لا يزيل التوترات إلا أحد أمرين : انفجار يقضي على كل أسباب التوتّر ، أو التخفيف من حدّة التوتر !
ولا شك أن الخيار الثاني سيكون آمن بكثير من الخيار الأول الذي لا يُعلم مدى آثاره ، أياّ كان ذلك التوتر ، وأياً كانت درجته ، وأياً كان شكل انفجاره !
وكما أن من أهم مسببات التوترات: الكلام " وإن الحرب مبدؤها كلام " فإن من أهم مخففات هذا التوتر الكلام نفسه ، في جميع تجلياته الممكنة ( خطبة ، محاضرة ، تصريح ، مقالة ، قصيدة ...الخ)
ولا شك أن بلدنا هذه الأيام يعيش تأزّماً شديدا تجاه الشيعة ، سبّبَ هذا التأزم تصريحات من مسؤولين ومرجعيات شيعية ، وحرب الحوثيين في الجنوب ، وتاريخ من التراشق طويل ، ونحن بحاجة إلى تصريح يخفف من حدة التأزم والتوتر ، وقد جاءت خطبة الشيخ محمد العريفي ، كمنفّس للاحتقان ، ومخفف من شدّة الغليان ، وقد كان لها أثر المهدّئ لقلوب كالمراجل ، ولأفئدة كالقنابل !
وقد تعددت المواقف تجاه هذه الخطبة ( المؤهلة لدخول التاريخ) ولكل موقف أسبابه الخاصة :
الموقف الأول : الموقف الشيعي ، فقد كان مندداً غاضبا ، كعادته ، يغضب في السلم وفي الحرب، وفي الحجّ وفي العمرة ، يكره أمريكا والسعودية ، ويحقد على أبي بكر والملك عبد الله ! ، فلا يعنينا غضب الشيعة في شيء ، لأنهم قوم غاضبون كارهون بالفطرة ! ، بل لا يخرجون أنفسهم من غضب إلا ليقعوا في غضب أشد منه ، ولا يتفادون كرها إلا ليتعرقلوا بكره جديد ! فلم يعد لتصريحات مرجعيّات الشيعة الدينية والسياسية أثر ، لإدمانهم هذا الدور المتشنّج ، والذي لا يخالف فيه السياسي المحنّك ولا الديني المعمم رجل الشارع البسيط ، لأنّها ثقافة عنف مغلقة ، تصب جميع قنواتها في إذكاء هذه النعرة المتعصبة ، بل إني أرى ضرورة أن يَشكر هذا التوجّهُ الغاضب الشيخَ العريفي على ما سببه من تنوّع لديهم ، فقد وجدوا مبررا آخر للبكاء واللطم ، لأنّهم _ كما يظهر _ استهلكوا مقتل الحسين وأحرقوه بكاءً وتطبيراً ، ولطماً وتكبيراً ، فتوجّهوا في هذه الأيام للسيستاني ليندبوا حظهم في إمامهم المغبون كما أظن ، وشيخهم الملعون كما أتوقع !
والناظر في فتاوى المرجعيات الشيعية ، السابقة للخطبة ، سيعلم أنّه لا فرق يذكر ، فما بعد الخطبة هو نفسه ما كان قبلها ، وإن اعتبر البعض الخطبة ذريعة لمزيد من تفاقم الموقف ، فما أسهل إيجاد ذريعة في زمن الحرب ، بل كم نحن بحاجة إلى كلمة أو كلمتين يكفّ الله بهما كارثة أو كارثتين .
الموقف الثاني : الموقف الصحفي السعودي ، والذي لم نعد نخطئ في تنبؤاتنا بمواقفه ، فقد نذر إمكانياته لإحباط أي بادرة تحرّك بالاتجاه الصحيح ، واتخذ من العلماء موقفا عدائيا ، فتراه يبيّت خططه بالليل ، وينشر مقالاته بالنهار ، لإسقاط هذا الشيخ ، أو إخراج ذلك ، في مكر كبّار ، يدبر بليل وينفذ في نهار ، فقد اتخذ أهل العلم عدوّا مبينا ، فهو يكيل لهم الغارة تلو الغارة ، والهجمة تلو الهجمة ، وكم سعد هذا التيار بما حققه من إنجاز استطاع معه أن يجهز على حريّة القول ، وأن ينهي مرحلة الفكر الحر في البلد ، متمثلة هذه المعركة الخاسرة حقيقة وإن كانت ظافرة في نظرهم ! بما كاله هذا التيار باسم الحرية من مقالات تأنف عنها الحرية والنزاهة والرجولة وجّهت إلى العلامة "سعد الشثري" ، والذي انتصر في جميع حالاته ، انتصر في معركة الضمير ، وفي معركة النزاهة ، وفي معركة الرجولة ، وكتب الله له الذكر الحسن ، والقبول في قلوب الناس .
وهاهم يكررون تلك المؤامرات التي يبدو أنّهم أدمنوها ، وأصبحوا ينوّعون الحجج فيها ، فعندما نازلوا الشثري كان قميص عثمان هو الافتيات والنصيحة في العلن ، وعندما واجهوا الشيخ المنجد كان القميص يدور حول الجنسية " وأخرجوا آل لوط من قريتكم " والآن أصبح القميص هو المصلحة والمفسدة ! والله يعلم المفسد من المصلح . إذن لا جديد لدى هذا التيار ، والموقف لن يتغير ولكنّه سيتأخر قليلا فقط لا غير ، فإن لم يخطب العريفي خطبته ، فسينهشون الشيخ عائض إذا كتب مقاله ، وسينقضّون على الشيخ سعد البريك إذا أعلن موقفه ، فلا جديد إذن .
الموقف الثالث : موقف بعض العلماء والدعاة _ حفظهم الله _ فقد أعلن البعض استنكاره لتلك الخطبة ، وبرر استنكاره بأن المصلحة لا تقتضي مثل ذلك الأسلوب ، وبأن خطبة الجمعة ليست مكانا لمثل هذه التعبئات !
أستغرب كثيرا من عدم فهم (بعض) العلماء ما يجري ، ففي اهتمامهم بالمصلحة غابت عنهم مصالح أهم من تلك التي يسعون لها ، إن من أعظم المصالح أن يكون للعالم كلمة صادقة وموقفا مهابا ، إن خطاب العالم يجب أن يعامل لا ككلام حماسي قيل في فورة غضب ، بل كموقف له أبعاده ، وتأثيره ، إن لم يعزز بالتأييد فلا يثبّط بالتنديد .
متى سيجرؤ العالم على كلمة الحق إن كان سيواجه باللوم من عالم مثله ؟ خصوصا وأن العريفي لم يقف في محرّم ، ولم يتفوّه بالبهتان ، وإنما قال كلمة الحق ، قد يكون قصارى خطئه _ إن كان مخطئا _ يتعلّق بعنصري الزمان والمكان فقط ، وإلا ففحوى كلامه يرددها العلماء في مجالسهم ، وعامّة الشعب في شوارعهم ، والجيش المجاهد في الجنوب ، إذن هو لم يأت بجديد ، فمثل هذا الخطأ _ التوقيتي _ يجب أن يُتأمل قبل أن يعلن خطؤه ، فقد يكون الصواب في تأخير بيان الصواب ، وقد يقتضي الحق شيئا من المرونة ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُقال عثرة أولي الهيئات ، إن وقعوا في صريح المحرّم ، فكيف بذي هيئة عالية ، علمية دينية كالشيخ العريفي ، ولم يقع في صريح محرّم ، بل قد يكون وقع في صريح واجب ديني ، تُعيّن عليه الظروف التي تمر بها البلاد أن يقوله ، ويعلنه ؟
إن من الأخطاء التي يقع فيها بعض أهل العلم أنّهم لا ينظرون إلى مصير توجيهاتهم في الغد ؟ إنّهم يفتّون في عضد كلمة الحق _دون قصد_ ، فلم يعد العالم يستطيع أن يصرح بها ، ولم يعد العامّي يلقي لها بالا ، وقد مزّق مصداقيّتها مئة كاتب ، ومئة عالم .. وأصبحت مقولة أحد المشائخ تنطبق على واقعنا الحالي كثيرا : كان العلماء يجمّعون الناس في الفتن ، فأصبحوا يفرّقونهم.
الموقف الرابع والأخير : الموقف السياسي في السعودية ، والذي أظهر قدرا كبيرا من الذكاء ، والذي يعلم جيداً أبعاد أي موقف يتّخذه ، وأي خطوة يخطوها ، فهو يعلم أن العالم له مكانته ، وأن تصريح العالم قد يخفف الكثير من الاحتقان ، ويشكل ورقة ضغط على السياسات الخارجية الظالمة ، لذلك فقد استثمر _ وله الحق _ ذلك الصدى الذي خلّفته خطبة الشيخ العريفي ، استثمرها بالسكوت عنها ، وعدم فرض أي ضغوط ضد العريفي ليعتذر عن مقولته ، وأذكر أن سموّ الأمير سلطان سئل ذات لقاء عن رأيه فيما فعل شيمون بيريز في قانا والنبطية ، فقال : رأيي هو رأي الشيخ الحميد ، ويعني خطبة ميزان السلام ، فهذا موقف كبير ، من رجل كبير ، تسير على مثله سياسة هذا البلد الحكيمة ، والتي تتبنّى جميع الأطياف العاقلة ، ولا تلغي رأيا له وجاهة ، خصوصا إن كان قد أتى في وقته المناسب ، ليعلن لعموم الشيعة الذين أصبحوا يخرجون رؤوسهم كالحيايا أن لدينا رماح ، ولدينا علماء يفوقون علماءهم في قول كلمة الحق ، وفي التأثير على الرأي العام .
هذه تقريبا أهم المواقف التي شكّلتها تلك الكلمة التي أطلقها الشيخ محمد العريفي _ حفظه الله _ ، تلك الكلمة التي كان يفترض لها أن تنفّس قليلا من التوتر الحاصل ، جراء ما لقيه أبناء الشعب من جراح وقتل في الجنوب ، من الحوثيين الذين يستمدّون صمودهم في قتل أبنائنا من توجيهات سيستانية لم تعد بالمجهولة على الرجل العادي ، لقد مارست رّقتنا في التعاطي مع القاتل الظالم حرف مقصود الخطبة وتغيير مسارها ، فبقدر ما كانت مهدئة مفرحة لأبنائنا وإخواننا في الجبهة ، بقد ما استثمرها البعض لخلق توتر ثقافي ، تكون الصحافة ميدانه هذه المرّة ! هذه الصحافة التي لم نر لها بصمة جادة في الحديث عن حرب أتباع الحوثي ، بينما كانت بصمتها ذات أثر بعيد في شنّ حربها على حريّة الشثري !
أخيرا: رأيي أن _ خطبة الشيخ محمد العريفي _جاءت في وقتها المناسب ، وكم نحن بحاجة إلى مثل الشيخ العريفي في قوته وصدعه بالحق ، وبحاجة أيضا إلى قوّة وصرامة في مواجهة أمشاج الصحافة كما سمّاهم الشيخ بكر أبو زيد _رحمه الله_ ، ويقيني أن ولي الأمر وإن أمهل كاتب الزور _ أيا كان _ لمصلحة يراها ، فلم يهمله على فرية افتراها .
المصدر: علي الفيفي/ المصدر: شبكة القلم الفكرية
ولا شك أن الخيار الثاني سيكون آمن بكثير من الخيار الأول الذي لا يُعلم مدى آثاره ، أياّ كان ذلك التوتر ، وأياً كانت درجته ، وأياً كان شكل انفجاره !
وكما أن من أهم مسببات التوترات: الكلام " وإن الحرب مبدؤها كلام " فإن من أهم مخففات هذا التوتر الكلام نفسه ، في جميع تجلياته الممكنة ( خطبة ، محاضرة ، تصريح ، مقالة ، قصيدة ...الخ)
ولا شك أن بلدنا هذه الأيام يعيش تأزّماً شديدا تجاه الشيعة ، سبّبَ هذا التأزم تصريحات من مسؤولين ومرجعيات شيعية ، وحرب الحوثيين في الجنوب ، وتاريخ من التراشق طويل ، ونحن بحاجة إلى تصريح يخفف من حدة التأزم والتوتر ، وقد جاءت خطبة الشيخ محمد العريفي ، كمنفّس للاحتقان ، ومخفف من شدّة الغليان ، وقد كان لها أثر المهدّئ لقلوب كالمراجل ، ولأفئدة كالقنابل !
وقد تعددت المواقف تجاه هذه الخطبة ( المؤهلة لدخول التاريخ) ولكل موقف أسبابه الخاصة :
الموقف الأول : الموقف الشيعي ، فقد كان مندداً غاضبا ، كعادته ، يغضب في السلم وفي الحرب، وفي الحجّ وفي العمرة ، يكره أمريكا والسعودية ، ويحقد على أبي بكر والملك عبد الله ! ، فلا يعنينا غضب الشيعة في شيء ، لأنهم قوم غاضبون كارهون بالفطرة ! ، بل لا يخرجون أنفسهم من غضب إلا ليقعوا في غضب أشد منه ، ولا يتفادون كرها إلا ليتعرقلوا بكره جديد ! فلم يعد لتصريحات مرجعيّات الشيعة الدينية والسياسية أثر ، لإدمانهم هذا الدور المتشنّج ، والذي لا يخالف فيه السياسي المحنّك ولا الديني المعمم رجل الشارع البسيط ، لأنّها ثقافة عنف مغلقة ، تصب جميع قنواتها في إذكاء هذه النعرة المتعصبة ، بل إني أرى ضرورة أن يَشكر هذا التوجّهُ الغاضب الشيخَ العريفي على ما سببه من تنوّع لديهم ، فقد وجدوا مبررا آخر للبكاء واللطم ، لأنّهم _ كما يظهر _ استهلكوا مقتل الحسين وأحرقوه بكاءً وتطبيراً ، ولطماً وتكبيراً ، فتوجّهوا في هذه الأيام للسيستاني ليندبوا حظهم في إمامهم المغبون كما أظن ، وشيخهم الملعون كما أتوقع !
والناظر في فتاوى المرجعيات الشيعية ، السابقة للخطبة ، سيعلم أنّه لا فرق يذكر ، فما بعد الخطبة هو نفسه ما كان قبلها ، وإن اعتبر البعض الخطبة ذريعة لمزيد من تفاقم الموقف ، فما أسهل إيجاد ذريعة في زمن الحرب ، بل كم نحن بحاجة إلى كلمة أو كلمتين يكفّ الله بهما كارثة أو كارثتين .
الموقف الثاني : الموقف الصحفي السعودي ، والذي لم نعد نخطئ في تنبؤاتنا بمواقفه ، فقد نذر إمكانياته لإحباط أي بادرة تحرّك بالاتجاه الصحيح ، واتخذ من العلماء موقفا عدائيا ، فتراه يبيّت خططه بالليل ، وينشر مقالاته بالنهار ، لإسقاط هذا الشيخ ، أو إخراج ذلك ، في مكر كبّار ، يدبر بليل وينفذ في نهار ، فقد اتخذ أهل العلم عدوّا مبينا ، فهو يكيل لهم الغارة تلو الغارة ، والهجمة تلو الهجمة ، وكم سعد هذا التيار بما حققه من إنجاز استطاع معه أن يجهز على حريّة القول ، وأن ينهي مرحلة الفكر الحر في البلد ، متمثلة هذه المعركة الخاسرة حقيقة وإن كانت ظافرة في نظرهم ! بما كاله هذا التيار باسم الحرية من مقالات تأنف عنها الحرية والنزاهة والرجولة وجّهت إلى العلامة "سعد الشثري" ، والذي انتصر في جميع حالاته ، انتصر في معركة الضمير ، وفي معركة النزاهة ، وفي معركة الرجولة ، وكتب الله له الذكر الحسن ، والقبول في قلوب الناس .
وهاهم يكررون تلك المؤامرات التي يبدو أنّهم أدمنوها ، وأصبحوا ينوّعون الحجج فيها ، فعندما نازلوا الشثري كان قميص عثمان هو الافتيات والنصيحة في العلن ، وعندما واجهوا الشيخ المنجد كان القميص يدور حول الجنسية " وأخرجوا آل لوط من قريتكم " والآن أصبح القميص هو المصلحة والمفسدة ! والله يعلم المفسد من المصلح . إذن لا جديد لدى هذا التيار ، والموقف لن يتغير ولكنّه سيتأخر قليلا فقط لا غير ، فإن لم يخطب العريفي خطبته ، فسينهشون الشيخ عائض إذا كتب مقاله ، وسينقضّون على الشيخ سعد البريك إذا أعلن موقفه ، فلا جديد إذن .
الموقف الثالث : موقف بعض العلماء والدعاة _ حفظهم الله _ فقد أعلن البعض استنكاره لتلك الخطبة ، وبرر استنكاره بأن المصلحة لا تقتضي مثل ذلك الأسلوب ، وبأن خطبة الجمعة ليست مكانا لمثل هذه التعبئات !
أستغرب كثيرا من عدم فهم (بعض) العلماء ما يجري ، ففي اهتمامهم بالمصلحة غابت عنهم مصالح أهم من تلك التي يسعون لها ، إن من أعظم المصالح أن يكون للعالم كلمة صادقة وموقفا مهابا ، إن خطاب العالم يجب أن يعامل لا ككلام حماسي قيل في فورة غضب ، بل كموقف له أبعاده ، وتأثيره ، إن لم يعزز بالتأييد فلا يثبّط بالتنديد .
متى سيجرؤ العالم على كلمة الحق إن كان سيواجه باللوم من عالم مثله ؟ خصوصا وأن العريفي لم يقف في محرّم ، ولم يتفوّه بالبهتان ، وإنما قال كلمة الحق ، قد يكون قصارى خطئه _ إن كان مخطئا _ يتعلّق بعنصري الزمان والمكان فقط ، وإلا ففحوى كلامه يرددها العلماء في مجالسهم ، وعامّة الشعب في شوارعهم ، والجيش المجاهد في الجنوب ، إذن هو لم يأت بجديد ، فمثل هذا الخطأ _ التوقيتي _ يجب أن يُتأمل قبل أن يعلن خطؤه ، فقد يكون الصواب في تأخير بيان الصواب ، وقد يقتضي الحق شيئا من المرونة ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُقال عثرة أولي الهيئات ، إن وقعوا في صريح المحرّم ، فكيف بذي هيئة عالية ، علمية دينية كالشيخ العريفي ، ولم يقع في صريح محرّم ، بل قد يكون وقع في صريح واجب ديني ، تُعيّن عليه الظروف التي تمر بها البلاد أن يقوله ، ويعلنه ؟
إن من الأخطاء التي يقع فيها بعض أهل العلم أنّهم لا ينظرون إلى مصير توجيهاتهم في الغد ؟ إنّهم يفتّون في عضد كلمة الحق _دون قصد_ ، فلم يعد العالم يستطيع أن يصرح بها ، ولم يعد العامّي يلقي لها بالا ، وقد مزّق مصداقيّتها مئة كاتب ، ومئة عالم .. وأصبحت مقولة أحد المشائخ تنطبق على واقعنا الحالي كثيرا : كان العلماء يجمّعون الناس في الفتن ، فأصبحوا يفرّقونهم.
الموقف الرابع والأخير : الموقف السياسي في السعودية ، والذي أظهر قدرا كبيرا من الذكاء ، والذي يعلم جيداً أبعاد أي موقف يتّخذه ، وأي خطوة يخطوها ، فهو يعلم أن العالم له مكانته ، وأن تصريح العالم قد يخفف الكثير من الاحتقان ، ويشكل ورقة ضغط على السياسات الخارجية الظالمة ، لذلك فقد استثمر _ وله الحق _ ذلك الصدى الذي خلّفته خطبة الشيخ العريفي ، استثمرها بالسكوت عنها ، وعدم فرض أي ضغوط ضد العريفي ليعتذر عن مقولته ، وأذكر أن سموّ الأمير سلطان سئل ذات لقاء عن رأيه فيما فعل شيمون بيريز في قانا والنبطية ، فقال : رأيي هو رأي الشيخ الحميد ، ويعني خطبة ميزان السلام ، فهذا موقف كبير ، من رجل كبير ، تسير على مثله سياسة هذا البلد الحكيمة ، والتي تتبنّى جميع الأطياف العاقلة ، ولا تلغي رأيا له وجاهة ، خصوصا إن كان قد أتى في وقته المناسب ، ليعلن لعموم الشيعة الذين أصبحوا يخرجون رؤوسهم كالحيايا أن لدينا رماح ، ولدينا علماء يفوقون علماءهم في قول كلمة الحق ، وفي التأثير على الرأي العام .
هذه تقريبا أهم المواقف التي شكّلتها تلك الكلمة التي أطلقها الشيخ محمد العريفي _ حفظه الله _ ، تلك الكلمة التي كان يفترض لها أن تنفّس قليلا من التوتر الحاصل ، جراء ما لقيه أبناء الشعب من جراح وقتل في الجنوب ، من الحوثيين الذين يستمدّون صمودهم في قتل أبنائنا من توجيهات سيستانية لم تعد بالمجهولة على الرجل العادي ، لقد مارست رّقتنا في التعاطي مع القاتل الظالم حرف مقصود الخطبة وتغيير مسارها ، فبقدر ما كانت مهدئة مفرحة لأبنائنا وإخواننا في الجبهة ، بقد ما استثمرها البعض لخلق توتر ثقافي ، تكون الصحافة ميدانه هذه المرّة ! هذه الصحافة التي لم نر لها بصمة جادة في الحديث عن حرب أتباع الحوثي ، بينما كانت بصمتها ذات أثر بعيد في شنّ حربها على حريّة الشثري !
أخيرا: رأيي أن _ خطبة الشيخ محمد العريفي _جاءت في وقتها المناسب ، وكم نحن بحاجة إلى مثل الشيخ العريفي في قوته وصدعه بالحق ، وبحاجة أيضا إلى قوّة وصرامة في مواجهة أمشاج الصحافة كما سمّاهم الشيخ بكر أبو زيد _رحمه الله_ ، ويقيني أن ولي الأمر وإن أمهل كاتب الزور _ أيا كان _ لمصلحة يراها ، فلم يهمله على فرية افتراها .
المصدر: علي الفيفي/ المصدر: شبكة القلم الفكرية
تعليق