السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آداب مطلوبة للخاطب والمخطوبة
آداب مطلوبة للخاطب والمخطوبة
الشيخ محمد صالح المنجد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد ..
فإن الله -سبحانه وتعالى- لما حرّم على عباده السفاح، شرع لهم النكاح، ووفّق من شاء من عباده للصواب، وربط بينهم بالمصاهرة والأنساب، وجعل بين الزوجين مودة ورحمة، أنه هو الكريم الوهاب .
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا) رواه أحمد وهو حديث حسن .
فتيسير الخطبة من بركة المرأة، والنكاح من نعم الله العظيمة، جعل فيه منافع كثيرة، ورتّب عليه حقوقاً وأحكاما، والخطبة أولى خطوات النكاح، ومقدمة إليه ووسيلة، وليست شرطاً لصحته، فلو تم العقد بلا خطبة صح ذلك،
وبعض الناس يطلقون الخطبة على ما بعد العقد وقبل الدخول، وهذا المعنى ليس الذي عليه أهل العلم، فليست الخطبة عقداً ولا هي ما بعد العقد، وإنما هي وعد بالنكاح،
أما الزواج والعقد فوثيق وميثاق غليظ، له حدوده وشروطه وحقوقه وآثاره، ولا يترتب على الخطبة حق للخاطب، إلا أنه قدم في النكاح على غيره،
وحكم الخطبة يختلف باختلاف حال المرأة، فإذا كانت غير متزوجة ولا معتدة ولا مخطوبة وليس بها مانع من موانع النكاح جازت خطبتها تصريحاً وتعريضا،
وأما المتزوجة والمخطوبة فلا يجوز أن تُخطب، وكذلك من قام بها مانع من موانع النكاح، لأن الخطبة مقدمة لذلك،
وإذا كان النكاح ممنوعاً من امرأة معينة فكذلك خطبتها،
ويحرم التصريح بخطبة المعتدة من وفاة أو من طلاق رجعيٍ أو من طلاق بائن، فالمرأة إذا مات عنها زوجها لا يجوز لأحد أن يصرح بخطبتها أثناء العدة، كأن يقول : ( أطلب زواجك) أو (زوجيني نفسك ) أو يقول للولي (زوجني ابنتك وما أشبه ذلك)،
وتحريم خطبة المعتدة من وفاة زوجها تصريحاً، حتى لا يكون ذلك ذريعة إلى استعجال المرأة بالإجابة والكذب في انقضاء عدتها كما ذكر ابن القيم رحمه الله، ولأن العدة حق للزوج المتوفى، فلا يجوز الاعتداء عليه لا بعقد ولا بمقدماته،
ولا يجوز التصريح بخطبة المبانة المعتدة، وهي التي فارقها زوجها في الحياة فراق بائن، كأن تكون مطلقة آخر ثلاث تطليقات، أو مطلقة على عوض، يعني دفعت مالاً لزوجها ليطلقها، أو من طلبت فسخ زواجها لعيب في زوجها، أو وجد هو بها عيب ففسخ النكاح، فهؤلاء الأنواع من النسوة في العدة، عدة الطلاق الثلاث، وعدة مفسوخة النكاح وكذلك المطلقة على عوض، كل هؤلاء النسوة سيدخلن في العدة، فإذا طلقها زوجها ثلاث دخلت في العدة، وإذا خالعت زوجها دخلت في العدة، وإذا فسخ الحاكم والقاضي عقدها لعيب في زوجها أو عيب فيها بطلب الزوج فلها عدة، عدة الفسخ، هذه العدة لا يجوز فيها خطبة المرأة تصريحاً،
وأما التعريض بأن يبدي لها الرغبة في الخطبة فمباح لقوله تعالى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ }(البقرة: من الآية235).
فالتعريض بالخطبة جائزٌ للمعتدة من وفاة، والبائن من طلاق أو فسخ، فله أن يقول لوليها مثلاً، إذا انقضت عدتها فأخبرونا، مثلها يُرغب فيها ونحو ذلك، هذا يسمى بالتعريض عند العلماء، ولا بأس به في الحالات المتقدمة.
ويجوز التصريح والتعريض لرجل أبان زوجته بغير الطلاق بالثلاث، كرجل اتفق وزوجته أن يطلقها مقابل مبلغ معين،
وكذلك يجوز التصريح والتعريض لو فسخ العقد لعيب في الزوج أو إعسار بالصداق أو النفقة، فيجوز لهذا الزوج أن يعقد عليها ولو في العدة بمهرٍ جديدٍ، لأن العدة له،
وهذا الكلام خاص بذات الزوج، أي أن الزوج إذا خالعته زوجته فدخلت في العدة جاز له هو أن يخطبها تصريحاً أو تعريضا، فهذا الكلام خاصٌ بالزوج .
ففي الفسخ لا يحل له في العدة أن يعيدها، وكذلك في الخلع لا يتمكن الزوج من إعادة زوجته في عدة الخلع بخلاف الطلاق الرجعي، لا يجوز للزوج في عدة الطلقة الثالثة أن يعيد زوجته بخلاف عدة الطلاق الرجعي، وبناء عليه يجوز لهذا الزوج في عدة الخلع أو عدة الفسخ لعيب لذات الزوج، أن يخطبها تصريحاً أو تلميحا .
وأما لو طلقها ثلاثاً فبانت منه فلا يجوز التعريض ولا التصريح لأنها تحرم عليه، ولا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة ثم يفارقها هذا الثاني .
وتحرم خطبة المطلقة الرجعية، أي من شخص آخر غير الزوج، لأنها لا تزال في عصمة المطلق طلاقاً رجعياً، فيمكن أن يسترجعها، فلذلك لا يجوز لأحدٍ أن يخطب امرأة طُلقت طلاق رجعياً، لأن في ذلك تفريقاً بينه وبين أهله وتخبيباً وإفسادا.
وأما خطبة المرأة المتزوجة، كما يفعل الأشرار من الذين يقومون بالاتصالات والعلاقات بالنساء المتزوجات، ويعدها ويمنيها بأنها إذا تخلصت من زوجها نكحها، ويخطبها في هذه الحالة، فهذه خطبة محرمة تحريماً شديداً،
وكذلك يحرم التصريح بخطبة الحامل المطلقة حتى تضع الحمل، فإذا وضعته انقضت عدتها وجاز أن تخطب،
ولا يجوز كذلك خطبة المحرمة بحج أو عمرة، تصريحاً أو تعريضا، لأنه لا يجوز أن يعقد عليها في حال الإحرام، فكذلك لا تجوز الخطبة،
وكذلك المرأة المخطوبة إذا علم أنها مخطوبة فلا يجوز لخاطب آخر أن يخطبها، وأما التي لا يُعلم هل هي مخطوبة أو لا، ولا يعلم هل أجاب أهلها الخاطب أم لا، فيجوز لمن لا يعلم ذلك أن يخطبها، لأن الأصل الإباحة والخاطب معذور بعدم العلم .
وآداب الخطبة عند العلماء الاستخارة والاستشارة،
فإذا عزم على خطبة امرأة فينبغي أن يستخير الله تعالى، ويستشير من له خبرة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمهم السورة من القرآن . رواه البخاري .
وإذا كانت الاستخارة في دقيق الأمور فكيف بمثل هذا الأمر الذي تتوقف عليه حياة الإنسان وطبيعتها بعد الزواج .
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: ((اذْكُرْهَا عَلَيَّ)). فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا.
فقَالَ: يَا زَيْنَبُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُكِ.
قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي (وهذه المؤامرة تستأمر ربها يعني تستخريه)فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ) أي بتزويج النبي -صلى الله عليه وسلم- من زينب بقوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا}(الأحزاب: من الآية37) .
وفي ذلك استحباب الاستخارة يؤخذ من هذا الحديث الذي رواه مسلم للمرأة أيضا، والمشروع لمؤمن إذا همّ بشيءٍ له شأن سواء كان كبيرا أو صغيرا أن يستخير الله تعالى ليطلب تقدير الخير منه -عز وجل-، ويرفع يديه بعد الركعتين داعياًَ ربه بالدعاء المعروف،
فإذا استخار وانشرح صدره لهذا، فهي علامة على أن هذا هو الذي اختاره ربه له، وإذا بقي متردداً فإن له أن يعيد الاستخارة ثانياً وثالثاً حتى يتبين له، وإلا رجّح بالاستشارة، وقال شيخ الإسلام : فإذا استخار اللهَ كان ما شَرَحَ له صدرَه، وتيسَّر له من الأمور هو الذي اختاره اللهُ له.
وبعض العلماء يقول: لا يشترط أن يحس بشيء، فإذا تبين له المصلحة في الأمر استخار وأقدم عليه، لا ينتظر رؤيا ولا إحساس ولا غير ذلك، وإذا ردت الفتاة خاطباً بعد الاستخارة فلعل هذا هو الخير، وأن يهيئ لها من هو خير منه، وكذلك إذا انسحب من الخطبة فلعل الله -عز وجل- يهيئ لها من هو خير منه ما دامت قد استخارت، فلا ينبغي أن ينكسر قلبها ولا أن تستلم لخواطر الشيطان والهم، بل ترضى وتسلم وتعلم أن ذلك قضاء من الله تعالى، والله -عز وجل- يقسم الأرزاق بين العباد، وبين ذلك تقسيم الأزواج على الزوجات .
وبعض الفتيات والشباب يستبدلون الاستخارة بالذهاب إلى المشعوذين من السحرة والعرافين لمعرفة نجم الخاطب وحظه وسعده، فإذا نصحهم العراف بالإقدام على الزواج أو بالإحجام أحجموا، سوا كان ذلك الاتصال بقناة الشعوذة والدجل والعرافة، أو بإتيان مواقعهم على الشبكة، أو بالاتصال بهم هاتفياً أو بالقدوم إليه شخصياً، فقد قال -عليه الصلاة والسلام- : ((مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم)) .
وكل تلك الصور داخلة في الإتيان، وينبغي لمن تقدم لها خاطب أن توصي أهلها بالسؤال عنه، أو تنيب ثقة من أقاربها يسأل عن دينه وأمانته وخلقه، فإن أثني عليه خير استخارت وعزمت على الزواج، وتجوز الاستخارة قبل رؤية الخاطب والمخطوبة وبعدها، فإذا استخارت أو استخار لأجل الرؤية فهو حسن، وكذلك بعدها أيضا، ومن سُئل عن خاطب أو مخطوبة فيجب عليه أن يبين ما يعرفه عنهما، وعليه أن يذكر ما فيهما من مساوئ شرعية أو عرفية مهمة وتتعلق بالنكاح والحياة الزوجية وتتأثر بها العشرة، ولا يكون ذلك غيبة محرمة إذا قصد بها النصيحة والتحذير لا الإيذاء.
ومن الأخطاء الشائعة عند السؤال، إخفاء العيوب التي يعلم عنها المسؤول، فقد يكون المسؤول عنه مدمن مخدارت، أو له علاقات محرمة، وأهله يقولون لعلنا نستره بالزواج، لعله ينصرف عن الحرام بالزواج، لعله يترك المخدرات بالزواج، لعله يترك العلاقات المحرمة بالزواج، ويدخل هذا ببنت الناس على حاله، لا توبة ولا ترك، فهؤلاء قد غشوا من خطب منهم، لم يخبروهم، وإذا راجعوهم بعد ذلك وقالوا : كيف خطبتم ابنتنا لابنكم وأنتم تعلمون حاله، كان قصار قولهم : قلنا لعله يهتدي ولعله يرعوي . فإذا لم يحصل ذلك فمن يتحمل هذه المسؤولية، أنه غش والله.
ويجب البيان وأن يقول أهل الخاطب ما يعلمونه عن ابنهم من الأمور مؤثرة سلباً في النكاح، وكذلك الجيران وزملاء العمل، والذين يسألون عن شخصاً أو امرأة يجب أن يدلوا بشهادتهم لله، {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}(يوسف: من الآية81).
عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أنها جَاءَتْ إلى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ (يعني كثير الضرب للنساء وقيل كثير الأسفار والترحال ) وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ (يعني فقير لا تطيقين العيش معه )، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ))، فَكَرِهْتُهُ (لأنه أسود وهي من أشراف الناس)ثُمَّ قَالَ : ((انْكِحِي أُسَامَةَ)) فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ ) في رواية مسلم : ( فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت ) .
وعلى المسلم أن لا يزكي أحداً إلا بما يعلم من حاله، ولا يشهد إلا بما يعرفه منه حقيقة لا تخميناً، ومن استشير في أمر نفسه في النكاح، قال العلماء : لو قال أهل المرأة له : بيّن لنا أمرك . فإن كان يعلم من نفسه شحا وإمساكا، وجب عليه أن يقول لهم : عندي شحٌ، وإن كان يعلم من نفسه عصبية وغضباً شديداً، يقول لهم : عندي غضبٌ شديدٌ، وجب عليه البيان لأن مثل هذا الحال لا يجوز التلاعب به ولا الغش فيه، ولا التدليس ولا الكتمان، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه .
وعلى مريد النكاح أن يبحث عن ذات الأعراق الطيبة والسلالات الحسنة، والبيوت الطيبة، ويؤثر الأدب والأخلاق والدين على ما دون ذلك، فإن هذه الصفات تتسلسل عبر الأصلاب والأرحام، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- : ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) رواه البخاري ومسلم.
فاللائق بذي الدين والمروءة، أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء، لا سيما من تطول صحبته كالزوجة، ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في تحصيل صاحبة الدين وأن هذا غاية البغية، وقال -عليه الصلاة والسلام- : ((الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِها الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ)). رواه مسلم .
فتذكره بالصلاة والصوم والعبادة وتمنعه من المحرمات وتعينه على ذكر الله، وعلى الخير وأبوابه، وتذكره إذا نسي، وتعظه وتتعاون معه على البر والتقوى.
ولا يجوز لأهل المخطوبة ردّ الكفء إذا تقدم، لقوله -عليه الصلاة والسلام- : ((إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)) .
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ (أيْ: شَيْءٌ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ)
قَالَ: ((إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ)) . رواه الترمذي وهو حديث حسن.
وتعظيم الجاه والمال وإيثاره على الدين، يؤدي إلى الفتنة، وإذا نظرتم إلى صاحب المال والجاه فقط سيفوتك خير كثير، والخلق الحسن عليه مدار حسن المعيشة كما أن الدين مدار أداء الحقوق .
((كان أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، قد تَبَنَّى سَالِمًا وكان مَوْلًى لامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثم أَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ)) رواه البخاري.
فلم يرى بأساً من أن ينكح بنته الشريفة القرشية من هذا المولى الذي أنفق عليه وتعاهده ورباه.
ومن حكمة الفتاة المسلمة، ألا تبالي بكون الشاب وسيماً أنيقاً رشيقاً غنياً ذا سيارة فارهة، وإنما تنظر في الحقائق لا في الظواهر، وصاحب الدين والخلق الذي حث الشرع عليه، هو الذي تكرم به المرأة الفاضلة في الحقيقة، والذي ينبغي أن يكون عليه مدار الرد والقبول، وأساس التخفيف لما يثقل كاهل الزوج، والحصيفة تستثمر مدة الخطبة، في تغيير السلوكيات الخاطئة عند خطيبها والعكس، هذا بعد العقد تنتقل من الخطبة إلى المعاملة المباشرة، وأما قبل العقد، فلا يجوز إلا عن بعد، كإرسال ما يقرأ ويسمع، أو من ينصحه ونحو ذلك، وبعضهم إذا عزم على الزواج بامرأة غير ذات دين يقول لعل الله أن يهديها على يدي، وربما تحول هو إلى ما هي عليه فشقي وإياها .
ومن المخالفات، تساهل الفتيات في اختيار الزوج، فكذلك توافق على العاصي لمركزه الاجتماعي أو وظيفته، تقول : لعل الله أن يهديه، فربما سارت على ركابه أيضا، وبعض الناس يخطب إليهم الرجل الذي لا يصلي، فيقولون : لعله أن يصلي، لنا خلقه وله دينه، وليس هذا الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما قال: ((ترضون خلقه ودينه))، والخلق من الدين، لكن خصه منه لأهميته في الزواج، الخلق من الدين، وإنما نص عليه مفرداً وعطفه على الدين، لمكانته في العشرة .
ويجب على الوّلي أن يتقي الله في موليته، ويراعي مصلحتها لا مصلحته، لأنه مؤتمن ومسؤول، ولا يكلف الخاطب ما لا يطيق، فإذا كان مرضياً في دينه وخلقه، متحلياً بآداب الشريعة، أتم له الأمر، وإذا ظهر خلاف تلك المصلحة، فسخ الخطبة وجوباً، فإذا تبين له أنه ليس من مصلحة موليته هذا الإنسان فسخ الخطبة كما قال العلماء، ورد الأمر، فإذا تبين له شيء في غير مصلحة موليته عمل بذلك، لأنه مؤتمن عليها، فهو ينظر لها، هل تطيق العيش مع هذا، ما هي حاله، ما هي ظروفه، ما هو دينه، ما هي أخلاقه، ما هي حال عائلته وأسرته، ونحو ذلك مما يعرفه في ابنته، هل تكون الموافقات والائتلاف، أم سيكون في الأمر تعسير لحياتها ونكد، أو يكون عليها ضيم وظلم ونحو ذلك، فلا بد من التبصّر في الأمور، لان هنالك تفصيلات كثيرة تراعى في حال الخاطب والمخطوبة، فإذا صار التوافق والتطابق وغلب على الظن أن الأمور ستنجح، فإنه يمضي على بركة الله .
ومن العادات التي لا أصل لها في الشرع، أن يمنع الأب تزويج البنت الصغرى إذا خُطبت بحجة أن الأكبر منها لم تنكح، وهذا فيه إضرار بالصغرى، والضرر لا يزال بالضرر، فهل الحل أن تبقى الثنتان بلا نكاح، ولذلك التي يأتيها رزقها تزوج، وقد يقول نفضل أن تنكح الكبرى أولاً محافظة على نفسيتها، ولكن إذا لم يحصل، فإنه لا يقف أمام الصغرى في طريقها، خصوصاً وأننا نرى مشوار العنوسة يطول اليوم، فلا بد من الحرص على المصلحة للجميع .
نسأل الله -عز وجل- أن يبارك لنا فيما أتانا، وأن يرزقنا اتباع هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن يجعلنا من المستمسكين بسنته، الحريصين على هديه، ونسأله سبحانه أن يصلح أعمالنا، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم أنه هو الغفور الرحيم
يتبع بفضل الله
تعليق