إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وجعلناكم أمة وسطا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وجعلناكم أمة وسطا

    التاريخ / / 142 هـ

    موضوع الخطبة
    وجعلناكم أمة وسطا
    الخطبة الأولى
    الحمد لله، الحمد لله ذي العز والجلال، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، جعلنا من أمة الوسط والاعتدال، وحذرنا من الشطط والضلال، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله المزيد من فضله فهو ذو الفضل والنوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم الحساب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخليله ومصطفاه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم عليه وعلى الصحب والآل، وعلى من تبعهم بإحسان على خير منوال0
    أما بعد فاتقوا الله تعالى عباد الله حق التقوى واعلموا أن شريعة الإسلام خاتمة الشرائع، أنزلها الله للناس كافة، في مشارق أرض الله ومغاربها، للذكر والأنثى، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والعالم والجاهل، والصحيح والمريض. ومن أجل هذا جاءت بفضل الله ولطفه وحكمته ميسوراً فهمُها، سهلا العملُ بها، تسعُ الناس أجمعين، ويطيقها كلُّ المكلَّفين. دين الإسلام رخصة بعد عزيمة، ولين من غير شدّة، ويسرٌ من غير عسر .
    وصراط الله المستقيم وسط بين السبل المتشعبة إذ إن دين الإسلام وسط بين الأديان وأمة محمد rوسط بين الأمم. لذلك فإن هذا الدين أحب الأديان إلى الله : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ r: (أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ)
    لذلك فإن المؤمن كلما ازداد معرفة بهذا الدين علم يسر أحكامه وشرائعه قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (الحج: من الآية78)، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ (البقرة: من الآية185). فدين الإسلام وسط بين الغالي فيه والجافي عنه ، وبين المتشدد فيه والمقصر المتساهل في لزوم أحكامه فلا إفراط ولا تفريط ، ولا غلو ولا تقصير ، ولا تنطع ولا وتهاون ، وهذه السماحة وذلك اليسر هو في كل أحكامه وتشريعاته
    ولقد قرر الله عز وجل ذكر هذا المعنى في سورة الفاتحة حيث قال تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ (الفاتحة:7) فدين الإسلام هو الصراط المستقيم وهو الوسط بين الأديان ، فالمغضوب عليهم وهم اليهود غلوا في جانب الدين، وعلموا ولم يعملوا والضالون وهم النصارى غلوا في الرهبانية والتعبد، حتى خرجوا عن حدود الشرع، ليس فقط في العبادة بل حتى في الاعتقاد . ولكن الله تعالى برحمته وحكمته ومنه وكرمه على هذه الأمة أنه هداها للدين الحق الدين الوسط الذي هو أكمل الأديان وأيسرها .؛ لذلك كان سبيل الحق هو سبيل الرشد، وهو الصراط المستقيم، كما قال تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ (لأعراف:146)،
    وبين الله أن من سلك سبيلا غير سبيل الحق فهو على اعوجاج في طريقته وعلى انحراف في دينه كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (آل عمران:99)،
    والله تعالى مدح هذه الأمة بأنها وسط لأنها هديت إلى صراط مستقيم، ولأنها على صراط مستقيم، ولأنها لم تنحرف مع السبل المعوجة، ذات اليمين وذات الشمال.قال الله تبارك وتعال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (آل عمران: 143). ومن فوائد هذه الآية : الإرشاد إلى أن كل خير ينفع الناس فقد أمر الله به، ودعا إليه، وكل شر وفساد فقد نهى الله عنه وأمر بتركه؛ وهذا ضرورة كون هذه الأمة موصوفة بالخيرية، وأنها هديت إلى الصراط المستقيم.
    بل بلغ من وسطية هذا الدين الحنيف أنه نهى عن تحريم الطيبات والغلو في التزهد وترك المباحات تحريماً لها ، وكذلك نهى عن الإسراف، وهو من الغلو في الاستغراق في الدنيا وملذاتها، وأن الصراط المستقيم بينهما، يقول تبارك وتعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ ( الاعراف 31-32)ومن الأدلة على وسطية الدين وسماحته ويسر أحكامه أن الله تعالى لم يرد من عباده أن يشق علهم أو يكلفهم ما لا يطيقون ، وهذه رحمة منه لنا جل جلاله فله الحمد على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى ، قال تبارك وتعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة:6)، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة من الآية 185)، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ﴾ (النساء من الآية 28). فهذا وصف الله سبحانه وتعالى للدين بأنه يسر، وبأن الله ما جعل علينا فيه حرج، وأن الله يريد أن يخفف عنا، وكل هذا يدل على أن الغلو في الدين، غير مطلوب، بل ليس هو من الدين، وأن التوسط هو سمة الدين ومنهاجه، والوسطية بين طرفين ، تشدد وتساهل.
    ولقد قرر النبي rهذا المعنى ووضحه وبينه أتم إيضاح وأكمل بيان فلقد بين بالرسم العملي والخط على الأرض الطريق الوسط والمنهج الحق لأصحابه رضوان عليهم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ r خَطًّا ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ. ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾".
    وحذَّر عليه الصلاة والسلام من الميل والانحراف عن الصراط المستقيم ، والغلو في الدين ، والإتيان بتشددات في العبادة لم يفعلها ولا أصحابه
    3) فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: (جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ r فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا – أي وجدوها قليلة - فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ rقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ.
    وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)[البخاري ومسلم].
    ففي هذا الحديث : بيان أنه إذا كان التشدد والزيادة في العبادة ليس من سنته فمن باب أولى التشدد والمبالغة والغلو في الأمور الأخرى. وفيه بيان أن طريقة النبي rفي العبادة أكمل الطرق وأعلاها، وفيه: التحذير من الرغبة عن سنته .
    والغلو في الدين - أيها المؤمنون - ومجاوزة الحد المشروع في العبادة ومخالفة النبي r هو سبب من أسباب الهلاك ، والقصد والعمل بالسنة هو من أسباب النجاة في الدنيا والآخرة : فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. هلك المتنطعون. هلك المتنطعون)[ مسلم].
    والمتنطعون هم - كما قال شراح الحديث – (الْمُتَعَمِّقُونَ الْغَالُونَ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُود فِي أَقْوَالهمْ وَأَفْعَالهمْ.) . وهو دليل على أن التوسط والاعتدال في الأمور هو سبيل النجاة من الهلاك؛ وقال r قَالَ: (يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُواإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)[البخاري ومسلم].
    والحديث يأمر بالتيسير و ترك التنفير والتعسير، مما يستلزم ترك الغلو وطلب الوسط، إذ اليسر هو السماحة و ترك التشدد، وخير الأمور الوسط. وذكر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أن الغلو في التعبد، من سمات طائفة تمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية. وهم الخوارج المارقين : فذكر أنه بلغت بهم العبادة شيئاً عظيما ، ولكنها لما كانت على غير السنة مرقوا من الدين فقال عنهم: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ)[البخاري ومسلم].
    فهؤلاء غلوا في العبادات – من صلاة وصيام وقراءة وجهاد زعموا - بلا فقه ولا سنة ولا علم بل بجهل وهوى والعياذ بالله ؛ فآل الأمر بهم إلى البدعة، فقال: "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"، وأمر بقتلهم، فإنهم قد استحلوا دماء المسلمين وكفروا من خالفهم وجاءت فيهم الأحاديث الصحيحة
    بل إن الغلو – عباد الله – حتى في أفضل خلق الله وسيد ولد آدم وهو نبينا محمد r فقال عليه الصلاة والسلام: (( لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))[البخاري].
    وكذلك الغلو في الأشخاص ورفعهم فوق منزلتهم هو من الأمور المحرمة فهو سبب شرك قوم نوح عليه السلام حيث صوروا تصاوير لأشخاص فلما نسي العلم عبدت من دون الله .
    وأولى الناس بالتيسير على عباد الله وبيان الدين الوسط لهم وتبيين حقائق الإسلام الصافية النقية البعيدة عن التطرف والغلو والتنطع والانحراف عن المنهج الحق هم الدعاة إلى الله ومنهم المعلمون والمربون حيث يجب عليهم أولاً أن يفهموا المنهج الحق والدين الوسط فيتعلموا العلم الشرعي الذي يدلهم على الاقتصاد وترك الغلو وعدم الانحراف في فهم الدين ، ثم يجب عليهم بعد ذلك أن يعملوا به في أنفسهم ويعلموا غيرهم ، وإذا انحرف الفهم الصحيح للدين الحق والحنيفية السمحة ، فإنه سينحرف العمل بهذا الدين ينحرف الفهم لمعاني آيات الله وسنة نبيه r، ويصبح الناس يقبلون أي ناعق ينعق بالباطل حتى ولو لم يكن له من العلم نصيب . فعلى الدعاة إلى الله والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أن يلتزموا بهذا المنهج الرباني وأن يسلكوا هدي إمامهم وقدوتهم عليه الصلاة والسلام لما بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ داعيين إلى الله تعالى قَالَ لهما: ((يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا))[البخاري ومسلم]
    فاتقوا الله عباد الله ، واجتهدوا في عبادة الله ، ولكن بلا غلو ولا تقصير ، ولا إفراط ولا تفريط ، بل الزموا هدي رسول الله r وأصحابه ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها . فاللهم وفقنا للعلم النافع والعمل الصالح ، وجنبنا طريق أهل الغلو والجفاء ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


    الخطبة الثانية : وجعلناكم أمة وسطا

    الحمد لله ربِّ العالمين، الرّحمن الرّحيم، مالك يوم الدين، منه نستمدُّ الهدايةَ للطريق القويم والصراط المستقيم، ونسأله أن يجنِّبَنا طُرُقَ الضّلالة، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملك الحقّ المبين، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله الأمين، صلّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الغلو في الدين خطره عظيم ، فصاحبه يتعب نفسه ويغضب ربه ، ويهلك نفسه وغيره ، ولقد بين الله عز وجل على لسان رسوله r علاج هذا الانحراف في المنهج علاجاً شافياً بإذن الله لمن وفقه الله لاستعماله ، ورزقه الإخلاص والتجرد لله تعالى والسير على الهدي النبوي الكريم فقال r: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ)[البخاري ومسلم].
    [وَالْمَعْنَى لَا يَتَعَمَّق أَحَد فِي الْأَعْمَال الدِّينِيَّة وَيَتْرُك الرِّفْق إِلَّا عَجَزَ وَانْقَطَعَ (وترك العمل) فَيُغْلَب. وقَوْله: "فَسَدِّدُوا" أَيْ : اِلْزَمُوا السَّدَاد وَهُوَ الصَّوَاب مِنْ غَيْر إِفْرَاط وَلَا تَفْرِيط, .. ومعنى : "وَقَارِبُوا" أَيْ : إِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا الْأَخْذ بِالْأَكْمَلِ فَاعْمَلُوا بِمَا يُقَرِّب مِنْهُ. (وَأَبْشِرُوا) أَيْ : بِالثَّوَابِ عَلَى الْعَمَل الدَّائِم حتى لو كان قليلاً , (فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل)،
    قَوْله : (وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَة وشيء من َالدُّلْجَة )أَيْ : اِسْتَعِينُوا عَلَى مُدَاوَمَة الْعِبَادَة بِإِيقَاعِهَا فِي الْأَوْقَات الْمُنَشِّطَة.]
    والحديث نص في أن الدين يسر. و أن الدين قَصْد وأَخْذ بِالْأَمْرِ الْوسَط، فلا يفرط المرء على نفسه، ولا يفرط.
    ومن صور الغلو الحاصل عند بعض الناس هدانا الله وإياهم ما يفعله بعض المسلمين في الوضوء فتراه يتوضأ مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً وأكثر من ذلك وكل ذلك وسوسة من الشيطان حيث يصور له أنه لم يكمل الطهارة، وقد يكرر دلك العضو أكثر من ثلاث مرات وربما فات عليه الوقت ، وقد يأتيه في الصلاة فتراه يردد تكبيره الإحرام إلى أن تفوته مع الإمام قراءة الفاتحة أو يكاد تفوته الركعة أو يتشدد في الورع الغالي وقد يتشدد في الصيام أو في الحج كمن يغالي في الجمار؛ وبعض الناس يغالي في انتقاض الطهارة ، فربما خرج من صلاته بمجرد حركة في بطنه ، والواجب عليه أن لا يطيع الشيطان ولا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، والحاصل عباد الله ! إن كل أمور الشرع تعطي بوضوح أنه دين الحنيفية السمحة، دين اليسر؛ فلا غلو في الدين.
    إلا أن ههنا قضية مهمة يحسن أن أذكِّر بها في ختام هذه الخطبة وهي أن بعض الناس كلما استحسن شيئاً بعقله وتفكيره قال الدين يسر وفعله ، وبعضهم يتتبع رخص العلماء في أمور الدليل واضح في خلافها ، أو يظن أن كل أمر ميسر هو الدين ، وهذا خطأ عظيم إذ الصواب أن أمور الدين وشرائعه وأحكامه وسائر أوامره ونواهيه هي اليسر وهي التي لا حرج فيها ، وليس المعنى أن كل أمر سهل ميسر هو الدين فليفهم هذا ولينتبه له ، لأن بعض الناس عندما ينصحه الناصحون – مثلاً – بإعفاء اللحية وحرمة حلقها ، قال لا تشددوا في الدين والدين يسر ، وإذا نصحته بتقصير ثوبه إلى ما فوق الكعبين ، قال لا تشددوا علينا فالدين يسر ، ونحو ذلك من الأمور ، فالواجب عباد الله على كل مكلف أن يعبد الله تعالى ويستقيم على طاعته ويجتنب نواهيه ، فكل ما أمر الله تعالى به أو أمر به رسوله فالله عز وجل ما جعل علينا في الدين من حرج . فاللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام أن توفقنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال والاعتقادات الظاهرة والباطنة ، وأن تجعلنا ممن أقبل عليك فقبلته ، ودعاك فأجبته واستهداك فهديته واستنصرك فنصرته برحمتك يا أرحم الراحمين 0
    عباد الله : إن الله أمركم بأمر بدء فيه بنفسه فقال تعالى:)إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً( الأحزاب: 56.وقد قال r: ((من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)).فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وسلم تسليم كثيرا. اللهم وارض عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين الأمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارض عنا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلّ الكفر والكافرين، اللهم أذِلّ الكفر والكافرين يا رب العالمين ودمر أعداءك أعداء الدين. اللهم أعز الإسلام وأهله في كل ومكان، اللهم أعز الإسلام وأهله في كل ومكان، اللهم أعز الإسلام وأهله في كل ومكان، اللهم واحفظ الإسلام وأهله في كل مكان يا رب العالمين. اللهم واحفظ مقدسات المسلمين يا أرحم الراحمين، يا قوي يا متين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم نوّر على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم. اللهم يسر أمر كل مسلم ومسلمة يا رب العالمين إنك على كل قدير. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين من المسلمين، واقض الدين عن المدنين من المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم احفظ ووفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم أعنه على أمور الدين والدنيا، اللهم انصر به دينك واجمع به كلمة المسلمين يا رب العالمين، اللهم وفق بطانته لما فيه الخير للإسلام والمسلمين إنك على كل شيء قدير. اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنة رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم اجعل ولاة المسلمين عملهم خيرا لشعوبهم وأوطانهم إنك على كل شي قدير. اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا يا أرحم الراحمين. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
    عباد الله: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ(. [النحل:90 ، 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون0


    التعديل الأخير تم بواسطة راجية حب الرحمن; الساعة 24-07-2010, 01:06 AM. سبب آخر: تكبير حجم الخط

  • #2
    رد: وجعلناكم أمة وسطا

    بارك الله فيكم اخونا الفاضل ونقع بكم
    وجزاكم خير الجزاء

    اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

    تعليق


    • #3
      رد: وجعلناكم أمة وسطا

      جزاكم الله خيرا كثيرا
      اسال الله ان يجعله في ميزان حسناتكم
      " حَسبُنا الله سَيُؤتِينا الله مِن فضْلِه إنّا إلَى الله رَآغِبُونَ"
      يقول عن هذه الآية الشيخ / صآلح المغآمسي ..إنها دُعــآء المُعجِزات، ويقول: والله متى ما دعوت الله بصدق وكنت في مأزق إلا وجاء الفرج من حيث لا أعلم،، وقال ابن باز رحمه الله: مادعوت بهذا الدعاء بعد التشهد الأخير. في أمر عسير إلا تيسّر

      تعليق

      يعمل...
      X