آثار الذنوب على دين العبد:
1- حرمان العلم: فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.
§ لما جلس الشافعي بين يدي مالك، وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: "إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا، فلا تطفئه بظلمة المعصية"
§ وقال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يهدى لعاصي
§ قال الضحاك بن مزاحم رحمه الله: "ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه، إلا بذنب يحدثه؛ وذلك بأن اللٰه تعالى يقول: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير﴾، ونسيان القرآن من أعظم المصائب" (رواه ابن المبارك في الزهد)
§ قال الهلالي:
واعلم بأن كَـدَر الذنوبِ يكسِف نور العلم في القلوبِ
أما ترى الذُّبال في المصباحِ إذا صفا أرضاك في استصباحِ
وإن يكُ بوَسَخٍ ملطخــا كسف نوره لذلك الطَخَا
واحذر على النور الذي وهبتَ وإن تضع نور الإله خبتَ
أما ترى الذُّبال في المصباحِ إذا صفا أرضاك في استصباحِ
وإن يكُ بوَسَخٍ ملطخــا كسف نوره لذلك الطَخَا
واحذر على النور الذي وهبتَ وإن تضع نور الإله خبتَ
2- إلف المعصية، وزوال استقباحها من القلب ثم المجاهرة بها:
§ قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه،وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا" (رواه البخاري)
§ حرمان المعافاة إن جاهر بها: عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه" (متفق عليه).
3- تحرم الطاعة وتثبط عنها، وتقطع طرق الأعمال الصالحة:
§ قال شابللحسن البصري : أعياني قيام الليل ، فقال : قيدتك خطاياك .
4- تزرع المعاصي أمثالها، ويولد بعضها بعضا:
§ قال بعض السلف: "إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها".
§ "وليعلم اللبيب أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بد لهم منه" (روضة المحبين لابن القيم)
وكأسٌ شَرِبتُ على لذةٍ وأخرى تداويت منها بها
5- هوان العبد العاصي على الله:
§ قال الحسن البصري رحمه الله: "هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم"
§ وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله عز وجل "ومن يهن الله فما له من مكرم" (سورة الحج آية 18)
§ قال رسول اللٰه صلى الله عليه وسلم: "فالناس رجلان: بر تقي كريم علىٰ اللٰه، وفاجر شقي هين علىٰ اللٰه" (رواه الترمذي وصححه الألباني)
6- الزيغ والضلال بعد الهدى:
§ قال تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (سورة النور آية13)
§ قال أبو بكر رضي الله عنه: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ. (متفق عليه)
7- نسيان الله لعبده ونسيان العبد نفسه:
§ قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون " (سورة الحشر 18 - 19)، أنساه نفسه: أي أنساه مصالحها وما ينجيها من عذابه.
8- سخط الله على العاصي،
§ قال الله تعالى: "والله لا يحب كل كفار أثيم " (سورة البقرة 276)
§ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أوصاني رسول اللٰه صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، وذكر منها: "إياك والمعصية؛ فإن بالمعصية حل سخط اللٰه عز وجل" (رواه أحمد وحسنه الألباني)
9- حبوط بعض الأعمال الصالحة بالكبائر:
§ عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا"، قال ثوبان رضي الله عنه: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني)
§ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة: بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" (رواه مسلم)
§ عن أبي العالية قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لاينفع مع الشرك عمل صالح ، فأنزل الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم) فخافوا الكبائر بعد أن تُحبط الأعمال) (رواه ابن أبي حاتم في تفسيره).
§ وعن قتادة في هذه الآية قال : من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا بعملسيء فليفعل ولا قوة إلا بالله ؛ فإن الخير ينسخ الشر ، وإن الشر ينسخ الخير ، وإنملاك الأعمال: خواتيمها.
§ قال ابن القيم:" ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر وليس الشأنفي العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه" (الوابل الصيب)
§ فائدة: قال ابن رجب "والآثار عن السلف في حبوط الأعمال بالكبيرة كثيرة جدا يطول استقصاؤها، وأما من زعم أن القول بإحباط الحسنات بالسيئات قول الخوارج والمعتزلة خاصة، فقد أبطل فيما قال ولم يقف على أقوال السلف الصالح في ذلك، نعم المعتزلة والخوارج أبطلوا بالكبيرة الإيمان وخلدوا بها في النار، وهذا هو القول الباطل الذي تفردوا به في ذلك" (فتح الباري لابن رجب)
10- نزع الإيمان :
§ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان كان عليه كالظلة فإذا انقطع رجع إليه الإيمان" (رواه أبو داود وصححه الألباني)
11- عدم إجابة الدعاء:
§ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم"يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، و إن الله أمر المتقين بماأمر به المرسلين فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحاإني بما تعملون عليم ) و قال: ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا ربيا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و غُذِي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" (رواه مسلم)
12- المعاصي سبب الانتكاسة وسوء لخاتمة:
§ قال ابن القيم: الإصرار على الذنوب يسبب الرَين على القلوب، فيخاف أن يستمر على ذلك فيسبب له ارتكاب ما يخرجه عن الإيمان بالكلية، ومن هنا اشتد خوف السلف فقال بعضهم: "أنتم تخافون الذنوب، وأنا أخاف الكفر".
§ وقال: "وثم أمر أخوف منذلك وأدهي وأمر وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال الى اللهتعالى فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرينأصابهم ذلك حتى قيل لبعضهم قل لا إله إلا الله فقال آه آه لا أستطيع أنأقولها وقيل لآخر قل لا إله إلا الله فجعل يهذي بالغناء ويقول تاتا ننتنتافقال وما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية الا ركبتها ثم قضى ولم يقلها، وقيللآخر ذلك فقال وما يغني عني وما أعلم اني صليت لله تعالى صلاة ثم قضى ولميقلها، وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبراوالذي يخفي عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم" (الجواب الكافي)
13- حرمان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة:
§ فإن الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وبين سبحانه أن الملائكة يستغفرون لهم، قال الله تعالى: "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الـجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الـحكيم ، وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم " (سورة غافر 7 – 9).
تعليق