البَرَكة أهـميتها
البَرَكة أهـميتها إن حياة المسلم محدودة ومعدودة ؛ ومهما بلغ من حرص وجهد لكسب الحسنات والتسابق في الخيرات والعمل في مرضاة الله تعالى فلا يزال عمره قصيراً ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أعمار أمتي ما بين ستين وسبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك » [1] .
وإذا كان عمر الإنسان بهذا الحد وبهذا الحال فلا بد من بذل الجهد الذي يمكننا من حصول البركة في أعمالنا وأوقاتنا ، ولا سيما أن الأعمال المنوطة بالإنسان كثيرة ؛ فتجد كثيراً من الدعاة وطلاب العلم الذين يحترقون لنصرة هذا الدين والنجاة من عذاب الآخرة تجدهم كثيراً ما يشتكون من عجزهم عن القيام ببعض الأعمال ، وذلك لعدم وجود الوقت الذي يتمكنون فيه من القيام بهذا العمل .
وإنك لتتعجب أشد العجب من حال السلف وعظم ما أنجزوه وصنفوه ؛ إلاَّ أنك تجد أن هناك سراً في حياتهم وهو تمكنهم من حصول البركة في جميع شؤونهم ؛ فكانت البركة في حياتهم أنهم جمعوا من العلم الشيء الكثير حتى قيل : إن الإنسان لو أفنى عمره في قراءتها فلن ينتهي منها ؛ فكيف درسوا هذا العلم وسجلوه ؟ ! ومن ذلك حال شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول عنه تلميذه ابن القيم : « وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وكتابه أمراً عجيباً ؛ فكان يكتب في اليوم من التصانيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر ، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً » [2] .
بل لم يكن هذا العمل هو الوحيد عند شيخ الإسلام وإنما كان صاحب عبادة وتعليم وإنكار للمنكرات وجهاد ، وسجن في آخر عمره ، وخلف بعد وفاته مشروعاً عظيماً لا يزال العلماء وطلبة العلم عيال عليه ؛ فما السر في ذلك ؟ ! لا شك أنه من البركة في الوقت والعمل .
وهذا الموضوع يحتاج إليه العالم والمتعلم والمربي ، والداعية إلى الله ، وأصحاب الأعمال ، وأصحاب الأموال وغيرهم من الأمة الإسلامية ، يحتاجون إليه وخاصة الدعاة والعلماء وطلبة العلم ، وحتى يتمثلوا بقول الله تعالى : [ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ]( مريم : 31 ) .
في أي مكان وزمان ؛ فالبركة جعلها الله في تعليم الخير والدعوة إليه ، والنهي عن الشر ، والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله ؛ فكل من جالسه أو اجتمع به نالته بركته ، وسعد به مصاحبه » [3] .
أهمية الموضوع :
1 - أن العبرة في كثير من الأعمال والأمور إنما هو بالكيف وحصول البركة ، وليست بالكثرة مع عدمها ، وقد ذم الله ذلك فقال : [ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ]( غافر : 61 ) .
2 - قلة الإنتاجية في بعض الأعمال الدعوية وغيرها مع كثرة الجهود المبذولة في ذلك .
3 - حاجة الدعاة والمربين وطلاب العلم والعباد إلى حصول البركة في أعمالهم .
4 - حاجة عامة المسلمين إلى حصول البركة في أعمالهم وأرزاقهم .
تعريف البركة لغةً :
1- أصل البركة الثبوت واللزوم .
قال الراغب الأصفهاني : « برك البعير : ألقى ركبه .
واعتبر منه معنى اللزوم فقيل : ابتركوا في الحرب أي ثبتوا ولازموا موضع الحرب » [4] .
2 - النماء والزيادة .
وفي معجم مقاييس اللغة : « قال الخليل : البركة من الزيادة والنماء » [5] .
وفي حديث أم سليم : « فحنكه وبرَّك عليه » أي : دعا له بالبركة .
وروى ابن عباس : ومعنى البركة الكثرة في كل خير .
وقال ابن الأثير في حديث : « وبارك على محمد وعلى آل محمد » أي : أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة .
وهو من برك البعير إذا أناخ في موضع فلزمه ، وتطلق أيضاً على الزيادة والأصل الأول [6] .
ويمكن أن نخلص بتعريف للبركة بأنها : الزيادة في الخير والأجر وكل ما يحتاجه العبد في دينه ودنياه بسبب ذات مباركة أو زمان مبارك [7] .
أو هي : أن تعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيرك في الزمن الكثير .
ضوابط في البركة :
1 - البركة كلها من الله كما أن الرزق من الله ؛ فلا تطلب البركة إلا من الله ؛ ويدل على هذا قوله تعالى : [ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ ]( هود : 48 ) ، وقوله : [ رَحْمةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ ]( هود : 73 ) .
وما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال : « كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفاً ، وكنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقلَّ الماء فقال : اطلبوا فضلة من ماء .
فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ، ثم قال : حَيَّ على الطهور المبارك والبركة من الله .
فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم » [8] .
فإذا كانت من الله فطلبُها من غيره شرك .
2 - أن ما يُتبرك به من الأعيان والأقوال والأفعال التي ورد الشرع بها إنما هو سبب للبركة وليس هو البركة .
كما أن ما يُتداوى به من الأدوية إنما هو سبب للشفاء وليس هو الشفاء ، وما ذكر الشرع أن فيه بركة فيُستعمل استعمال السبب الذي قد يتخلف تأثيره لفقد شرط أو وجود مانع كما هو معلوم في قاعدة الأسباب الشرعية .
وما تضاف البركة إليه إنما هو من باب إضافة الشيء إلى سببه ! كما قالت عائشة رضي الله عنها عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها : « فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها » [9] .
أي : هي سبب للبركة وليست المعطية للبركة ؛ فلذلك لما تزوجها صلى الله عليه وسلم أعتق الصحابة من سَبَوْهُ من قومها بني المصطلق لكونهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهذه بركة عظيمة من الله والسبب هو جويرية بنت الحارث ؛ فهكذا الأشياء المباركة سبب للخير والنماء والزيادة .
3 - أن التماس البركة في شيء من الأشياء مبني على التوقيف ؛ فالذي يدل على حصول البركة من عدمها إنما هو الدليل الشرعي فحسب [10] .
4 - أن البركة التي توجد في بعض المخلوقات من الذوات أو الأماكن وغيرها أن هذا من فضل الله اختصها الله بذلك لحكمة يعلمها [11] .
فيما تُجلب به البركة :
1- طلب البركة بأمور عبادية : ومنها :
أ - التقوى : تقوى الله ومراقبته في السر والعلن سبب رئيس في حصول البركة ؛ فلهذا قال عز من قائل عليم : [ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ]( الأعراف : 96 ) .
وقوله تعالى : [ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ]( الطلاق : 2 ) .
وقوله تعالى : [ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ]( الطلاق : 4 ) .
قال الواحدي : أي : يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة .
فلهذا لو تأملنا حال السلف الذين مُكِّنوا من البركة فإن الواحد منهم كان له نصيب من تقوى الله في جميع شأنه ؛ فلو نظرنا إلى نموذج واحد منهم وهو شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله حيث يقول عنه تلميذه ابن القيم : « وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ، ثم التفت إليَّ وقال : هذه غدوتي ، ولو لم أتغد سقطت قوتي » أو كلاماً قريباً من هذا .
وقال لي مرة : « لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر ؛ أو كلاماً هذا معناه » [12] .
ب - كثرة الاستغفار : قال تعالى : [ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ]( نوح : 10-12 ) .
وقوله تعالى : [ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ]( هود : 3 ) .
ج - الصلاة وإقامتها بالخشوع : قال تعالى : [ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ]( طه : 132 ) .
وقال وهب : « كانت الكُرَبُ العظام تكشف عن الأولين بالصلاة » .
د - البر وصلة الأرحام وحسن الجوار : وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصِلْ رحمه » [13] .
واختلف العلماء في معنى الإطالة الواردة في الحديث .
قيل : البركة في عمره ، والتوفيق للطاعات ، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة ، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك .
وهذا القول اختاره ابن حجر والطيبي [14] .
الثاني : أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك ؛ فيظهر لهم في اللوح المحفوظ أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه ، فإن وصلها زيد له أربعون .
الثالث : قيل المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت ، وهذا ضعيف أو باطل [15] .
واختار شيخ الإسلام : « أن الله يكتب للعبد أجلاً في صحف الملائكة فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب ، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب » [16] .
وقال الألباني : « الحديث على ظاهره : أي أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول العمر ، وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة ، ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به ؛ لأن هذا بالنظر للخاتمة » [17] .
وقال صلى الله عليه وسلم : « تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ؛ فإن صلة الرحم منجاة في الأهل ، منسأة في الأثر ، مثراة في المال » [18] .
وقال ابن عمر رضي الله عنه : « من اتقى ربه ، ووصل رحمه أنسئ له في عمره يعني يزاد له في عمره وينمو ماله يعني يكثر ويحبه أهله » [19] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : « إن حسن الخلق ، وحسن الجوار ، وصلة الرحم تعمر الدار وتزيد في الأعمار » [20] .
وقال أبو الليث : « وفي صلة الرحم خصال محمودة : أولها : رضا الله ؛ لأنه أمر بتقواه وصلة الرحم فقال : [ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ]( النساء : 1 ) .
الثاني : إدخال السرور عليهم .
وأفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن .
الثالث : فرح الملائكة ، وحسن الثناء من المسلمين ، وزيادة في العمر ، وبركة في الرزق » [21] .
هـ - ذكر الله وتلاوة القرآن : ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر ؛ فإذا وجدوا قوماً يذكرون تنادوا : هلموا إلى حاجتكم .
قال : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا .
قال : فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم : ما يقول عبادي ؟ قال : يقولون : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك .
قال : فيقول : هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا ، والله ما رأوك .
قال : فيقول : كيف لو رأوني ؟ قال : يقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً .
قال : يقول : فما يسألوني ؟ قال : يسألونك الجنة .
قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا ، والله يارب ما رأوها .
قال : يقول : فكيف لو أنهم رأوها ؟ قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً ، وأشد لها طلباً ، وأعظم فيها رغبة .
قال : فمِمَّ يتعوذون ؟ قال : يقولون : من النار .
قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا ، والله ما رأوها ! قال يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فراراً ، وأشد لها مخافة .
قال : فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم .
قال : يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة ! قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم » [22] .
فانظر إلى بركة الذكر ؛ حيث كان سبباً لمغفرة الذنوب ودخول الجنة ، بل إن هذه البركة لم تقتصر على الذاكرين وحدهم بل شملت حتى الجالس معهم .
وقال تعالى : [ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ]( الأنعام : 92 ) .
وقوله تعالى : [ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ]( ص : 29 ) .
قال الآلوسي : « قوله [ مُبَارَكٌ ]( ص : 29 ) أي كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الأولين والآخرين صفة بعد صفة » [23] .
وروى مسلم في صحيحه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اقرؤوا القرآن ؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه .
اقرؤوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران ؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهم غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافٍّ تحاجَّان عن أصحابهما ، اقرؤوا سورة البقرة ؛ فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تسطيعها البَطَلَة » [24] .
2 - طلب البركة في الأمكنة المباركة ، ومنها : 1 - المساجد : لِمَا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها ، وأبغض البلاد إلى الله تعالى أسواقها » [25] .
وطلب البركة في المسجد ؛ وذلك يكون من خلال الاعتكاف فيه ، وانتظار الصلوات وصلاة الجماعة ، وحضور مجالس الذكر [26] ، ونحو ذلك مما هو مشروع .
فمن المساجد التي لها مزية وزيادة في البركة : المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و المسجد الأقصى ، و مسجد قباء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : « صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام » [27] .
وعند الإمام أحمد بزيادة : « وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا » [28] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى » [29] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « من تطهر في بيته ، ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة » [30] .
2 - مكة والمدينة والشام واليمن : قال تعالى عن مكة : [ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ]( آل عمران : 96 ) .
قال القفال في تأويل البركة هنا : « يجوز أن تكون بركته ما ذكر في قوله : [ يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ]( القصص : 57 ) .
وقيل : « بركته دوام العبادة فيه ولزومها » [31] .
وقال الطبري : « لأن الطواف به مغفرة للذنوب » [32] .
وقال القرطبي : « جعله مباركاً لتضاعف العمل فيه ؛ فالبركة كثرة الخير » [33] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « والله إنكِ لخير أرض الله وأحب أرض إلى الله ، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت » [34] .
وقال صلى الله عليه وسلم عن المدينة : « اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي ثمارنا ، وفي مُدِّنا ، وفي صاعنا ، بركة مع بركة » [35] .
وإذا كان عمر الإنسان بهذا الحد وبهذا الحال فلا بد من بذل الجهد الذي يمكننا من حصول البركة في أعمالنا وأوقاتنا ، ولا سيما أن الأعمال المنوطة بالإنسان كثيرة ؛ فتجد كثيراً من الدعاة وطلاب العلم الذين يحترقون لنصرة هذا الدين والنجاة من عذاب الآخرة تجدهم كثيراً ما يشتكون من عجزهم عن القيام ببعض الأعمال ، وذلك لعدم وجود الوقت الذي يتمكنون فيه من القيام بهذا العمل .
وإنك لتتعجب أشد العجب من حال السلف وعظم ما أنجزوه وصنفوه ؛ إلاَّ أنك تجد أن هناك سراً في حياتهم وهو تمكنهم من حصول البركة في جميع شؤونهم ؛ فكانت البركة في حياتهم أنهم جمعوا من العلم الشيء الكثير حتى قيل : إن الإنسان لو أفنى عمره في قراءتها فلن ينتهي منها ؛ فكيف درسوا هذا العلم وسجلوه ؟ ! ومن ذلك حال شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول عنه تلميذه ابن القيم : « وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وكتابه أمراً عجيباً ؛ فكان يكتب في اليوم من التصانيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر ، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً » [2] .
بل لم يكن هذا العمل هو الوحيد عند شيخ الإسلام وإنما كان صاحب عبادة وتعليم وإنكار للمنكرات وجهاد ، وسجن في آخر عمره ، وخلف بعد وفاته مشروعاً عظيماً لا يزال العلماء وطلبة العلم عيال عليه ؛ فما السر في ذلك ؟ ! لا شك أنه من البركة في الوقت والعمل .
وهذا الموضوع يحتاج إليه العالم والمتعلم والمربي ، والداعية إلى الله ، وأصحاب الأعمال ، وأصحاب الأموال وغيرهم من الأمة الإسلامية ، يحتاجون إليه وخاصة الدعاة والعلماء وطلبة العلم ، وحتى يتمثلوا بقول الله تعالى : [ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ]( مريم : 31 ) .
في أي مكان وزمان ؛ فالبركة جعلها الله في تعليم الخير والدعوة إليه ، والنهي عن الشر ، والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله ؛ فكل من جالسه أو اجتمع به نالته بركته ، وسعد به مصاحبه » [3] .
أهمية الموضوع :
1 - أن العبرة في كثير من الأعمال والأمور إنما هو بالكيف وحصول البركة ، وليست بالكثرة مع عدمها ، وقد ذم الله ذلك فقال : [ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ]( غافر : 61 ) .
2 - قلة الإنتاجية في بعض الأعمال الدعوية وغيرها مع كثرة الجهود المبذولة في ذلك .
3 - حاجة الدعاة والمربين وطلاب العلم والعباد إلى حصول البركة في أعمالهم .
4 - حاجة عامة المسلمين إلى حصول البركة في أعمالهم وأرزاقهم .
تعريف البركة لغةً :
1- أصل البركة الثبوت واللزوم .
قال الراغب الأصفهاني : « برك البعير : ألقى ركبه .
واعتبر منه معنى اللزوم فقيل : ابتركوا في الحرب أي ثبتوا ولازموا موضع الحرب » [4] .
2 - النماء والزيادة .
وفي معجم مقاييس اللغة : « قال الخليل : البركة من الزيادة والنماء » [5] .
وفي حديث أم سليم : « فحنكه وبرَّك عليه » أي : دعا له بالبركة .
وروى ابن عباس : ومعنى البركة الكثرة في كل خير .
وقال ابن الأثير في حديث : « وبارك على محمد وعلى آل محمد » أي : أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة .
وهو من برك البعير إذا أناخ في موضع فلزمه ، وتطلق أيضاً على الزيادة والأصل الأول [6] .
ويمكن أن نخلص بتعريف للبركة بأنها : الزيادة في الخير والأجر وكل ما يحتاجه العبد في دينه ودنياه بسبب ذات مباركة أو زمان مبارك [7] .
أو هي : أن تعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيرك في الزمن الكثير .
ضوابط في البركة :
1 - البركة كلها من الله كما أن الرزق من الله ؛ فلا تطلب البركة إلا من الله ؛ ويدل على هذا قوله تعالى : [ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ ]( هود : 48 ) ، وقوله : [ رَحْمةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ ]( هود : 73 ) .
وما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال : « كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفاً ، وكنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقلَّ الماء فقال : اطلبوا فضلة من ماء .
فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ، ثم قال : حَيَّ على الطهور المبارك والبركة من الله .
فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم » [8] .
فإذا كانت من الله فطلبُها من غيره شرك .
2 - أن ما يُتبرك به من الأعيان والأقوال والأفعال التي ورد الشرع بها إنما هو سبب للبركة وليس هو البركة .
كما أن ما يُتداوى به من الأدوية إنما هو سبب للشفاء وليس هو الشفاء ، وما ذكر الشرع أن فيه بركة فيُستعمل استعمال السبب الذي قد يتخلف تأثيره لفقد شرط أو وجود مانع كما هو معلوم في قاعدة الأسباب الشرعية .
وما تضاف البركة إليه إنما هو من باب إضافة الشيء إلى سببه ! كما قالت عائشة رضي الله عنها عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها : « فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها » [9] .
أي : هي سبب للبركة وليست المعطية للبركة ؛ فلذلك لما تزوجها صلى الله عليه وسلم أعتق الصحابة من سَبَوْهُ من قومها بني المصطلق لكونهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهذه بركة عظيمة من الله والسبب هو جويرية بنت الحارث ؛ فهكذا الأشياء المباركة سبب للخير والنماء والزيادة .
3 - أن التماس البركة في شيء من الأشياء مبني على التوقيف ؛ فالذي يدل على حصول البركة من عدمها إنما هو الدليل الشرعي فحسب [10] .
4 - أن البركة التي توجد في بعض المخلوقات من الذوات أو الأماكن وغيرها أن هذا من فضل الله اختصها الله بذلك لحكمة يعلمها [11] .
فيما تُجلب به البركة :
1- طلب البركة بأمور عبادية : ومنها :
أ - التقوى : تقوى الله ومراقبته في السر والعلن سبب رئيس في حصول البركة ؛ فلهذا قال عز من قائل عليم : [ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ]( الأعراف : 96 ) .
وقوله تعالى : [ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ]( الطلاق : 2 ) .
وقوله تعالى : [ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ]( الطلاق : 4 ) .
قال الواحدي : أي : يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة .
فلهذا لو تأملنا حال السلف الذين مُكِّنوا من البركة فإن الواحد منهم كان له نصيب من تقوى الله في جميع شأنه ؛ فلو نظرنا إلى نموذج واحد منهم وهو شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله حيث يقول عنه تلميذه ابن القيم : « وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ، ثم التفت إليَّ وقال : هذه غدوتي ، ولو لم أتغد سقطت قوتي » أو كلاماً قريباً من هذا .
وقال لي مرة : « لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر ؛ أو كلاماً هذا معناه » [12] .
ب - كثرة الاستغفار : قال تعالى : [ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ]( نوح : 10-12 ) .
وقوله تعالى : [ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ]( هود : 3 ) .
ج - الصلاة وإقامتها بالخشوع : قال تعالى : [ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ]( طه : 132 ) .
وقال وهب : « كانت الكُرَبُ العظام تكشف عن الأولين بالصلاة » .
د - البر وصلة الأرحام وحسن الجوار : وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصِلْ رحمه » [13] .
واختلف العلماء في معنى الإطالة الواردة في الحديث .
قيل : البركة في عمره ، والتوفيق للطاعات ، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة ، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك .
وهذا القول اختاره ابن حجر والطيبي [14] .
الثاني : أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك ؛ فيظهر لهم في اللوح المحفوظ أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه ، فإن وصلها زيد له أربعون .
الثالث : قيل المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت ، وهذا ضعيف أو باطل [15] .
واختار شيخ الإسلام : « أن الله يكتب للعبد أجلاً في صحف الملائكة فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب ، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب » [16] .
وقال الألباني : « الحديث على ظاهره : أي أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول العمر ، وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة ، ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به ؛ لأن هذا بالنظر للخاتمة » [17] .
وقال صلى الله عليه وسلم : « تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ؛ فإن صلة الرحم منجاة في الأهل ، منسأة في الأثر ، مثراة في المال » [18] .
وقال ابن عمر رضي الله عنه : « من اتقى ربه ، ووصل رحمه أنسئ له في عمره يعني يزاد له في عمره وينمو ماله يعني يكثر ويحبه أهله » [19] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : « إن حسن الخلق ، وحسن الجوار ، وصلة الرحم تعمر الدار وتزيد في الأعمار » [20] .
وقال أبو الليث : « وفي صلة الرحم خصال محمودة : أولها : رضا الله ؛ لأنه أمر بتقواه وصلة الرحم فقال : [ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ]( النساء : 1 ) .
الثاني : إدخال السرور عليهم .
وأفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن .
الثالث : فرح الملائكة ، وحسن الثناء من المسلمين ، وزيادة في العمر ، وبركة في الرزق » [21] .
هـ - ذكر الله وتلاوة القرآن : ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر ؛ فإذا وجدوا قوماً يذكرون تنادوا : هلموا إلى حاجتكم .
قال : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا .
قال : فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم : ما يقول عبادي ؟ قال : يقولون : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك .
قال : فيقول : هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا ، والله ما رأوك .
قال : فيقول : كيف لو رأوني ؟ قال : يقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً .
قال : يقول : فما يسألوني ؟ قال : يسألونك الجنة .
قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا ، والله يارب ما رأوها .
قال : يقول : فكيف لو أنهم رأوها ؟ قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً ، وأشد لها طلباً ، وأعظم فيها رغبة .
قال : فمِمَّ يتعوذون ؟ قال : يقولون : من النار .
قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا ، والله ما رأوها ! قال يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فراراً ، وأشد لها مخافة .
قال : فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم .
قال : يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة ! قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم » [22] .
فانظر إلى بركة الذكر ؛ حيث كان سبباً لمغفرة الذنوب ودخول الجنة ، بل إن هذه البركة لم تقتصر على الذاكرين وحدهم بل شملت حتى الجالس معهم .
وقال تعالى : [ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ]( الأنعام : 92 ) .
وقوله تعالى : [ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ]( ص : 29 ) .
قال الآلوسي : « قوله [ مُبَارَكٌ ]( ص : 29 ) أي كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الأولين والآخرين صفة بعد صفة » [23] .
وروى مسلم في صحيحه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اقرؤوا القرآن ؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه .
اقرؤوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران ؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهم غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافٍّ تحاجَّان عن أصحابهما ، اقرؤوا سورة البقرة ؛ فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تسطيعها البَطَلَة » [24] .
2 - طلب البركة في الأمكنة المباركة ، ومنها : 1 - المساجد : لِمَا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها ، وأبغض البلاد إلى الله تعالى أسواقها » [25] .
وطلب البركة في المسجد ؛ وذلك يكون من خلال الاعتكاف فيه ، وانتظار الصلوات وصلاة الجماعة ، وحضور مجالس الذكر [26] ، ونحو ذلك مما هو مشروع .
فمن المساجد التي لها مزية وزيادة في البركة : المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و المسجد الأقصى ، و مسجد قباء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : « صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام » [27] .
وعند الإمام أحمد بزيادة : « وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا » [28] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى » [29] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « من تطهر في بيته ، ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة » [30] .
2 - مكة والمدينة والشام واليمن : قال تعالى عن مكة : [ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ]( آل عمران : 96 ) .
قال القفال في تأويل البركة هنا : « يجوز أن تكون بركته ما ذكر في قوله : [ يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ]( القصص : 57 ) .
وقيل : « بركته دوام العبادة فيه ولزومها » [31] .
وقال الطبري : « لأن الطواف به مغفرة للذنوب » [32] .
وقال القرطبي : « جعله مباركاً لتضاعف العمل فيه ؛ فالبركة كثرة الخير » [33] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « والله إنكِ لخير أرض الله وأحب أرض إلى الله ، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت » [34] .
وقال صلى الله عليه وسلم عن المدينة : « اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي ثمارنا ، وفي مُدِّنا ، وفي صاعنا ، بركة مع بركة » [35] .