقط مع أحد المدعوين سيكون ذلك سببا كافيًا في انفضاض هذا المدعو عنه ...
أذكر قصة عبَّر فيها أحد هؤلاء المدعوين عن ألمه مما حصل له من شخص تأثر به ، والتزم بسببه ، فصار يتصل به من وقت لآخر ، فاتصل به ذات يوم بالهاتف فكانت زوجته التي ردت فقال: فلان موجود ؟
فقالت : من يريده ؟ قال : فلان .. قولي له فلان، فقالت : لحظة .. و نسيت أن تضغط على الزر الذي يغلق الصوت، و نادت زوجها تقول: فلان يريدك، فقال لها : قولي له نائم، فارتجَّت الدنيا في وجه هذا الشخص .
عندما يضع الإنسان ثقته في داعية ثم يفاجأ بتصرف من مثل هذه التصرفات فلا شك أن اهتزاز كل القيم التي تلقّاها منه ليس فقط موضوع الصدق .. كل المفهومات و التصورات التي أخذها عنه .. كلها تهتز في نظره ، و إذا لم يكن لهذا المدعو عصمة من الله و رحمة من الله فقد ينتكس ، و لذلك نحن عندما نتكلم الآن عن بعض الأخطاء من قبَل بعض الدعاة فإننا نقول للمدعوين أيضًا : إن أخطاء الدعاة إلى الله عز وجل معكم ليست عذرًا لكم مطلقًا في ترك اتباع الحق ، إذا أخطأ داعية عليك أو جهل أو أساء خلقه معك فإنك لست معذورًا أبدًا .. لست بمعذور مطلقًا في تركك للحق و اتباعك للطريق السوي ، و لذلك فإن بعض الحوادث التي تنبئ عن ترك بعض الأشخاص للالتزام بالدين نتيجة تصرف خاطئ من داعية تنبئ أول ما تنبئ عن انحراف في عقلية المدعو لأنه يربط الدين بالشخص ، فإذا استقام له الشخص استقام هو على الدين ، و إذا رأى شيئًا من التغير أو سوءا في المعاملة ترك الالتزام بالدين ، هذه قلة عقل .. هذا عبارة عن إنسان ضعيف الشخصية ضحل التفكير ، لا يفرّق بين الأشخاص و بين المنهج ، لو كان إنسانا عاقلا لقال : لي صوابه و أترك خطأه ، آخذ مما قاله لي بشكل صحيح و أترك ما أخطأ فيه ، لكن كثيرًا من الناس لا يعملون بذلك ، فيقول بعضهم : أنا ما علي من عقيدة فلان و صلاة فلان ، هذه له أنا علي من تعامله . الدين المعاملة ، و لذلك من اضطراب الموازين عندهم أنهم يعطون الأولوية ليس لعقيدة الشخص و لا لدينه و إنما يعطون الأولوية لأخلاقه و تعامله ، فإذا صار أخلاق فلان من الناس عندهم عالية و تعامله رفيع أحبوه و أقبلوا عليه ولو كان فاجرًا فاسقًا كافرًا مشركًا ، لأن الناس عندهم أن التعامل هو أهم شيء ، يقولون : مالنا و لصلاته ، مالنا ولدينه ، مالنا و لعلمه ، مالنا و لعبادته .. هذه له ، نحن لنا تعامله و أخلاقه ، هذه التي نحن نستفيد منها ، فالناس مع الأسف .. مع الأسف أقول أيها الإخوة .. هذه النقطة في غاية الأهمية .. الناس لا يهتمون بأخذ العلم و الدين .. الأحكام مثلا الشرعية مثلما يهتمون بقضية التعامل و الأخلاق ، و لذلك يحبون بعض الكفار أكثر من بعض المسلمين ، يقولون : هذا الكافر رأينا منه صدق الوعد و الحديث و الكرم ، لا يؤذينا و لا يأكل حقنا ويعطينا الراتب كاملا ، و المستحقات المالية .. فهذا أحب إلينا من المسلم الذي يغلظ علينا بالقول وربما ظلمنا ويخلف المواعيد معنا لو كانت المقارنة فقط في الأخلاق قالوا : خلق هذا أحسن من خلق هذا لكان فيه شيء من الصواب ، لكنهم يقولون فلان أحسن من فلان ، مع أن هذا مشرك و هذا مسلم ، هذا كافر وهذا موحد ، لكن عندهم أن التعامل هو الأساس و هو كل شيء ، فلا بد من تصحيح هذا المفهوم الخطير و الخاطئ الآثم الموجود في النفوس .
و لا يحملنّك يا أخي غلظة داعية أو شدّته في القول أو سوء أسلوبه أن ترفض الحق الذي يقدمه لك ، لأننا نهتم بالمضمون أكثر من الأسلوب، هذا ما ينبغي أن نكون عليه نحن ..نهتم بالمضمون أكثر من الأسلوب و إلا فلنتبع دين النصارى لأن بعض المبشرين كرماء يعطون الدواء مجانًا ورعاية الحامل مجانًا ، و التطبيب مجانًا و الغذاء المتكامل و الإسعافات الأولية مجانًا ، و يبنون لنا مساكن مجانًا في بعض البلدان ، إذا كانت المسألة مسألة تعامل فلنتبع إذن الضال و المشرك و المنحرف لأن تعامله راق و أخلاقه حسنة ، و هذا الكلام قلّ من يفهمه في هذا الزمان ، بسبب أن الناس يهتمون بالشكليات أكثر من المضمون ، نحن لا نسقط الشكليات من الاعتبار و لا نقول إن التعامل و الأخلاق ليست مهمة ، بل إن كل الموضوع هذا الذي نطرحه في هذه الليلة هو تأكيد على قضية الأخلاق و أهمية الأخلاق في نجاح الداعية لكن الكلام الآن موجه إلى المدعو : نقول له : كون فلان أخطأ معك و حصل لك شيء قال تستاهل أحسن ، و هذا خطأ في الأسلوب و التعامل لا شك ، لكن هذا لا يدفعك إلى كرهه و بغضه و إلقاء كل ما يقول له لك من العلم خلف ظهرك لأنه أساء إليك بكلمة ، أو أخلف معك موعد أو ظلمك في حق لم يعطه لك ، لا بد نتحمل الأذية في سبيل أن نأخذ العلم و الدين ، وقلما نجد من الناس ..الكمة القليلون جدًا .. لابد كل شخص و تجد عليه مآخذ ، فإذا كنا سنترك ما عند فلان من الخير و ما عند فلان من العلم و ما عند فلان من النصيحة من أجل شيء من الغلظة أو شيء من الجفاء ، أو شيء من الشدة في الأسلوب فإننا في هذه الحالة سنخسر كثيرًا جدًا ..
نعود إلى موضوعنا ونقول أيها الإخوة إن الصدق.. صدق الداعية مع الله قبل أن يكون مع المدعو هذا من أهم عوامل النجاح ، لا يكفي أن تكون صادقًا في حديثك معه ، و أن تكون منضبطا في المواعيد ، و إذا وعدته بشيء لم تخلف وعدك و أديت ما وعدته به إليه، نقول : إن هذا ليس بكاف فإن الصدق مع الله هو الأساس، لأن بعض التصنعات لا تنطلي على بعض الناس فيرفضون الشخص و إن كان في الظاهر ذا تعامل مستقيم ، بسبب أن النفس لا ترتاح و تثق بمن علاقته بالله مهزوزة .
و ننتقل إلى الخلق الثالث من الأخلاق المهمة جدًا في الدعوة إلى الله عز وجل وهو خلق الرحمةو الشفقة ، " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ "التوبة: ١٢٨ فانظروا -رحمكم الله- إلى هذا الخلق.. خلق الرحمة في نبينا محمد- صلى الله عليه و سلم - " عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ "التوبة: ١٢٨كم مرة صعد إلى ربه ينزل و يصعد إلى الله و ينزل مرة أخرى من أجل أن يطلب التخفيف على الأمة في عدد الصلوات ؟ حتى صارت خمسا بدلا من خمسين .
أقرأه جبريل القرآن بحرف فاستزاده - عليه الصلاة و السلام – إلى أن صارت سبعة أحرف من أجل ألا تشق القراءة على الأمة ، سبعة أحرف ..وكم مرة يدعو الله عز وجل لأمته و قد اختبأ دعوة لأجل أمته يوم القيامة ، عندما يكون الناس في أشد الحاجة .. حاجتهم ماسة يتمنون أن ينفكوا من أرض المحشر ، يتمنون أن ينفكوا من هذا الموقف العصيب ولو إلى النار ، فتدركهم شفاعة النبي - صلى الله عليه و سلم - التي يأذن له بها ربه فيبدأ الحساب .. هذا النبي الكريم كل شيء يشق علينا فهو شاق عليه ، و لذلك جاءت شريعته بالرحمة و التخفيف في عدد من الأشياء .. التيمم هذا لم يكن معروفًا في الأمم السابقة ، وهو موجود في شرعنا ، أدركتنا رحمة الله في تقسيم الغنائم فصارت حلالا لنا " فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا "الأنفال: ٦٩ و كانت محرمة على من قبلنا تنزل نار من السماء لتأكلها ، و المسح على الخفين و أي مكان أدركتك الصلاة فيه تصلي " جعلت لي الأرض مسجدًا و طهورًا "حديث صحيح، و هذا من خصائص هذه الأمة أيضًا ، إلى آخر الرخص التي جاءت في هذه الشريعة ..
الرحمة من أخلاق الداعية المهمة كانت مع كل نبي لأن كل نبي كان داعية في قومه، كان الأنبياء يقولون لأقوامهم.. يقول الواحد منهم " إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ "الأعراف: ٥٩ يخاف عليهم العذاب العظيم خوفه عليهم نتيجة رحمته بهم ، نتيجة الرحمة الموجودة في نفس النبي و الشفقة الموجودة في نفس الرسول هي التي تجعله يخشى على قومه عذاب يوم عظيم ، فينطلق في دعوته ولو ضربوه ولو أدموه ، لكنه مستمر في الدعوة .. إنها الرحمة التي كانت في قلب النبي - صلى الله عليه و سلم - وهو يدعو قومه إلى الله ، لما طردوه ، آذوه فلم يستفق إلا و هو في قرن الثعالب" فانطلقت وأنا مهموم على وجهي "صحيح مسلم، النبي عليه الصلاة و السلام ما كان يدري أين يتوجه ..انطلق مهمومًا على وجهه من شدة ما لقي من الأذى ..لم يستفق و يرجع إلى نفسه ويعرف أين هو إلا وقد صار في قرن الثعالب ، موضع بعيد و أرسل الله إليه ملك الجبال يأتمر بأمر النبي -صلى الله عليه و سلم - ماذا يريد ؟ لو أراد أن يطبق على أهل مكة الجبلين لأطبقهما على أهل مكة وارتاح النبي عليه الصلاة و السلام(من هذه العصبة الكافرة الفاجرة المعاندة التي تعذبه و تسومه و أصحابه أشد العذاب ، لكن هل كان النبي - عليه الصلاة و السلام - يريد أن يرتاح فقط؟ كان يريد الخير لهؤلاء المشركين و الرحمة ، " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده "صحيح مسلم، كان من الممكن أن يكتفي بمن معه من هؤلاء الذين استجابوا .. القلة المؤمنة ويطبق الجبلين و يأمر ملك الجبال بإطباق الجبلين على أهل مكة، لكن رحمته بقومه أبت ذلك و شفقته عليهم رفضت هذا العرض الذي عرضه عليه ملك الجبال
إن الرحمة في قلب الداعية تدفعه إلى الحرص على المدعو أن يبقى ضالا أو يموت على الفجور أو المعصية أو يترك على بدعة ، أو يهلك على الكفر" يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ " مريم: ٤٤ " يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ " مريم: ٤٥ شفقة الداعية إبراهيم على أبيه المدعو " إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ " مريم: ٤٥ الداعية يحب للآخرين ما يحب لنفسه فهو إذا كان على هدى ، إذا كان على عبادة فهو يريد من المجتمع و من الناس الآخرين أن يكونوا على هذه العبادة بل و على أحسن منها ، فالرحمة تهون على الداعي ما يصيبه من أذى الناس أيضًا ، فإنه إذا أصيب بالأذى ربما يترك الدعوة ، لكن هو الراحم بالعباد و بالخلق الذين يدعوهم إلى الله يتحمل أذاهم و لسان حاله يقول " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " صحيح البخاري، و كذلك الرحمة في قلب الداعية تمنعه من احتقار العصاة ، فيبادلونه الاحتقار أو يرفضون كلامه ، فهو يكلمهم بلسان الرحيم بهم المشفق عليهم و هذا من أسباب الاستجابة ..
و كذلك فإن من الأخلاق العظيمة التي يحتاج إليها الداعية التواضع.. من أسباب النجاح في الدعوة أن يكون الداعية إلى الله سبحانه و تعالى متواضعًا ، التواضع لله أولا قبل أن يكون للخلق ، التواضع لله سبحانه و تعالى و الذل له عز وجل ، إنه معنى رفيع من معاني العبودية و النبي - صلى الله عليه و سلم - إمام المتواضعين حج على رحل رثٍّ وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم ، و كان يقول في حجته " اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة " حديث صحيح، و كان أصحابه لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك ، وقال – صلى الله عليه و سلم " لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت عليه لأجبت " حديث صحيح، هذا العظم الذي ليس عليه إلا شيء قليل من اللحم يجيب الدعوة إليه ، و كان - عليه الصلاة و السلام - يفلي ثوبه و يحلب شاته و يخدم نفسه ، و كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم و يأكل بأصابعه " آكل كما يأكل العبد، و أجلس كما يجلس العبد " حديث صحيح ، و كان يبدأ بالسلام ويعود المريض ،و كانت الأمة تأخذ به - صلى الله عليه و سلم - فتنطلق به حيثما شاءت ، و هكذا كان أصحابه الدعاة إلى الله عز وجل ، قال عمر : رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - و على عاتقه قربة ماء وولي أبو هريرة إمارة فكان يحمل حزمة من الحطب على ظهره و يقول "طرِّقوا للأمير " ، و مر الحسن على صبيان معهم كِسَرُ خبز فاستضافوه فنزل فأكل معهم ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم و كساهم وقال ( اليد لهم ) يعني هم أصحاب الفضل هم بدؤوني (إنهم لا يجدون شيئا غير ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه ) ، و قال رجاء بن حيوة ( قومت ثياب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وهو يخطب على المنبر باثني عشر درهما.. ) فالتواضع الذي يلمسه المدعو من الداعية يكسبه حبًا له وقبولا لكلامه ، و هذا التواضع ضروري لأن من طبيعة الناس أنهم لا يقبلون قول من يستطيل عليهم ويحتقرهم و يستصغرهم و يتكبر عليهم و لو كان ما يقوله حقًا وصدقًا ، فهم يغلقون قلوبهم دون كلامه ووعظه و إرشاده ، ومن طبائع الناس أنهم لا يحبون من يكثر الحديث عن نفسه ، و يكثر الثناء عليها ، و يكثر من قولة أنا أنا... فعلى الداعية أن يحذر من هذا أشد الحذر، و كذلك فإن من طبع الناس النفور من كل من يتقعر في كلامه، و يتفاصح و يتكلف و يتنطع و النبي - عليه الصلاة و السلام – قال " هلك المتنطعون " صحيح الجامع،و قال " إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي تتخلل بلسانه كما تخلل البقرة" صحيح الترميذي، كيف أن البقرة تخرج لسانها و تلويه و تخفيه و تظهره و تعيده ، و تبديه .. هكذا يفعل بعض الناس مما يكون عيبًا كبيرًا أن يوجد عند داعية، و يكوّن سدًا منيعا يحول دون تأثر المدعوين به، " إن أبغضكم إلي و أبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون .. " حديث حسن،الفكرة السهلة المقبولة ..الفكرة سهلة العرض مقبولة في عقول المدعوين ، و كثير من الناس يكون عندهم بلاغة و أسلوب لكن لا يتأثر بهم القوم، و بعض الناس ضعفاء و يتكلمون باللهجة العامية مع الأشخاص يستجيب لهم الناس بسرعة ، هذا يتكلف و هذا لا يتكلف .. و ليست المسألة دعوة للعامية و ترك الفصحى.. لا .. القضية ترك التكلف و الاصطناع ، و أن يكون الداعية متواضعًا حتى في أسلوبه الذي يدعو به، لماذا يكون بعض الدعاة من حملة الشهادات العليا، خطباء مفوهون و لكن الناس من حولهم منفضون ؟ و آخرون ليس عندهم شهادات و لا عندهم تلك الفصاحة التي عند أولئك و مع ذلك مقبولون محبوبون بين الناس .. المسألة مسألة تواضع .
و من الصفات أو الأخلاق المهمة أيضا التي يحتاج إليها الداعية الحلم " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ "فصلت: ٣٤ هذه الطريقة علمنا الله إياها للتخلص من العداوات أي واحد بينك و بينه عداوة و جفاء افعل معه ما قال الله تزول تلك العداوة، " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "فصلت: ٣٤ قابل إساءته بإحسانك ..ترك السلام سلِّم ، ضيق عليك في المجلس وسع له إذا جلس ، منعك حقك أعطه حقه ، أغلظ لك في الكلام ألن له في الكلام ، سبّك أثن عليه، " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "فصلت: ٣٤ سيئة .. ادفع السيئة بالحسنة فإذا فعلت ذلك صار " الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ "فصلت: ٣٤ أخلص الناس لك و أقرب الناس إليك ، يحبك أكثر من الآخرين ، ولي حميم .. صار ولي ناصر و يعضدك و يقوم معك في الشدائد ولي .. صار وليا لك ، حميم .. قربة شديدة بينك و بينه ، و قد كان النبي - صلى الله عليه و سلم-بحلمه يأسر القلوب و يرغم أنوف أناس تعمدوا الإغلاظ له ، حتى يصيروا مطواعين ينزلون عند دعوته ، و قد حفلت السيرة النبوية بأمثلة كثيرة فمن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك( ما فيه يا رسول الله و لا يا نبي .. محمد حاف ) فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ، ثم أمر له بعطاء " صحيح البخاري. لا بد هذه ضحك قبل أن يعطيه أيضًا، أعطاه.. الضحك و أعطاه المال، أعطاه .. أظهر له رضاه عنه بضحكه و أنه ما أخذ في نفسه، و لا وجد في نفسه عليه، حتى العبوس مع أنه أقل ما يمكن أن يفعله بعضنا في مثل هذه الحالة هذا إذا لم يرد له الصاع صاعين، حتى العبوس.. لم.. بل إنه على العكس من ذلك ابتسم له بل ضحك في وجهه، ثم أمر له بعطاء – صلى الله عليه و سلم .
و كذلك جاءه زيد بن سعلة ،كان يهوديًا، إليه صلى الله عليه و سلم يطلبه دينًا، يطلب دينًا له عليه فأخذ بمجامع قميصه .. يهودي جاء إلى مجلس النبي -عليه الصلاة و السلام - و أخذ بمجامع قميصه و ردائه و جذبه و أغلظ له القول ،و نظر إلى النبي صلى الله عليه و سلم بوجه غليظ ،و قال : يا محمد ألا تقضي لي حقي ؟ إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل ( تماطلون ) .. ظلمه و شدد له في القول ، فنظر إليه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – و عيناه تدوران في رأسه كالفلك المستدير .. عمر يرى هذا المنظر ؟ قال:" يا عدو الله أتقول لرسول الله – صلى الله عليه و سلم - ما أسمع و تفعل ما أرى؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه .. لو لا ما أحاذر من لوم النبي -عليه الصلاة و السلام- لضربت بسيفي رأسك " و رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ينظر إلى عمر في سكون و تؤدة و تبسم ، ثم قال : " أنا و هو يا عمر كنا أحوج إلى غير هذا منك ، يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء و تأمره بحسن التقاضي ، اذهب به يا عمر فاقضه حقه ، و زده عشرين صاعا من تمر "، فكان هذا الموقف سببًا في إسلام هذا الرجل ، ساق ابن حجر –رحمه الله – القصة في الإصابة ، و قال عن إسناد رجاله متقون و الوليد قد صرح بالتحديث، و قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات .
النبي –صلى الله عليه و سلم - كان من علاماته أنه لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا ، و الداعية معرض للأذى من المدعو ، لا شك في ذلك فإذا كان حليما فبادل المدعو بغلظته حلمًا عليه ، كان ذلك سببا في أسر قلب المدعو و دخول الدعوة.. إتيان الدعوة ثمارها مع هذا الرجل.
خرج زين العابدين بن علي بن الحسين – رضي الله عنهم – إلى المسجد فسبّه رجل في الطريق ، فقصده غلمان زين العابدين ليضربوه و يؤدبوه ، فنهاهم و قال لهم " كفوا أيديكم عنه " ثم التفت إلى ذلك الرجل و قال " يا هذا أنا أكثر مما تقول ، و ما لا تعرفه عني أكثر مما عرفته ، فإن كان لك حاجة في ذكره ( يعني ذكر معايـبـي) ذكرته لك ، فخجل الرجل و استحيا ، فخلع زين العابدين قميصه و أمر له بألف درهم ، فانصرف الرجل و هو يقول " أشهد أن هذا ولد رسول الله – صلى الله عليه و سلم – " ومما يتبع هذا الخلق خلق آخر وهو اللين و الرفق" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ "آل عمران: ١٥٩ .
فاللين في التعليم مجد جدًا و في الإنكار مفيد للغاية و يؤتي ثماره و أكله ، و هكذا فعل النبي –صلى الله عليه و سلم – مع الأعرابي الذي بال في المسجد ، فإنه كان معه في غاية اللين و الرفق ، و هكذا فعل مع الصحابي الآخر الذي تكلم في الصلاة ، و شمت العاطس .. فاللين و الرفق من خلقه - عليه الصلاة و السلام - ، و هو من الأخلاق العالية التي تنجح الداعية في مسعاه ، و هذا مثال في الدعوة : مر رجل على صلة بن أشيم و قد أسبل إزاره ، هذا الرجل فهم أصحاب صلة أن يأخذوه بالشدة ، فقال : دعوني أنا أكفيكم ، فقال صلة بن أشيم للرجل " يا ابن أخي إن لي إليك حاجة ،أنا محتاج إليك .. أريد منك حاجة ، قال :و ما حاجتك يا عمي ؟ قال : أحب أن ترفع من إزارك ، فقال : نعم و كرامة ، فرفع إزاره ، فقال صلى لأصحابه : لو قرعتموه لقال لا و لا كرامة و شتمكم .. فالنفوس مجبولة على محبة من يرفق بها و يحسن إليها ..
و من العلماء المعاصرين الذين اشتهروا باللين و الرفق و حسن الخلق، علامة أصيل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي - رحمه الله تعالى- و جعل الجنة مأواه ومثواه ، و نفعنا بعلومه ، هذا الرجل كان من خلقه شيء عجيب يعرفه من عاصره و عايشه ، و كان من رفقه أنه يتحاشى وضع العاصي في الموقع المحرج ، كان له إنسان أو صديق بينه و بينه معرفة و هذا الإنسان كان مدخنا ، لكنه لا يدخن بحضرة الشيخ طبعًا ، بل إنه يتحاشى جدًا أن يطلع الشيخ منه على مثل هذا الأمر ، و كان هناك طريق ضيق .. سكة ضيقة، دخل الشيخ مرة فيها يمر عابرا و هذا الآخر قد أتى من الناحية الأخرى و كل منهما لا يدري أن الآخر قد سلك في هذه السكة الضيقة التي لا مجال فيها للف و لا الدوران، و كان هذا الرجل يدخن.. الدخان في يده .. ويقترب كل واحد منهما من الآخر ، حتى ما صار بينهما إلا متر ففوجئ الرجل بالشيخ و فوجئ الشيخ بالرجل ، فوجئ الرجل بالشيخ و الدخان في فيه ، يقول : إنني ألقيت السلام و أغلقت فمي ، و الدخان يخرج من أنفي ، و أنا في غاية الدهشة و الاضطراب من الشيخ ، فماذا فعل ؟ يقول : ما نظر إلي أبدا ، رد السلام و مشى و لا كأنه يعرفني ، ولا كأنه يعرفه ، و بعد ذلك تكلم الشيخ في مناسبة أخرى الداعية لا يترك المنكر لكن إذا استطاع أن يوصل النصيحة إلى المدعو بدون إحراج المدعو فهذا أمر مطلوب.
و اشتكى إلى الشيخ.. الناس اشتكوا إليه عن رجل.. شكوا له رجلا يتعدى على الحريم بالليل، ويقول بعض الألفاظ المشينة وهو لا يظل في الصلاة إلا قليلا، فلقيه الشيخ مرة.. لقي هذا العاصي في الطريق ، فقال له الشيخ " العزومة إما عندي أو عندك "، إما آتيك أو تأتيني ، الآخر هذا قال عندي ، فقال الشيخ : نحتكم أو يكون بيننا الحكم أن الأقرب إلى بيته ..البيت الأقرب هو الذي تكون فيه الدعوة ، فحسبوها فوجدوا بيت الشيخ أقرب ، فجاءه فأكرمه الشيخ في منزله، و ألان له الكلام و أحسن ضيافته ، ثم قال له : أنت يا فلان من عائلة كبيرة و محترمة و معروفة و لكن شاعت عنك إشاعة و أرجو أنها كلها ليست بصحيحة ، و صار من أمرك أنك لو ما فعلت خطأ و حصل شيء في البلد قالوا فلان هو الذي فعل ، ولو أنك ما فعلته ، اتهمك الناس على سمعتك فقام الرجل و اعتذر ، و قال : ما تركت المسجد بعدها و تركت الخروج بالليل ، و صار يتحاشى و يستحي و يحذر أن يبلغ الشيخ عنه أي خبر سيء ، و نصح مرة تاركا لصلاة الفجر في الجماعة على انفراد فما تركها بعد ذلك ، و كان من حسن خلقه و حسن تعليمه أنه سمع مرة صاحب حمار يجر عربة ، رجل عنده عربة يجرها حمار ، وقف الحمار في الطريق و استعصى على صاحبه و الحمار حمار ، ورفض أن يواصل الطريق و صاحبه يضربه و ينهره من دون فائدة ، ثم صرخ الرجل قال ما فيه واحد من أولاد الحرام يمشي لي هذا الحمار ؟ و كان الشيخ مارا فسمعه يقول هذه الكلمة ، فقال الشيخ : لا على هون بل فيه من أولاد الحلال من يمشيه إن شاء الله ، ثم قبض الشيخ بيده على ركبة الحمار و جذبه إلى الأمام فمشى الحمار ، فاندهش الرجل : قال سبحان الله يا شيخ حتى الحمير يستجيبون لك ؟
و بعض هؤلاء المشايخ أيها الإخوة و القضاة الحقيقة الذين مروا في هذه الجزيرة، لم يكتب تاريخهم و ليس لهم مصنفات، و لا أشرطة طبعا و محاضرات، و كانوا على خلق عظيم جدا وعلم وافر..لكن ما سارت بأخبارهم الركبان، إنما الذي يجلس مع بعض كبار السن و بعض تلاميذ بعض العلماء يسمع عجبا من أخبار ينقل مثلها في كتب عن أخلاق السلف..
على أية حال الرفق بالناس و حسن الخلق دائما يكون من مفاتيح القلوب المستغلقة ، يقول الأستاذ سيد –رحمه الله - : " عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون..( يتكلم عن بعض خبرته في الدعوة) قد لا تراه العيون أول وهلة، شيء من العطف على أخطائهم و حماقاتهم.. شيء
شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية باهتماماتهم و همومهم، ثم ينكشف لك النبع الخيّر في نفوسهم حين يمنحونك حبهم و مودتهم و ثقتهم في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق و صفاء و إخلاص.. هذه الثمرة الحلوة إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته بالعطف الحقيقي على آلامهم و على أخطائهم و على حماقاتهم كذلك ، و شيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك أكثر مما يتوقع كثيرون ، و صحيح أن اللين و الرفق مهم لكن هذا لا يعني أنك تتنازل عن أشياء من الدين و تسكت إذا انتهكت حرمات الله ،و لا تنبس ببنت شفة إذا استهزئ بشيء من دين الله .. لا .. كلا
بعض الناس يحتجون باللين على طول الخط بقصة موسى مع فرعون ، وهم يأخذون جزءا من القصة و يتركون أشياء ، أليس في قوله تعالى :" اذهبا إلى فرعون إنه طغى ، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " دليلا على اللين و الرفق في الدعوة؟ أليس في هذه الآية دليلا على اللين و الرفق في الدعوة ؟ بلى .. فيها .. لكن هل كان موسى على طول الخط لينا و رفيقا مع فرعون؟ .. لا .. كان معه لينا في البداية لأنه يبدأ باللين لا يبدأ بالعنف.. لماذا العنف و يمكن البداية باللين؟
فإذن اللين و الرفق في البداية لكن إذا حصل أن الشخص تمادى و صار يقع في دين الله و يستهزئ بحرمات الله .. ينتهك حرمات الله أو يستهزئ بشرع الله .. فهل يبقى الإنسان رفيقا و لينا على طول الخط؟ لا .. و لذلك قال الله عز وجل ( يؤخذ الموقف الآخر من الآية الأخرى) " فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ * قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ "طه 60 : 61فالشدة في الموعظة مهمة أيضًا .. ليست قضية اللين و الرفق فقط ، " فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ * قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ "طه 60 : 61لما قال فرعون " إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا "الإسراء: ١٠١ قال موسى " وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا "الإسراء: ١٠٢.
و صحيح أن اللين و الرفق هو الذي يبدأ به وهو الغالب و إذا ما اضطررنا لغيره لا نستخدم إلا هو، لكن في بعض الحالات لا بد من الشدة على من يستحق الشدة ، النبي - عليه الصلاة و السلام -قال لقريش في بعض المواقف " جئتكم بالذبح.. " حديث حسن.
لما قال فرعون لموسى " قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ *قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ *(قبل أن يهديني الله )فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ( يا فرعون ) تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ "الشعراء ١٨ : 22 هذه نعمة هذه تمن بها علي أطعمت واحدًا من بني إسرائيل ، و جعلته عندك و آويته .. واحد فقط ثم ذبحت رجال قومك ، و سبيت نساء قومك هذه نعمة ؟ " وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ " الشعراء :22 أكرمت واحد و عبّدت القوم (قومه بأسرهم)، " وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ " الشعراء :22 ، " وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ "غافر ٢٦ : 27 على أية حال اللين و الرفق مهم يبدأ به و لا يعدل عنه إلا للحاجة.
و من الأخلاق التي تكون سببًا في نجاح الداعية إلى الله عز وجل من عوامل نجاح الداعية، الأخلاق التي لها أثر في نجاح الداعية الكرم.. الكرم أن تعطي أن تهب أن تهدي تغدق على المدعو، تضيّفه تكرمه..تعينه تبذل له، الكرم..الكرم من مفاتيح القلوب المستغلقة ، جاء في صحيح مسلم عن أنس " ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه . قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين . فرجع إلى قومه ، فقال : يا قوم أسلموا . فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة " يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، و روى مسلم رحمه الله أيضًا في صحيحه " غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح ، فتح مكة . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين . فاقتتلوا بحنين . فنصر الله دينه و المسلمين . وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم . ثم مائة . ثم مائة . قال ابن شهاب : حدثني سعيد بن المسيب ؛ أن صفوان قال : والله ! لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني ، وإنه لأبغض الناس إلي . فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي "كان يعطي مئة .. مئة من الإبل ، كم تساوي مئة من الإبل ؟ .. مئة
و كان يقول – عليه الصلاة و السلام " يا سعد إني لأعطي الرجل ، وغيره أحب إلي منه ، خشية أن يكبه الله في النار " صحيح البخاري، يعطيهم ليتألف قلوبهم ، حتى لا يدخلوا النار ، يعطيهم يستنقذهم بكرمه –صلى الله عليه و سلم – بكرمه و يترك أصحابه الفقراء محتاجين من أجل هؤلاء الناس ألا يكبهم الله في النار .
" إني أعطي الرجل وأدع الرجل ، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ، أعطي أقواما لما في قلوبهم من الجزع والهلع ، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير "صحيح البخاري
و الهدية أخبر النبي - عليه الصلاة و السلام - أنها من أسباب المحبة فما أحسن أن يفتتح الداعية علاقته بمدعو بهدية يتألف بها قلبه ، و يتحبب بها إليه ..
إذا أردت قضاء الحاج من أحد ** قدم لنجواك ما أحببت من سبب
إن الهدايا لها حظ إذا وردت ** أحظى من الابن عند الوالد الحبب
و لكن ليس معنى هذا أن يسرف الداعية، فبعض الدعاة يقول نريد أن نكرم..يريد أن يكرم مدعوا، فيسرف في الطعام وربما رمي الطعام ، أو هؤلاء الذين يأخذون بعض المدعوين إلى مطاعم الخمس نجوم ، و أماكن الاختلاط .. هذا ما هو كرم هذه معصية ، فنقول : ما يمكن أن تأخذه إلى أماكن فسق و تقول أنا أكرمه ، الإكرام حسب الشريعة .. الإكرام بما وافق الشرع ، يمكن لو تغدق عليه المئات و الألوف تكون محسنا، و لكن أن تضعه في موقف معصية أو تجلبه إلى مكان معصية أو أنك تسرف فإن الله " لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "الأعراف: ٣١
و في المقابل .. مقابل الكرم على الداعية أن يكون على خلق عظيم جدا و مؤثر للغاية وهو خلق التعفف و الزهد بما في أيدي الناس، التعفف و التجرد عن المطامع، إن من توجه إليه الدعوة...هذا الكلام..هذا الخلق مهم بالنسبة للدعاة الذين يقولون إننا نريد أن ندعو علية القوم و الأغنياء و الوجهاء، يقولون يعني هذا لو أسلم الواحد منهم أو استقام الواحد منهم ينتفع الدين، ينتفع المسلمون انتفاعا كثيرا.. نقول إن الذي يحتك بهذه الطبقة من الناس التجار و الوجهاء ويريد أن يدعوهم إن عليه أن يهتم بهذا الخلق غاية الاهتمام ، وهو خلق التعفف و الزهد ، لأن من توجه إليه الدعوة إذا رأى أن الداعية ينافسه فيما آتاه الله إياه فإنه سيشك في إخلاصه ، فلا بد أن يوضح الداعية أنه ليس طالب جاه و لا منصب ولا رائد ثروة و لا مال .
قيل لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله " يقال إنك تريد الملك . و قالوا إنك بسيرتك و أعمالك تريد أن تخلص في النهاية إلى الإمساك بزمام الأمور.. تريد الملك، فقال في دهشة و قوة " أنا أريد الملك ؟ و الله لو أن ملك التتر لا يساوي عندي درهم " ملك التتر ..والله إن ملك التتر لا يساوي عندي درهما ، و من المواقف التي حفظها التاريخ الحديث موقف الشيخ سعيد الحلبي وهو من الأساتذة المربين في القرن الماضي ، كان يلقي درسا في جامع من جوامع دمشق ، فجاء إبراهيم باشا و كان من الظلمة .. كان حاكم سوريا في وقته و كان معروفا بالقسوة و العنف .. فدخل المسجد ووقف عند الباب و كان الشيخ يشكو ألما في رجله ، وكان مادًّا رجله إلى الأمام لأنه كان مستندا إلى جدار المحراب ، الشيخ مستند إلى جدار المحراب يلقي الدرس، و كان في الرجل ألم فمد رجله إلى الأمام فدخل إبراهيم باشا و معه العسكر و الشرطة ، فانتظر أن يقبض الشيخ رجله (يعني احتراما للوالي) ، فانتظر أن يقبض الشيخ رجله و لكن الشيخ لم يفعل ، فخاف أصحابه عليه من السيف ( أصحاب الشيخ) و قبضوا ثيابهم لئلا يصيبها دمه ، وبقي إبراهيم باشا واقفا و الشيخ لو يغير من جلسته ، ثم رجع و أرسل بعد ذلك صرة فيها دنانير ذهبية مع أحد الخدم ، وقال له تقدم إلى سيدنا الشيخ سعيد الحلبي و تقول له : هذه هدية من إبراهيم باشا، فلما جاء الخادم إلى الشيخ و أعطاه الصرة قال له الشيخ كلمة بليغة :" قل لسيدك إن الذي يمد رجله لا يمد يده "
و ذهب أحد العلماء الصالحين ليشتري حاجة من دكان، فلما جاء إلى الدكان و سام السلعة لم يكن البائع يعرفه، فقام أحد الموجودين بتعريف الشيخ وقال هذا فلان العالم العامل فلان ، فعندما سمع العالم بذلك ولى هاربا فناداه البائع إلى أين يا سيدي؟ فقال : أريد يا أخي أن أشتري بمالي لا بديني.
و لما ذهب بعض الدعاة إلى بعض القرى للدعوة لقوا إعراضا و امتهانا من بعض أهل القرية، لماذا؟ .. لأنهم ظنوهم مثل بعض الشحادين الذين كانوا يأتون للوعظ ثم يسألون الناس بعد الموعظة، يقولون .. دعاة ندعو.. يعظون ثم يسألون الناس، و هذا طبعا منكر لو حصل في أي مسجد في فتاوى الشيخ محمد إبراهيم-رحمه الله- (01:10:13) منع هؤلاء الذين يعظون للتسول ، فأقول إن الناس إذا لمسوا أن الداعية عنده أي مطمع دنيوي أي رغبة مادية مما في أيديهم يسقط من أعينهم تلقائيا مباشرة ، و ..بل إن عمرو بن عبيد المعتزلي المبتدع بلغ من قلب أبي جعفر المنصور مبلغا و نال إعجابه بهذا المسلك ، وهو التعفف عما في أيدي السلاطين ، حتى قال المنصور لبعض من عنده : " كلكم يمشي رويد ، كلكم طالب صيد ، غير عمرو بن عبيد"فعلى الداعية إلى الله أن ينتبه من استخدام أغراض الآخرين أو طلب الأشياء منهم من المدعوين أو أن يمد يده فيطلب منهم أمرا من الأمور، و قد لا يكون الطلب حراما .. الطلب ليس بحرام، قد لا يكون الطلب حراما، لكن من جهة داعية لا يصلح أن يطلب من المدعو في موقف الدعوة.
رأى داعية صاحبه مذاهبا ، فقال إلى أين؟ قال إلى فلان أحد المتفوقين دراسيا ، منها دعوة و منها يشرح لي ..
وقفة: لا مانع أن تكون طريقة دخول الداعية إلى مدعو عبر شرح له، ويظهر له أنه يحتاج إلى شرحه، لكن القاصمة إذا أحس المدعو أن الداعية يريد أن يستغله و يستفيد منه لأمر شخصي، فهل يا ترى تؤثر فيه الدعوة و كلمات الداعية ؟ و لذلك على الداعية أن يكون منتبها جدا لهذه القضية، و ألا يطلب من المدعو شيئا إلا نادرا أو لمصلحة واضحة ، ففكر إذن قبل أن تطلب منه حاجة أو تأخذ منه سيارة و نحو ذلك ، فكر بأثر ذلك عليه و أجل هذا فإنه سيأتيك بها معه لو أن الله قذف في قلبه نور الإيمان.
الشاهد التعفف عما في أيدي المدعوين و لو كان مغريا، فإن الدنيا مغريات.
و من الأخلاق المهمة العفو عند المقدرة
فإن الداعية قد يؤذى و يستطيع أن ينتقم و يرد، لكن إذا عفا عند المقدرة كان عفوه بالغ الأثر في نفس من يدعوه، فيستجيبون له بل .. أو ربما لا تحصل الاستجابة فورية في كثير من الأحيان ، لكن يكون ذلك الموقف نقطة إيجابية في قلب المدعو تُدّخر للمستقبل، فنقطة معها منه أو من غيره ، و هكذا حتى يصبح قلب المدعو أبيض مستنير بنور الإسلام، ماذا حصل لخبيب -رضي الله عنه- لما أخذ أسيرا؟
خبيب بن عدي .. قالت بنت الحارث و كانت مشركة في مكة سجن في بيتها، سُجن.. سجنوه في بيتها ، وضعوه في بيتها في مكان يشبه أن يكون حصينا لسجنه، فحين سجنوه استعار منها (من صاحبة هذا البيت أو من بنت الحارث هذه ) استعار منها موسى لكي يستحد بها ، طلب موس لكي يطبق السنة في الاستحداد، يعني حريص على تطبيق السنة و هو في الأسر،فأعارته موسى .. قالت بنت الحارث: " فأخذ ابنٌ لي و أنا غافلة حتى أتاه( حبا و مشى .. ولد صغير ) حتى أتي خبيبا ..( دخل عن غفلة مني دخل)قالت : فالتفت فوجدته قد أجلسه على فخذه و الموسى في يده ( خبيب أجلس الولد الصغير على فخذه و الموسى في يد خبيب)قالت : ففزعة فزعة عرفها خبيب في وجهي،فقال : تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك ، ثم قالت ( مع أنه محكوم عليه بالإعدام)ثم قالت (و هذه فرصة ينتقم: ما كنت لأفعل ذلك) ، قالت : و الله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ، و الله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده و إنه لموثوق في الحديد و ما في مكة ثمر ( مافيه عنب في مكة) و في يده قطف عنب يأكل منه ، هذه الكرامات .. هذه من باب كرامات الأولياء .
ومن الأمور المهمة أيضًا في أخلاق الداعية تقدير الآخرين و احترامهم،و خصوصًا كبار السن وهذا له أثر كبير على استجابتهم، النبي- عليه الصلاة و السلام – لما أسر ثمامة و ربط في المسجد كان يمر عليه كل يوم و يسأله سؤال واحد فقط ، مع إكرام الأسير بطبيعة الحال، فلما أطلق قال : أطلقوا ثمامة في اليوم الثالث ذهب إلى مكان فتوضأ ورجع و أعلن إسلامه ، ليقول للنبي-عليه الصلاة و السلام- : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، يا محمد ، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب دين إلي ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي " صحيح البخاري، و كان – عليه الصلاة و السلام – يكرم أسياد القوم و يجلسهم على يمينه، ويقول " أنزلوا الناس منازلهم " حديث صحيح .
و عند موته أوصى - عليه الصلاة و السلام – بوصايا منها :
" أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم "حديث صحيح، و على ذلك سار أصحابه ، تقدير الآخرين .. لما جاء عدي بن حاتم إلى عمر و جعل عمر يدعو رجلا رجلا يسميهم، يا فلان ابن فلان يا فلان ابن فلان، وفد.. وفود تأتي عمر و عمر يدعوهم واحد واحد ، قال عدي : أما تعرفني يا أمير المؤمنين ؟ لأن عديا كان من أسياد قومه، كان سيدا في قومه، قال: عمر –رضي الله عنه- :" بلى (كيف لا أعرفك؟) أسلمت إذ كفروا و أقبلت إذ أدبروا ووفيت إذ غدروا و عرفت إذ أنكروا "، فقال عدي : "لا أبالي إذن" .. فلا أبالي إذن يعني إذا كنت تعرف قدري فلا أبالي أنك لم تدعني باسمي و لم تخصني.
و من الأخلاق المهمة الستر فإن الداعية يطلع على معاص من المدعو، فينبغي عليه ألا يشهر به و إنما يكون بحلمه و علمه ستيرا يستر عليه ما رآه منه من السوء، و لا يشهر به و هذا الستر يكون من الأمور التي تجذب المدعو، تجذبه فعندما يرى أن الداعية يستر عليه لا يشهر به ، من رحمة الداعية بالمدعو أنه يستر عليه عند ذلك يستجيب.
ويكون له بالغ الأثر.. و قد وردت قصة عن يزيد بن الأصم، قال:" كان رجل من أهل الشام ذو بأس و كان يفد إلى عمر بن الخطاب، ففقده عمر فقال: " ما فعل فلان؟" أين فلان لا يأتينا؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين يتابع في هذا الشراب (وقع المسكين و قع في بلية في الخمر ) يشر ب.. صار يشرب.. قال : فدعا عمر كاتبه فقال: "اكتب : من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان سلام عليك ،فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو و إليه المصير" ثم قال لأصحابه: " ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه و أن يتوب الله عليه" فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرأه و يردده، و يقول : " غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب قد حذرني عقوبته ( يعني قد حذرني الله عقوبته) ووعدني أن يغفر لي " رواه ابن أبي حاتم بإسناد فيه مقبول و رواه أبو معين من حديث جعفر بن بلقان وزاد : " فلم يزل يرددها الرجل على نفسه ثم بكى ، ثم نزع فأحسن النزع ( نزع من المعصية و تاب إلى الله ) فلما بلغ عمر خبره قال : "هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زل زلة فسددوه ووفقوه و ادعوا الله له أن يتوب عليه و لا تكونوا أعوانا للشيطان عليه"
و أخيرا و ليس هذا آخر ما يذكر في الأخلاق و لكن نختم الكلام بخلق العطف، الذي هو تابع للرحمة مما ينبغي أن يكون الداعية عليه في موقفه من المدعو، تفهم لمشاكله أو مشكلاته ومواساة له.. مع إظهار العطف و الحنان..
المدعو لا يخلو من مصيبة أو شيء من هم أو حزن أو مرض أو موت قريب، أو دين أو يرسب في دراسة أو يطرد من وظيفة.. في هذه الحالة تكون العطف و الشفقة من الأشياء التي تفتح الطريق.. طريقا واسعا إلى قلب المدعو، و الأذكياء من الدعاة ينتهزون هذه الفرص و يأتون بالعطف و الحنان اللازم، و لكن هذا العطف أيها الإخوة ليس عطفا من هذه العواطف الهوجاء الشخصية التي يربط بها بعض الدعاة المخطئون في أساليبهم بعض المدعوين، يربطه بشخصيته و يجعل العلاقة علاقة عاطفية ليس فيها كلام الله و رسوله و لا موعظة و لا تذكير بآخرة، و إنما قضايا من أنواع العلاقات التي هي من جنس التعلق المذموم ، فنقول : هذه علاقة مدمرة لا تهدي الشخص و إنما قد تنقله من المعصية إلى شيء أخطر من المعصية.
وقد يقلد الداعية في بعض الأشياء لا من باب القناعة الشرعية ،و لكن من باب هذا التعلق الذي جعله هذا الداعية بشكل خاطئ في قلب هذا المدعو، و لذلك فاحذروا يا أيها الدعاة من أن تربطوا المدعوين بكم بروابط عاطفية خاطئة، و إنما يكون لديكم من العطف و الحنان ما تبدونه للمريض، و المحزون و المهموم المغموم، و المصاب بالمصيبة لكن تكون العلاقة مبنية على الشريعة، لا على الأهواء الشخصية
وفقني الله و إياكم للدعوة إلى سبيله بالحكمة و الموعظة الحسنة و نسأله سبحانه و تعالى أن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين و لا مضلين، و أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، و صلى الله على نبينا محمد ..
و نأتي الآن إلى الإجابة على بعض الأسئلة:
يقول : كيف أتعامل مع من أكون في وسط يعج بالمنكرات و البدع من بدع الصوفية و السحرة و الكهان و تصديقهم و غير ذلك؟
نقول الداعية الذي يعيش في مثل هذه الأوساط لا بد أن يركز على التوحيد أولا ،و لأن المدعوين يختلفون فقد يكون المدعو عقيدته سليمة و لكن عنده فجور ، قد يكون من أهل الزنا قد يكون من أهل الفواحش من أهل الخمور، قد يكون مرابيًا قد يكون كذابًا، فالإنسان يشتغل معه ليقوي إيمانه، محاولة تقوية الإيمان، و ربطه بالله سبحانه و تعالى ..
و يتكلم عن الكبائر .. لكن إذا كان هذا الوسط ملئ بالسحر و الكهانة و الشعوذة و الصوفيات هذه الشركية فإنه لا بد أن يركز .. لا يتكلم الآن عن قضية الكبائر الأخرى و إنما يبدأ بالكلام عن التوحيد و تقرير التوحيد و التوسع فيه، ربما لو كان مع غيره لاختصر و جاء بأمور أخرى تتعلق بالكبائر أو المعاصي ..
يقول: وقفت عند إشارة مرور و وجدت شخصا بسيارته ومعه زملاء رافعا صوت المسجل و موجود فيه شريط غناء، فأشرت إليه و طلبت إنزال المرايا التي بيني و بينه فلم ينزلها ، فرميت عليه شريطا لأحد الدعاة ، و قال لي : ما هذا؟ قلت : اسمعه فقال لي : لماذا ؟ قلت : لوجه الله ، فرماها في الشارع و ذهب ..سؤالي : ما هو خطئي ؟
مو لابد يكون عندك خطأ، ما يكون عندك خطأ ، هو ما كتب الله له أن يستفيد من هذا ، فأنت فعلت ما عليك و أنذرت و أعطيته البديل ثم هو لم يستجب، كثير من الناس يخطئون يظنون الأجر ما يحصل للداعية إلا إذا استجاب المدعو ، هذا خطأ.. الأجر حاصل حاصل للداعية و مكتوب إن شاء الله إذا قام بالدعوة استجاب الناس أو لم ما استجابوا، " لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ "البقرة: ٢٧٢ يعني بعض الناس يتصور الحديث " فوالله لأن يهدي الله رجلا بك ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم " صحيح البخاري، أنه ما يحصل الأجر إلا إذا اهتدى الشخص، لا، فيه أجر على التبليغ و أجر على الاهتداء، وهذه مسألة من الله .فالأجر موجود على الدعوة..على التبليغ ولو ما استجاب الناس، موجود الأجر .
كيف الطريقة اتجاه من كان على خطأ و عملت على نصحه و تبين خطؤه بكل وضوح، و لكن وجد منه الصدود و عدم الاكتراث، بل أصبحت كالعدو بالنسبة له هذا غير ما يعمل عليه أن يجعلني نكتة المجلس، عملت على تجنبه و عدم نصحه مرة أخرى فهل أكون آثما؟
لا ينبغي أن يصدنا عدوان الناس أن نترك نصحهم، لا و إلا لترك نوح الدعوة منذ أول سنة، و ما انتظر 950 عاما و إنما استمر على نصحهم ليلا و نهارا، سرا و جهارا، 950 عاما يدعوهم إلى الله عز وجل ، و لا تقل يا أخي عملت على تجنبه و عدم نصحه مرة أخرى .. اعمل على اللين معه و نصحه مرة أخرى
ثم إن بعض الدعاة لا تكون علاقاتهم مع بعض المدعوين إلا الانتقاد، إذا جاء موضع المنكر أنكر عليه، فقط هذه هي العلاقة، إذا جاء موضع الخطأ خطّأه، طيب أين الصداقة التي إذا عقدتها معه صار ذلك من أسباب استجابته؟ ..أين العشرة الحسنة.. أين الكلام الآخر غير قضية الإنكار و التخطئة، ما فيه كلام آخر بينك و بينه يلطف الجو؟ فتصبح العلاقة فقط إنكار و تخطئة؟ نقول هذا قصور ينبغي أن يتدارك .
تعليق