السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
>> .. الفرقة والتمزق والاختلاف المذموم ..!! <<
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ... وبعد:
فإن من رحمة الله بعباده أنه يجازيهم علي نواياهم الحسنة ويضاعف لهم الأجور
ويجزيهم بالحسنة عشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف إلي أضعاف كثيرة ,
وقد فتح هذا الدين أبواب الخير لكل مجتهد ليصيب من فضل الله وعطائه علي قدر توفيق الله تعالي له ,
فإن الله لا يمل حتى يمل العبد , وخزائنه ملأى لا تغيض ولا ينقصها إنفاق الليل ولا النهار.
والعباد كلهم أمام الله تعالى سواء كأسنان المشط ؛
لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوى , وسنة الله في التعامل مع عباده
هي العدل والرحمة , فليس هناك تفريق ولا محاباة.
وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن احتقار المسلم وازدرائه ,
فقد روى الترمذي في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- :
(( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم))
وعندما سئل عن الكبر,
قال (( الكبر بطر الحق وغمط الناس )) رواه مسلم
أي الاستعلاء علي الحق وعدم الخضوع له واحتقار الناس والحط من شأنهم.
والمؤمن يطلب لأخيه المعاذير , والمنافق يطلب الزلات ,
فمن تتبع عورة امرئ مسلم تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في قعر بيته,
روي الإمام أبو داود في سننه عن أبي برزة الأسلمي قال:
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
(( يا معشر من أمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه
لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من اتبع عوراتهم اتبع الله عورته ,
ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)).
وذلك أن المسلمين جميعاً كالجسد الواحد يستر بعضهم علي بعض ,
وينصر بعضهم بعضاً ويعين كل منهم أخاه ,
والله تعالي يستر علي عباده عوراتهم ويغفر لهم ذنوبهم التي ارتكبوها سراً وعلانية ,
وقد امرنا بالصفح والعفو والستر ووعد علي ذلك أعظم الأجر والثواب.
وإن تجريح الشرفاء واتهام الأبرياء بلية كبرى تبتلي بها الدعوة في ذات جنودها وحاملي لوائها ,
وهي أعراض واضحة علي مرض القلب وقسوته.
وتجريح الأشخاص واتهامهم بما ليس فيهم
مبعثه الكبر والعجب وحب الرياسة والاستعلاء علي الأشباه والأقران
وهو داخل في نطاق الغيبة التي نهانا الله عنها,
قال الله تعالي :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ
وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ
بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌوَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) )
(الحجرات :11 ،12)
وإن الشيطان لا يريد للمؤمنين أن يجتمعوا على الخير والطاعة ،
ويتخذ لذلك شتى الطرق والوسائل ولا يتطرق اليأس إليه أبداً ،
وكلما خسر في جولة حاول في أخرى ،
فهو تارة يلقي بينهم الجدل العقيم في فروع وجزئيات ،
وتارة يفتح عيونهم على أخطاء بعضهم ويضخمها أمامهم ،
وتارة يضيع أوقاتهم في البحث عن الزلات والسقطات
ليضيع الحسنات ويبعثر الجهود ،
وإن الدعوة لدين الله توجب على صاحبها أن يغض الطرف عن زلات إخوانه ،
وتفرض عليه إقالة عثراتهم والتعاون معهم فيما اتضح من الحق
والتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف ،
والخضوع للحق ولو كان ذلك على حساب التراجع عن فساد الرأي ،
فالحق أحق أن يتبع
وإن الدعوة لا تبتلى بشئ أضر وأسوأ من اتهام الأشخاص بعضهم لبعض
وانتقاص كل منهم من شأن أخيه
والتحقير من عمله ومحاولة الارتفاع على أنقاضه ،
ولا يحدث هذا إلا عند غياب الغاية والهدف والتواء المقاصد والنوايا ،
فتضيع بذلك الأوقات والأعمال ويبوء العبد بالخيبة والخسران في الدنيا والآخرة ،
إن من الآفات السيئة التي وقفت في طريق السالكين من المؤمنين الصادقين
كثرة التطاحن والحروب بين المسميات المختلفة والاتجاهات المتباينة رغم أن الهدف واحد ،
أما الوسيلة فهناك مندوحة وفسحة ليعمل كلُ على قدر طاقته ،
وكان من نتيجة ذلك الداء العضال :
(1)
التعصب الأعمى لمجرد المسميات ،
وحصر الدين تحت راية وإشارة محددة ،
فينضوي كل فريق تحت رايته ويعادي من خالفه ولم يتبعه ،
فمن كان معه فهو أخوه ومعينه ، ومن لم يكن معه فهو عدوه وخصمه !
(2)
تقديس بعض الأشخاص ورفعهم إلى مصّاف المعصومين
الذين لا يخطئون ولا يُسألون عما يفعلون ،
ولا ينبغي أن يراجعهم أحد ،
وهذا أمر له خطورة شديدة على العامة والخاصة ،
فخطرها على الخاصة ينحصر في الشهوة الخفية والرياء والسمعة وحب الرياسة والترفع على خلق الله ،
ولقد علّمنا ديننا أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويُرد
إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فإنه لا ينطق عن الهوى .
أما سائر المسلمين ليسوا بمعصومين أو فوق الخطأ بل الكمال لله وحده
والعصمة لرسوله صلى الله عليه وسلم ،
وأما خطرها على العامة فيتمثل في الطاعة العمياء ،
والمسلم ليس ترساً في آلة يتحكم فيها إنسان أخر كيفما يريد ،
بل دعانا الإسلام إلى التثبت من الخبر والتريث قبل الإقدام والعمل ،
فليس في ديننا طاعة عمياء ،
بل الطاعة في المعروف ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ،
وهكذا يربي الإسلام أهله على اليقظة والفطنة ،
فلا عمى ولا خداع ،
وقد نعى الإسلام على أهل الكتاب إتباعهم أحبارهم ورهبانهم في ظنونهم وأهوائهم ،
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانسياق الأعمى
والطاعة على غير هدى وبينة
والتثبت من الأمور قبل الإقدام على أي حركة وفعل،
فقد روى الترمذي في سننه عن حذيفة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( لا يكن أحدكم إمعة ،
يقول أن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ،
ولكن وطنوا أنفسكم ،إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءاتهم )
وهذا هو مسلك المؤمنين من حيث الاتباع ،
فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا طاعة إلا في المعروف ، ولا سمع ولا طاعة فيما سوى ذلك ،
ولقد جنى على الدعوة أفراد استقلوا برأيهم وصموا آذانهم عن سماع النصح من إخوانهم ،
واستبدوا برأيهم ولم يسمعوا إلا صوت أنفسهم ،
فأثمرت ذلك التباغض والتحاسد وتنافر القلوب وضيق الصدور ،
(3)
امتلاء القلوب بسائر الأمراض والعلل
كالحقد والغل والكبر والبغضاء
وترصد الأخطاء والتربص بالزلات والتشهير والتجريح ،
وهذه ثمار بديهية عندما يكون منبع الخلاف هو
الهوى والإعجاب بالرأي ،
فإن القلب عندما يتشرب الهوى يقسو ويصبح مرتعاً وخيماً لكل آفة وعلة ،
والعجب
أن البعض يسعى وراء الحق ليعرفه ولكنه لا يقبله إلا من شيخه هو أو من أتباعه وأشباهه في جماعته ،
فإذا سمعه من آخر يختلف معه في نمط العمل وأسلوبه
إذا به ينفر منه ويصم أذنيه
ولا يقبل منه شيئاً !
وهنا يتضح أن البحث من أساسه لم يكن للوصول إلي الحق.
وإلاّ لقبله من أي جهة ومن أي فم نطق به ,
ولكن القضية أصبحت قضية هوي لا قضيه دين ,
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتعدى إلي التجريح والتقليل من شأن الآخرين واحتقار أعمالهم ,
وهذه بلية كبرى أن يحقر المسلم عمل المعروف وإن قل ,
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال:
قال النبي صلي الله عليه وسلم:
(( لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقي أخاك بوجه طليق )). رواه مسلم
(4)
ضياع الحق نتيجة الهوى والانتصار للرأي ,
والحق محفوظ بعناية الله إلي قيام الساعة ,
ولكنه يضيع من حياة المسلمين ومن واقعهم ويغيب عن حياتهم بغفلتهم عنه ونسيانهم إياه ,
وإن لم يضع فإنه يختلط بغيره أو تكون عليه غشاوة ,
فلا تستطيع الأبصار الكليلة أن تراه بوضوح وجلاء نتيجة لضعف الإيمان والتقوي .
(5)
انسداد التفاهم والتلاحم بين ذوي الآراء المختلفة ,
ونتج عن ذلك الشقاق والتمزق وهي بداية الهزيمة
قال الله تعالي :
(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين)
وتلك ثمرة مرة لتنافر القلوب وانعدام التفاهم والانسجام المطلوب بين أهل الإيمان
فالبديهي أن تذوب بينهم الفواصل والفوارق وأن يصلحوا ذات بينهم
ويعيشوا بالحب والمودة وسلامة الصدر ,
فليس هناك مثل تقارب القلوب فإنها من أكبر العون علي النصرة والتأييد وعون الله تعالي,
ومما يؤثر أن النبي صلي الله عليه وسلم قد أُوتي علم ليلة القدر وهم أن يخرج ليبلغ أصحابه بها ,
فقال لهم:
(( إني قد أُوتيت علم ليلة القدر
ثم تلاحي فلان وفلان
فأُنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان))
فالشجار والخلاف كان سبباً في رفع العلم ونساينه.
وإن الحالقة التي تحلق الدين والإيمان هي فساد ذات البين,
وهذا الأمر كان يحرص النبي صلي الله عليه وسلم علي تفاديه واجتنابه وتحذير أصحابه منه.
وأخيـــــــراً:
إن التفاهم والترابط واتفاق القلوب هو طبيعة هذا الدين التي يصبغ بها معاملات أتباعه
أما التباغض والتعاند والتحاسد والحقد والغيرة
فما هي إلا أمور طارئة يبثها الشيطان بين المؤمنين ليفرق كلمتهم ويوقع بينهم العدواة والبغضاء .....
فهلا انتبهنا ؟!!
والله من وراء القصد
وكتبه / صلاح عبد المعبود
تعليق