السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علم نفس دعوي (1) (دعوة فردية)
ما أحوج الدعاة إلى كتاب نفسي تربوي في مجال الدعوة إلى الله والحركة, وفي مجال الاتصال بالناس والتأثير فيهم, وفي مجال التعامل مع الأولاد والتلاميذ والمدعوين,
قلت ( أبو أنس):
ما أحوجنا إل أن نتعلم كيف نقيم الناس نفسيا (من منطلقات شرعية) قبل دعوتهم
ما أحوجنا أن تكون منطلقاتنا العلمية منطلقات إسلامية محضة ...
فكم تحير علماء النفس والاجتماع في الوصول لتعريف الشخصية؟
وكم زادت حيرتهم عند تحديد العوامل المؤثرة على بناء أي نظرية للشخصية عند التعامل معها مثل:
الاختيار والجبر
وهل نحن مخيرون أم مسيرون؟
ويا لها من حيرة عندما تقرأ أو تسمع كلامهم عن الطباع والتنشئة وتأثيرهما على السلوك الإنساني,
وهنا يفاجئنا السؤال
هل لكل إنسان طبيعته المستقلة أم هناك ثوابت مشتركة بين الناس وأخيرًا الخير والشر وهل النفس بطبيعتها خيرة أم شريرة؟
لا يستطيع علماء النفس الطبي العقلي أن ينسبوا ببنت شفه ولا يملكون حيلة إلا الظن وإن الظن لا يغني عن الحق شيئا؟ وهم من هم...!!!
ولكني أقول بملء فمي أني أملك الجواب ...
ولا تعجبوا ... فأصلنا خير لأننا فطرنا على الإسلام
جاء في موسوعة نضرة النعيم:
لقد كان من مظاهر تكريم الإنسان أن زوده اللّه تعالى بنور الفطرة التي يستطيع بها أن يعرف ربه، ويستدل بها على صراطه المستقيم وذلك من التدبر في آلائه ونعمه، يقول اللّه تعالى:" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِالَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ "«الروم/ 30»،
والفطرة: هي الخلق والهيئة التي في نفس الطفل، وهي معدّة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات اللّه تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الحنيف، وهو الذي على الاستعداد له فطر البشر، ولكن تعرضهم العوارض «تفسير القرطبي (14/ 29)»،
وقيل: المعنى هو أن اللّه سبحانه خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات فما دامت باقية على ذلك القبول وتلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق «السابق، الصفحة نفسها».
ويقول ابن تيمية- رحمه اللّه تعالى-:
لقد فطر اللّه عباده على محبته وعبادته، فإذا تركت هذه الفطرة بلا فساد، كان القلب عارفا باللّه محبا له عابدا له وحده «الفتاوى (10/ 175) بتصرف».
قلت (أبو أنس):
ثم أن فساد الفطرة أمر حادث لعوامل خارجية متعددة سواء أكان من البيئة المحيطة بالإنسان كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» «البخاري- الفتح (3/ 1385)».
أو من إغواء الشيطان ووسوسته، وفي هذه الحالة اقتضت رحمة اللّه تعالى بالإنسان أن يرسل إليه الرسل مبشرين ومنذرين ويحدث صراع عنيف بين الشيطان وما يدعو إليه من ناحية وبين الرسل وما يدعون إليه من التزام الصراط المستقيم من ناحية أخرى، بين الفجور والتقوى (بتصرف نضرة النعيم)
الشخصية في المنظور الإسلامي وتكوينها
جاء في كتاب "علم النفس الدعوي" للدكتور/ عبد العزيز النغيمشي
أن الإسلام ينظر للشخصية على أنها تتكون من أربعة مكونات:
المكون المادي العضوي
والمكون الروحي المعنوي
والمكون العبادي
والمكون الخلقي,
وأن هذه المكونات تسير في مسار واحد متناسق متكامل محكوم بنواميس كونية منتظمة وثابتة وأن فيها جانبا إراديا يتصرف الإنسان بشأنه وأن التوحيد الذي أنزله الله يساعد الإنسان على اختيار معتقداته وأفكاره
وأن هناك تناسق بين إرادة الإنسان وفطرته المتناسقة مع النظام الكوني الذي خلقه الله, وأن تشكيل الشخصية الإسلامية يتم من خلال ما وضعه المنهج الإسلامي من نماذج يعرض الإنسان نفسه عليها كالظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات.انتهى
وفي نهاية كتاب الدكتور النغيمشي يوضح لنا بعض معايير الشخصية وسماتها فيختم بحثه بالحديث عن السواء والانحراف وسمات الشخصية فيحدد معايير السواء عند النفسيين كمعيار النظرية القيمية والتي تقيس السواء والانحراف بمدى البعد والقرب عن المثل الأعلى والكمال, ومعيار النظرية الطبية والتي ترى أن الشذوذ والانحراف حالة مرضية, وغيرها من المعايير الغربية.
ثم يتكلم عن معايير السواء في المنهج الإسلامي ويحصرها في ثلاثة معايير وهي:
مدى انسجام السلوك مع الطبع والفطرة ثم مدى انسجام السلوك مع الشرع ثم مدى انسجام السلوك مع الغاية النهائية وهي عبودية الله تعالى. انتهى
قلت (أبو أنس) مستعينا بالله:
إن تسريب الشعور بالاطمئنان النفسي إلى نفس المدعو هو أو طريق التغيير الحقيقي لشخصيته وتعديل سلوكيه وتغيير فكره و من ثم استنهاضه للعمل الفردي أو الجماعي"
فلابد أن يشعر المريض بمرضه حتى يشرع في العلاج... علاج النفس
ولا يتم علاج النفس إلا بمعرفة أغوارها الشرعية وطبيعة خلقتها وقوتها المتحكمة في تحريك شخصية صاحبها وهنا يأتي الكلام عن ... قوى النفس الناطقة:
ذكر الإيجيّ في كتابه «الأخلاق» أن للنفس الناطقة ثلاث قوى، هي:
1- قوة النطق (العاقلة).
2- قوة الشهوة (البهيمية).
3- قوة الغضب (السبعية).
واعتدال هذه القوى فضائل، أما أطرافها فهي الرذائل،
فاعتدال قوة النطق هو الحكمة وإفراطها الجريرة وتفريطها الغباوة (البلادة)،
أما قوة الشهوة فاعتدالها العفة، وإفراطها الفجور، وتفريطها الجحود،
وأما قوة الغضب فاعتدالها الشجاعة، وإفراطها التهور، وتفريطها الجبن،
هذا فيما يتعلق بالناحية الكمية.
أما من حيث الكيف فإن هذه الفضائل الثلاث أي الحكمة والعفة والشجاعة تتحول. إذا أسيء استخدامها إلى رذائل،
وذلك كمن يتعلم الحكمة لمجاراة العلماء ولمماراة السفهاء، أو كمن يمارس الشجاعة للصيت أو الغنيمة،
ومناط ذلك كله هو النية التي تصحب الفعل، لأن هذه الثلاث إنما تكون فضائل إذا لم يشبها غرض وصدرت بلا روية « الأخلاق لعضد الدين الإيجي، ص 29- 33 بتصرف».
قلت (أبو أنس):
فيجب على الداعية أن يتعرف طبيعة من يحدثه ليضرب على وتره الحساس فيصل إلى قلبه في أقل وقت بشرط أن يستعين بالله عليه وما التوفيق إلا من عند الله ولنبدأ بأمر عام يناسب كل مدعو ألا وهو اليقظة التي هي ضد الغفلة المهلكة... فاليقظة أول مفاتيح الخير وهي (منشأ الطمأنينة)
جاء في موسوعة نضرة النعيم (بتصرف):
إذا اطمأنت النفس من الشك إلى اليقين،
ومن الجهل إلى العلم،
ومن الغفلة إلى الذكر،
ومن الخيانة إلى التوبة،
ومن الرياء إلى الإخلاص،
ومن الكذب إلى الصدق،
ومن العجز إلى الكيس،
ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات
ومن التيه إلى التواضع،
ومن الفتور إلى العمل
فقد باشرت روح الطمأنينة ،
وأصل هذا كله ومنشؤه من اليقظة فهي أول مفاتيح الخير لأن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالا منه؟
فإن العاقل يعلم وعد اللّه ووعيده وما تقتضيه أوامر الرب تعالى ونواهيه وأحكامه من الحقوق، لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك ويقعده عن الاستدراك سنة القلب وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده، وركد وأخلد إلى نوازع الشهوات فاشتد إخلاده وركوده،
وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات ومخالطة أهل البطالات، ورضي بالتشبه (بأهل إضاعة الأوقات)، فهو في رقاده مع النائمين، وفي سكرته مع المخمورين، فمتى انكشف عن قلبه سنة هذه الغفلة بزجرة من زواجر الحق في قلبه استجاب فيها لواعظ اللّه في قلب عبده المؤمن، أو بهمّة عالية أثارها معول الفكر في المحل القابل فضرب بمعول فكره وكبر تكبيرة أضاءت له منها قصور الجنة فقال:
ألا يا نفس ويحك ساعديني ... بسعي منك في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي ... بطيب العيش في تلك العلالي
قلت (أبو أنس):
فإذا اطمأنت النفس فرح القلب وإذا فرح القلب شعرالموحد بأضعاف السعادة التي يبحث كثير من الناس عنها في الحرام عياذا بالله وقد وقفت على كلام قيم لابن القيم رحمه الله فاستمتعوا معنا بكلامه عن النفس المطمئنة وفرح القلب:
الفرق بين فرح القلب وفرح النفس ظاهر فإن الفرح باللّه ومعرفته ومحبته وكلامه من القلب قال تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الرعد: 36
فإذا كان أهل الكتاب يفرحون بالوحي فأولياء اللّه وأتباع رسوله أحق بالفرح به
وقال تعالى: (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) التوبة :124
وقال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس :58
قال أبو سعيد الخدري:
فضل اللّه: هو القرآن، ورحمته: أن جعلكم من أهله
وقال هلال بن يساف: فضل اللّه ورحمته: الإسلام الذي هداكم إليه والقرآن الذي علّمكم وهو خير من الذهب والفضة الذين تجمعون،
وقال ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور المفسرين فضل اللّه الإسلام ورحمته القرآن، فهذا فرح القلب وهو من الإيمان ويثاب عليه العبد فإن فرحه به يدل على رضاه به بل بما هو فوق الرضا فالفرح بذلك على قدر محبته فإن الفرح إنما يكون بالظفر بالمحبوب
وعلى قدر محبته يفرح بحصوله له فالفرح باللّه وأسمائه وصفاته ورسوله وسنته وكلامه محض الإيمان وصفوته لبه وله عبودية عجيبة وأثر في القلب لا يعبّر عنه، فابتهاج القلب وسروره وفرحه باللّه وأسمائه وصفاته وكلامه ورسوله ولقائه أفضل ما يعطاه بل هو جل عطاياه،
والفرح في الآخرة باللّه ولقائه بحسب الفرح به ومحبته في الدنيا، فالفرح بالوصول إلى المحبوب يكون على حسب قوة المحبة وضعفها، فهذا شأن فرح القلب،
وله فرح آخر وهو فرحه بما منّ اللّه به عليه من معاملته والإخلاص له والتوكل عليه والثقة به وخوفه ورجائه به.
وكلما تمكّن في ذلك قوي فرحه وابتهاجه، وله فرحة أخرى عظيمة الوقع عجيبة الشأن وهي الفرحة التي تحصل له بالتوبة فإن لها فرحة عجيبة لا نسبة لفرحة المعصية إليها البتة، فلو علم العاصي أن لذة التوبة وفرحتها يزيد على لذة المعصية وفرحتها أضعافا مضاعفة لبادر إليها أعظم من مبادرته إلى لذة المعصية.
وسر هذا الفرح إنما يعلمه من علم سر فرح الرب تعالى بتوبة عبده أشد فرح يقدّر،
ولقد ضرب له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثلا ليس في أنواع الفرح في الدنيا أعظم منه وهو فرح رجل قد خرج براحلته التي عليها طعامه وشرابه في سفر ففقدها في أرض دوّية مهلكة فاجتهد في طلبها فلم يجدها، فيئس منها وجلس ينتظر الموت حتى إذا طلع البدر رأى في ضوئه راحلته وقد تعلّق زمامها بشجرة فقال من شدة فرحه: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فاللّه أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته.
فلا ينكر إذا أن يحصل للتائب نصيب وافر من الفرح بالتوبة ولكن هاهنا أمر يجب التنبيه عليه
وهو أنه لا يصل إلى ذلك إلّا بعد ترحات ومضض ومحن لا تثبت لها الجبال،
فإن صبر لها ظفر بلذة الفرح وإن ضعف عن حملها ولم يصبر لها لم يظفر بشيء، وآخر أمره فوات ما آثره من فرحة المعصية ولذتها فيفوته الأمران ويحصل على ضد اللذة من الألم المركب من وجود المؤذي وفوت المحبوب فالحكم للّه العلي الكبير «الروح لابن القيم، ص 224- 225».
طال الحديث ولكنه لم ينته فعسى الله أن يلهمنا يرشدنا في كل وقت وفتح علينا من فضله
ولعلي أوصيكم ببعض الكتب التي تفيد في هذا الأمر بفضل الله
1- علم النفس الدعوي عبد العزيز محمد النغميشي
2- مدخل إلى التربية الإسلامية عبد الرحمن اليامي
3- أسس الصحة النفسية للطفل المسلم مالك بدري
4- التفكر من المشاهدة إلى الشهود : دراسة نفسية إسلامية مالك بدري
5- علم النفس التعليمي محمد خليفة بركات
6- آراء ابن القيم التربوية حسن علي حسن الحجاجي
7- دراسات في النفس الإنسانية محمد قطب
8- منهج التربية الإسلامية 1-2 محمد قطب
9- علم النفس في حياتنا اليومية محمد عثمان نجاتي
10- علم النفس التكويني عبد الحميد محمد الهاشمي
11- المراهقون عبد العزيز محمد النغميشي
12- أصول علم النفس العام عبد الحميد محمد الهاشمي
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
جمعه ورتبه
(أبو أنس أمين بن عباس)
عفا الله عنه وعنكم
علم نفس دعوي (1) (دعوة فردية)
ما أحوج الدعاة إلى كتاب نفسي تربوي في مجال الدعوة إلى الله والحركة, وفي مجال الاتصال بالناس والتأثير فيهم, وفي مجال التعامل مع الأولاد والتلاميذ والمدعوين,
قلت ( أبو أنس):
ما أحوجنا إل أن نتعلم كيف نقيم الناس نفسيا (من منطلقات شرعية) قبل دعوتهم
ما أحوجنا أن تكون منطلقاتنا العلمية منطلقات إسلامية محضة ...
فكم تحير علماء النفس والاجتماع في الوصول لتعريف الشخصية؟
وكم زادت حيرتهم عند تحديد العوامل المؤثرة على بناء أي نظرية للشخصية عند التعامل معها مثل:
الاختيار والجبر
وهل نحن مخيرون أم مسيرون؟
ويا لها من حيرة عندما تقرأ أو تسمع كلامهم عن الطباع والتنشئة وتأثيرهما على السلوك الإنساني,
وهنا يفاجئنا السؤال
هل لكل إنسان طبيعته المستقلة أم هناك ثوابت مشتركة بين الناس وأخيرًا الخير والشر وهل النفس بطبيعتها خيرة أم شريرة؟
لا يستطيع علماء النفس الطبي العقلي أن ينسبوا ببنت شفه ولا يملكون حيلة إلا الظن وإن الظن لا يغني عن الحق شيئا؟ وهم من هم...!!!
ولكني أقول بملء فمي أني أملك الجواب ...
ولا تعجبوا ... فأصلنا خير لأننا فطرنا على الإسلام
جاء في موسوعة نضرة النعيم:
لقد كان من مظاهر تكريم الإنسان أن زوده اللّه تعالى بنور الفطرة التي يستطيع بها أن يعرف ربه، ويستدل بها على صراطه المستقيم وذلك من التدبر في آلائه ونعمه، يقول اللّه تعالى:" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِالَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ "«الروم/ 30»،
والفطرة: هي الخلق والهيئة التي في نفس الطفل، وهي معدّة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات اللّه تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الحنيف، وهو الذي على الاستعداد له فطر البشر، ولكن تعرضهم العوارض «تفسير القرطبي (14/ 29)»،
وقيل: المعنى هو أن اللّه سبحانه خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات فما دامت باقية على ذلك القبول وتلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق «السابق، الصفحة نفسها».
ويقول ابن تيمية- رحمه اللّه تعالى-:
لقد فطر اللّه عباده على محبته وعبادته، فإذا تركت هذه الفطرة بلا فساد، كان القلب عارفا باللّه محبا له عابدا له وحده «الفتاوى (10/ 175) بتصرف».
قلت (أبو أنس):
ثم أن فساد الفطرة أمر حادث لعوامل خارجية متعددة سواء أكان من البيئة المحيطة بالإنسان كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» «البخاري- الفتح (3/ 1385)».
أو من إغواء الشيطان ووسوسته، وفي هذه الحالة اقتضت رحمة اللّه تعالى بالإنسان أن يرسل إليه الرسل مبشرين ومنذرين ويحدث صراع عنيف بين الشيطان وما يدعو إليه من ناحية وبين الرسل وما يدعون إليه من التزام الصراط المستقيم من ناحية أخرى، بين الفجور والتقوى (بتصرف نضرة النعيم)
الشخصية في المنظور الإسلامي وتكوينها
جاء في كتاب "علم النفس الدعوي" للدكتور/ عبد العزيز النغيمشي
أن الإسلام ينظر للشخصية على أنها تتكون من أربعة مكونات:
المكون المادي العضوي
والمكون الروحي المعنوي
والمكون العبادي
والمكون الخلقي,
وأن هذه المكونات تسير في مسار واحد متناسق متكامل محكوم بنواميس كونية منتظمة وثابتة وأن فيها جانبا إراديا يتصرف الإنسان بشأنه وأن التوحيد الذي أنزله الله يساعد الإنسان على اختيار معتقداته وأفكاره
وأن هناك تناسق بين إرادة الإنسان وفطرته المتناسقة مع النظام الكوني الذي خلقه الله, وأن تشكيل الشخصية الإسلامية يتم من خلال ما وضعه المنهج الإسلامي من نماذج يعرض الإنسان نفسه عليها كالظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات.انتهى
وفي نهاية كتاب الدكتور النغيمشي يوضح لنا بعض معايير الشخصية وسماتها فيختم بحثه بالحديث عن السواء والانحراف وسمات الشخصية فيحدد معايير السواء عند النفسيين كمعيار النظرية القيمية والتي تقيس السواء والانحراف بمدى البعد والقرب عن المثل الأعلى والكمال, ومعيار النظرية الطبية والتي ترى أن الشذوذ والانحراف حالة مرضية, وغيرها من المعايير الغربية.
ثم يتكلم عن معايير السواء في المنهج الإسلامي ويحصرها في ثلاثة معايير وهي:
مدى انسجام السلوك مع الطبع والفطرة ثم مدى انسجام السلوك مع الشرع ثم مدى انسجام السلوك مع الغاية النهائية وهي عبودية الله تعالى. انتهى
قلت (أبو أنس) مستعينا بالله:
إن تسريب الشعور بالاطمئنان النفسي إلى نفس المدعو هو أو طريق التغيير الحقيقي لشخصيته وتعديل سلوكيه وتغيير فكره و من ثم استنهاضه للعمل الفردي أو الجماعي"
فلابد أن يشعر المريض بمرضه حتى يشرع في العلاج... علاج النفس
ولا يتم علاج النفس إلا بمعرفة أغوارها الشرعية وطبيعة خلقتها وقوتها المتحكمة في تحريك شخصية صاحبها وهنا يأتي الكلام عن ... قوى النفس الناطقة:
ذكر الإيجيّ في كتابه «الأخلاق» أن للنفس الناطقة ثلاث قوى، هي:
1- قوة النطق (العاقلة).
2- قوة الشهوة (البهيمية).
3- قوة الغضب (السبعية).
واعتدال هذه القوى فضائل، أما أطرافها فهي الرذائل،
فاعتدال قوة النطق هو الحكمة وإفراطها الجريرة وتفريطها الغباوة (البلادة)،
أما قوة الشهوة فاعتدالها العفة، وإفراطها الفجور، وتفريطها الجحود،
وأما قوة الغضب فاعتدالها الشجاعة، وإفراطها التهور، وتفريطها الجبن،
هذا فيما يتعلق بالناحية الكمية.
أما من حيث الكيف فإن هذه الفضائل الثلاث أي الحكمة والعفة والشجاعة تتحول. إذا أسيء استخدامها إلى رذائل،
وذلك كمن يتعلم الحكمة لمجاراة العلماء ولمماراة السفهاء، أو كمن يمارس الشجاعة للصيت أو الغنيمة،
ومناط ذلك كله هو النية التي تصحب الفعل، لأن هذه الثلاث إنما تكون فضائل إذا لم يشبها غرض وصدرت بلا روية « الأخلاق لعضد الدين الإيجي، ص 29- 33 بتصرف».
قلت (أبو أنس):
فيجب على الداعية أن يتعرف طبيعة من يحدثه ليضرب على وتره الحساس فيصل إلى قلبه في أقل وقت بشرط أن يستعين بالله عليه وما التوفيق إلا من عند الله ولنبدأ بأمر عام يناسب كل مدعو ألا وهو اليقظة التي هي ضد الغفلة المهلكة... فاليقظة أول مفاتيح الخير وهي (منشأ الطمأنينة)
جاء في موسوعة نضرة النعيم (بتصرف):
إذا اطمأنت النفس من الشك إلى اليقين،
ومن الجهل إلى العلم،
ومن الغفلة إلى الذكر،
ومن الخيانة إلى التوبة،
ومن الرياء إلى الإخلاص،
ومن الكذب إلى الصدق،
ومن العجز إلى الكيس،
ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات
ومن التيه إلى التواضع،
ومن الفتور إلى العمل
فقد باشرت روح الطمأنينة ،
وأصل هذا كله ومنشؤه من اليقظة فهي أول مفاتيح الخير لأن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالا منه؟
فإن العاقل يعلم وعد اللّه ووعيده وما تقتضيه أوامر الرب تعالى ونواهيه وأحكامه من الحقوق، لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك ويقعده عن الاستدراك سنة القلب وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده، وركد وأخلد إلى نوازع الشهوات فاشتد إخلاده وركوده،
وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات ومخالطة أهل البطالات، ورضي بالتشبه (بأهل إضاعة الأوقات)، فهو في رقاده مع النائمين، وفي سكرته مع المخمورين، فمتى انكشف عن قلبه سنة هذه الغفلة بزجرة من زواجر الحق في قلبه استجاب فيها لواعظ اللّه في قلب عبده المؤمن، أو بهمّة عالية أثارها معول الفكر في المحل القابل فضرب بمعول فكره وكبر تكبيرة أضاءت له منها قصور الجنة فقال:
ألا يا نفس ويحك ساعديني ... بسعي منك في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي ... بطيب العيش في تلك العلالي
قلت (أبو أنس):
فإذا اطمأنت النفس فرح القلب وإذا فرح القلب شعرالموحد بأضعاف السعادة التي يبحث كثير من الناس عنها في الحرام عياذا بالله وقد وقفت على كلام قيم لابن القيم رحمه الله فاستمتعوا معنا بكلامه عن النفس المطمئنة وفرح القلب:
الفرق بين فرح القلب وفرح النفس ظاهر فإن الفرح باللّه ومعرفته ومحبته وكلامه من القلب قال تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الرعد: 36
فإذا كان أهل الكتاب يفرحون بالوحي فأولياء اللّه وأتباع رسوله أحق بالفرح به
وقال تعالى: (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) التوبة :124
وقال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس :58
قال أبو سعيد الخدري:
فضل اللّه: هو القرآن، ورحمته: أن جعلكم من أهله
وقال هلال بن يساف: فضل اللّه ورحمته: الإسلام الذي هداكم إليه والقرآن الذي علّمكم وهو خير من الذهب والفضة الذين تجمعون،
وقال ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور المفسرين فضل اللّه الإسلام ورحمته القرآن، فهذا فرح القلب وهو من الإيمان ويثاب عليه العبد فإن فرحه به يدل على رضاه به بل بما هو فوق الرضا فالفرح بذلك على قدر محبته فإن الفرح إنما يكون بالظفر بالمحبوب
وعلى قدر محبته يفرح بحصوله له فالفرح باللّه وأسمائه وصفاته ورسوله وسنته وكلامه محض الإيمان وصفوته لبه وله عبودية عجيبة وأثر في القلب لا يعبّر عنه، فابتهاج القلب وسروره وفرحه باللّه وأسمائه وصفاته وكلامه ورسوله ولقائه أفضل ما يعطاه بل هو جل عطاياه،
والفرح في الآخرة باللّه ولقائه بحسب الفرح به ومحبته في الدنيا، فالفرح بالوصول إلى المحبوب يكون على حسب قوة المحبة وضعفها، فهذا شأن فرح القلب،
وله فرح آخر وهو فرحه بما منّ اللّه به عليه من معاملته والإخلاص له والتوكل عليه والثقة به وخوفه ورجائه به.
وكلما تمكّن في ذلك قوي فرحه وابتهاجه، وله فرحة أخرى عظيمة الوقع عجيبة الشأن وهي الفرحة التي تحصل له بالتوبة فإن لها فرحة عجيبة لا نسبة لفرحة المعصية إليها البتة، فلو علم العاصي أن لذة التوبة وفرحتها يزيد على لذة المعصية وفرحتها أضعافا مضاعفة لبادر إليها أعظم من مبادرته إلى لذة المعصية.
وسر هذا الفرح إنما يعلمه من علم سر فرح الرب تعالى بتوبة عبده أشد فرح يقدّر،
ولقد ضرب له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثلا ليس في أنواع الفرح في الدنيا أعظم منه وهو فرح رجل قد خرج براحلته التي عليها طعامه وشرابه في سفر ففقدها في أرض دوّية مهلكة فاجتهد في طلبها فلم يجدها، فيئس منها وجلس ينتظر الموت حتى إذا طلع البدر رأى في ضوئه راحلته وقد تعلّق زمامها بشجرة فقال من شدة فرحه: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فاللّه أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته.
فلا ينكر إذا أن يحصل للتائب نصيب وافر من الفرح بالتوبة ولكن هاهنا أمر يجب التنبيه عليه
وهو أنه لا يصل إلى ذلك إلّا بعد ترحات ومضض ومحن لا تثبت لها الجبال،
فإن صبر لها ظفر بلذة الفرح وإن ضعف عن حملها ولم يصبر لها لم يظفر بشيء، وآخر أمره فوات ما آثره من فرحة المعصية ولذتها فيفوته الأمران ويحصل على ضد اللذة من الألم المركب من وجود المؤذي وفوت المحبوب فالحكم للّه العلي الكبير «الروح لابن القيم، ص 224- 225».
طال الحديث ولكنه لم ينته فعسى الله أن يلهمنا يرشدنا في كل وقت وفتح علينا من فضله
ولعلي أوصيكم ببعض الكتب التي تفيد في هذا الأمر بفضل الله
1- علم النفس الدعوي عبد العزيز محمد النغميشي
2- مدخل إلى التربية الإسلامية عبد الرحمن اليامي
3- أسس الصحة النفسية للطفل المسلم مالك بدري
4- التفكر من المشاهدة إلى الشهود : دراسة نفسية إسلامية مالك بدري
5- علم النفس التعليمي محمد خليفة بركات
6- آراء ابن القيم التربوية حسن علي حسن الحجاجي
7- دراسات في النفس الإنسانية محمد قطب
8- منهج التربية الإسلامية 1-2 محمد قطب
9- علم النفس في حياتنا اليومية محمد عثمان نجاتي
10- علم النفس التكويني عبد الحميد محمد الهاشمي
11- المراهقون عبد العزيز محمد النغميشي
12- أصول علم النفس العام عبد الحميد محمد الهاشمي
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
جمعه ورتبه
(أبو أنس أمين بن عباس)
عفا الله عنه وعنكم
تعليق