"... فعلى الداعية إلى الله -عز وجل- أن يدعو بالحكمة, ويبدأ بها, ويُعْنى بها.
فإذا كان المدعو عنده بعض الجفاء والاعتراض; دعوته بالموعظة الحسنة, بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب.
فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن, ولا تُغلظ عليه, بل تصبر عليه ولا تعجل ولا تُعَنِّف, بل تجتهد في كشف الشبهة, وإيضاح الأدلة بالأسلوب الحَسَن.(1)
هكذا ينبغي لك أيها الداعية أن تتحمل وتصبر ولا تُشدد; لأن هذا أقرب إلى الانتفاع بالحق وقبوله وتأثر المدعو, وصبره على المجادلة والمناقشة.
وقد أمر الله -جل وعلا- موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون أن يقولا له قولاً ليناً وهو أطغى الطغاة, قال الله -جل وعلا- في أمره لموسى وهارون " فقولا له قولاً ليّناً لعلّه يتذكّر أو يخشى "
وقال الله سبحانه في نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام- " فبما رحمةٍ من الله لنتَ لهم, ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلب لانفضوا من حولك "
فعُلِمَ بذلك أن الأسلوب الحكيم والطريق المستقيم في الدعوة أن يكون الداعي حكيماً في الدعوة, بصيراً بأسلوبها, لا يعجل ولا يُعَنِّف, بل يدعو بالحكمة, وهي المقال الواضح المُصيب للحق من الآيات والأحاديث, وبالموعظةِ الحسة والجدال بالتي هي أحسن.
هذا هو الأسلوب الذي ينبغي لك في الدعوة إلى الله -عز وجل-, أما الدعوة بالجهل فهذا يضر ولا ينفع, كما يأتي بيان ذلك -إن شاء الله- عند ذكر أخلاق الدعاة; لأن الدعوة مع الجهل بالأدلة قول على الله بغير علم.
وهكذا الدعوة بالعنف والشدة ضررها أكثر.
وإنما الواجب والمشروع هو الأخذ بما بينه الله -عز وجل- في سورة النحل, وهو قوله سبحانه " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة "
إلا إذا ظهر من المدعو العناد والظلم, فلا مانع من الإغلاظ عليه, كما قال الله سبحانه " يأيها النّبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " الآية.
وقال تعالى " ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم "(2)(3)
والله أسأل لي ولإخواني التوفيق والرشاد, وأن يُلهمنا رُشْدنا وأن يقينا شرور أنفسنا
والحمد لله رب العالمين
..
-----
(1) إذ أنّ المُراد -رحمني الله وإياك- هو إظهار الحق وأخذ هذا المدعو إلى الخير, لا مُجرد الرد على أسلوب كلامه الغير لائق نتاج بُعده عن منبع الشرع, فلا ينبغي أن تنساق وراءه فيما يريد; ولكن أكمل ما بدأته بطريقة سديدة كما فعل موسى -عليه السلام- مع فرعون في هذا الحوار البديع بكل ما يحتويه; حيث حكى ربنا فقال " قال فرعون وما ربُّ العالمين * قال ربُّ السماوات والأرض وما بينهما, إن كنتم موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربّكم ورب ءابآئكم الأولين * قال إنّ رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون * قال ربّ المشرق والمغرب وما بينهما, إن كنتم تعقلون..." الآيات من سورة الشعراء (23...)
فانظر يارعاكَ الله لهذا الحوار!.. فتخيل لو أنتَ تقوم بتأصيل مسألة وتُقَعِّد وتُفَرِّع ثم جاء أحدهم وقال لك يامجنون.. ياتُرى هيكون إيش رد فعلك..؟! مبدئياً هتترك ماكنتَ تقوم به من تأصيل شرعي و "تديله كلمتين في جنابه"!, وما هذا بخلق الدعاة المُريدين الخير للمدعوين.
وفي هذا المعنى قال ابن باز -رحمه الله- في نفس الرسالة ما نصه:
هذا من الأخلاق الفاضلة, أن يدعو لهم بالهداية ويقول للمدعو: هداك الله, وفقك الله لقبول الحق, أعانك الله على قبول الحق, تدعوه وترشده وتصبر على الأذى, ومع ذلك تدعو له بالهداية. قال لنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قيل عن دوٍ إنهم عصوا, قال " اللهم اهدِ دوساً وأْتِِ بهم " تدعو له بالهداية والتوفيق لقبول الحق, وتصبر وتصابر في ذلك, ولا تقنط ولا تيأس, ولا تقل إلا خيراً, لا تُعَنِّف ولا تقل كلاماً سيئاً يُنَفِّر من الحق...اهـ رحمه الله.
(2) وقد فصّل الشيخ ابن باز -رحمه الله- هذا الأمر في صـ 36 فقال:
... ولكن من ظلم وتعدى له شأن آخر, كما قال -جل وعلا- " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم "
فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد والأذى له حكم آخر, في الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره, ويكون تأديبه على ذلك على حسب مراتب الظلم, لكن مادام كافّاً عن الأذى فعليكَ أن تصبر عليه وتحتسب, وتجادله بالتي هي أحسن, وتصفح عما يتعلق بشخصك من بعض الأذى, كما صبر الرسل وأتباعهم بإحسان.
(3) رسالة " الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة " ملحوقة برسالة " وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " صـ (22/23). طـ دار لتوحيد بالمغرب ودار أضواء السلف بمصر.
(1) إذ أنّ المُراد -رحمني الله وإياك- هو إظهار الحق وأخذ هذا المدعو إلى الخير, لا مُجرد الرد على أسلوب كلامه الغير لائق نتاج بُعده عن منبع الشرع, فلا ينبغي أن تنساق وراءه فيما يريد; ولكن أكمل ما بدأته بطريقة سديدة كما فعل موسى -عليه السلام- مع فرعون في هذا الحوار البديع بكل ما يحتويه; حيث حكى ربنا فقال " قال فرعون وما ربُّ العالمين * قال ربُّ السماوات والأرض وما بينهما, إن كنتم موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربّكم ورب ءابآئكم الأولين * قال إنّ رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون * قال ربّ المشرق والمغرب وما بينهما, إن كنتم تعقلون..." الآيات من سورة الشعراء (23...)
فانظر يارعاكَ الله لهذا الحوار!.. فتخيل لو أنتَ تقوم بتأصيل مسألة وتُقَعِّد وتُفَرِّع ثم جاء أحدهم وقال لك يامجنون.. ياتُرى هيكون إيش رد فعلك..؟! مبدئياً هتترك ماكنتَ تقوم به من تأصيل شرعي و "تديله كلمتين في جنابه"!, وما هذا بخلق الدعاة المُريدين الخير للمدعوين.
وفي هذا المعنى قال ابن باز -رحمه الله- في نفس الرسالة ما نصه:
هذا من الأخلاق الفاضلة, أن يدعو لهم بالهداية ويقول للمدعو: هداك الله, وفقك الله لقبول الحق, أعانك الله على قبول الحق, تدعوه وترشده وتصبر على الأذى, ومع ذلك تدعو له بالهداية. قال لنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قيل عن دوٍ إنهم عصوا, قال " اللهم اهدِ دوساً وأْتِِ بهم " تدعو له بالهداية والتوفيق لقبول الحق, وتصبر وتصابر في ذلك, ولا تقنط ولا تيأس, ولا تقل إلا خيراً, لا تُعَنِّف ولا تقل كلاماً سيئاً يُنَفِّر من الحق...اهـ رحمه الله.
(2) وقد فصّل الشيخ ابن باز -رحمه الله- هذا الأمر في صـ 36 فقال:
... ولكن من ظلم وتعدى له شأن آخر, كما قال -جل وعلا- " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم "
فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد والأذى له حكم آخر, في الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره, ويكون تأديبه على ذلك على حسب مراتب الظلم, لكن مادام كافّاً عن الأذى فعليكَ أن تصبر عليه وتحتسب, وتجادله بالتي هي أحسن, وتصفح عما يتعلق بشخصك من بعض الأذى, كما صبر الرسل وأتباعهم بإحسان.
(3) رسالة " الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة " ملحوقة برسالة " وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " صـ (22/23). طـ دار لتوحيد بالمغرب ودار أضواء السلف بمصر.
تعليق