تحذير الداعية من القصص الواهية
بقلم : علي حشيش
نواصل في هذه السلسلة تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت في كُتب التفسير حول الآية الأعراف ، وذلك في قوله فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
وتسببت هذه القصة في إشكال؛ حيث جاءت في خبر مرفوع وآخر موقوف أن الآية في آدم وحواء، وزاد الإشكال أن الآية سبقها قوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا الأعراف
نلاحظ أن الضمير مثنى في الآيتين «دعوا»، «ربهما»، «آتاهما»، «جعلا»، فظن الكثير من أهل التفسير أن الآية الأعراف في آدم وحواء؛ حيث قال الإمام ابن الجوزي في تفسيره «زاد المسير في علم التفسير» المكتب الإسلامي «ذكر أهل التفسير أن إبليس جاء حواء فقال ما يدريك ما في بطنك لعله كلب أو خنزير أو حمار، وما يدريك من أين يخرج، أيشق بطنك أم يخرج من فيك، أو منخريك، فأحزنها ذلك فدعوا الله حينئذ، فجاء إبليس؛ فقال «كيف تجدينك، قالت ما أستطيع القيام إذا قعدت، قال أفرأيت إن دعوت الله، فجعله إنسانًا مثلك ومثل آدم، أتسميه باسمي، قالت نعم، فلما ولدته سويًا، جاءها إبليس فقال لما لا تسمينه بي كما وعدتني؟ فقالت وما اسمك؟ قال الحارث، وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث، فسمته عبد الحارث، برضى آدم، فذلك قوله فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ الآية
وإلى القارئ الكريم تخريج وتحقيق الخبر الذي جاءت به القصة مرفوعًا وموقوفًا
أولاً متن القصة في الخبر المرفوع
رُوِيَ عن سمرة عن النبي قال «لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال سميه عبد الحارث، فسمته عبد الحارث، فعاش ذلك، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره»
ثانيًا التخريج
أخرجه الترمذي في «السنن» شاكر ح ، والحاكم في «المستدرك» ، وأحمد في «المسند» ، والطبري في «تفسيره» ح ، كلهم من طريق عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب مرفوعًا
ثالثًا التحقيق
هذا الخبر الذي جاءت به هذه القصة «غريب»؛ يتبين ذلك من قول الإمام الترمذي «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة»
قلت والغرابة عند علماء الصنعة تفيد أن هذا الخبر المرفوع المنسوب للنبي لا يوجد له متابع ولا شاهد؛ حتى لا يتقول علينا من لا دراية له متوهمًا أن في الآثار التي هي من الإسرائيليات المدسوسة متابعات وشواهد؛ ليثبت بها أن آدم عليه السلام وزوجه حواء من المشركين، ولا يغتر أيضًا من قول الترمذي «حسن غريب»، أن الخبر الذي جاءت به القصة «حسن»، فالإمام الترمذي عند علماء الصنعة متساهل في التصحيح والتحسين، كما بينا في التحذير السابق، وكما سنبرهن على عدم صحة هذه القصة التي تطعن في آدم وحواء، عليهما السلام، وهذا الخبر مسلسل بالعلل
العلة الأولى عمر بن إبراهيم هو الذي روى هذا الخبر عن قتادة، ورواه عنه عبد الصمد بن عبد الوارث
قال الإمام أحمد في مسنده حدثنا عبد الصمد، حدثنا عمر بن إبراهيم، حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي قال القصة
وقال الإمام الترمذي في تفسير هذه الآية حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث به
ورواه الحاكم من حديث عبد الصمد مرفوعًا
ورواه ابن جرير قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الصمد به
قال الإمام الذهبي في الميزان عمر بن إبراهيم أبو حفص العبدي البصري عن قتادة، وعنه عبد الصمد بن عبد الوارث
قال أبو حاتم لا يُحتج به
وقال ابن عدي يروي عن قتادة ما لا يوافق عليه
وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عنه فقال له مناكير
ثم أورد له الإمام الذهبي هذا الخبر الذي به هذه القصة الواهية ليبين مناكيره
عمر بن إبراهيم العبدي عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي قال كانت حواء لا يعيش لها ولد، فنذرت لئن عاش لها ولد سمته عبد الحارث؛ فعاش لها ولد فسمته عبد الحارث، وإنما كان ذلك وحي الشيطان
قال الإمام الذهبي صححه الحاكم، وهو حديث منكر كما ترى اهـ
العلة الثانية قتادة بن دعامة السدوسي البصري، روى عنه هذا الخبر عمر بن إبراهيم، وقتادة أورده الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين في المرتبة الثالثة رقم ، وقال مشهور بالتدليس، وصفه به النسائي وغيره، والمرتبة الثالثة هي التي قال عنها الحافظ في مقدمة كتابه هذا «من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع»
قلت وهذا الخبر مما لم يصرح فيه قتادة بالسماع؛ فهو معنعن فلا يُقبل
العلة الثالثة الحسن البصري لم يسمع من سمرة
قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» ح «أخبرنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إليَّ قال حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت ليحيى بن معين الحسن لقي سمرة؟ قال لا»
قلت بالرجوع إلى «تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي» في سؤالاته ليحيى بن معين رقم قال «قلت ليحيى بن معين الحسن لقي سمرة ؟ قال لا» اهـ
قلت والحسن البصري وُلد في المدينة قبل سنتين من خلافة عمر رضي الله عنه، أي عام واحد وعشرين من الهجرة، وتوفي سنة هـ
وسمرة بن جندب رضي الله عنه توفي سنة تسع وخمسين من الهجرة
قلت يتبين من المواليد والوفيات أن الحسن البصري عاصر الصحابي سمرة بن جندب رضي الله عنه
وتبين من قول الإمام يحيى بن معين أنه لم يلقَ سمرة
ويصبح هذا الخبر الذي جاءت به هذه القصة الواهية من نوع «المرسل الخفي»، وهو أن يروي الراوي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمع منه بلفظٍ يحتمل السماع
وأما المدلس فيروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه
وبهذا يتبين أن المدلس والمرسل إرسالاً خفيًا يروي عن شيخ شيئًا لم يسمعه منه بلفظ يحتمل السماع وغيره
لكن المدلس قد سمع من ذلك الشيخ أحاديث غير التي دلَّسها
على حين أن المرسِل إرسالاً خفيًا لم يسمع من ذلك الشيخ أبدًا، لا الأحاديث التي أرسلها ولا غيرها، لكنه عاصره أو لقيه
قلت ولقد بينت لطالب العلم الفرق بين التدليس والإرسال الخفي؛ لأنه بقول الإمام ابن معين في عدم لقاء الحسن البصري بسمرة، وبالتالي عدم السماع؛ مع ما بينا آنفًا من المعاصرة يصبح الخبر الذي جاءت به القصة مرسلاً إرسالاً خفيًا
والحسن البصري أيضًا مدلس؛ حيث أورده الإمام الحافظ ابن حجر في «طبقات المدلسين» المرتبة الثانية قال «وصفه بتدليس الإسناد النسائي وغيره»
قال الحافظ ابن كثير في «الباعث الحثيث» ص النوع «وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكارًا لذلك» اهـ
بهذا تصبح القصة واهية، وخبرها مردودًا بالسقط في الإسناد، سواء بالإرسال الخفي أو التدليس، ثم بالطعن في الراوي، وبيان أن الخبر منكر
رابعًا الأئمة الذين قالوا بعدم صحة هذا الخبر الذي جاءت فيه هذه القصة
الإمام ابن كثير في تفسيره الآية قال هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه
أحدهما أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري قال أبو حاتم لا يحتج به
الثاني أنه قد رُوي من قول سمرة نفسه ليس مرفوعًا
الثالث أن الحسن نفسه فسَّر الآية بغير ما في حديثه هذا؛ فلو كان عنده صحيحًا مرفوعًا لما عدل عنه فقال في تفسيره فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم» ثم أورد قول الحسن «عني بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده، يعني جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا اهـ
ثم أورد عن الحسن قال «هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادًا فهوَّدوا ونصَّروا» اهـ
وذكر ذلك ابن كثير من طرق عن الحسن، ثم قال «وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده صحيحًا عن رسول الله لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيما مع تقواه لله وورعه» اهـ
قلت وبعد أن بيَّن الحافظ ابن كثير علل هذا الحديث الذي جاءت به هذه القصة الواهية أورد الآثار حول إشراك آدم وحواء، وتسمية ما آتاهما «عبد الحارث» ثم قال «وهذه الآثار يظهر عليها أنها من آثار أهل الكتاب»
قال الإمام أبو الحسن علي بن فضالة المجاشعي المتوفى سنة هـ في «النكت في القرآن» ويسأل إلى من يرجع الضمير في «جعلا» في قوله فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ؟
وفيه ثلاثة أجوبة
أحدها أنه يرجع إلى النفس وزوجها من ولد آدم، لا إلى آدم وحواء، وهو قول الحسن وقتادة
والثاني أنه يرجع إلى «الولد الصالح» بمعنى المعافاة في بدنه؛ فذلك صلاح في خلقه لا في دينه، وثنى لأن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرًا وأنثى
والثالث أنه يرجع إلى آدم وحواء، فإنهما جعلا له شريكًا في التسمية؛ وذلك أنهما أقاما زمانًا لا يولد لهما، فمر بهما الشيطان ولم يعرفاه، فشكوا إليه، فقال لهما إن أصلحت حالكما حتى ولد لكما، أتسميانه باسمي؟ فقالا نعم وما اسمك؟ قال الحارث، فولد لهما فسمياه «عبد الحارث»
وهذا القول بعيد، ولا يجوز مثل هذا على نبي من أنبياء الله تعالى، والقول الأول أوضح هذه الأقوال
قال الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي في «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن»
قوله تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء والقرآن يشهد لأحدهما
الأول حواء كانت لا يعيش لها ولد، فحملت فجاءها الشيطان فقال لها سمي هذا الولد عبد الحارث، فإنه يعيش، والحارث من أسماء الشيطان، فسمته عبد الحارث، فقال تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا أي ولدًا إنسانًا ذكرًا جعلا له شركاء بتسميته عبد الحارث، وقد جاء بنحو هذا حديث مرفوع وهو معلول، كما أوضحه ابن كثير في تفسيره
الوجه الثاني أن معنى الآية أنه لما آتى آدم وحواء صالحًا كفر به بعد ذلك كثير من ذريتهما، وأسند فعل الذرية إلى آدم وحواء؛ لأنهما أصل لذريتهما كما قال وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ أي بتصويرنا لأبيكم آدم؛ لأنه أصلهم بدليل قوله بعده ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
ويدل لهذا الوجه الأخير أنه تعالى قال بعده فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ، وهذا نص قرآني صريح في أن المراد المشركون من بني آدم، لا آدم وحواء، واختار هذا الوجه غير واحد؛ لدلالة القرآن عليه، وممن ذهب إليه الحسن البصري، واختاره ابن كثير اهـ
قلت واختار هذا الوجه أيضًا الزمخشري المتوفى سنة هـ في تفسيره «الكشاف» ، قال تعالى جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ أي جعل أولادهما له شركاء، على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه وكذلك «فيما آتاهما» أي آتى أولادهما، وقد استدل على ذلك بقوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، حيث جمع الضمير، وآدم وحواء بريئان من الشرك اهـ
وبيَّن هذا الوجه أيضًا القاضي ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي في تفسيره «تفسير البيضاوي» المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل قال تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا أي جعل أولادُهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويدل عليه قوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ اهـ
وأورد هذه القصة الإمام القرطبي في تفسيره المسمى «الجامع لأحكام القرآن» وضعَّفها؛ حيث قال «ونحو هذا مذكور من ضعيف الحديث في الترمذي وغيره، وفي الإسرائيليات كثير ليس لها ثبات، فلا يُعوِّل عليها من له قلب»
ثم بيَّن الوجه الذي رجَّحه الأئمة الذين أوردنا تفسيرهم؛ حيث قال «وقال قوم إن هذا راجع إلى جنس الآدميين، والتبيين عن حال المشركين من ذرية آدم عليه السلام، وهو الذي يُعول عليه؛ فقوله تعالى «جعلا له» يعني الذكر والأنثى الكافرين، ويُعنى به الجنسان، ودلَّ على هذا قوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، ولم يقل يشركان، وهذا قول حسن» اهـ
وبيَّن هذا الوجه أيضًا الإمام ابن الجوزي في تفسيره المسمى «زاد المسير في علم التفسير» حيث نقل قول ابن الأنباري «قال ابن الأنباري الذين جعلوا له شركاء اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين هم أولاد آم وحواء؛ فتأويل الآية فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ ، فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كما قال تعالى وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ يوسف اهـ
وبين هذا الوجه الإمام المحدث عبد الرزاق في تفسيره ح قال عن معمر وقال الحسن «إنما عني بها ذرية آدم من أشرك منهم بعده»
وبيَّن هذا الوجه الفخر الرازي في تفسيره المسمى «التفسير الكبير» بعد أن أورد الآيات قال «ولا إشكال في شيء من ألفاظها إلا قوله تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ، قال التقدير فلما آتاهما ولدًا صالحًا سويًا جعلا له شركاء، أي جعل أولادهما له شركاء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذا فيما آتاهما أي فيما آتى أولادهما، ونظيره قوله «واسأل القرية» أي واسأل أهل القرية
فإن قيل فعلى هذا التأويل ما الفائدة في التثنية في قوله تعالى جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ ، قلنا لأن ولده قسمان ذكر وأنثى، فقوله «جعلا» المراد منه الذكر والأنثى، مرة عبَّر عنها بلفظ التثنية؛ لكونهما صنفين ونوعين، ومرة عبر عنها بلفظ الجمع، وهو قوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ اهـ
وبيَّن ذلك الوجه أبو حيان الأندلسي في تفسيره المسمى «البحر المحيط في التفسير» وأقر ما قاله الزمخشري المتوفى سنة هـ، بينما أبو حيان الأندلسي، قال أبو حيان في تفسير قوله تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا
«من جعل الآية في آدم وحواء جعل الضمائر والأخبار لهما، وذكروا في ذلك محاورات جرت بين إبليس وآدم وحواء لم تثبت في قرآن ولا حديث صحيح؛ فأطرحت ذكرها.
وقال الزمخشري والضمير في آتَيْتَنَا ، و لَنَكُونَنَّ لهما وكل من تناسل من ذريتهما، فَلَمَّا آتَاهُمَا ما طلبا من الولد الصالح السوي جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ أي جعل أولادهما له شركاء على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك فِيمَا آتَاهُمَا ، أي آتى أولادهما، وقد دل على ذلك قوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ؛ حيث جمع الضمير وآدم وحواء بريئان من الشرك» اهـ
قلت بهذا البحث تبين أن قصة عبد الحارث بن آدم واهية، ولقد بيّنا الوجه الذي قال عنه الإمام ابن كثير «هو من أحسن التفاسير وأولى ما حُملت عليه الآية»
وبينا الذين اختاروا هذا الوجه من أئمة المفسرين على سبيل المثال لا الحصر
هذا ما وفَّقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد والحمد لله رب العالمين
منقول من مجلة التوحيد
بقلم : علي حشيش
نواصل في هذه السلسلة تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت في كُتب التفسير حول الآية الأعراف ، وذلك في قوله فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
وتسببت هذه القصة في إشكال؛ حيث جاءت في خبر مرفوع وآخر موقوف أن الآية في آدم وحواء، وزاد الإشكال أن الآية سبقها قوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا الأعراف
نلاحظ أن الضمير مثنى في الآيتين «دعوا»، «ربهما»، «آتاهما»، «جعلا»، فظن الكثير من أهل التفسير أن الآية الأعراف في آدم وحواء؛ حيث قال الإمام ابن الجوزي في تفسيره «زاد المسير في علم التفسير» المكتب الإسلامي «ذكر أهل التفسير أن إبليس جاء حواء فقال ما يدريك ما في بطنك لعله كلب أو خنزير أو حمار، وما يدريك من أين يخرج، أيشق بطنك أم يخرج من فيك، أو منخريك، فأحزنها ذلك فدعوا الله حينئذ، فجاء إبليس؛ فقال «كيف تجدينك، قالت ما أستطيع القيام إذا قعدت، قال أفرأيت إن دعوت الله، فجعله إنسانًا مثلك ومثل آدم، أتسميه باسمي، قالت نعم، فلما ولدته سويًا، جاءها إبليس فقال لما لا تسمينه بي كما وعدتني؟ فقالت وما اسمك؟ قال الحارث، وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث، فسمته عبد الحارث، برضى آدم، فذلك قوله فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ الآية
وإلى القارئ الكريم تخريج وتحقيق الخبر الذي جاءت به القصة مرفوعًا وموقوفًا
أولاً متن القصة في الخبر المرفوع
رُوِيَ عن سمرة عن النبي قال «لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال سميه عبد الحارث، فسمته عبد الحارث، فعاش ذلك، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره»
ثانيًا التخريج
أخرجه الترمذي في «السنن» شاكر ح ، والحاكم في «المستدرك» ، وأحمد في «المسند» ، والطبري في «تفسيره» ح ، كلهم من طريق عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب مرفوعًا
ثالثًا التحقيق
هذا الخبر الذي جاءت به هذه القصة «غريب»؛ يتبين ذلك من قول الإمام الترمذي «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة»
قلت والغرابة عند علماء الصنعة تفيد أن هذا الخبر المرفوع المنسوب للنبي لا يوجد له متابع ولا شاهد؛ حتى لا يتقول علينا من لا دراية له متوهمًا أن في الآثار التي هي من الإسرائيليات المدسوسة متابعات وشواهد؛ ليثبت بها أن آدم عليه السلام وزوجه حواء من المشركين، ولا يغتر أيضًا من قول الترمذي «حسن غريب»، أن الخبر الذي جاءت به القصة «حسن»، فالإمام الترمذي عند علماء الصنعة متساهل في التصحيح والتحسين، كما بينا في التحذير السابق، وكما سنبرهن على عدم صحة هذه القصة التي تطعن في آدم وحواء، عليهما السلام، وهذا الخبر مسلسل بالعلل
العلة الأولى عمر بن إبراهيم هو الذي روى هذا الخبر عن قتادة، ورواه عنه عبد الصمد بن عبد الوارث
قال الإمام أحمد في مسنده حدثنا عبد الصمد، حدثنا عمر بن إبراهيم، حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي قال القصة
وقال الإمام الترمذي في تفسير هذه الآية حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث به
ورواه الحاكم من حديث عبد الصمد مرفوعًا
ورواه ابن جرير قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الصمد به
قال الإمام الذهبي في الميزان عمر بن إبراهيم أبو حفص العبدي البصري عن قتادة، وعنه عبد الصمد بن عبد الوارث
قال أبو حاتم لا يُحتج به
وقال ابن عدي يروي عن قتادة ما لا يوافق عليه
وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عنه فقال له مناكير
ثم أورد له الإمام الذهبي هذا الخبر الذي به هذه القصة الواهية ليبين مناكيره
عمر بن إبراهيم العبدي عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي قال كانت حواء لا يعيش لها ولد، فنذرت لئن عاش لها ولد سمته عبد الحارث؛ فعاش لها ولد فسمته عبد الحارث، وإنما كان ذلك وحي الشيطان
قال الإمام الذهبي صححه الحاكم، وهو حديث منكر كما ترى اهـ
العلة الثانية قتادة بن دعامة السدوسي البصري، روى عنه هذا الخبر عمر بن إبراهيم، وقتادة أورده الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين في المرتبة الثالثة رقم ، وقال مشهور بالتدليس، وصفه به النسائي وغيره، والمرتبة الثالثة هي التي قال عنها الحافظ في مقدمة كتابه هذا «من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع»
قلت وهذا الخبر مما لم يصرح فيه قتادة بالسماع؛ فهو معنعن فلا يُقبل
العلة الثالثة الحسن البصري لم يسمع من سمرة
قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» ح «أخبرنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إليَّ قال حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت ليحيى بن معين الحسن لقي سمرة؟ قال لا»
قلت بالرجوع إلى «تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي» في سؤالاته ليحيى بن معين رقم قال «قلت ليحيى بن معين الحسن لقي سمرة ؟ قال لا» اهـ
قلت والحسن البصري وُلد في المدينة قبل سنتين من خلافة عمر رضي الله عنه، أي عام واحد وعشرين من الهجرة، وتوفي سنة هـ
وسمرة بن جندب رضي الله عنه توفي سنة تسع وخمسين من الهجرة
قلت يتبين من المواليد والوفيات أن الحسن البصري عاصر الصحابي سمرة بن جندب رضي الله عنه
وتبين من قول الإمام يحيى بن معين أنه لم يلقَ سمرة
ويصبح هذا الخبر الذي جاءت به هذه القصة الواهية من نوع «المرسل الخفي»، وهو أن يروي الراوي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمع منه بلفظٍ يحتمل السماع
وأما المدلس فيروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه
وبهذا يتبين أن المدلس والمرسل إرسالاً خفيًا يروي عن شيخ شيئًا لم يسمعه منه بلفظ يحتمل السماع وغيره
لكن المدلس قد سمع من ذلك الشيخ أحاديث غير التي دلَّسها
على حين أن المرسِل إرسالاً خفيًا لم يسمع من ذلك الشيخ أبدًا، لا الأحاديث التي أرسلها ولا غيرها، لكنه عاصره أو لقيه
قلت ولقد بينت لطالب العلم الفرق بين التدليس والإرسال الخفي؛ لأنه بقول الإمام ابن معين في عدم لقاء الحسن البصري بسمرة، وبالتالي عدم السماع؛ مع ما بينا آنفًا من المعاصرة يصبح الخبر الذي جاءت به القصة مرسلاً إرسالاً خفيًا
والحسن البصري أيضًا مدلس؛ حيث أورده الإمام الحافظ ابن حجر في «طبقات المدلسين» المرتبة الثانية قال «وصفه بتدليس الإسناد النسائي وغيره»
قال الحافظ ابن كثير في «الباعث الحثيث» ص النوع «وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكارًا لذلك» اهـ
بهذا تصبح القصة واهية، وخبرها مردودًا بالسقط في الإسناد، سواء بالإرسال الخفي أو التدليس، ثم بالطعن في الراوي، وبيان أن الخبر منكر
رابعًا الأئمة الذين قالوا بعدم صحة هذا الخبر الذي جاءت فيه هذه القصة
الإمام ابن كثير في تفسيره الآية قال هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه
أحدهما أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري قال أبو حاتم لا يحتج به
الثاني أنه قد رُوي من قول سمرة نفسه ليس مرفوعًا
الثالث أن الحسن نفسه فسَّر الآية بغير ما في حديثه هذا؛ فلو كان عنده صحيحًا مرفوعًا لما عدل عنه فقال في تفسيره فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم» ثم أورد قول الحسن «عني بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده، يعني جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا اهـ
ثم أورد عن الحسن قال «هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادًا فهوَّدوا ونصَّروا» اهـ
وذكر ذلك ابن كثير من طرق عن الحسن، ثم قال «وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده صحيحًا عن رسول الله لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيما مع تقواه لله وورعه» اهـ
قلت وبعد أن بيَّن الحافظ ابن كثير علل هذا الحديث الذي جاءت به هذه القصة الواهية أورد الآثار حول إشراك آدم وحواء، وتسمية ما آتاهما «عبد الحارث» ثم قال «وهذه الآثار يظهر عليها أنها من آثار أهل الكتاب»
قال الإمام أبو الحسن علي بن فضالة المجاشعي المتوفى سنة هـ في «النكت في القرآن» ويسأل إلى من يرجع الضمير في «جعلا» في قوله فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ؟
وفيه ثلاثة أجوبة
أحدها أنه يرجع إلى النفس وزوجها من ولد آدم، لا إلى آدم وحواء، وهو قول الحسن وقتادة
والثاني أنه يرجع إلى «الولد الصالح» بمعنى المعافاة في بدنه؛ فذلك صلاح في خلقه لا في دينه، وثنى لأن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرًا وأنثى
والثالث أنه يرجع إلى آدم وحواء، فإنهما جعلا له شريكًا في التسمية؛ وذلك أنهما أقاما زمانًا لا يولد لهما، فمر بهما الشيطان ولم يعرفاه، فشكوا إليه، فقال لهما إن أصلحت حالكما حتى ولد لكما، أتسميانه باسمي؟ فقالا نعم وما اسمك؟ قال الحارث، فولد لهما فسمياه «عبد الحارث»
وهذا القول بعيد، ولا يجوز مثل هذا على نبي من أنبياء الله تعالى، والقول الأول أوضح هذه الأقوال
قال الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي في «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن»
قوله تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء والقرآن يشهد لأحدهما
الأول حواء كانت لا يعيش لها ولد، فحملت فجاءها الشيطان فقال لها سمي هذا الولد عبد الحارث، فإنه يعيش، والحارث من أسماء الشيطان، فسمته عبد الحارث، فقال تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا أي ولدًا إنسانًا ذكرًا جعلا له شركاء بتسميته عبد الحارث، وقد جاء بنحو هذا حديث مرفوع وهو معلول، كما أوضحه ابن كثير في تفسيره
الوجه الثاني أن معنى الآية أنه لما آتى آدم وحواء صالحًا كفر به بعد ذلك كثير من ذريتهما، وأسند فعل الذرية إلى آدم وحواء؛ لأنهما أصل لذريتهما كما قال وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ أي بتصويرنا لأبيكم آدم؛ لأنه أصلهم بدليل قوله بعده ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
ويدل لهذا الوجه الأخير أنه تعالى قال بعده فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ، وهذا نص قرآني صريح في أن المراد المشركون من بني آدم، لا آدم وحواء، واختار هذا الوجه غير واحد؛ لدلالة القرآن عليه، وممن ذهب إليه الحسن البصري، واختاره ابن كثير اهـ
قلت واختار هذا الوجه أيضًا الزمخشري المتوفى سنة هـ في تفسيره «الكشاف» ، قال تعالى جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ أي جعل أولادهما له شركاء، على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه وكذلك «فيما آتاهما» أي آتى أولادهما، وقد استدل على ذلك بقوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، حيث جمع الضمير، وآدم وحواء بريئان من الشرك اهـ
وبيَّن هذا الوجه أيضًا القاضي ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي في تفسيره «تفسير البيضاوي» المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل قال تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا أي جعل أولادُهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويدل عليه قوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ اهـ
وأورد هذه القصة الإمام القرطبي في تفسيره المسمى «الجامع لأحكام القرآن» وضعَّفها؛ حيث قال «ونحو هذا مذكور من ضعيف الحديث في الترمذي وغيره، وفي الإسرائيليات كثير ليس لها ثبات، فلا يُعوِّل عليها من له قلب»
ثم بيَّن الوجه الذي رجَّحه الأئمة الذين أوردنا تفسيرهم؛ حيث قال «وقال قوم إن هذا راجع إلى جنس الآدميين، والتبيين عن حال المشركين من ذرية آدم عليه السلام، وهو الذي يُعول عليه؛ فقوله تعالى «جعلا له» يعني الذكر والأنثى الكافرين، ويُعنى به الجنسان، ودلَّ على هذا قوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، ولم يقل يشركان، وهذا قول حسن» اهـ
وبيَّن هذا الوجه أيضًا الإمام ابن الجوزي في تفسيره المسمى «زاد المسير في علم التفسير» حيث نقل قول ابن الأنباري «قال ابن الأنباري الذين جعلوا له شركاء اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين هم أولاد آم وحواء؛ فتأويل الآية فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ ، فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كما قال تعالى وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ يوسف اهـ
وبين هذا الوجه الإمام المحدث عبد الرزاق في تفسيره ح قال عن معمر وقال الحسن «إنما عني بها ذرية آدم من أشرك منهم بعده»
وبيَّن هذا الوجه الفخر الرازي في تفسيره المسمى «التفسير الكبير» بعد أن أورد الآيات قال «ولا إشكال في شيء من ألفاظها إلا قوله تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ، قال التقدير فلما آتاهما ولدًا صالحًا سويًا جعلا له شركاء، أي جعل أولادهما له شركاء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذا فيما آتاهما أي فيما آتى أولادهما، ونظيره قوله «واسأل القرية» أي واسأل أهل القرية
فإن قيل فعلى هذا التأويل ما الفائدة في التثنية في قوله تعالى جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ ، قلنا لأن ولده قسمان ذكر وأنثى، فقوله «جعلا» المراد منه الذكر والأنثى، مرة عبَّر عنها بلفظ التثنية؛ لكونهما صنفين ونوعين، ومرة عبر عنها بلفظ الجمع، وهو قوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ اهـ
وبيَّن ذلك الوجه أبو حيان الأندلسي في تفسيره المسمى «البحر المحيط في التفسير» وأقر ما قاله الزمخشري المتوفى سنة هـ، بينما أبو حيان الأندلسي، قال أبو حيان في تفسير قوله تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا
«من جعل الآية في آدم وحواء جعل الضمائر والأخبار لهما، وذكروا في ذلك محاورات جرت بين إبليس وآدم وحواء لم تثبت في قرآن ولا حديث صحيح؛ فأطرحت ذكرها.
وقال الزمخشري والضمير في آتَيْتَنَا ، و لَنَكُونَنَّ لهما وكل من تناسل من ذريتهما، فَلَمَّا آتَاهُمَا ما طلبا من الولد الصالح السوي جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ أي جعل أولادهما له شركاء على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك فِيمَا آتَاهُمَا ، أي آتى أولادهما، وقد دل على ذلك قوله تعالى فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ؛ حيث جمع الضمير وآدم وحواء بريئان من الشرك» اهـ
قلت بهذا البحث تبين أن قصة عبد الحارث بن آدم واهية، ولقد بيّنا الوجه الذي قال عنه الإمام ابن كثير «هو من أحسن التفاسير وأولى ما حُملت عليه الآية»
وبينا الذين اختاروا هذا الوجه من أئمة المفسرين على سبيل المثال لا الحصر
هذا ما وفَّقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد والحمد لله رب العالمين
منقول من مجلة التوحيد