إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المسجد مهد الدعوة الإسلامية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسجد مهد الدعوة الإسلامية

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    المسجد مهد الدعوة الإسلامية


    حينما أتحدَّث عن المسجد، أُطِل على الماضي المشرق؛ لأرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أثناء هجرته يُعنى أوَّل ما يُعنى بالمسجد، فيَبني مسجد "قُباء" الذي يقول الله فيه: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].

    وما أن يَهبِط المدينة المنورة، حتى يُسارع إلى بناء المسجد النبوي ويعمل في بنائه بنفسه، ويتمثَّل بشعر أحد المؤمنين وهو ينقل الحجارة؛ ليُحفِّزهم أصحابه إلى الدعامة الأولى التي عليها يقوم مجد الإسلام، فكان يقول:
    اللهمَّ إن العيشَ عيشُ الآخرَهْ فاغْفِر للأنْصار والمُهاجِرَهْ


    فجعل الأنصار والمهاجرون يَرتجزون هم أيضًا، ويعملون في بناء الحرم النبوي الشريف بجدٍّ واهتمام، وهم يقولون:
    لئن قعَدنا والرسولُ يعملُ

    لذَاك منَّا العملُ المُضَلَّلُ

    تُرى لماذا يُلقي صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم - هذه الدروس العملية على أُمته في بناء المساجد وعمارته، فلا يكتفي بالإرشاد والتوجيه؛ كمثل قوله: ((مَن بنى لله مسجدًا يُذكر فيه - ولو كمَفْحص قَطاةٍ - بنى الله له بيتًا في الجنة))صحيح الألباني.
    بل يعمل ويَبني بيده الكريمة ذلك؛ ليَلفتَ نظرنا إلى العمل الأول - وهو المسجد - وتشييده وإعداده، إلى رمز التوحيد ومناره، إلى البيت الذي اختاره الله لنفسه، إلى: ﴿ بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾ [النور: 36 - 37].


    إلى مكان القداسة والسجود والعبادة لله وحده؛ ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18].

    إلى المسجد جامعة الإسلام العليا، إلى النور إلى العلم، إلى القِبلة، إلى المِنبر، إلى الجمعة والجماعات، إلى الخطبة التي هي درْس الأسبوع للمسلمين، إلى المُثل العليا كلها - كل أولئك بعض آثار المسجد، فلِمَ لا يكون هو الأساس الأول، الذي يجب على المسلمين أن يَبنوا عليه مجدهم وعزَّهم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة؟!
    إذًا؛ فإلى المسجد نتفيَّأ ظلاله، ونجني ثماره، ويَجمُل بنا قبل أن نمشيَ إليه، أن نأخذ أنفسنا بما أدَّبنا الله به نحو بيته، فلنأخذ زِيتنا امتثالاً للأمر الكريم: ﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].


    وأدَّبتنا السُّنة المطهرة بأن هذه الزينة لا تكون بلُبْس أحسن الثياب وحسْب؛ بل لا بدَّ أن تكون زينة كاملة بالاغتسال والطِّيب يوم الجمعة، وإذا كنا نأخذ زِينتنا عند ما نُدعَى لمقابلة الناس الكبار، فكيف لا نأخذها عند ما نُلبّي دعوة ملك الملوك في بيته؟!

    واستمع لهذه الدعوة الكريمة أولاً؛ لندخُل المسجد على نورٍ؛ يقول الله - جلَّت حكمته -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9 - 10].

    وجمهور المفسرين على أن المراد بذكر الله في الآية: الخُطبة التي تذكِّر المصلين بالله وتجدِّد إيمانهم بالله، وتُعلمهم ما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات.

    الخطبة درس الأسبوع، الذي يجب أن يتيقَّظ له وعي المسلم ويعمل بما فيه، حتى تَأتِيَه التعليمات من هدْي المِنبر في الجمعة التالية، فمن خطيب المنبر وإمام الصلاة تتلقَّى الأمة هذا الهدي، وأستاذ المنبر أكبر أستاذ؛ لأنه أولاً يمثِّل الرسول وخلفاءه، ووَرثته في أستاذيَّة المنبر، فجامعته أكبر جامعة في الوجود، وتلاميذه الأمة كلها، فالكل باسم الإسلام مَدعوٌّ لهذه الصلاة الجامعة، والكل مأمور بأن يتأدَّب بأدب الإسلام في تقديس هذه الدعوة وتقديرها حقَّ قدرها، فمُرغَّبٌ إليه أن يُبكِّر؛ ليأخذ مكانه في الصف الأول، وإذا أخذ مكانه في الصف الأول، فقد استحقَّه بالمسارعة إلى إجابة الدعوة، فهو مُمعنٌ في الطاعة، وحريص على إحراز فضيلة السَّبق، في هذا المقام الذي يتنافس فيه المتنافسون، والمكان لمن سبَق، فليس لأحدٍ أن يقول له: تأخَّر عن مكانك؛ ليجلس فيه على مائدة ملك الملوك غيرك، ولو كان ذا شأنٍ في دنيا الناس، فهنا وهناك فقط في المسجد تتضاءَل الألقاب والأحساب، وتتحطَّم الفوارق الدنيوية، وتتجلَّى المساواة بأجلى مظاهرها، عبيد في بيت سيِّدهم ومولاهم، أكرَمهم عند الله أتقاهم، إخوة في الله، إخوة في العقيدة، إخوة في الاتجاه، قلوب متجهة اتجاهًا واحدًا، قِبلتهم الكعبة أوَّل بيتٍ وضَعه الله للناس، فإلى مَن جعله الله منارًا وهدًى للعالمين، إلى ربهم الواحد، تتَّحد القلوب في القصد إليه، والاستعانة به، والاستزادة من فضْله، ويحسُّ كلُّ مسلمٍ وهو في ضيافة الله في المسجد، إحساس سالم بن عبدالله بن عمر، حين قال له هشام بن عبدالملك وقد حجَّ في بعض السنين، فوجده جالسًا في الحرَم، قال له: يا سالم، سَلني حاجة أَقضيها لك، فقال له: إني لأستحيي من الله أن أطلبَ غيره في بيته، فتعجَّب هشام وانتظره حتى خرَج من الحرم، وقال له: الآن أنت خارج بيت الله، فسَلني حاجة، فقال له: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟! فقال هشام: بل من حوائج الدنيا، فقال سالم: إذا كنت لا أطلب الدنيا ممن يَملِكها، فكيف أَطلبها ممن لا يَملِكها؟!".

    نريد أن تَسموَ رُوحنا ونحن في حضرة الله في بيته خاصة، فلا نفكِّر إلا فيه، ولا نَرغَب إلا إليه، ولا نعتز إلا به، ولا نَذِلُّ إلا له، ثم علينا بعد ذلك أن نُنصت إلى الخطبة درْسِ الأسبوع، الخطبة التي دُعينا لأجْل سماعها، تعالج أمراضنا الاجتماعية، ومشاكلنا الداخلية والخارجية، بما عالَجها به أحكمُ الحاكمين في أكمل شريعة وأتمِّ نظامٍ.

    فالمنبر يَصدُر عن الكتاب والسُّنة، فيَرُد إلى الله والرسول كلَّ شيء، ومن ثَمَّ كان مكان المنبر في الإسلام وفي المسجد مكان الصدارة، فهدي المنبر هو الهدي الحق، وهو في حكمة الإسلام الحارس على الدعوة إلى الحق، فيجب أن يختارَ له وأن يُحاط له بكثيرٍ من التقدير؛ حتى يؤدي رسالته على ما ينبغي، وعلى كل مُصلٍّ - كبيرًا كان أو صغيرًا - أن يعيَ درْس الأسبوع جيدًا من خُطب المِنبر، ويُعلمه بدوره لأولاده وأُسرته في المنزل، فالرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول.

    ومن ثَمَّ لا يبقى في الأمة الإسلامية جاهلٌ بدينه، أو بواجبه الذي يَفرضه عليه الدين عند ما تَجِدُّ أحداثٌ أو فتنٌ في الوطن الإسلامي، الذي لا يعرف حدودًا ولا أجناسًا، ولا ألوانًا، وإنما هو وَحدة في العقيدة ووَحدة في الحب والأخوَّة والهدف والوسيلة.

    وتصوَّر معي أيها القارئ الكريم، إذا كانت خُطبة الجمعة مُوحَّدة، ووصَلنا إلى غاية تُمكِّننا من أن يكون لسان المنبر في كل جمعة واحدًا في جميع مساجدنا، فتتلقَّى الأمة كلها تعاليم الإسلام، وأغراض المسلمين وواجباتهم في ساعة واحدة - دعوة ودِعاية - لو أنفَقت في سبيل الحصول عليها أجهزة العلم الحديث واللاسلكي، ما وصَلت إلى هذه النتيجة الباهرة؛ من دعاية المنبر ودعوته، ورعاية الله له وحياطته، وما يؤديه للإسلام والمسلمين من خدمة جعَلته في المسجد ملحوظًا بالصدارة، ثم تُقام الصلاة، فتتساوَى الرؤوس، وتتكاتَف الصفوف، كالبُنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا؛ حتى إنك لا تجد بين الصفوف فُرْجة يدخل منها الشيطان إلى هذه الصفوف الخاشعة في الصلاة، لا تتحرَّك إلا بحركات - الإمام - وهو واحد أيضًا، فلا يسمح لأحدٍ بأن يَسبقه بركوعٍ ولا بسجود في عبادة شاكرة ذاكرة، هدفُها اتِّحاد القلوب في وَحدة المعبود، والصمود إليه - سبحانه - فمثَلُ الإمام في الصلاة كمثل القائد في الجيش، شعاره في الإسلام التكتُّل والاتجاه، والطاعة والنظام؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4].

    فكل أعمال الإسلام يجري في عروقها إكسيرُ الوحدة والتعاون عل البر والتقوى، ومن هنا أدرَك العلماء سرَّ قوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43].


    ففي ساحة المسجد بعد الصلاة، نتعرَّف إلى بعضنا، فتؤدَّى الزكاة إلى مستحقِّيها من المصلين بين صفوفنا وإخوتنا الذين هم منَّا وعلينا، ونتعاون على البر والتقوى، فنفضِّل التعامل بيننا على معاملة الأجنبي عنا، وهكذا، وفي المسجد نتلقَّى دروس العلم والدين والوعظ والإرشاد بُكرة وعَشيَّة، وقد كان نصيب المرأة المسلمة في السنين الأخيرة من الثقافة الدينية وافرًا بفضل المساجد، والقائمين عليها، ولولا المساجد في القديم والحديث، لَما بَقِي الإسلام هو الدين العام الخالد، ولَما ازدَهرت العلوم والمعارف الإسلامية هذا الازدهار والملحوظ منذ كان يَجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجده؛ يستقبل الوفود، ويجيب السائل، ويعلِّم العلم والقرآن إلى وقتنا هذا، ويطول بي الحديث، لو استعرَضت صورًا من مجالس الإمام مالك في المسجد النبوي في عهد الرشيد، أو سعيد بن المسيَّب، أو مجالس العلماء في الجامع الأموي ببغداد، أيام كانت الدولة للعلم والعلماء، فكان المسجد هو الجامع والجامعة، وهو المَعقد والرجاء، فالقلوب معلَّقة به، ولا تَصدُر إلا عن وحيه وحبِّه، ومن ذِروة منبره تُؤخَذ أقومُ الدروس وأبلَغها، وانظر إلى الجلال الذي خصَّ الله به المسجد، فجعل كلمة الحق يُدوي بها صوت المؤذِّن على منارته في كل وقت صلاةٍ: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله"، فتنطلق أمواج الأثير صاعدة إلى ما شاء الله؛ تُذكِّر الغافل، وتحبِّب العبد الآبِق في رحمة الله حين يدعوه: حي على الصلاة، حي الفلاح.

    وبعدُ:

    فما قصَدت أن أستوعبَ بهذا الحديث مآثِر المسجد وعظَمته، فهذا مما يطول في حلاوة شرحه، ولا يتَّسع له هذا المجال المحدود.

    المصدر: موقع الألوكة
    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 26-07-2018, 06:13 PM.


  • #2
    وعليكم السلام رحمة الله وبركاته
    جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

    تعليق

    يعمل...
    X