بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد كان صلى الله عليه وسلم يفتتح حواره بما يقرع الأسماع، ويجذب الانتباه، ويهيئ النفوس،
ويشد القلوب، ويقودها بحسن بيانه، وفصاحة لسانه إلى الإقبال عليه،
والإصغاء والاعتبار بقوله، فيقع الكلام في النفوس موضع القبول، نجده صلى الله عليه وسلم يحرص بالثناء على بعضهم، والتودد إليهم، يهز عواطفهم، ويحرك مشاعرهم،
ويخاطبهم بأحسن العبارات، وأجمل المعانين ولا أدل على ذلك من موقفه مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين اتهمها المنافقون في عرضها، ويفتتح النبي صلى الله عليه وسلم الحوار معها بما يجذب انتباهها ويهيئ نفسها، فقال صلى الله عليه وسلم كما أخبرت عائشة بذلك: "يا عائشة ! فإنه بلغني عنك كذا و كذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه ".فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن، فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس،
ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي "يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله" رواه مسلم
ومن حسن استفتاح النبي صلى الله عليه وسلم للحوار مع النساء تهيئة نفوسهن وجذب انتباههن وأمرهن بالاستغفار والصدقة خوفا عليهن من النار، مما دفع إحداهن لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب، فيخبرها النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب. فعن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جزلة -أي ذات رأي-:
وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: "تكثرن اللعن وتكفرن العشير،
وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن" قالت: يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال : "أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل ، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين" رواه البخاري.
فنجد في استفتاحه للحديث كيف جذب انتباه المستمعات، وهيأ نفوسهن لقبول ما يريد إيصاله لهن، وفي هذا يظهر أهمية بدء الحوار بما يشد الانتباه ويهيئ النفوس.
ومن ذلك أيضا حسن استهلال النبي صلى الله عليه وسلم لحواره مع النساء وحثه إياهن على الصبر عند فقد الولد، والتفكر في الثواب الجزيل من الله عز وجل لمن احتسبت وصبرت، مما هز عواطفهن، وحرك مشاعرهن وهيج نفوسهن،
فخاطبهن بأحسن العبارات وأجمل الدلالات، فعن أبي سعيد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله فقال: "اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا" فاجتمعن فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ثم قال: "ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كان لها حجابا من النار" فقالت امرأة منهن: يا رسول الله أو اثنين قال فأعادتها مرتين ثم قال: "واثنين واثنين واثنين"
رواه البخاري
فالطبائع تتباين والميول تختلف من شخص إلى آخر، وها هو صلى الله عليه وسلم يعلم طبائع المرأة فيتعامل معها بما يناسب حالها، فنوع في أساليبه صلى الله عليه وسلم وراعى مقتضى حال المرأة، واستخدم صلى الله عليه وسلم " أنواع التأثير التي سبقت كثيرًا من النظريات والدراسات الحديثة في فن الحوار والإلقاء والتأثير في الناس" وقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم أساليب متعددة في حواره مع المرأة.
وللحديث صلة
فتابعونا
تعليق