إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ماذا قدمت لدين الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ماذا قدمت لدين الله

    هذه خطبة جميلة للشيخ محمد حسان أعجبتنى كثيرا عندما قرأتها بعنوان
    ماذا قدمت لدين الله؟



    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! (ماذا قدمت لدين الله؟) هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم تحت هذا العنوان المخجل في العناصر التالية: أولاً: واقع مرير يستنفر جميع الهمم. ثانياً: ولكن ما هو دوري؟ ثالثاً: تبعة ثقيلة وأمانة عظيمة تطوق بها الأعناق. وأخيراً: فجر الإسلام قادم. فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يقر أعيننا وإياكم جميعاً بنصرة هذا الدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! أولاً: واقع مرير يستنفر جميع الهمم. والله إن العين لتدمع، وإنا القلب ليحزن، وإنا لما حل بأمة التوحيد لمحزونون، أهذه هي الأمة التي زكاها الله بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]؟! أهذه هي الأمة التي زكاها الله بالوسطية والاعتدال في قوله سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]؟! أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن بالألفة والوحدة فقال سبحانه: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]؟! إنك لو نظرت إلى الأمة في القرآن، ونظرت إليها على أرض الواقع لانفلق كبدك من الحزن والبكاء على واقع أمة قد انحرفت كثيراً عن منهج الله جل وعلا، وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد غيرت الأمة شرع الله، وانحرفت الأمة عن طريق رسول الله، والله جل وعلا يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، فأذل الله الأمة لأحقر وأذل أمم الأرض، ممن كتب الله عليهم الذل والذلة من إخوان القردة والخنازير، من أبناء يهود، حتى من عُبَّاد البشر ساموا الأمة سوء العذاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله! لقد أصبحت الأمة الآن قصعة مستباحة لأحقر أمم الأرض، ولأذل أمم الأرض، وحق على الأمة قول الصادق، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟! قال: كلا، إنكم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل! وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا وكراهية الموت) . لقد أصبحت الأمة الآن -أيها الأخيار- غثاءً من النفايات البشرية، يعيش على ضفاف مجرى الحياة الإنسانية، تعيش الأمة الآن كدويلات متناثرة متصارعة متحاربة، تفصل بينها حدود جغرافية مصطنعة، ونعرات قومية جاهلية، وترفرف على سمائها رايات القومية والوطنية، وتحكم الأمة قوانين الغرب العلمانية، وتدور بالأمة الدورات السياسية، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران، بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي تدور فيه. ذلت الأمة بعد عزة، وجهلت الأمة بعد علم، وضعفت الأمة بعد قوة، وأصبحت في ذيل القافلة الإنسانية بعد أن كانت بالأمس القريب تقود القافلة كلها بجدارة واقتدار، وأصبحت الأمة الآن تتسول على موائد الفكر الإنساني والعلمي بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب منارة تهدي الحيارى والتائهين ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل، وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام! بل وأصبحت الأمة الآن تتأرجح في سيرها، ولا تعرف طريقها الذي يجب عليها أن تسلكه وأن تسير فيه، بعد أن كانت الأمة بالأمس الدليل الحاذق الأرب في الدروب المتشابكة، والصحراء المهلكة التي لا يهتدي للسير فيها إلا الأدلاء المجربون، ما الذي جرى؟ يبين الله سبحانه أن ما وقع للأمة إنما وقع وفق سنن ربانية لله في كونه لا تتبدل هذه السنن ولا تتغير مهما ادعى أحد لنفسه من مقومات المحاباة قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].




    ماذا قدمت لدين الله؟



    لا أطيل في تشخيص الواقع المرير فكلنا يعرفه، ولكنني أقول: إن هذا الواقع الأليم يستنفر جميع الهمم الغيورة، ويستوجب أن يسأل كل واحد منا نفسه هذا السؤال، قل لنفسك الآن، وأنا أقول لنفسي الآن: ماذا قدمت لدين الله جل وعلا؟ سؤال مخجل، سؤال مهيب: ماذا قدمت لدين الله جل وعلا؟ سؤال يجب ألا نمل طرحه، وألا نسأم تكراره؛ لنحيي في القلوب قضية العمل لهذا الدين، في وقت تحرك فيه أهل الكفر وأهل الباطل بكل رجولة وقوة لباطلهم وكفرهم الذي هم عليه، انتعش أهل الباطل وتحركوا في الوقت الذي تقاعس فيه أهل الحق وتكاسلوا، والله يا إخوة ما انتفش الباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن الحق أهله، ماذا قدمت لدين الله؟ سؤال يجب ألا نمل تكراره؛ لتجييش الطاقات الهائلة في الأمة؛ لتعمل لدين الله جل وعلا؛ للقضاء على هذه السلبية القاتلة المدمرة التي تخيم الآن على سماء الأمة؛ لتحريك دماء الإسلام التي تنبض بالولاء والبراء، والغيرة لدين الله في هذا الجسد الضخم الذي يتكون مما يزيد على مليار من المسلمين والمسلمات، ماذا قدمت لدين الله جل وعلا؟



    ما هو دور كل مسلم



    أيها المسلم! وأيتها المسلمة! واقع يجب أن يستنفر جميع الهمم الغيورة، وهنا قد يسأل كثير من المسلمين بصفة عامة وكثير من شبابنا بصفة خاصة ويقول: أنا أريد أن أقدم شيئاً لدين الله، وأن أبذل شيئاً لدين الله، ولكن ما هو دوري؟ وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر هذا اللقاء: ولكن ما هو دوري؟ سؤال وإن كان يمثل في الحقيقة ظاهرة صحية، إلا أنه ينم عن خلل في فهم حقيقة الانتماء لهذا الدين، إلى الحد الذي أصبح فيه المسلم لا يعرف ما الذي يجب عليه أن يقدمه لدين الله جل وعلا، لماذا؟ لأن قضية العمل للدين ما تحركت في قلبه إلا في لحظة حماس عابرة، أججها في قلبه عالم مخلص أو داعية صادق، فقام بعد هذه اللحظة الحماسية المتأججة ليسأل عن دوره الذي يجب عليه أن يبذله ويقدمه لدين الله جل وعلا، أما لو كانت قضية العمل لدين الله تشغل فكره، وتملأ قلبه، وتحرك وجدانه، ويفكر فيها في الليل والنهار، في النوم واليقظة، في السر والعلانية، لو كانت قضية العمل لدين الله كذلك في قلب كل مسلم ما سأل أبداً هذا السؤال؛ لأنه سيحدد دوره بحسب الزمان الذي يعيشه، وبحسب المكان الذي يتحرك فيه لدين الله؛ لأن قضية العمل لدين الله تملأ عليه همه، وتملأ عليه قلبه، بل وتحرق قلبه في الليل والنهار، ولكن بكل أسف أصبحت قضية العمل لدين الله قضية هامشية ثانوية في حس كثير من المسلمين، بل وأصبح لا وجود لها في حس قطاع عريض آخر ممن يأكلون ملء بطونهم، وينامون ملء عيونهم، ويضحكون ملء أفواههم، بل وينظرون إلى واقع الأمة فيهز الواحد كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه، وكأنه ما خلق إلا ليأكل ويشرب، وإلا ليحصل الشهادة، أو ليحصل الزوجة الحسناء، هذا كل همه في هذه الحياة!! أنا لا أمنع -أيها الحبيب- من أن تحمل في قلبك هموماً كثيرة، أن تحمل هم الوظيفة، وهم الزوجة، وهم الأولاد، وهم السيارة والعمارة، وهم الدولار والدينار والدنيا، لكن ما هو الهم الأول في خريطة همومك التي تحملها في هذه الدنيا، هل هو هم الدين؟ أم هل هو هم الدنيا؟ .


    همة أبي محجن

    أيها الشباب! قد يرد علي الآن رجل من آبائنا أو شاب من أحفادنا أو أخت من أخواتنا -وهذا سؤال مثار- ويقول: يا أخي! ولكني أستحي أن أتحرك لدين الله وأنا مقصر.. وأنا مذنب.. وأنا عاص.. أنا أعلم حقيقة نفسي!! أقول: لو تخاذلت عن العمل لدين الله فقد أضفت إلى تقصيرك تقصيراً، وإلى ذنوبك ذنباً، فلا يحملك ذنبك على أن تترك العمل لدين الله، ولا يمنعك تقصيرك، ولا يمنحك إجازة مفتوحة من العمل للإسلام، لا!! خذ هذه الرسالة الرقيقة من أبي محجن الثقفي رضي الله عنه، رجل مدمن على شرب الخمر، سبحان الله!! مع أنه فارس مغوار، إذا نزل الميدان أظهر البطولة والرجولة! ولكنه ابتلي بإدمانه على شرب الخمر، ومع ذلك تراه جندياً في صفوف القادسية، هل خرج للقتال؟ نعم. وهو الذي كثيراً ما يؤتى به ليقام عليه الحد. وفي ميدان البطولة والشرف أتي به لقائد الجيش سعد بن أبي وقاص ؛ لأنه قد شرب الخمر فلعبت الخمر برأسه مرة أخرى، فأمر سعد بن أبي وقاص -خال رسول الله- أن يمنع أبو محجن من المشاركة في المعركة، وأن يقيد حتى تنتهي المعركة؛ لأنه لا تقام الحدود في أرض العدو. وقيد أبو محجن ، وبدأت المعركة، وارتفعت أصوات الأبطال، وقعقعت السيوف والرماح، وتعالت أصوات الخيول!! وفتحت أبواب الجنة لتطير إليها أرواح الشهداء، وهنا احترق قلب أبي محجن الذي جيء به وهو على معصية، لم يفهم أبو محجن أن الوقوع في المعصية يمنحه إجازة مفتوحة من العمل لدين الله، من المشاركة لنصرة لا إله إلا الله، وإنما احترق قلبه وبكى، ونادى على زوج سعد بن أبي وقاص سلمى وقال لها: أسألك بالله يا سلمى ! أن تفكي قيدي، وأن تدفعي لي سلاح وفرس سعد ؛ لأن سعدا قد أقعده المرض عن المشاركة في القادسية إلا بالتخطيط. فرقت سلمى لحال أبي محجن ، ففكت قيده، ودفعت له السلاح والفرس وقال لها: إن قتلت فالحمد لله، وإن أحياني الله جل وعلا فلك على أن أعود إلى قيدي؛ لأضعه في رجلي بيدي مرة أخرى، وانطلق أبو محجن ، وتغير سير المعركة على يد بطل! على يد فارس! حتى قال سعد الذي جلس في عريش فوق مكان مرتفع؛ ليراقب سير المعركة، قال سعد : والله! لولا أني أعلم أن أبا محجن في القيد، لقلت بأن هذا الفارس هو أبو محجن ، ولولا أني أعلم أن البلقاء في مكانها لظننت أنها البلقاء، فردت عليه زوجه، وقالت: نعم، إنه أبو محجن وإنها البلقاء، وحكت له ما قد كان!! ولما انتهت المعركة دخل سعد بن أبي وقاص على أبي محجن في موقعه في سجنه، فوجد أبا محجن وقد وضع القيد في رجليه بيديه مرة أخرى، فبكى سعد بن أبي وقاص ورق لحاله، وقال له: قم يا أبا محجن ، وفك القيد عن قدميه بيديه، وقال له سعد : والله! لا أجلدك في الخمر بعدها أبداً، فنظر إليه أبو محجن وقال: ربما كنت أزل فيها لأنني أعلم أنني أطهر بعدها بالجلد، أما الآن لا تجلدني، وأنا والله لا أشرب الخمر بعد اليوم أبداً! وصدق مع الله جل وعلا. فهذه رسالة رقيقة يرسلها أبو محجن الثقفي للعصاة من أمثالي، لأهل الذنوب من أمثالي؛ من أجل ألا تمنحهم ذنوبهم ومعاصيهم إجازة مفتوحة من أن يتحركوا لدين الله، ومن أن تحترق قلوبهم بالعمل لدين الله جل وعلا! حتى الهدهد -ذلكم الطائر الأعجم حين كان في مملكة ضخمة على رأسها نبي، وقد سخر فيها الإنس والجن والطير والريح لهذا الملك النبي- لم يفهم من ذلك أنه قد أخذ إجازة من أجل ألا يعمل لدين الله. الهدهد؟ إي والله تحرك ليعمل للدين؟ إي والله! بل جاء إلى هذا الملك النبي ليكلمه بكل ثقة: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ [النمل:22-24]، ويعلن الهدهد براءته من عقيدة الشرك والكفر ويقول: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل:25-26]. هدهد لم يعجز أن يجد لنفسه دوراً في مملكة موحدة لا في بيئات، لا في بلد نحت شريعة الله، بل في مملكة موحدة على رأسها ملك نبي، لم يعجز أن يجد لنفسه دوراً ليعمل لدين الله، فهل تعجز -أيها المسلم وأيها الشاب- أن تجد لنفسك دوراً الآن حتى تعطي نفسك إجازة مفتوحة ألا تتحرك، وألا تعمل شيئاً لدين الله جل وعلا؟!


    همة نعيم بن مسعود رضي الله عنه

    وهذا هو نعيم بن مسعود ، رضي الله عن نعيم: ذلكم الفدائي البطل الذي جاء إلى المصطفى في وقت عصيب رهيب، كادت القلوب أن تخرج من الصدور في غزوة الأحزاب، أحاط المشركون بالمدينة من كل ناحية من حول الخندق، وفي لحظات حرجة قاسية نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله، وشكلوا تهديداً داخلياً خطيراً على النساء والأطفال، وتعاهدوا مع المشركين على أن يحاربوا محمداً معهم. وهذا هو فعل اليهود، وهذه هي صفتهم، فاليهود لا يجيدون إلا الغدر ونقض العهود، نقضوا العهد مع رسول الله في وقت حرج، ولك أن تتصور الحالة النفسية التي مر بها المصطفى مع أصحابه، وقد وصفها الله في القرآن وصفاً دقيقاً بليغاً، تدبر معي قول الله لهذه الحالة: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:10-12]. تصور هذه الحالة! ممن مع رسول الله من يقول: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، المشركون يحيطون بنا، واليهود نقضوا العهد وسيدمروننا من الداخل، ويقتلون نساءنا وأطفالنا، حالة قاسية! حتى قام المصطفى ليتضرع إلى الله: (اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم) ، تصور معي هذه الحالة، وفي هذا الوقت الحرج جاء نعيم بن مسعود رضي الله عنه، لماذا؟ أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بين المغرب والعشاء، فالتفت إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال: (ما جاء بك يا نعيم ؟ قال: جئت أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأن ما جئت به هو الحق. ابسط إلي يديك لأبايعك يا رسول الله!) فبايعه المصطفى، وشهد نعيم شهادة التوحيد، وعلى الفور قال لرسول الله: (يا رسول الله! مرني بما شئت؛ فوالله لا تأمرني بشيء إلا قضيته؛ فإنه لا يعلم أحد من القوم بإسلامي، فقال له المصطفى: يا نعيم ! إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة) فانطلق نعيم ، ولم يضع النبي له تفاصيل خطة، بل أمره أمراً عاماً: (خذل عنا ما استطعت)، وانطلق نعيم الذي استشعر مسئوليته تجاه هذا الدين، الرجل في مأزق! في فتنة! الإسلام يتعرض لخطر! فلماذا لا أبذل؟! لماذا لا أقدم؟! فكر هذا الفدائي الذي لم يمض على دخوله في دين الله إلا دقائق، ولكنه يستشعر مسئوليته لدين الله، الأحزاب يحيطون بالمدينة، ورسول الله في فتنة خطيرة فليبذل دمه، فليبذل روحه، وهاأنتم ترون الآن الإسلام والمسلمين في محنة، ومع ذلك منا -والله- من لا يفكر في أن يبذل شيئاً لدين الله لا في ليل أو نهار، حتى لو دعونا الناس لمجرد الإنفاق، ترى التقاعس، هذا مسجد مثلاً لله جل وعلا ترون فيه الطابق الثاني منذ متى ونحن نشيده؟ منذ متى ونحن ندعو لتشييده وبنائه؟ والناس يقفون الآن في الشمس، ومع ذلك سيسمع كثير منا هذا اللقاء، وفي جيبه الأموال من فضل الله وسيمضي ولن يساهم ولو بالقليل وكأن الأمر لا يعنيه، لماذا؟ لأن قضية العمل لهذا الدين أصبحت تتمثل في حسه في الخطبة والمحاضرة والندوة، هذا هو العمل للدين، لا، العمل لا ينتهي لدين الله عند خطبة الجمعة، أو عند محاضرة لشيخ، أو عند ندوة لعالم، بل إن الدين يحتاج إلى كل جهد، ولو كان هذا الجهد قليلاً!! نعيم بن مسعود انطلق يفكر كيف يعمل لدين الله. فتدبروا معي يا شباب، تدبروا معي؛ حتى لا يأتي شاب، فيقول: ماذا أفعل؟ ما دوري؟ لا مانع من أن تستأنس، وأن تسأل إن استشكلت عليك مسألة؛ لكن فكر لدين الله، كيف تعمل وكيف تبذل.. انطلق نعيم إلى يهود بني قريظة فقال: لقد جئتكم أبذل لكم النصيحة فاكتموا عني. فقالوا: قل يا نعيم ! قال: تعلمون ما بيني وبينكم. قالوا: لست عندنا بمتهم، وأنت عندنا على ما نحب من الصدق والبر. فقال نعيم : إن أمر هذا الرجل بلاء، يقصد النبي عليه الصلاة والسلام، فقد استحل نعيم من رسول الله أن يقول ما شاء، فقال له المصطفى: (قل فأنت في حل). فقال: إن أمر هذا الرجل بلاء، أنتم ترون -يا يهود بني قريظة- ما فعل بيهود بني قينقاع وبني النظير، ولستم كقريش وغطفان، فإن قريشاً وغطفان قد جاءوا من بلادهم ونزلوا حول المدينة، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كانت الأخرى عادوا إلى ديارهم وبلادهم وأموالهم، وانفرد بكم محمد؛ ليفعل بكم ما فعل بيهود بني قينقاع وبني النظير، فأنا جئت لكم اليوم أبذل لكم النصيحة. قالوا: ما هي يا نعيم ؟! قال: لا تقاتلوا مع قريش وغطفان حتى تأخذوا سبعين رجلاً من أشرافهم، تستوثقون بهم منهم أنهم لن يبرحوا المدينة حتى يقتلوا محمداً، وحتى يريحوكم من شره. قالوا: نعم الرأي يا نعيم . قال: اكتموا عني هذا؛ فإني ناصح لكم. قالوا: نفعل. فتركهم نعيم الفدائي البطل، وذهب إلى قائد جيوش الشرك أبي سفيان وقال: يا أبا سفيان ! تعلم الود الذي بيني وبينك. قال: نعم، يا نعيم . قال: لقد جئتك الآن بنصيحة. قال: ابذلها! قال: ألا تعلم يا أبا سفيان أن يهود بني قريظة قد ندموا على نقضهم للعهد مع محمد بن عبد الله وذهبوا إليه وقالوا: بأننا لن نقاتل مع قريش ضدك، ولنثبت لك صدقنا سوف نرسل إليك سبعين رجلاً من أشراف قريش وغطفان لتقتلهم، لتعلم أننا قد ندمنا على نقضنا للعهد معك. ففزع أبو سفيان! فقال نعيم: إياك أن تسلم اليهود رجلاً واحداً من أشرافكم. قال: أفعل يا نعيم، وشكر له هذه النصيحة الغالية. وتركه وذهب إلى غطفان، فقال لهم مثلما قال لـأبي سفيان ، وفي الوقت نفسه أرسل اليهود إلى قريش وغطفان ليقولوا: ادفعوا إلينا سبعين رجلاً من أشرافكم؛ لنستوثق بهم أنكم لن تبرحوا المدينة حتى تقاتلوا معنا محمداً، ولن تدعونا؛ لينفرد محمد بقتالنا. فقالت قريش وغطفان: صدق -والله- نعيم ، كذب اليهود عليهم لعائن الله، ولما رفض القرشيون أن يسلموا اليهود الأشراف، وعاد الرسل لليهود قالوا: صدق -والله- نعيم ، إنهم يريدون أن ينصرفوا؛ لينفرد محمد بقتالنا، فخذل الله عز وجل بين قريش وغطفان، وبين اليهود على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، واستراح قلب النبي داخل المدينة؛ لأن اليهود قد نقضت العهد مرة أخرى مع قريش وغطفان، وقد انشغل قلبه، وانشغلت قلوب أصحابه على ذراريهم ونسائهم وأموالهم داخل المدينة، وهم قد خرجوا ليحاصروا المدينة من الخارج في مواجهة الصف المشرك الذي خندق حولها. على يد رجل ثبت الله جيشاً، ما وضع النبي صلى الله عليه وسلم له بنود هذه الخطة، بل فكر وعلى قدر الإخلاص والصدق يكون التوفيق من الله جل وعلا.
    يتبع ان شاء الله

  • #2
    رد: ماذا قدمت لدين الله

    أخي لو كتبت نصفها في رد والنص الآخر في رد
    لتسهل القرآة بارك الله فيك أخي الفاضل
    د.ناصر العمر |
    إذا اقشعرَّ جلدك ولان قلبك وأنت تسمع آيات الوعد والوعيد؟! عندئذٍ تكون متدبّراً للقرآن ومنتفعاً به، ويكون حجةً لك لا حجةً عليك !. ولكي تلمس أثر القرآن في نفسك، انظر: هل ارتفع إيمانك؟.. هل بكيت؟.. هل خشعت؟.. هل تصدقتَ؟..فكل آية لها دلالاتها وآثارها .

    تعليق

    يعمل...
    X