إن الله -تبارك وتعالى- هو المنفرد بعلم غيب السماوات والأرض, (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) ~ [الأنعام: ٥٩]. وإذا كان هو المنفرد بعلم ذلك, المحيط علمه بالسرائر والبواطن والخفايا؛ فهو الذي لا تنبغي العبادة إلا له.
عن ابن عمر -رضي الله عنهما-؛ عن النبي ﷺ قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله, ولا يعلم ما في غد إلا الله, ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله, ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله, ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله"(رواه البخاري).
وفي رواية: "مفاتح الغيب خمس؛ ثم قرأ: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) ~ [لقمان: ٣٤]"(رواه الإمام البخاري).
اشتمل الحديث على أصل عظيم من أصول الإيمان, وثوابت العقيدة, وهو أن علم الغيب من العلم الذي استأثر الله -تعالى- به لنفسه, وبيده وحده خزائنه, فلا يعلم الغيب أحد إلا الله, لا ملك مقرب, ولا نبي مرسل, فضلا عمن دونهما.
ولذا قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "من زعم أن محمدا ﷺ يخبر بما يكون في غد؛ فقد أعظم على الله الفرية, والله يقول: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) ~ "(رواه مسلم).
فيجب على كل مسلم أن يؤمن بهذا الأصل, ويوقن به, فمن اعتقد, أو ادعى أن غير الله -سبحانه- يعلم الغيب؛ فقد كفر, وكذب وضل ضلالا مبينا. كمن يعتقد ذلك في السحرة, والكهنة, والعرافين, والمنجمين, وكاعتقاد بعض الطوائف في أئمتهم, وغلاة الصوفية في مشايخهم, والاعتقاد في الجن.
وفي الحديث: "من أتى كاهنا, أو عرافا, فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ"(صحيح: رواه أحمد). والعراف: هو الذي يخبر عما في الضمير, والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.
فقوله: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله": أي: خزائن الغيب. والمفتاح: هو الذي يفتح به, وهو عبارة عن كل ما يحل مغلقا, كالقفل على البيت. فشبه الأمور المغيبة عن الناس بالمتاع النفيس الذي يدخر بالمخازن, والخزائن المستوثق عليها بأقفال, بحيث لا يعلم ما فيها إلا الذي بيده مفاتحها.
ووجه كون هذه الخمس مفاتيح: هو أن قيام الساعة: مفتاح الحياة الآخرة. ونزول الغيث: مفتاح حياة الأرض بالنبات. وما في الأرحام: مفتاح الوجود في الحياة. وعمل الغد: مفتاح عمل المستقبل. وعلم مكان الموت: مفتاح الانتقال من الدنيا إلى الآخرة؛ فلهذا صارت هذه الخمس مفاتيح.
ولا يمكن حصر علم الغيب في هذه الخمس؛ ولكن هذه أمهاتها, وذكرت لحاجة الناس إلى معرفة اختصاص الله بعلمها. فعلم الغيب أكثر من هذه الخمس؛ مثل: علمه -سبحانه- بعدد خلقه, فالله -جل في علاه-: (يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) ~ [الأنعام: ٥٩]؛ (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) ~ [سبأ: ٣]. ومثل: استئثاره بعلمه بذاته, وأسمائه الحسنى, وصفاته العليا؛ كما قال -عز وجل-: (ولا يحيطون به علما) ~ [طه: ١١٠].
وجملة القول: أن مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله خمسة:
المفتاح الأول: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله: ولا سيما قبل أن يأمر الله ملك الأرحام بتخليقه, وكتابته, فإذا أمر الخالق بكونه ذكرا أو أنثى؛ علم الملائكة الموكلون بذلك, ومن شاء الله من خلقه. قال -سبحانه-: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام -أي: تنقص مما فيها؛ إما أن يهلك الحمل, أو يتضاءل, أو يضمحل- وما تزداد -أي: الأرحام, وتكبر الأجنة التي فيها, أو يتم خلقها- وكل شيء عنده بمقدار * عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) ~ [الرعد: ٨-٩].
فالله -تعالى- محيط علمه بما تحمله الحوامل من كل إناث الحيوانات؛ كما قال: (ويعلم ما في الأرحام) ~ [لقمان: ٣٤]، (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) ~ [فاطر: ١١].
فيعلم ما حملت من ذكر أو أنثى, أو حسن أو قبيح, أو شقي أو سعيد, أو طويل العمر أو قصيره, وكيف رزقه؟ سوي الخلق أم ناقصه, واحد أو أكثر, (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) ~ [النجم: ٣٢].
وفي الحديث الصحيح: "وكل الله بالرحم ملكا, فيقول: أي رب نطفة, أي رب علقة, أي رب مضغة, فإذا أراد الله أن يقضي خلقها, قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه"(رواه البخاري).
إذا؛ فالطب المعاصر, ووسائل التقنية الحديثة؛ لا يمكنها العلم بنوع الجنين إلا بعد أن يقضي الله خلقه, ويصير ذكرا أو أنثى بأمر الله, أي: بعد التخليق, وتكوين الجنين, وظهور نوعه. وإذا خلق صار من عالم الشهادة لا من عالم الغيب, أما قبل ذلك؛ فلا يعلمون شيئا (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) ~ [البقرة: ٢٥٥].
المفتاح الثاني: لا يدري أحد متى يجيء المطر: فإنزال الغيث لا يعلمه إلا الله, ولكن إذا أمر الله به؛ علمته الملائكة الموكلون بذلك, ومن شاء الله من خلقه.
عباد الله: إن معرفة أحوال الطقس, وأوقات الكسوف والخسوف, ونزول الأمطار, وتوقع ذلك, لا يدخل في التنجيم, أو ادعاء الغيب؛ لأنها تبنى على أمور حسية, وتجارب, ونظر في سنن الله الكونية, ثم هي أمور ظنية لا يقينية, فتصيب تارة, وتخطئ تارة, وغالبا تكون تقديرات على المدى القريب, فلا يتوقعون أمطارا تحدث بعد سنوات, أو بعد أشهر.
ومن مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله:
المفتاح الثالث: لا تدري نفس ماذا تكسب غدا: أي: ماذا تكسب غدا في المستقبل؛ سواء كان ذلك في دنياها, أو أخراها. فلا يعلم أحد ما ينطوي عليه الغد من خير أو شر, ولو كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا؛ إلا بواسطة الوحي المنزل عليه.
المفتاح الرابع: لا تدري نفس بأي أرض تموت: هل تموت في بلدها, أو في بلد آخر؟ لا علم لأحد بذلك. فلا يدري أي إنسان؛ هل يموت بأرضه, أو بأرض بعيدة عنها, أو قريبة منها, أو يموت في البحر, أو في الجو؟ هل يموت في الليل أو النهار؟ وكم سيعمر؟ (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير) ~ [فاطر: ١١]. فإن جهالة الزمان أشد من جهالة المكان, ولا يعلم ذلك إلا الله.
المفتاح الخامس: لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله: فعلم وقت الساعة مما اختص الله به نفسه, ولم يطلع عليه غيره, قال -تعالى-: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها -أي: لا يظهرها ويكشفها- لوقتها إلا هو ثقلت -أي: ثقل علمها, وخفي أمرها- في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة) ~ [الأعراف:١٨٧].
وقال -سبحانه-: (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله) ~ [الأحزاب: ٦٣]. ولما سأل النبي ﷺ جبريل, فقال: "فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل"(رواه مسلم).
فمن زعم -في قديم أو حديث- أن الساعة ستقوم يوم كذا, أو سنة كذا, أو أن نهاية العالم اقتربت؛ فهو كاذب, مفتر على الله الكذب, متقول على الله -تعالى- بغير علم, ولا برهان. والساعة لها أشراط, لا تقوم إلا بعد وقوعها, وكثير منها لم يقع.
والواجب على المسلم: أن يعمل ليوم القيامة, ولا ينشغل بموعدها, ولا يمنعه قرب قيام الساعة, أو الخوف من قيامها؛ من التكسب, والسعي على عياله, ومن الإكثار من العمل الصالح؛ ولذا قال -تعالى-: (إنما أنت منذر من يخشاها) ~ [النازعات: ٤٥].
ولما سأل رجل النبي ﷺ, فقال: متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددت لها؟"(رواه البخاري). وقال رسول الله ﷺ: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة -أي: نخلة صغيرة-, فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها, فليفعل"(صحيح: رواه أحمد).
عن ابن عمر -رضي الله عنهما-؛ عن النبي ﷺ قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله, ولا يعلم ما في غد إلا الله, ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله, ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله, ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله"(رواه البخاري).
وفي رواية: "مفاتح الغيب خمس؛ ثم قرأ: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) ~ [لقمان: ٣٤]"(رواه الإمام البخاري).
اشتمل الحديث على أصل عظيم من أصول الإيمان, وثوابت العقيدة, وهو أن علم الغيب من العلم الذي استأثر الله -تعالى- به لنفسه, وبيده وحده خزائنه, فلا يعلم الغيب أحد إلا الله, لا ملك مقرب, ولا نبي مرسل, فضلا عمن دونهما.
ولذا قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "من زعم أن محمدا ﷺ يخبر بما يكون في غد؛ فقد أعظم على الله الفرية, والله يقول: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) ~ "(رواه مسلم).
فيجب على كل مسلم أن يؤمن بهذا الأصل, ويوقن به, فمن اعتقد, أو ادعى أن غير الله -سبحانه- يعلم الغيب؛ فقد كفر, وكذب وضل ضلالا مبينا. كمن يعتقد ذلك في السحرة, والكهنة, والعرافين, والمنجمين, وكاعتقاد بعض الطوائف في أئمتهم, وغلاة الصوفية في مشايخهم, والاعتقاد في الجن.
وفي الحديث: "من أتى كاهنا, أو عرافا, فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ"(صحيح: رواه أحمد). والعراف: هو الذي يخبر عما في الضمير, والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.
فقوله: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله": أي: خزائن الغيب. والمفتاح: هو الذي يفتح به, وهو عبارة عن كل ما يحل مغلقا, كالقفل على البيت. فشبه الأمور المغيبة عن الناس بالمتاع النفيس الذي يدخر بالمخازن, والخزائن المستوثق عليها بأقفال, بحيث لا يعلم ما فيها إلا الذي بيده مفاتحها.
ووجه كون هذه الخمس مفاتيح: هو أن قيام الساعة: مفتاح الحياة الآخرة. ونزول الغيث: مفتاح حياة الأرض بالنبات. وما في الأرحام: مفتاح الوجود في الحياة. وعمل الغد: مفتاح عمل المستقبل. وعلم مكان الموت: مفتاح الانتقال من الدنيا إلى الآخرة؛ فلهذا صارت هذه الخمس مفاتيح.
ولا يمكن حصر علم الغيب في هذه الخمس؛ ولكن هذه أمهاتها, وذكرت لحاجة الناس إلى معرفة اختصاص الله بعلمها. فعلم الغيب أكثر من هذه الخمس؛ مثل: علمه -سبحانه- بعدد خلقه, فالله -جل في علاه-: (يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) ~ [الأنعام: ٥٩]؛ (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) ~ [سبأ: ٣]. ومثل: استئثاره بعلمه بذاته, وأسمائه الحسنى, وصفاته العليا؛ كما قال -عز وجل-: (ولا يحيطون به علما) ~ [طه: ١١٠].
وجملة القول: أن مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله خمسة:
المفتاح الأول: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله: ولا سيما قبل أن يأمر الله ملك الأرحام بتخليقه, وكتابته, فإذا أمر الخالق بكونه ذكرا أو أنثى؛ علم الملائكة الموكلون بذلك, ومن شاء الله من خلقه. قال -سبحانه-: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام -أي: تنقص مما فيها؛ إما أن يهلك الحمل, أو يتضاءل, أو يضمحل- وما تزداد -أي: الأرحام, وتكبر الأجنة التي فيها, أو يتم خلقها- وكل شيء عنده بمقدار * عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) ~ [الرعد: ٨-٩].
فالله -تعالى- محيط علمه بما تحمله الحوامل من كل إناث الحيوانات؛ كما قال: (ويعلم ما في الأرحام) ~ [لقمان: ٣٤]، (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) ~ [فاطر: ١١].
فيعلم ما حملت من ذكر أو أنثى, أو حسن أو قبيح, أو شقي أو سعيد, أو طويل العمر أو قصيره, وكيف رزقه؟ سوي الخلق أم ناقصه, واحد أو أكثر, (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) ~ [النجم: ٣٢].
وفي الحديث الصحيح: "وكل الله بالرحم ملكا, فيقول: أي رب نطفة, أي رب علقة, أي رب مضغة, فإذا أراد الله أن يقضي خلقها, قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه"(رواه البخاري).
إذا؛ فالطب المعاصر, ووسائل التقنية الحديثة؛ لا يمكنها العلم بنوع الجنين إلا بعد أن يقضي الله خلقه, ويصير ذكرا أو أنثى بأمر الله, أي: بعد التخليق, وتكوين الجنين, وظهور نوعه. وإذا خلق صار من عالم الشهادة لا من عالم الغيب, أما قبل ذلك؛ فلا يعلمون شيئا (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) ~ [البقرة: ٢٥٥].
المفتاح الثاني: لا يدري أحد متى يجيء المطر: فإنزال الغيث لا يعلمه إلا الله, ولكن إذا أمر الله به؛ علمته الملائكة الموكلون بذلك, ومن شاء الله من خلقه.
عباد الله: إن معرفة أحوال الطقس, وأوقات الكسوف والخسوف, ونزول الأمطار, وتوقع ذلك, لا يدخل في التنجيم, أو ادعاء الغيب؛ لأنها تبنى على أمور حسية, وتجارب, ونظر في سنن الله الكونية, ثم هي أمور ظنية لا يقينية, فتصيب تارة, وتخطئ تارة, وغالبا تكون تقديرات على المدى القريب, فلا يتوقعون أمطارا تحدث بعد سنوات, أو بعد أشهر.
ومن مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله:
المفتاح الثالث: لا تدري نفس ماذا تكسب غدا: أي: ماذا تكسب غدا في المستقبل؛ سواء كان ذلك في دنياها, أو أخراها. فلا يعلم أحد ما ينطوي عليه الغد من خير أو شر, ولو كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا؛ إلا بواسطة الوحي المنزل عليه.
المفتاح الرابع: لا تدري نفس بأي أرض تموت: هل تموت في بلدها, أو في بلد آخر؟ لا علم لأحد بذلك. فلا يدري أي إنسان؛ هل يموت بأرضه, أو بأرض بعيدة عنها, أو قريبة منها, أو يموت في البحر, أو في الجو؟ هل يموت في الليل أو النهار؟ وكم سيعمر؟ (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير) ~ [فاطر: ١١]. فإن جهالة الزمان أشد من جهالة المكان, ولا يعلم ذلك إلا الله.
المفتاح الخامس: لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله: فعلم وقت الساعة مما اختص الله به نفسه, ولم يطلع عليه غيره, قال -تعالى-: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها -أي: لا يظهرها ويكشفها- لوقتها إلا هو ثقلت -أي: ثقل علمها, وخفي أمرها- في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة) ~ [الأعراف:١٨٧].
وقال -سبحانه-: (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله) ~ [الأحزاب: ٦٣]. ولما سأل النبي ﷺ جبريل, فقال: "فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل"(رواه مسلم).
فمن زعم -في قديم أو حديث- أن الساعة ستقوم يوم كذا, أو سنة كذا, أو أن نهاية العالم اقتربت؛ فهو كاذب, مفتر على الله الكذب, متقول على الله -تعالى- بغير علم, ولا برهان. والساعة لها أشراط, لا تقوم إلا بعد وقوعها, وكثير منها لم يقع.
والواجب على المسلم: أن يعمل ليوم القيامة, ولا ينشغل بموعدها, ولا يمنعه قرب قيام الساعة, أو الخوف من قيامها؛ من التكسب, والسعي على عياله, ومن الإكثار من العمل الصالح؛ ولذا قال -تعالى-: (إنما أنت منذر من يخشاها) ~ [النازعات: ٤٥].
ولما سأل رجل النبي ﷺ, فقال: متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددت لها؟"(رواه البخاري). وقال رسول الله ﷺ: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة -أي: نخلة صغيرة-, فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها, فليفعل"(صحيح: رواه أحمد).