السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
لا يخفى على مَنْ يتابع الساحة العلميَّة والفكريَّة أن هناك أموراً كثيرة تحتاج إلى إصلاح وإلى إعادة نظر، فهناك مَنْ يتطرَّق إلى بحوثٍ قليلة الأهميَّة، وهناك مَنْ يضخِّم بعضَ الخلافاتِ الفرعيَّة، وهناك مَنْ يتوهَّم وجودَ الخلافِ الحقيقيِّ في خلافاتٍ لفظيَّةٍ وشكليَّة..
1ـ فبعضُ الباحثين يبذل جهداً كبيراً في تأليف كتاب يرجِّحُ فيه قولاً على قول،وتكون المسألة من الخلافات الفرعية التي يسوغ فيها الاجتهاد والخلاف ـ سواء أكان الخلافُ الفرعيُّ في العقائد أم في الأحكام ـ..
وهو لن يستطيع بترجيحه واجتهاده أنْ يلغي الخلاف في المسألة، فلماذا لا يقتصر على ذكر أقوال العلماء في المسألة وما تبين له أنه هو الراجح، من غير تشنيع لمن يخالفه فيها، ومن غير أن يضخِّمَ الأمر ويجعله كأنه صراعٌ بين الحق والباطل..
فمثلُ هذه الأمورِ الخلافُ فيها هو خلافٌ بين راجح ومرجوح، وليس بين حق وباطل..
والإغراق في هذه المسائل الجزئية لا بدَّ أنْ يؤدي إلى الإهمال في القضايا الكبرى والأكثر أهمية منها..
2ـ ممَّا يعين على الإنصاف: عدمُ الاقتصارِ على أخذ الكلام من الخصوم:
كثيرون ممن يتحدثون عن الفِرَق أو المذاهب أو الأشخاص يبتعدون عن الإنصاف؛ لأنهم يقعونَ ضحيةً لتشويه الخصوم لهم، ولا ينظرون نظرةً مستقلةً في كلام مَنْ يتحدثون عنهم..
ولو ابتعدَ هؤلاء الناقدون عن تقليد بعضهم لبعض، ونظروا في كلام مَنْ ينتقدونهم، وسمعوا الكلام منهم، ولم يقتصروا على السماع عنهم، لأدركوا كم كانوا بعيدين عن الحقيقة، التي كانوا يحسبون أنفسهم مدافعين عنها!
3ـ ومما يعين على الإنصاف: الجمعُ بين الدِّقَّةِ وسعة الاطلاع:
فالدِّقَّةُ وحدها لا تكفي مع قلة الاطلاع، وكثرة الاطلاع لا تجدي مع عدم الدقة، فلا بد من التوازن والجمع بين الأمرين: التدقيق في الكلام وسعة الاطلاع..
لأنَّ كثيراً ممن يفقد الموضوعية والاتزان، ينقصه إما الدقة أو سعة الاطلاع أو كلاهما.
وأساسُ العلم: الدقة، وعمقُ الفهم.
4ـ مَنْ يتكلم بعلم وإنصاف وأدب، تجد كلامه مقبولاً عند الكثير من أتباع المذاهب والاتجاهات، إلا مَنْ كان متعصباً منهم.
وبهذا تكثر الاستفادة من المنصف، خلافاً للمتعصب الذي يكون تأثيره غالباً داخل مذهبه أو جماعته فقط.
فضلاً عن الخصومات والمعارك والعداوات التي كان هو سبباً فيها بتعصُّبه وضيق نظره..
5ـ الانضباط بالعلم والاحتكام إلى الحجة والبرهان:
ما على مَنْ كان منضبطاً بالعقل والعلم، ومحتكماً إلى الحجة والبرهان، وبعيداً عن التعصب: أن يكون منضماً لأي جماعة أو منتسباً لأي مذهب، ما دام داخلاً في دائرة الإسلام..
فهو باحتكامه إلى العلم سيأخذ الحقَّ أنَّى وَجَدَه، وسيترك الخطأ متى عَرَفَه..
أما المتعصبُ والمتطرِّفُ، فانتسابُه لأيِّ مذهبٍ أو جماعةٍ سيجعله متبنِّياً ومدافعاً عن كلِّ ما عندهم من خطأ أو صواب..
6ـ عندما تَرُدُّ على الأفكار وليس على الأشخاص، تُبْعِدُ نفسَكَ عن أيِّ بغيٍ أو فجورٍ في الخصومة، ولا يستطيع أحد أنْ يتهمَك أنَّ دافعَك هو الغيرة والتحاسد..
ويكون كذلك الرَّدُّ شاملاً لكلِّ من يقول بذلك الكلام ولا يقتصر على واحد بعينه.
وكذلك إذا تراجع الآخر عن كلامه لا تذهب قيمة كلامك؛ لأنه ليس موجهاً إليه بالذات وإنما إلى الفكرة.
7ـ الإسلامُ دينُ اللهِ تعالى، فليس لإنسان أنْ يُحَكِّمَ هواه ومزاجَه في حديثه عن الدِّين أو بيانه لأحكامه، وأهواءُ الناسِ قد تميل نحو التشديد أو نحو التيسير.
فالأمرُ الذي جعله الله مكروهاً بإجماع العلماء، لا يجوز لأحدٍ أنْ يحرِّمَهُ احتياطاً للدِّين.
وكذلك الأمر الذي جعله الله ظنياً، لا يجوز لأحدٍ أنْ يدَّعي أنه قطعيٌّ لا يقبل الاختلاف.
وما جعله الشرعُ صغيرةً من الصغائر لا يجوز ادعاء أنه من الكبائر..
وهذا الكلام قد يبدو بدهياً عند التنظير، إلا أنَّ هناك مَنْ تضيق نفوسُهُم بسعة الدِّين، ويأبون إلا أنْ يحكِّموا أهواءهم وأمزجتهم، فلا تكون موازينُهم منضبطةً بشرع الله تعالى.
8ـ مِنْ تعاليمِ الإسلام: الولاءُ والبراءُ، والمحبةُ في الله والبغضُ في الله،
فلماذا لا يعرف بعضهم إلا البراء والبغض في الله، ولا يوجد عندهم موضع للولاء والمحبة في الله..
ومِنْ منهج المحدِّثين: الجَرْحُ والتعديل، وليس الاقتصار على الجرح، مع التزامهم بشروط ذلك وآدابه.
فلماذا يقتصر البعض على الجَرْح ويتركون التعديل، ولا يلتزمون بأحكام ذلك وآدابه..
9ـ كلما سمعوا نقداً تساءلوا:
1ـ لماذا في هذا الوقت؟
2ـ من وراء هذه الحملة؟
3ـ لماذا يتوجه النقد إلينا وليس إلى غيرنا؟
والجواب:
1ـ النقد ليس له وقت محدد.
2ـ ينبغي أن يكون الاهتمام بالأفكار وليس بالأشخاص.
3ـ للحرص على تطوُّرِكم وتقدُّمِكم.
فالنقدُ البنَّاء هو دليل المحبة والوفاء، وليس علامة على الكراهية والجفاء..
10ـ من أسباب الخلافات اللفظية:
كثيرٌ من الخلافات عند التحرير والتدقيق يتبيَّن أنها خلافاتٌ لفظيَّةٌ، لا يترتب عليها اختلاف حقيقي.
ومِنْ أهمِّ أسباب وجود هذه الخلافات اللفظية: عدمُ تحريرِ المصطلح بشكل دقيق..
فتراهم يختلفون في الأمر، وكلٌّ منهم له مفهوم مختلف عن الآخر لذلك المصطلح!
فهناك من ينكر دليل (الاستحسان) لأنه يحسب أنه استحسان بالرأي من غير ضابط ولا دليل.
وهناك من يعتبر الاستحسان دليلاً مقبولاً، ويرى أنه العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص أقوى.
أو أنه عدول عن قياس جلي إلى قياس خفي، فيكون الاستحسان هنا نوعاً من القياس لكنه ليس قياساً جلياً ظاهراً..
وكذلك الأمر فيمن أنكر المجاز في اللغة العربية، فالذين يثبتون المجاز وهم أكثر العلماء، يعرِّفونه بأنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له في أصل اللغة.
لكن الذين أنكروا المجاز قالوا: اللفظ في أصل اللغة يُستعمَل في هذين المعنيين، فلهذا لا يجعلون استعماله في المعنى الآخر من باب المجاز..
فالفريقان أثبتوا المعنى نفسَهُ، لكن أحدهم اعتبره حقيقة لأنه يرى أن اللفظ يستعمل في أصل اللغة في هذين المعنيين، والآخرون اعتبروه مجازاً لأنهم يرون أنه استعمالٌ للفظ في غير ما وضع له في أصل اللغة.
فالخلاف بين الفريقين لفظي وليس خلافاً معنوياً، فلا يوجد اختلافٌ جوهري بين الفريقين..
11ـ يحسب أحدهم أنه استطاع بحنكته وخبرته أن يقرأ ما وراء السطور، وهو لم يفهم حتى ظاهر السطور!
فقد استطاع أن يتهم الآخر باتهامات كثيرة من خلال فهمه لما وراء السطور، ولم يستطع من قراءته لمنطوق كلامه أن يصحح لنفسه هذه الظنون الخاطئة.. وكأنه لم يعلم أنَّ المنطوقَ مقدَّمٌ على المفهوم، وأنَّ الأصلَ هو براءةُ الذمة، فالبراءةُ هي اليقين، وما ثَبَتَ باليقين لا يزول بالشك..
12ـ مِنْ صور اختلال الموازين واضطرابها:
أ ـ يطالبه أن يكون مَلَكاً عندما يكون هو شيطاناً!
فينسى ويترك أقل ما يجب عليه، ويتذكر ويطالب الآخرين أن يؤدوا له أعلى الحقوق..
لهذه الدرجة تصل الأنانية عند بعض الناس، فلا يرون إلا أنفسهم وما لهم من الحقوق، وما عدا ذلك فلا يعنيهم في شيء..
ب ـ عندما ينتقد أستاذَهُ أو أحداً من جماعته أو مذهبه، تراه في غاية اللطف والأدب، ويتأول له الأعذار الكثيرة، ويبيِّنُ أنَّ هذا الخطأ ليس إلا زلةً مغمورةً في بحر حسناته..
لكنه عندما ينتقد مَنْ يخالفه في المذهب أو الاتجاه تَذهب هذه اللغةُ اللطيفةُ أدراجَ الرياح، ويَطعن في دينه وعِرْضِه بأمْضَى الرِّمَاح، ولا يترك للمحبة والصلح مكاناً ولا موضعاً يستقر فيه..
فهذا الصنف يُحمَدُ له أنه ينقد أموراً في اتجاهه ومذهبه ولا يقتصر على نقد غيرهم من الاتجاهات الأخرى، إلا أنه ينقصه أن يكون نقده للاتجاهات الأخرى بنفس الأسلوب اللطيف الذي يفعله مع اتجاهه.
فيكفيه من الإنصاف أن ينقد الآخرين بنفس اللهجة التي ينقد فيها شيخه وأستاذه..
ج ـ يرضون لأنفسهم أن يكونوا من (الخوارج) مع العلماء والدعاة وعامة المسلمين، فيسارعون بتضليلهم وتفسيقهم عند أدنى خلاف ولو كان معتبراً وسائغاً..
ولكنهم يكونون (مرجئة) مع الحكَّام الظالمين، فمهما أجرموا وأفسدوا، سكتوا عن كل ذلك، بل قد يبررون لهم هذه الجرائم..
لماذا اختلفت موازينهم بين الحكام وغيرهم؟ فإما أن يكونوا متسامحين متساهلين مع الجميع، أو متشدديين معهم كلهم..
13ـ يأتي بعضهم بألفاظ عائمة وعبارات فضفاضة، ولا يشرح مقصوده ومراده بشكل واضح ودقيق، حتى إذا جاءه مَنْ يحاوره في كلامه ويلزمه به، استطاع أن يتنصل من كلامه ويخرج منه ولا يتحمل عاقبته..
فهو لهذا لا يحب الوضوح والصراحة، ولكنه يحب الغموض والضبابية في التعبير..
أما أصحابُ المبادئِ فهم حريصون على إيصال رسالتهم بأوضح طريقة وأيسـر سبيل حتى يفهمها أكبر عدد ممكن، وهم مستعدُّون لتحمل تبعاتها ونتائجها مهما كانت كبيرة..
14ـ ما أحوجَ الباحثَ إلى الشجاعةِ الأدبية، ـ وهي أنْ يقولَ الإنسانُ ما يعلمه مِنَ الحقائق أو ما توصَّل إليه اجتهاده، من غير خوف ولا مداهنة لأحد من الناس ـ ، وهذه الشجاعة الأدبية ليست أقل أهمية من الشجاعة في الحروب والمعارك!
فالشجاعة الأدبية قد تستجلب أعداء كثيرين يحاولون الإساءة إلى قائل ذلك الكلام.
وبالشجاعة الأدبية يَعرفُ الناسُ الحقيقةَ بشكلٍ واضح ولا تلتبس عليهم الحقائق.
وإذا عرفوا الحقيقة على ما هي عليه استطاعوا أن يجعلوا سلوكهم سليماً، فالفكرُ السليمُ هو الطريقُ إلى السلوكِ السليم.
وكثيرٌ من الانحرافات السلوكية سببها: الانحراف في الفكر والمفاهيم عند الإنسان..
فالمصيبةُ التي تحدث كثيراً أنْ يعرفَ أناسٌ الحقيقة ولا تكون عندهم الشجاعة لقولها، ويكون عند آخرين الشجاعة ولكن ليس عندهم الحقيقة، فتضيع الحقيقةُ بين عالم بها وخائف من قولها، وبين شجاع ولكنه جاهلٌ بها!
فخير الناس من اجتمع عنده:
ـ سلامة القصد ـ ومعرفة الحقيقة ـ والشجاعة لذكرها..
15ـ متى رأيت باحثاً أو عالماً قد كثر أعداؤه والمتحاملون عليه، فاعلم أنه بعيد عن التعصب لجماعته أو مذهبه، وأنه لا يفعل إلا ما يمليه عليه ضميره، ولا يقول إلا ما وصل إليه اجتهاده، ـ ولكل قاعدة استثناءات ـ
فما أكثرَ الكارهين للنقد والإصلاح، وما أكثرَ العاشقين لتعصُّبِهم وأخطائهم..
16ـ تلاميذ المصلحة: يلوم الناس كثيراً (أصدقاء المصلحة)؛ لأنهم يصادقون الآخر لالتماس مصلحتهم منه فقط، ولا يحبونه محبة صادقة، فيَظْهَر زَيْفُ محبَّتِهم عند أول اختبار وامتحان..
ولكنْ هناك أيضاً فريق آخر هو أحقُّ باللوم منهم، وهم (تلاميذ المصلحة)، الذين يريدون من أستاذهم أو شيخهم أنْ يوافقَهم في آرائهم، فإذا تكلَّم بما يخالفهم هجروه وناصبوه العداء..
نعم لا مانع أن يختلف أحد مع أستاذه، لكن أن يكون ذلك مع الاحترام والتقدير له ولرأيه، أما من يعادي لأجل هذا الاختلاف فهو من (تلاميذ المصلحة)..
وهم أسوأ من أصدقاء المصلحة؛ لأنهم قاموا بمعاداة من له فضل عليهم، وتنكروا له لمجرد الاختلاف اليسير، وقد يكونون هم المخطئين في رأيهم..
17ـ السبب في سعة العلم مع ضيق العقل والنَّظَر:
عندهم من الثقافة والاطلاع الشيء الكثير، لكن هذه الثقافة لم تجعلهم على قدر كبير من الانفتاح وسعة العقل وبُعْد النظر، بالقدر الذي يتناسب مع ذلك العلم..
وذلك لأنهم أحاطوا أنفسهم بأسوار وسياجات كثيرة، وجعلوا حدودها ضيقة، واعتبروها قطعية لا تقبل الاختلاف أو إعادة النظر فيها..
فأصبحت هذه السياجاتُ سداً منيعاً يحول دول الاستفادة من زيادة العلم.
18ـ الجمع بين النصوص والمقاصد:
هناك من يأخذون بالنصوص بعيداً عن فهمها والنظر في مقاصدها، وهناك من ينظرون في المقاصد ولا يهتمون بالنصوص..
ولا بد من الجمع والتوازن بين الأمرين، فالنصوص تُؤخَذ مع النظر في مقاصدها، والمقاصد تستند إلى النصوص وتؤخذ منها..
فالأخذ بالنص من غير فهمه فهماً سليماً ليس أقل ضرراً من تركه؛ لأنه ينسب إلى النص معنى غير صحيح، وقد يسيء إلى الإسلام بذلك الفهم المغلوط.
فمعنى النظر في النصوص والمقاصد: هو النظر في مجموع الأدلة وليس الاقتصار على دليل واحد وترك غيره من الأدلة، فالأخذ بالمقاصد ليس تركاً للأدلة لأن المقاصد لها أدلتها من القرآن والسنة والإجماع والقياس وغير ذلك..
19ـ الرأي والفكر لا بد أن ينضج على نار هادئة:
بعض الكتابات مثل القهوة المُرَّة، فهي شديدة التركيز، لا يستطيع الإنسان أنْ يشربَ منها الكثير..
وهي كتابات مُنَبِّهة مثل القهوة أيضاً، تُبْعِدُ الإنسانَ عن النوم، وتوقظه من السُّبَات العقلي والفكري..
وحتى تُعَدّ هذه القهوة بشكل جيد لا بد أنْ تبقى فترة على نار هادئة..
وكذلك الرأي والفكر حتى يكون سليماً قوياً عميقاً لا بد أنْ ينضجَ على نار هادئة، ومن أكبر الأخطاء: التسرعُ في إطلاق الأحكام وفي استنتاج الأفكار واكتشافها..
20ـ يا معشر الباحثين والكُتَّاب والمؤلفين!
إياكم واحتكار العلم والحَجْر على الناس في الاستفادة منه..
أنتم أصحاب مبادئ، تفرحون وتُسَرُّون كلما انتشرت الفائدة وعمَّت الآخرين.
أنتم تعلمون أن الله هو الرزاق، فنشركم للكتاب إلكترونياً لن ينقص من أرزاقكم شيئاً، بل سيبارك الله لكم بفضله..
لا مانع من بيع الكتاب والاستفادة منه، لكن هذا لا يعني أن يحتكر هذا العلم ويمنع غيره من الاستفادة منه بأي وجه آخر..
ونشر الكتاب في النت لن يحول دون شراء الكتاب من آخرين، فهناك من لا يقرأ إلا في النت ولا يشتري شيئاً من المكتبات، وهناك من لا يحب إلا الكتاب الورقي فيشتريه حتى مع وجوده في النت.. فلكلِّ طريقةٍ في النشر مَنْ يميل إليها..
فلا ينبغي لباحث أن يغضب لأن أحداً قد نشر كتاباً له على النت مثلاً، بل ينبغي أن يكون هذا مدعاة لغبطته بذلك..
أئمة الإسلام الكبار الذين غمرونا بكتبهم وعلمهم لم يأخذوا مقابلاً مادياً على أعمالهم العظيمة..
هل أخذ الإمام الطبري مثلاً على كتبه أجراً مادياً أو الإمام الغزالي أو الإمام النووي أو الحافظ ابن حجر، أو الإمام ابن قدامة، وغيرهم الكثير..
صحيح أن الزمن اختلف، لكن المبادئ السامية لم تختلف..
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان شعارهم:
(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً).
(وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ).
(يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين
منقول
1ـ فبعضُ الباحثين يبذل جهداً كبيراً في تأليف كتاب يرجِّحُ فيه قولاً على قول،وتكون المسألة من الخلافات الفرعية التي يسوغ فيها الاجتهاد والخلاف ـ سواء أكان الخلافُ الفرعيُّ في العقائد أم في الأحكام ـ..
وهو لن يستطيع بترجيحه واجتهاده أنْ يلغي الخلاف في المسألة، فلماذا لا يقتصر على ذكر أقوال العلماء في المسألة وما تبين له أنه هو الراجح، من غير تشنيع لمن يخالفه فيها، ومن غير أن يضخِّمَ الأمر ويجعله كأنه صراعٌ بين الحق والباطل..
فمثلُ هذه الأمورِ الخلافُ فيها هو خلافٌ بين راجح ومرجوح، وليس بين حق وباطل..
والإغراق في هذه المسائل الجزئية لا بدَّ أنْ يؤدي إلى الإهمال في القضايا الكبرى والأكثر أهمية منها..
2ـ ممَّا يعين على الإنصاف: عدمُ الاقتصارِ على أخذ الكلام من الخصوم:
كثيرون ممن يتحدثون عن الفِرَق أو المذاهب أو الأشخاص يبتعدون عن الإنصاف؛ لأنهم يقعونَ ضحيةً لتشويه الخصوم لهم، ولا ينظرون نظرةً مستقلةً في كلام مَنْ يتحدثون عنهم..
ولو ابتعدَ هؤلاء الناقدون عن تقليد بعضهم لبعض، ونظروا في كلام مَنْ ينتقدونهم، وسمعوا الكلام منهم، ولم يقتصروا على السماع عنهم، لأدركوا كم كانوا بعيدين عن الحقيقة، التي كانوا يحسبون أنفسهم مدافعين عنها!
3ـ ومما يعين على الإنصاف: الجمعُ بين الدِّقَّةِ وسعة الاطلاع:
فالدِّقَّةُ وحدها لا تكفي مع قلة الاطلاع، وكثرة الاطلاع لا تجدي مع عدم الدقة، فلا بد من التوازن والجمع بين الأمرين: التدقيق في الكلام وسعة الاطلاع..
لأنَّ كثيراً ممن يفقد الموضوعية والاتزان، ينقصه إما الدقة أو سعة الاطلاع أو كلاهما.
وأساسُ العلم: الدقة، وعمقُ الفهم.
4ـ مَنْ يتكلم بعلم وإنصاف وأدب، تجد كلامه مقبولاً عند الكثير من أتباع المذاهب والاتجاهات، إلا مَنْ كان متعصباً منهم.
وبهذا تكثر الاستفادة من المنصف، خلافاً للمتعصب الذي يكون تأثيره غالباً داخل مذهبه أو جماعته فقط.
فضلاً عن الخصومات والمعارك والعداوات التي كان هو سبباً فيها بتعصُّبه وضيق نظره..
5ـ الانضباط بالعلم والاحتكام إلى الحجة والبرهان:
ما على مَنْ كان منضبطاً بالعقل والعلم، ومحتكماً إلى الحجة والبرهان، وبعيداً عن التعصب: أن يكون منضماً لأي جماعة أو منتسباً لأي مذهب، ما دام داخلاً في دائرة الإسلام..
فهو باحتكامه إلى العلم سيأخذ الحقَّ أنَّى وَجَدَه، وسيترك الخطأ متى عَرَفَه..
أما المتعصبُ والمتطرِّفُ، فانتسابُه لأيِّ مذهبٍ أو جماعةٍ سيجعله متبنِّياً ومدافعاً عن كلِّ ما عندهم من خطأ أو صواب..
6ـ عندما تَرُدُّ على الأفكار وليس على الأشخاص، تُبْعِدُ نفسَكَ عن أيِّ بغيٍ أو فجورٍ في الخصومة، ولا يستطيع أحد أنْ يتهمَك أنَّ دافعَك هو الغيرة والتحاسد..
ويكون كذلك الرَّدُّ شاملاً لكلِّ من يقول بذلك الكلام ولا يقتصر على واحد بعينه.
وكذلك إذا تراجع الآخر عن كلامه لا تذهب قيمة كلامك؛ لأنه ليس موجهاً إليه بالذات وإنما إلى الفكرة.
7ـ الإسلامُ دينُ اللهِ تعالى، فليس لإنسان أنْ يُحَكِّمَ هواه ومزاجَه في حديثه عن الدِّين أو بيانه لأحكامه، وأهواءُ الناسِ قد تميل نحو التشديد أو نحو التيسير.
فالأمرُ الذي جعله الله مكروهاً بإجماع العلماء، لا يجوز لأحدٍ أنْ يحرِّمَهُ احتياطاً للدِّين.
وكذلك الأمر الذي جعله الله ظنياً، لا يجوز لأحدٍ أنْ يدَّعي أنه قطعيٌّ لا يقبل الاختلاف.
وما جعله الشرعُ صغيرةً من الصغائر لا يجوز ادعاء أنه من الكبائر..
وهذا الكلام قد يبدو بدهياً عند التنظير، إلا أنَّ هناك مَنْ تضيق نفوسُهُم بسعة الدِّين، ويأبون إلا أنْ يحكِّموا أهواءهم وأمزجتهم، فلا تكون موازينُهم منضبطةً بشرع الله تعالى.
8ـ مِنْ تعاليمِ الإسلام: الولاءُ والبراءُ، والمحبةُ في الله والبغضُ في الله،
فلماذا لا يعرف بعضهم إلا البراء والبغض في الله، ولا يوجد عندهم موضع للولاء والمحبة في الله..
ومِنْ منهج المحدِّثين: الجَرْحُ والتعديل، وليس الاقتصار على الجرح، مع التزامهم بشروط ذلك وآدابه.
فلماذا يقتصر البعض على الجَرْح ويتركون التعديل، ولا يلتزمون بأحكام ذلك وآدابه..
9ـ كلما سمعوا نقداً تساءلوا:
1ـ لماذا في هذا الوقت؟
2ـ من وراء هذه الحملة؟
3ـ لماذا يتوجه النقد إلينا وليس إلى غيرنا؟
والجواب:
1ـ النقد ليس له وقت محدد.
2ـ ينبغي أن يكون الاهتمام بالأفكار وليس بالأشخاص.
3ـ للحرص على تطوُّرِكم وتقدُّمِكم.
فالنقدُ البنَّاء هو دليل المحبة والوفاء، وليس علامة على الكراهية والجفاء..
10ـ من أسباب الخلافات اللفظية:
كثيرٌ من الخلافات عند التحرير والتدقيق يتبيَّن أنها خلافاتٌ لفظيَّةٌ، لا يترتب عليها اختلاف حقيقي.
ومِنْ أهمِّ أسباب وجود هذه الخلافات اللفظية: عدمُ تحريرِ المصطلح بشكل دقيق..
فتراهم يختلفون في الأمر، وكلٌّ منهم له مفهوم مختلف عن الآخر لذلك المصطلح!
فهناك من ينكر دليل (الاستحسان) لأنه يحسب أنه استحسان بالرأي من غير ضابط ولا دليل.
وهناك من يعتبر الاستحسان دليلاً مقبولاً، ويرى أنه العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص أقوى.
أو أنه عدول عن قياس جلي إلى قياس خفي، فيكون الاستحسان هنا نوعاً من القياس لكنه ليس قياساً جلياً ظاهراً..
وكذلك الأمر فيمن أنكر المجاز في اللغة العربية، فالذين يثبتون المجاز وهم أكثر العلماء، يعرِّفونه بأنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له في أصل اللغة.
لكن الذين أنكروا المجاز قالوا: اللفظ في أصل اللغة يُستعمَل في هذين المعنيين، فلهذا لا يجعلون استعماله في المعنى الآخر من باب المجاز..
فالفريقان أثبتوا المعنى نفسَهُ، لكن أحدهم اعتبره حقيقة لأنه يرى أن اللفظ يستعمل في أصل اللغة في هذين المعنيين، والآخرون اعتبروه مجازاً لأنهم يرون أنه استعمالٌ للفظ في غير ما وضع له في أصل اللغة.
فالخلاف بين الفريقين لفظي وليس خلافاً معنوياً، فلا يوجد اختلافٌ جوهري بين الفريقين..
11ـ يحسب أحدهم أنه استطاع بحنكته وخبرته أن يقرأ ما وراء السطور، وهو لم يفهم حتى ظاهر السطور!
فقد استطاع أن يتهم الآخر باتهامات كثيرة من خلال فهمه لما وراء السطور، ولم يستطع من قراءته لمنطوق كلامه أن يصحح لنفسه هذه الظنون الخاطئة.. وكأنه لم يعلم أنَّ المنطوقَ مقدَّمٌ على المفهوم، وأنَّ الأصلَ هو براءةُ الذمة، فالبراءةُ هي اليقين، وما ثَبَتَ باليقين لا يزول بالشك..
12ـ مِنْ صور اختلال الموازين واضطرابها:
أ ـ يطالبه أن يكون مَلَكاً عندما يكون هو شيطاناً!
فينسى ويترك أقل ما يجب عليه، ويتذكر ويطالب الآخرين أن يؤدوا له أعلى الحقوق..
لهذه الدرجة تصل الأنانية عند بعض الناس، فلا يرون إلا أنفسهم وما لهم من الحقوق، وما عدا ذلك فلا يعنيهم في شيء..
ب ـ عندما ينتقد أستاذَهُ أو أحداً من جماعته أو مذهبه، تراه في غاية اللطف والأدب، ويتأول له الأعذار الكثيرة، ويبيِّنُ أنَّ هذا الخطأ ليس إلا زلةً مغمورةً في بحر حسناته..
لكنه عندما ينتقد مَنْ يخالفه في المذهب أو الاتجاه تَذهب هذه اللغةُ اللطيفةُ أدراجَ الرياح، ويَطعن في دينه وعِرْضِه بأمْضَى الرِّمَاح، ولا يترك للمحبة والصلح مكاناً ولا موضعاً يستقر فيه..
فهذا الصنف يُحمَدُ له أنه ينقد أموراً في اتجاهه ومذهبه ولا يقتصر على نقد غيرهم من الاتجاهات الأخرى، إلا أنه ينقصه أن يكون نقده للاتجاهات الأخرى بنفس الأسلوب اللطيف الذي يفعله مع اتجاهه.
فيكفيه من الإنصاف أن ينقد الآخرين بنفس اللهجة التي ينقد فيها شيخه وأستاذه..
ج ـ يرضون لأنفسهم أن يكونوا من (الخوارج) مع العلماء والدعاة وعامة المسلمين، فيسارعون بتضليلهم وتفسيقهم عند أدنى خلاف ولو كان معتبراً وسائغاً..
ولكنهم يكونون (مرجئة) مع الحكَّام الظالمين، فمهما أجرموا وأفسدوا، سكتوا عن كل ذلك، بل قد يبررون لهم هذه الجرائم..
لماذا اختلفت موازينهم بين الحكام وغيرهم؟ فإما أن يكونوا متسامحين متساهلين مع الجميع، أو متشدديين معهم كلهم..
13ـ يأتي بعضهم بألفاظ عائمة وعبارات فضفاضة، ولا يشرح مقصوده ومراده بشكل واضح ودقيق، حتى إذا جاءه مَنْ يحاوره في كلامه ويلزمه به، استطاع أن يتنصل من كلامه ويخرج منه ولا يتحمل عاقبته..
فهو لهذا لا يحب الوضوح والصراحة، ولكنه يحب الغموض والضبابية في التعبير..
أما أصحابُ المبادئِ فهم حريصون على إيصال رسالتهم بأوضح طريقة وأيسـر سبيل حتى يفهمها أكبر عدد ممكن، وهم مستعدُّون لتحمل تبعاتها ونتائجها مهما كانت كبيرة..
14ـ ما أحوجَ الباحثَ إلى الشجاعةِ الأدبية، ـ وهي أنْ يقولَ الإنسانُ ما يعلمه مِنَ الحقائق أو ما توصَّل إليه اجتهاده، من غير خوف ولا مداهنة لأحد من الناس ـ ، وهذه الشجاعة الأدبية ليست أقل أهمية من الشجاعة في الحروب والمعارك!
فالشجاعة الأدبية قد تستجلب أعداء كثيرين يحاولون الإساءة إلى قائل ذلك الكلام.
وبالشجاعة الأدبية يَعرفُ الناسُ الحقيقةَ بشكلٍ واضح ولا تلتبس عليهم الحقائق.
وإذا عرفوا الحقيقة على ما هي عليه استطاعوا أن يجعلوا سلوكهم سليماً، فالفكرُ السليمُ هو الطريقُ إلى السلوكِ السليم.
وكثيرٌ من الانحرافات السلوكية سببها: الانحراف في الفكر والمفاهيم عند الإنسان..
فالمصيبةُ التي تحدث كثيراً أنْ يعرفَ أناسٌ الحقيقة ولا تكون عندهم الشجاعة لقولها، ويكون عند آخرين الشجاعة ولكن ليس عندهم الحقيقة، فتضيع الحقيقةُ بين عالم بها وخائف من قولها، وبين شجاع ولكنه جاهلٌ بها!
فخير الناس من اجتمع عنده:
ـ سلامة القصد ـ ومعرفة الحقيقة ـ والشجاعة لذكرها..
15ـ متى رأيت باحثاً أو عالماً قد كثر أعداؤه والمتحاملون عليه، فاعلم أنه بعيد عن التعصب لجماعته أو مذهبه، وأنه لا يفعل إلا ما يمليه عليه ضميره، ولا يقول إلا ما وصل إليه اجتهاده، ـ ولكل قاعدة استثناءات ـ
فما أكثرَ الكارهين للنقد والإصلاح، وما أكثرَ العاشقين لتعصُّبِهم وأخطائهم..
16ـ تلاميذ المصلحة: يلوم الناس كثيراً (أصدقاء المصلحة)؛ لأنهم يصادقون الآخر لالتماس مصلحتهم منه فقط، ولا يحبونه محبة صادقة، فيَظْهَر زَيْفُ محبَّتِهم عند أول اختبار وامتحان..
ولكنْ هناك أيضاً فريق آخر هو أحقُّ باللوم منهم، وهم (تلاميذ المصلحة)، الذين يريدون من أستاذهم أو شيخهم أنْ يوافقَهم في آرائهم، فإذا تكلَّم بما يخالفهم هجروه وناصبوه العداء..
نعم لا مانع أن يختلف أحد مع أستاذه، لكن أن يكون ذلك مع الاحترام والتقدير له ولرأيه، أما من يعادي لأجل هذا الاختلاف فهو من (تلاميذ المصلحة)..
وهم أسوأ من أصدقاء المصلحة؛ لأنهم قاموا بمعاداة من له فضل عليهم، وتنكروا له لمجرد الاختلاف اليسير، وقد يكونون هم المخطئين في رأيهم..
17ـ السبب في سعة العلم مع ضيق العقل والنَّظَر:
عندهم من الثقافة والاطلاع الشيء الكثير، لكن هذه الثقافة لم تجعلهم على قدر كبير من الانفتاح وسعة العقل وبُعْد النظر، بالقدر الذي يتناسب مع ذلك العلم..
وذلك لأنهم أحاطوا أنفسهم بأسوار وسياجات كثيرة، وجعلوا حدودها ضيقة، واعتبروها قطعية لا تقبل الاختلاف أو إعادة النظر فيها..
فأصبحت هذه السياجاتُ سداً منيعاً يحول دول الاستفادة من زيادة العلم.
18ـ الجمع بين النصوص والمقاصد:
هناك من يأخذون بالنصوص بعيداً عن فهمها والنظر في مقاصدها، وهناك من ينظرون في المقاصد ولا يهتمون بالنصوص..
ولا بد من الجمع والتوازن بين الأمرين، فالنصوص تُؤخَذ مع النظر في مقاصدها، والمقاصد تستند إلى النصوص وتؤخذ منها..
فالأخذ بالنص من غير فهمه فهماً سليماً ليس أقل ضرراً من تركه؛ لأنه ينسب إلى النص معنى غير صحيح، وقد يسيء إلى الإسلام بذلك الفهم المغلوط.
فمعنى النظر في النصوص والمقاصد: هو النظر في مجموع الأدلة وليس الاقتصار على دليل واحد وترك غيره من الأدلة، فالأخذ بالمقاصد ليس تركاً للأدلة لأن المقاصد لها أدلتها من القرآن والسنة والإجماع والقياس وغير ذلك..
19ـ الرأي والفكر لا بد أن ينضج على نار هادئة:
بعض الكتابات مثل القهوة المُرَّة، فهي شديدة التركيز، لا يستطيع الإنسان أنْ يشربَ منها الكثير..
وهي كتابات مُنَبِّهة مثل القهوة أيضاً، تُبْعِدُ الإنسانَ عن النوم، وتوقظه من السُّبَات العقلي والفكري..
وحتى تُعَدّ هذه القهوة بشكل جيد لا بد أنْ تبقى فترة على نار هادئة..
وكذلك الرأي والفكر حتى يكون سليماً قوياً عميقاً لا بد أنْ ينضجَ على نار هادئة، ومن أكبر الأخطاء: التسرعُ في إطلاق الأحكام وفي استنتاج الأفكار واكتشافها..
20ـ يا معشر الباحثين والكُتَّاب والمؤلفين!
إياكم واحتكار العلم والحَجْر على الناس في الاستفادة منه..
أنتم أصحاب مبادئ، تفرحون وتُسَرُّون كلما انتشرت الفائدة وعمَّت الآخرين.
أنتم تعلمون أن الله هو الرزاق، فنشركم للكتاب إلكترونياً لن ينقص من أرزاقكم شيئاً، بل سيبارك الله لكم بفضله..
لا مانع من بيع الكتاب والاستفادة منه، لكن هذا لا يعني أن يحتكر هذا العلم ويمنع غيره من الاستفادة منه بأي وجه آخر..
ونشر الكتاب في النت لن يحول دون شراء الكتاب من آخرين، فهناك من لا يقرأ إلا في النت ولا يشتري شيئاً من المكتبات، وهناك من لا يحب إلا الكتاب الورقي فيشتريه حتى مع وجوده في النت.. فلكلِّ طريقةٍ في النشر مَنْ يميل إليها..
فلا ينبغي لباحث أن يغضب لأن أحداً قد نشر كتاباً له على النت مثلاً، بل ينبغي أن يكون هذا مدعاة لغبطته بذلك..
أئمة الإسلام الكبار الذين غمرونا بكتبهم وعلمهم لم يأخذوا مقابلاً مادياً على أعمالهم العظيمة..
هل أخذ الإمام الطبري مثلاً على كتبه أجراً مادياً أو الإمام الغزالي أو الإمام النووي أو الحافظ ابن حجر، أو الإمام ابن قدامة، وغيرهم الكثير..
صحيح أن الزمن اختلف، لكن المبادئ السامية لم تختلف..
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان شعارهم:
(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً).
(وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ).
(يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين
منقول
تعليق