إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

معالم مدرسة أهل السنة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معالم مدرسة أهل السنة

    إن مدرسة أهل السنة والجماعة من معالمها:


    أولاً: أنها مدرسة تتبع الدليل، وقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي لا تتمسك إلا بالوحي، لأن العصمة من التحريف لكتاب الله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.


    قال ابن القيم ، رحمه الله:



    العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان



    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فلان


    قرأت أن بعض المستشرقين أراد أن يسلم، وقد تعلم العربية، فقرأ القرآن، فكان سبب إسلامه أن عرض عليه المصحف فابتدأ بسورة البقرة ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ))، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

    فقال له أحد الناس: لماذا أسلمت؟

    قال: كل كاتب إذا كتب كتاباً، بدأ في المقدمة بالاعتراف بالعجز والتقصير، إلا الله، فإنه بدأ متحدياً الناس أن يوجد في كتابه نقص أو تقصير.

    انظر إلى المكتبة انظر إلى رسائل التخصص من: الماجستير والدكتوراه.

    فكلهم عند البدء يعتذر طويلاً من الأخطاء والتقصير والغفلة والنسيان.

    أما الله تعالى فيقول: ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)). يقول: ليس فيه شك، ولا نقص، ولا تقصير، ولا تردد، ولا ريبة.

    ويقول سبحانه وتعالى عن كتابه: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا)).


    آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم



    أتى على سفر التوراة فانسلخت فلم يفدها زمان السبق والقدم



    ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم


    فـأهل السنة يؤمنون بهذا الدليل وأنه وحي ((إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى))، ويؤمنون بكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)).

    فمدرستنا: مدرسة أهل السنة والجماعة ، شعارها: قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم فليس لها معصوم غير الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وتجد بعض الناس يبالغ في حب المنظرين، أو الدعاة المشهورين، أو العلماء، حتى كأن كلامهم صحيح لا يقبل الخطأ، وكلام غيرهم خطأ لا يقبل الصحة.

    وهذا خطأ وأنتم تعرفون فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية لما سئل عمن قال: إنه يجب على الناس أن يتبعوا إماماً من الأئمة ولا يخالف قوله.

    فقال: من قال هذا القول يستتاب، فإن تاب وإلا قتل! فلا قول إلا قول الله وقول محمد صلى الله عليه وسلم (1) .

    وقد سئل إمام أهل السنة عن مسألة، فأجاب فيها، فقيل له: ماذا يقول فيها الشافعي ؟

    فقال: لا تقلدني، ولا تقلدن مالكاً ولا الشافعي ، وخذ من حيث أخذنا. (والمقصود: من بلغ درجة الاجتهاد، وأصبح لديه الملكة بأن يأخذ من حيث أخذوا).

    وقال ابن عبد البر : أجمع أهل العلم على أن المقلد ليس من أهل العلم، ولا من طلبة العلم.

    المقصود أيها الإخوة الكرام أن ميزة مدرسة أهل السنة والجماعة أنها تتبع الدليل قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم.

    ويقول أحد الفضلاء: على طالب العلم أن يتمسك في كل مسألة بدليل عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.

    فالعلم إنما هو بالدليل، وقد نبه سبحانه على هذا فقال: ((قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا))، وقال سبحانه: ((قُُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ))، وفي بعض الآثار (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشمس فقال للرجل: أترى هذه؟

    .

    قال: نعم.

    قال: على مثلها فاشهد) (1) ، ودل على ذلك: قوله تعالى: ((إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)).

    والدليل هو: البصيرة ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ))، قال بعض المفسرين: البصيرة: العلم.

    وصدق، فإن أتباعه صلى الله عليه وسلم لا يتعاملون بأهواء، ولا بعواطف، ولا بكلام فكري، بل بدليل شرعي.

    ثانياً: أن مدرسة أهل السنة والجماعة : مدرسة ميسرة، سهلة، بعيدة عن التكلف والتعقيد.

    وإنما دخل التعقيد يوم أتى الفلاسفة ، وأهل علم الكلام الذين تقعروا وتشددوا في أمور العقائد، وأمور الشريعة حتى أفسدوا الدين.

    أتي للرسول صلى الله عليه وسلم كما في السنن من حديث معاوية بن الحكم السلمي بجارية (طفلة) فقال لها: (أين الله؟

    فأشارت إلى السماء.

    قال: اعتقها؛ فإنها مؤمنة) (1) .

    ما أحسن العقيدة! وما أسهل العرض!

    وأتاه ضمام بن ثعلبة فسأله صلى الله عليه وسلم عن الآيات البينات وعن الله فأخبره صلى الله عليه وسلم.

    فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، وأنا ضمام بن ثعلبة ثم ولى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة) (1) .

    وفي رواية أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم على عمل إذا عمله دخل الجنة، فلما ولى الرجل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) (1) .

    وفي الحديث أن أبا تميمة الهجيمي وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أتى من البادية.

    فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: (من أنت؟

    قال: أنا رسول الله.

    قال: من أرسلك؟

    قال: الله.

    قال: من هو الله؟

    فقال صلى الله عليه وسلم للرجل: أنا رسول من إذا أصابك قحط وأنت في الصحراء فدعوته كشفه عنك، وأنا رسول من إذا ضلت عليك راحلتك وأنت في البادية فدعوته ردها عليك) (1) .

    فلم يأت صلى الله عليه وسلم بتعريف الفلاسفة ، أو تعقيدهم فيقول: هو العقل الفعال! أو العلة المؤثرة!!

    وإنما أتى بتعريف الأنبياء، بل بتعريف الله لنفسه.

    فالله عز وجل يعرف نفسه لـموسى في أول مكالمة، ولم يكلم الله أحداً من الناس كفاحاً إلا موسى ، يقول:

    ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي)).

    فأعظم تعريف لله عند أهل السنة والجماعة ، أنه لا إله إلا الله.

    وفي سورة محمد قال الله للرسول صلى الله عليه وسلم: ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ))، قبل أن تدعو وقبل أن تعمل وقبل أن توجه وقبل أن تربي وقبل أن ترشد ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)).

    فآمن وأسلم.

    هذه عقيدة ميسرة، يدعو إليها أهل السنة والجماعة ، فهم يقدمون أولاً ميثاق التوحيد حتى يقوم الناس على منهج رباني، وكل ذلك بسهولة ويسر ((طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)).

    وهذا كان منهجه صلى الله عليه وسلم حيث وصفه الله بأنه ((وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ))، فقد بعث رحمةً صلى الله عليه وسلم.

    الثالث: من معالم هذه المدرسة أنها: تحارب البدع في الدين والأهواء، فإنها صافية كالثوب الأبيض، فلا ترى تجميع من هب ودب، إنما هي مدرسة ربانية لا تدخل فيها إلا بشروط:

    أن تكون سنياً، سلفياً صرفاً، موحداً لله، ذا منهج رباني، أما التلفيق والترقيع فهذا لا يصلح أبداً، حتى يقول بعض أهل العلم.

    عامي موحد يغلب ألف عالم مخلط.

    وهذا صحيح، فإن علماء المبتدعة بحور في العلوم، لكنهم مخلطون.

    وقد يقل علم عالم أهل السنة ، ولكنه صافي المنبع، كالنطفة من الماء العذب، أو كالساقية الصغيرة، أما علم المبتدع فكالبحر المالح.

    يقول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (1) .

    وقال أبو بكر في أول خطبة على المنبر: [إنما أنا متبع ولست بمبتدع].

    وقد كتب عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله، كتاباً إلى رجل قد سأله عن القدر جاء فيه:

    (أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعدما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة، فإنها لك -بإذن الله- عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى؛ فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: إنما حدث بعدهم، ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم..) (1).

    وهي من عيون الكلم ودرره، رحمه الله تعالى.

    الرابع: من معالم هذه المدرسة: أنهم يدعون للاجتهاد الشرعي، ويطالبون العلماء، وطلاب العلم بالجد والاجتهاد، حتى يحققوه، والغرض من هذا: محاولة التخلص من التقليد الذي يؤدي إلى مخالفة السنة، فالاجتهاد باق وهو خاصية من خصائص هذه الأمة، وإنما يجب عليها وجوباً كفائياً أن تحقق أدواته، وأسبابه، وهذا لا يكون أبداً إلا بمطالعة كتب الأوائل، واعتماد طريقتهم في تقديم النقل الصحيح، واعتماد القواعد الأصولية التي أصلوها، ويستلزم من هذا: التنبيه على ما وقعت فيه كتب الأوائل من بعض الهنات التي لا يخلو منها كتاب، ولا ينفك عنها عالم، مع احتفاظنا للجميع بالتقدير والاحترام فلولا الله تعالى، ثم حملة العلم الأوائل، لما وصل الخالدين بهذه الصورة الصافية النقية، وإنما ذكرت هذا، حتى لا يتوهم متوهم أن الاجتهاد من لوازمه: القدح في الأئمة الأوائل، أو العكس أي: تعظيم الأوائل يلزم منه رد السنة، أو التقليد الأعمى، فليتنبه.

    الخامس: أن هذه المدرسة وسط بين الطوائف، فالأمة الإسلامية وسط بين الأمم وأهل السنة وسط بين الطوائف ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)).

    فهي وسط بين المرجئة و الخوارج في قضايا الإيمان والكفر:

    فـالمرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية.

    ويرون أن أصل الإيمان واحد، لا يتجزأ، ويرون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ويرون أن إيمان أبي بكر مثل إيمان آحاد الأمة.

    أبو بكر الذي دفع دمه، وعرضه، ووقته في نصرة لا إله إلا الله، يكون إيمانه كإيمان الذين لا يحضر الواحد منهم لصلاة الفجر إلا بإلحاح.

    وأما الخوارج فقالوا: بأن صاحب الكبيرة كافر يخرج من الملة.

    وتوسط أهل السنة فقالوا: الإيمان يزيد وينقص، وصاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ما لم يستحلها، فإن استحلها كفر، ولا يخرج عن الإسلام لفعله لهذه الكبيرة، لكنه ناقص الإيمان.

    وهم وسط بين الرافضة و النواصب في عقيدتهم في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وآل نبيه.

    فـالرافضة : غلوا في أهل البيت حتى قال بعضهم عن علي ، رضي الله عنه وأرضاه، بأنه الله! فلما سمع علي بذلك أحرقهم بالنار هو ومولاه قنبر .

    وأخذ يقول:


    لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبرا


    أما النواصب : فسبوا أهل البيت، وناصبوهم العداء، وتبرؤوا منهم.

    وأما أهل السنة : فكانوا وسطاً بينهما، حيث عرفوا حقوق أهل البيت كما قال الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)). ولكنهم لم يغالوا فيهم غلو الرافضة .

    السادس: أن هذه المدرسة واقعية تخاطب الناس بالواقع، فتحل مشكلات الناس التي يعيشونها دون الخوض في الخيالات.

    وأنا أنصح إخواني طلبة العلم بألا يتكلف أحدهم بالمسائل التي لم تقع.

    وقال بعض أهل العلم لأحد تلامذته وكان يفتي الناس: لا تفت الناس إلا في مسائل وقعت، فإنك إذا فعلت ذلك وضعت عنك نصف التكلفة أو كما قال.

    أو أن يتدخل المرء في ما لا يعنيه من تلكم الفتاوى.

    السابع: أن مدرسة أهل السنة والجماعة تجمع وتوحد، ولا تفرق ولا تحب الشتات ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ))، ويقول سبحانه وتعالى قبلها: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)).

    العالم الآن يسعى إلى الوفاق بين الدول وتجميعها على روابط دنيوية، إلا هذا العالم الإسلامي الذي كل يوم تنقسم فيه الدولة كل يوم إلى دولتين، أو ثلاث دويلات.


    مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتضد فيها ومعتمد



    أسماء مملكة في غير موطنها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد


    فالتبديد والتشتيت ليس من منهج الله سبحانه وتعالى الذي أنزله على رسوله، بل إن جمع الأمة، وتوحيد الكلمة على منهج رباني هو منهج أهل السنة والجماعة .

    أما أن تنعقد الأخوة على غض الطرف عن أخطاء العقيدة، فهذا منهج يؤدي، ولا محالة، إلى غياب مبدأ الولاء والبراء، والحب في الله، والبغض في الله، وهو من أركان الإيمان، فيجب أن تنعقد الأخوة على روابط إيمانية، وأسس عقدية صحيحة نابعة من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة الصالحين.

    فمدرسة أهل السنة والجماعة تنهى عن الشتات، ولا يشتت، ولا يفرق إلا أهل البدع، وهم خطباء فتنة، حتى تجد بعض الناس من الكتبة لا يتكلم في الاجتماع وتوحيد الكلمة والصف، ولا يتكلم في حاجات الأمة، ولا يتكلم في ما يحتاج إليه الناس من علم الدين والدنيا، إنما بقي في بياته الشتوي، فإذا سمع فتنة قام يتكلم.

    رأى عمر ، رضي الله عنه وأرضاه، بعض الناس، وقد أقبلوا وراء سارق تقطع يده، فقال: شاهت الوجوه التي لا ترى إلا في الشر.

    فتجد بعض الكتبة لا يكتب إلا في الشر والفتن.

    الثامن: أنها مدرسة ربانية، ليس لها مصدر لأفكارها من غير الوحي، فليس عندنا مواد نستقدمها من نابليون، ولا من حمورابي، ولا من هتلر، بل عندنا: قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

    فهي: مدرسة، ربانية، نزلت من فوق سبع سموات، لا تمد عقلها، ولا يدها إلى غير الوحي.


    وما استعرت تعاليماً ملفقة من صرح واشنطن أو رأس شيطان



    وما مددت يدي إلا لخالقها وما نصبت لغير الحق ميزان


    التاسع: أن أهلها لا يكذبون، بخلاف أهل الأهواء الذين يحتاجون إلى الكذب، لأن عندهم: عدوك اليوم صديقك غداً.

    أما أهل السنة والجماعة فمنهجهم واحد.. تلقاه اليوم، وبعد سنة، لا يتغير، ولا يكذب؛ لأنه يحمل قال الله، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم.

    العاشر: أن شعار أحدهم ((إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ))، فلا يسعى إلى مطمع دنيوي، وإنما يسعى إلى إقامة شريعة الله وإصلاح عقائد الناس، وإلى توضيح المنهج الرباني، وإلى النهي عن الشرك، والخرافات، والخزعبلات، والى رد الناس إلى الصراط المستقيم.

    الحادي عشر: أنها تعذر المجتهد المخطئ، فيما يخطئ فيه، وهذا في الفرعيات لا في العقيدة.

    وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام أسباب اختلاف العلماء في مسائل الفقه، فلتراجع (1) .

    وقال بعض أهل العلم: والصحابة، بحمد الله، لم يختلفوا في مسألة عقائدية أبداً.

    فالخلاف والعذر فيه وارد في هذه المدرسة.

    ولذلك تجد بعض الناس ممن جهل هذا يتشدق ويقول: هذا العالم يحرم التصوير الفوتوغرافي وهذا يحلله، هذه فوضى!!

    ونسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) (1) .

    الثاني عشر: هذه المدرسة تؤمن بالشمول في حياة العبد، وتوازن بين الروح والفكر.

    لقد ذهب الفلاسفة إلى الفكر، فقست قلوبهم.

    وذهب الصوفية إلى الروح، فجهلت عقولهم.

    وذهب أهل السنة والجماعة إلى الفكر وإلى الروح، فاكتمل الخير عندهم.

    وقد قال تعالى جامعاً بين الفكر والذكر وهو غذاء الروح: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)).

    الثالث عشر: ومن معالم هذه المدرسة: أنها تقول الحق، ولا تخشى في الله لومة لائم ((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ))، فهي تبلغ بقوة؛ لأنها تحملت الميثاق، ولا ترهب إلا من الله، ولا تسكت عن المنكر والباطل ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ))، ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).

    فالإمام أحمد كان من رموز مدرسة أهل السنة والجماعة في الصدوع بكلمة الحق، والوقوف بقوة أمام الباطل في فتنة القول بخلق القرآن، عندما قامت الدولة والجيش والسلطة في كفة، وقام هو في كفة واحدة.


    كأنه وهو فرد في جلالته في موكب حين تلقاه وفي حشم


    استمر يدافع، ويبين الحجة، حتى نصره الله.

    وهكذا كان ابن تيمية بعده عندما تعرض للحبس، وللجلد، وتعرض لأنواع الإساءة، ولكنه صبر، وقال كلمة الحق، فانتصر في النهاية.

    وهكذا أتباعهم يمضون على هذا المنوال.

    فهذه المدرسة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وهو الواجب الشرعي الإيماني الذي يحمله كل فرد من أبناء هذه المدرسة.

    الرابع عشر: هذه المدرسة لا ترى التعصب المذهبي، فهي تعرف الرجال بالحق، ولا تعرف الحق بالرجال؛ لأن التعصب المذهبي كان عثرة في سبيل توحيد الأمة على التاريخ، حيث كانت المشاحنات والخصومات بين أنصار كل مذهب.

    والواجب على أهل السنة والجماعة : أن يسعوا إلى إنزال هذه اللافتات والشعارات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإلى توحيد الكلمة وجمع الصف.

    فإن الحزبية هي برمجة للعبد في مسار ضيق، وفي دائرة محدودة، حتى يحب ويوالي من هذه النظرة الصغيرة.

    فلا يرى إلا بهذا المنظار.

    ولا يقرأ إلا بهذا المنظار.

    ولا يسمع إلا بهذا المنظار.

    ولا يحب إلا من وافقه في هذا المسار، ويكره من خالفه، حتى ولو كان فاضلاً.

    فهذه ليست من الإسلام، وليس في القرآن: الأخذ بأي حزب إلا حزب الله عز وجل.

    فكل ولي لله، وهو مقيم لشرع الله، فهو من أوليائك وأنصارك.

    الخامس عشر: هذه المدرسة تدعو إلى: مناصحة ولاة الأمر بالحكمة، واللين، والموعظة الحسنة، لا بالتشهير على المنابر، أو إثارة حزازات النفوس، وأحقادها على ولي الأمر حتى يبغضه الناس فيتفرق الصف، فهذا ليس بمنهج لـأهل السنة أبداً، ولو توهم ذلك بعضهم، بل هذا مسلك أهل البدع، وأهل الانحرافات العقائدية والفكرية على مر التاريخ الإسلامي، كـالخوارج ، ومن سار على دربهم.

    فواجب العلماء والدعاة: الدعاء للإمام بالصلاح، والتوفيق لخدمة الدين، ومناصحته سراً في أمور المجتمع، والبعد عن المنابذة، وتفريق الكلمة.

    السادس عشر: أن هذه المدرسة لا تجتمع على ضلالة، لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) (1) .

    فإذا رأيتم العلماء من أهل السنة قد اجتمعوا على أمر، فاعلموا أنه حق، وأنه هو الأمر الذي أراده الله.

    السابع عشر: أن علماءها وأخيارها عدول مزكون، بخلاف أهل الكتاب من بني إسرائيل، فإن أشرارهم علماؤهم، فهم أهل المصائب والكوارث والفتن.

    وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله) (1) .

    ويرى ابن عبد البر : أن من حمل العلم فهو عدل.

    فالعدل عندنا هو: من حمل العلم، ولذلك لا يقبل فيه الجرح إلا مفسراً.

    أما بنو إسرائيل، فقد قال تعالى فيهم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ))، ويقول في موطن آخر: ((لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ))، فالعلماء عندهم: أشرار، ومردة، وخونة، والعلماء عندنا: مخلصون، صادقون.

    الثامن عشر: أنهم يرون الولاء والبراء عقيدة، وكذا الحب والبغض، فهم لا يسيرون الحب والبغض بلا ضابط بل كما في الحديث: (من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) (1) ، والله سبحانه وتعالى يقول في الولاء: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ))، ويقول: ((لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)).

    ونلاحظ نقص الولاء في بعض الملتزمين، من المقصرين، فترى الواحد منهم إذا التزم لا يزال يستمر في صحبة كثير من الأشرار، وكثير من المنحرفين عن السنة، ممن يستمع الغناء، أو يتخلف عن الصلوات، ويتمرد على السنة، فتجده أكيله وشريبه، دون أن يدعوه.

    وهكذا تجد الضعف عند من يشتغل مع النصراني، واليهودي، والبوذي، والسيخي، فتجدهم يواكلونهم، ويشاربونهم، ويلاطفونهم، ويزاورونهم، ويحترمونهم.

    كتب أبو موسى الأشعري ، رضي الله عنه وأرضاه، كتاباً إلى عمر ، رضي الله عنه، يستشيره في كاتب نصراني عنده هل يتخذه كاتباً. فقال عمر : لا.

    فقال: إنه فطن، يا أمير المؤمنين.

    قال عمر : قاتلك الله، تقربهم وقد أبعدهم الله، وتحبهم وقد أبغضهم الله، وترفعهم وقد أنزلهم الله، فطرده أبو موسى .

    فنصيحتي لأهل الأموال والمؤسسات: أن يتقوا الله في هذا المنهج الرباني، فلا يستقدموا عمالاً غير مسلمين، أو خبراء، أو مستشارين، أو غير ذلك.

    التاسع عشر: أنها لا تكتفي بالظاهر دون الباطن، ولا بالباطن دون الظاهر.

    لأن بعض الناس يرى عمل الظاهر أو الجوارح قشوراً كتقصير الثوب، وإطلاق اللحية، وتسوية الصف في الصلاة، والسواك وغيرها.

    بل هي لباب كلها وكل ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو لباب.

    فـأهل السنة يريدون أن يكون مظهرك وشخصيتك تبعاً للسنة.

    وتهتم بالباطن، فتجرد الروح من الذنوب والخطايا: من الكبر، والحسد، والحقد، والغل، والعجب، والغرور، وكبائر الذنوب، ونحو ذلك.

    العشرون: أن هذه المدرسة توقر الصحابة، وتحترمهم، وتكف عما شجر بينهم.

    سئل عامر الشعبي عن أهل حنين: ما لهم تقاتلوا؟

    ولم يفر بعضهم من بعض؟

    قال: أهل الجنة التقوا، فاستحيا بعضهم أن يفر من بعض.

    وقال عمر بن عبد العزيز ، وقد سئل عن تلك الفتن والدماء: تلك دماء سلم الله منها سيوفنا، فلماذا لا تسلم منها ألسنتنا؟

    وهذا هو الواجب على المؤمنين كما يقول تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)).

    وإذا رأيت الإنسان يبحث عن ذنوب الصحابة، ويضخم خطاياهم، فاتهمه على الإسلام، واعرف أن في قلبه مرضاً، أو هوىً، والعياذ بالله.

    الحادي والعشرون: أنها مدرسة تتخذ من اللين والحكمة شعاراً لها في دعوتها لتكسب بها قلوب الناس وتؤثر فيهم، كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ((وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)).

    فهي مدرسة التيسير واللين واللطف في القول، وفي النصح، وفي العمل.

    الثاني والعشرون: أنها مدرسة ترتكز على النفع المتعدي للأمة وللناس، قبل النفع اللازم لها، فتهتم بأمور الدعوة، وتنفيس الكربات عن الآخرين، ومساعدتهم، والوقوف بجانبهم، وفك كرباتهم، قبل أن تهتم بأمورها الخاصة من النوافل اللازمة كالصلاة والصيام.

    هذه أبرز معالم هذه المدرسة المباركة، مدرسة أهل السنة التي أراد الله لها أن تكون خير من يمثل الإسلام في كل زمان ومكان.

    أسأل الله أن يثبتنا على منهج أهل السنة والجماعة إلى أن نلقاه، وقد رضي عنا.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




    منقول للفائدة من موقع أسلمت
    اللهم اهدنا واهد بنا
    لعلي ألقاك فتعفو وتغفر وترحم وترضى

  • #2
    رد: معالم مدرسة أهل السنة

    جزاكم الله خيرا
    الحمد لله على نعمة الاسلام والقران والسنة وكفى بها نعمة
    " حَسبُنا الله سَيُؤتِينا الله مِن فضْلِه إنّا إلَى الله رَآغِبُونَ"
    يقول عن هذه الآية الشيخ / صآلح المغآمسي ..إنها دُعــآء المُعجِزات، ويقول: والله متى ما دعوت الله بصدق وكنت في مأزق إلا وجاء الفرج من حيث لا أعلم،، وقال ابن باز رحمه الله: مادعوت بهذا الدعاء بعد التشهد الأخير. في أمر عسير إلا تيسّر

    تعليق


    • #3
      رد: معالم مدرسة أهل السنة

      المشاركة الأصلية بواسطة المؤمنة بالله
      جزاكم الله خيرا


      واياكي ووفقكي ووفقنا لما يحب ويرضى
      التعديل الأخير تم بواسطة المشتاقة لله; الساعة 01-09-2011, 10:17 AM.
      اللهم اهدنا واهد بنا
      لعلي ألقاك فتعفو وتغفر وترحم وترضى

      تعليق


      • #4
        رد: معالم مدرسة أهل السنة

        المشاركة الأصلية بواسطة المشتاقة لله مشاهدة المشاركة
        جزاكم الله خيرا


        الحمد لله على نعمة الاسلام والقران والسنة وكفى بها نعمة
        وجزيتي مثله اشكرك لمرورك نورتيني
        التعديل الأخير تم بواسطة المشتاقة لله; الساعة 01-09-2011, 10:17 AM.
        اللهم اهدنا واهد بنا
        لعلي ألقاك فتعفو وتغفر وترحم وترضى

        تعليق

        يعمل...
        X