ذوقيات الداعية
د.عبد الرحمن الجرعي
د.عبد الرحمن الجرعي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده . وبعد :
فهذه كلمات فيها محاولة لفهم أسرار النفس الإنسانية ، وتلمح مواطن الجمال والكمال فيها ، ونبرأ إلى الله من أن نعيّر أحداً بعيبه أو أن نشهَّر بأحد ففي المتحدث من العيوب مايكفيه ، والباعث هو طلب الكمال البشري وعليا المناقب ، مع إحساسنا وإدراكنا بأن الدعاة هم من أكمل الناس خلقاً وذوقاً ، يعرف ذلك من خالط دهماء الناس وعامتهم ، ولكنه تطلب الأرقى من الذوق والمراتب السامية ،ولاشك أن التحلي بهذه الذوقيات ، والبعد عما يشين من السلوكيات ،مما يزيد في جمال سلوك المسلم ، ويعزز محاسنه ، ويحبب شخصيته ، ويدنيه من القلوب والنفوس. فيكون كريما على حد قول الشاعر:
إن الكــــــريم لكالربيــ ـع تحبــــه للحسـن فيه
وإذا تحــــرق حاسدوه بكى ورق لحـــــاسديه
كالورد ينفـــح بالشذى حتى أنوف الســـارقيه
معنى الذوق في اللغة :هو إدراك طعم الشيء بواسطة الرطوبة المنبثقة بالعصب المفروش على عضل اللسان ، يقال: ذقت الطعام ، أذوقه ذوقا، وذوقانا ومذاقا، إذا عرفته بتلك الواسطة ، وتعدى إلى ثان بالهمزة ، فيقال:أذقت الطعام وذقت الشيء:جربته، ومن يقال: ذاق فلان الباس:إذا عرفه بنزوله بعده"(1).
وانتقلت كلمة الذوق من موضعها الأصلي الذي قيلت فيه إلى مواضع عدة استعيرت لها، وصار الذوق يستعمل في الإحساس العام الذي تشترك فيه قوى الحس من سمع وبصر ولمس وشم ، وصار الذوق تعبيرا عن الإحساس بالألم والحزن ، أو الفرح والهناء ، أو الجوع والخوف ، وما إلى ذلك(2).
أهمية الأدب والذوق:
قال القرافي في كتابه (الفروق)(3/96،4/272) " واعلم أن قليل الأدب ، خير من كثير من العمل ، ولذلك قال رُويم – العالم الصالح –لابنه : يابني اجعل عملك ملحا ، وأدبك دقيقاً. أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح ، في العجين"
أسباب ضعف الذوق (3) :
أسباب ضعف الذوق (3) :
(أ) غياب التربية الصحيحة
عن كثير من أبناء الإسلام ، بسبب غياب دور الأب والأم ، ووجود المجتمع المفكك ، ربما كان الفرد في السابق يستحيي من كثير من النقائص ،وقد ضمر هذا المعنى الآن، وإنكار عامة الناس سابقا أقوى منه في هذه الأيام.
(ب) غياب القدوة الحسنة
، فسمت العالم وهديه له أثر عظيم على الأتباع " قال الذهبي " كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أويزيدون ، نحو خمس مئة يكتبون ، والباقون يتعلّمون منه حسن الأدب والسمت "(4).
(ج)ضعف المؤسسات التعليمية والثقافية وسلبيتها
:أهلية كانت هذه المؤسسات أو رسمية،كالمدارس، ووسائل الإعلام،بل تقدم وسائل الإعلام أحيانا،رسائل ضارة بالدين والخلق.
(د)ضعف التناصح بهذا الأمر
،وضعف الاهتمامة به رغم أهميته،بل ربما عد الكلام في مثل هذا الأمر ضرب من الترف ،أو الليونة التي لايسمح بها وقت الدعاة.
تهذيب الطبائع :
يزعم البعض أن أخلاق الإنسان فطرية فقط . وهذا ادعاء يرده الواقع من وجوه منها:
(أ) أن الأخلاق لو كانت الأخلاق لاتقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى ولم يكن للتهذيب والتربية والأمر بهما فائدة
(ب) ولو لم يكن للتهذيب والتربية أثر لما كان للحدود والزواجر الشرعية عن اقتراف الآثام معنى
.
(ج) كما أن الواقع المشاهد يدل على فائدة هذا التهذيب وإمكانه في الحيوان فضلا عن الإنسان فالصيد الوحشي يستأنس ويعلم الكلب عادات ، وتدرب الفرس(5).
- الأمر بالخلق – النهي عن سوء الخلق – وتميز الشخصية المسلمة بذلك :
انظر لكمال الأدب والذوق في قول أنس رضي الله عنه " خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء صنعته لم صنعته ؟ ولالشيء تركته لم تركته ؟
وكان رسول الله صلى الله عليه من أحسن الناس خلقاً ، ولامسست خزاً ولا حريراً ، ولاشيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولاشممت مسكاً قط ، ولاعطراً كان أطيب من عرق النبي صلى الله عليه وسلم(6)
تأمل يارعاك الله هذه المدة الطويلة- عشر سنين- استمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم على ذات الخلق الرفيع ، رغم أنه لايخشى من خادمه شيئا ، ولايتوقع عتبه عليه، لكنها أخلاق النبوة ، ولعلك تقارن هذا بما ترى عليه حال المسلمين اليوم في معاملة خدمهم ، بل في معاملة من يحتك بهم-من إخوانهم- ممن ليسوا خدما، بل هم زملاء وجيران ، والله المستعان.
الذوق في المظهر العام للإنسان:
( ويتمثل ذوقه في لباسه وزينته (فيلبس لباسا حسنا جميلا نظيفا،وإن لبس الأبيض فهو حسن ، وأن يكون اللباس رجوليا ويبتعد عن لباس الميوعة ، وأهل الفسق ) وقد حث الشرع على أخذ الزينة ،
اتخاذ الرائحة الزكية، فلا يشم منه إلا رائحة حسنة ، وقد شرعت بعض الأحكام لإزالة الرائحة الكريهة (مثل النهي عن تناول الثوم والبصل لمن شاء صلاة الجماعة ، والاغتسال للجمعة من أجل رائحة العرق والملابس فيرى بعض الفقهاء وجوب الغسل في هذه الحالة) -
، وكذلك البعد عن المظاهر غير الرجولية كالقصات المنكرة التي نراها شائعة بين الشباب ، وفيها من التكسر ، والتشبه بالكفار ، وأهل الفسق مافيها).
ذوق اللقاء والتحية :
ويتمثل في البدء بالسلام وحرص الإسلام على إفشائة بين المسلمين ، صغارا وكبارا، ولايقتصر على من يعرف بل يسلم على الجميع ولايحتقر أحدا ، والسلام سنة ، ورده واجب ، ومن الذوق في هذا المجال البشاشة والبشر والإيناس ،
قال الشاعر الكريم:
أضاحــك ضـــيفي قبل إنزال رحله ويخصـــب عندي والمكـــــان جديب
وماالخصب للأضياف أن يكثرالقرى ولكنمــــا وجـــــه الكــــريم خصيب
والبشر قد يدفع به شرور كثيرة ، ويدل لذلك حديث "بئس أخو العشيرة"،
وينبغي أن يحرص المسلم على إشعار أخوانه بمحبته ، ويخبرهم بذلك ، ومن الإشعار بالمحبة:
المصافحة، فإنها تزيد الود كما قاله الحسن البصري ، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم لاينزع يده من يد مصافحه حتى يكون الآخر هو الذي ينزع(7).
وماالخصب للأضياف أن يكثرالقرى ولكنمــــا وجـــــه الكــــريم خصيب
والبشر قد يدفع به شرور كثيرة ، ويدل لذلك حديث "بئس أخو العشيرة"،
وينبغي أن يحرص المسلم على إشعار أخوانه بمحبته ، ويخبرهم بذلك ، ومن الإشعار بالمحبة:
المصافحة، فإنها تزيد الود كما قاله الحسن البصري ، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم لاينزع يده من يد مصافحه حتى يكون الآخر هو الذي ينزع(7).
والعناق وارد ومشروع عند القدوم من السفر ، وهو من أقوى الأدلة على الشوق والمحبة ،
ويتمثل ذوق اللقاء كذلك في:
المناداة بأحب الأسماء ، لما في ذلك من إدخال السرور على أخيك المسلم،
ومن ذلك الكنية فلها وقع حسن في نفس الإنسان :
أكنيه حين أناديه لأكرمــه ولاألقّبه والســــــوأة اللقب
الذوق في الحديث :
ومنه : اختيار الألفاظ الحسنة ، والبعد عن البذاءة قال الشافعي لتلميذه الربيع لما أغلظ في الكلام على بعض الجالسين (ياربيع أكس ألفظك) حتى وإن كان الكلام مزاحا، ويجب البعد عن الطعن في الآخرين،والتشهير بهم واغتيابهم، ولو كانوا خصوما،فليس المؤمن بالطعان ولااللعان ولاالفاحش البذيء(8).
الذوق في الحديث :
ومنه : اختيار الألفاظ الحسنة ، والبعد عن البذاءة قال الشافعي لتلميذه الربيع لما أغلظ في الكلام على بعض الجالسين (ياربيع أكس ألفظك) حتى وإن كان الكلام مزاحا، ويجب البعد عن الطعن في الآخرين،والتشهير بهم واغتيابهم، ولو كانوا خصوما،فليس المؤمن بالطعان ولااللعان ولاالفاحش البذيء(8).
ويبتعد المسلم عن تزكية نفسه (فلاتزكوا أنفسكم)
ويحرص على خفض صوته أثناء الحديث إلا بقدر الحاجة قال تعالى(واغضض من صوتك
) ويحرص أيضا على إتقان أدب السماع والإصغاء لغيره، وهو أدب لابد من تعلمه ، فليس من الذوق احتكار الحديث ، وعدم إعطاء الفرصة للآخرين ليفصحوا عما في أنفسهم .
ولابد من قبول تصحيح الخطأ عند حدوثه، فكلنا ذو خطأ
، ومن المناسب ترك الإشارة أثناء الحديث إلا لحاجة خشية أن يشير إلى بعض السامعين بما يؤذيهم ،
ويحرص المسلم في حديثه على استعمال اللغة العربية السهلة مع البعد عن اللهجة غير المفهومة(مثل استخدام العامية التي لايعرفها الآخرون)
ويتكلم بالمناسب على الطعام ويتجنب مايستقبح من الكلام حتى ولو كان تعريضا ، فإن ذلك من قلة الذوق ، وكثير من الناس تعزف نفسه عن الأكل بسبب هذا الكلام النابي عن الذوق
.
وينبغي أن يبتعد عن المداخلة ومقاطعة المتكلم
، كما أن ذكر نهاية القصة أو الحادثة قبل أن ينهيها المتحدث عيب لانرضاه لمسلم فضلاً عن داعية ، قال أبوتمام :
من لي بإنســــان إذا اغضبتـــــه وجهلت كان الحـلم رد جـــــــوابه
وإذا صبوت إلى المـدام شربت من أخلاقــــه وســكرت مــن آدابـــه
وتراه يصغي للحـــديث بطرفــــه وبســـمعـــه ولعـــله أدرى بــــه
يقال : حدث رجل بحديث ، فاعترضه رجل فغضب عطاء ، فقال ماهذه الأخلاق ، ماهذه الطباع ؟ والله إن الرجل ليحدث بالحديث لأنا أعلم به منه ، ولعسى أن يكون سمعه مني ، فأنصت إليه وأريه كأني لم أسمعه قبل ذلك(9).
وإذا سئل جليسك عن شيء فلا تبادر أنت بالإجابة فإن ذلك أحفظ لأدبك ، وأنبل لمقامك ،
قال مجاهد بن جبر : قال لقمان لابنه : إياك إذا سئل غيرك أن تكون أنت المجيب ، كأنك أصبت غنيمة أو ظفرت بعطية ، فإنك إن فعلت ذلك ، أزريت بالمسؤول ، وعنفت السائل ، ودللت السفهاء على سفاهة حلمك ، وسوء أدبك
. وقال ابن بطة الحنبلي : كنا في مجلس أبي عمرو الزاهد الملقب بغلام ثعلب ، فسئل عن مسألة ، فبادرت أنا فأجبت السائل ، فالتفت إلي أبو عمرو الزاهد فقال لي : تعرف الفضوليات المنتـقبات ؟ ! أي : أنت فضولي ، فأخجلني(10).
ويجب أن ينزل الناس منازلهم في كل شيء ومن ذلك (الحديث) فإذا كان في المجلس من هو عالم أو صاحب تخصص يظن أن لديه علم أكثر من المتحدث فليعط المجال وذلك من توقير العلم وأهله
"قال أبو سعيد سمرة بن جندب رضي الله عنه " لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً ، فكنت أحفظ عنه ، فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن مني " رواه البخاري ومسلم .وبعض شباب الصحوة يتصدر أحدهم في المجالس مع وجود من هو في مقام شيوخهم.
ذوق الزيــارة :
• إذا طرقت على باب أخيك أو صديقك ، أو من تقصده ، فليكن دقك برفق يعرّفه فقط بوجود طارق ،
وإياك أن تطرق بابه بعنف كدق الظلمة والزبانية فتروعه وتخل بالأدب
(دقت امرأة على الإمام أحمد الباب دقاً فيه عنف _ وكانت تريد أن تسأله عن مسألة من أمور الدين _فخرج وهو يقول " هذا دق الشرَطْ"-جمع شرطي- والصحابة كانوا يقرعون باب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأظافر (11).
• ولا يسيء الظن بأخيه إن طرق عليه ثلاثاً فلم يخرج ، فلعله في وضع لايتمكن معه من الخروج ، وللإنسان في بيته أحوال خاصة لايحسن كثرة التمحل بالسؤال عنها
(قال رجل فضولي- لصبي أرسلته أمه بطبق مغطى - " ما الذي في الطبق يا صبي ، فقال الصبي " يا أحمق : فلم غطته أمي ").
• إذا زرت أخا لك دون موعد أو على موعد فاعتذر ، فاعذره فإنه أدرى بحاله
،وقد قال الإمام مالك "ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره"
وكان من أدب السلف إذا زار بعضهم بعضا يقول الزائر للمزور " لعله بدا لك مانع" تمهيدا لبسط العذر من المزور فيما لو اعتذر.قال تعالى ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم )(12)سواء كان القول بالرجوع تصريحا أو تلميحاً.
• لا تنظر داخل البيت المزور ولـتأخذ يمنة أويسرة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أتى باب قوم لم يستقبله من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر "رواه أبو داود
، وفي الأدب المفرد قال صلى الله عليه وسلم " لا يَحِلُّ لامرئٍ مسلمٍ أن يَنظُرَ في جوفِ بيتٍ حتى يَستَأذِنَ ، فإن فعَل فقد دخَل ، ولا يؤمُّ قومًا فيخصُّ نفسَه بدعوةٍ دونَهم حتى ينصرِفَ زاد حبيبٌ في روايتِه : فإن فعَل فقد خانهم ، ولا يُصلِّي وهو حاقِنٌ حتى يتخفَّفَ الراوي: ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: نتائج الأفكار - الصفحة أو الرقم: 2/165
خلاصة حكم المحدث: حسن
فقد دخَل :أي صار في حكم من دخل بلا استئذان وهو محرم عليه.
• ويجلس حيث يجلسه صاحب الدار حتى وإن كان أحد تلاميذه ، فإن الرجل أدرى ببيته وبما يصلح لضيفه
. يقال: "دخل خارجة بن زيد على ابن سيرين زائراً له فوجد ابن سيرين جالسا على الأرض إلى وسادة فأراد أن يجلس معه وقال: قد رضيت لنفسي ما رضيت لنفسك ، فقال ابن سيرين : إني لا أرضى لك في بيتي بما أرضى به لنفسي ، فاجلس حيث تؤمر ".
• استعمال الهاتف لايكون إلا بإذن صاحب الدار فلعل من النساء من تكون شاغلة لخط الهاتف ، ولاتأخذ الهاتف وتضرب الرقم فإذا أطل عليك صاحب البيت قلت له : عن إذنك فهذا ليس استئذانا.
• و لا تفتح مغلقا ليس لك من درج أو باب ونحوه فإن هذا من الذوق النابي ، واعلم أن طول المكث في الزيارة غير صحيح بل تكون الزيارة خفيفة وبقدر الحاجة خشية الإثقال، وربما كان لدى صاحب البيت مواعيد مهمة عقل الحياء لسانه أن يبوح بها.
ذوق المخالطة:
مما يحسن التنبيه له في هذا المقام مجموعة من الأمور ومنها
: تجنب العطاس بصوت مرتفع فإنه مما يفزع الجليس ويقزز نفسه
،وكذا التثاؤب بصوت مرتفع ،
وإياك ومسارقة النظر إلى أوراق الآخرين المجاورين لك في مقعد الطائرة ، أو كراسي الانتظار في المستشفى فإن هذه المسارقة خصلة ذميمة.
ارجع المستعار أحسن مما كان:
وإذا صبوت إلى المـدام شربت من أخلاقــــه وســكرت مــن آدابـــه
وتراه يصغي للحـــديث بطرفــــه وبســـمعـــه ولعـــله أدرى بــــه
يقال : حدث رجل بحديث ، فاعترضه رجل فغضب عطاء ، فقال ماهذه الأخلاق ، ماهذه الطباع ؟ والله إن الرجل ليحدث بالحديث لأنا أعلم به منه ، ولعسى أن يكون سمعه مني ، فأنصت إليه وأريه كأني لم أسمعه قبل ذلك(9).
وإذا سئل جليسك عن شيء فلا تبادر أنت بالإجابة فإن ذلك أحفظ لأدبك ، وأنبل لمقامك ،
قال مجاهد بن جبر : قال لقمان لابنه : إياك إذا سئل غيرك أن تكون أنت المجيب ، كأنك أصبت غنيمة أو ظفرت بعطية ، فإنك إن فعلت ذلك ، أزريت بالمسؤول ، وعنفت السائل ، ودللت السفهاء على سفاهة حلمك ، وسوء أدبك
. وقال ابن بطة الحنبلي : كنا في مجلس أبي عمرو الزاهد الملقب بغلام ثعلب ، فسئل عن مسألة ، فبادرت أنا فأجبت السائل ، فالتفت إلي أبو عمرو الزاهد فقال لي : تعرف الفضوليات المنتـقبات ؟ ! أي : أنت فضولي ، فأخجلني(10).
ويجب أن ينزل الناس منازلهم في كل شيء ومن ذلك (الحديث) فإذا كان في المجلس من هو عالم أو صاحب تخصص يظن أن لديه علم أكثر من المتحدث فليعط المجال وذلك من توقير العلم وأهله
"قال أبو سعيد سمرة بن جندب رضي الله عنه " لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً ، فكنت أحفظ عنه ، فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن مني " رواه البخاري ومسلم .وبعض شباب الصحوة يتصدر أحدهم في المجالس مع وجود من هو في مقام شيوخهم.
ذوق الزيــارة :
• إذا طرقت على باب أخيك أو صديقك ، أو من تقصده ، فليكن دقك برفق يعرّفه فقط بوجود طارق ،
وإياك أن تطرق بابه بعنف كدق الظلمة والزبانية فتروعه وتخل بالأدب
(دقت امرأة على الإمام أحمد الباب دقاً فيه عنف _ وكانت تريد أن تسأله عن مسألة من أمور الدين _فخرج وهو يقول " هذا دق الشرَطْ"-جمع شرطي- والصحابة كانوا يقرعون باب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأظافر (11).
• ولا يسيء الظن بأخيه إن طرق عليه ثلاثاً فلم يخرج ، فلعله في وضع لايتمكن معه من الخروج ، وللإنسان في بيته أحوال خاصة لايحسن كثرة التمحل بالسؤال عنها
(قال رجل فضولي- لصبي أرسلته أمه بطبق مغطى - " ما الذي في الطبق يا صبي ، فقال الصبي " يا أحمق : فلم غطته أمي ").
• إذا زرت أخا لك دون موعد أو على موعد فاعتذر ، فاعذره فإنه أدرى بحاله
،وقد قال الإمام مالك "ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره"
وكان من أدب السلف إذا زار بعضهم بعضا يقول الزائر للمزور " لعله بدا لك مانع" تمهيدا لبسط العذر من المزور فيما لو اعتذر.قال تعالى ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم )(12)سواء كان القول بالرجوع تصريحا أو تلميحاً.
• لا تنظر داخل البيت المزور ولـتأخذ يمنة أويسرة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أتى باب قوم لم يستقبله من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر "رواه أبو داود
، وفي الأدب المفرد قال صلى الله عليه وسلم " لا يَحِلُّ لامرئٍ مسلمٍ أن يَنظُرَ في جوفِ بيتٍ حتى يَستَأذِنَ ، فإن فعَل فقد دخَل ، ولا يؤمُّ قومًا فيخصُّ نفسَه بدعوةٍ دونَهم حتى ينصرِفَ زاد حبيبٌ في روايتِه : فإن فعَل فقد خانهم ، ولا يُصلِّي وهو حاقِنٌ حتى يتخفَّفَ الراوي: ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: نتائج الأفكار - الصفحة أو الرقم: 2/165
خلاصة حكم المحدث: حسن
فقد دخَل :أي صار في حكم من دخل بلا استئذان وهو محرم عليه.
• ويجلس حيث يجلسه صاحب الدار حتى وإن كان أحد تلاميذه ، فإن الرجل أدرى ببيته وبما يصلح لضيفه
. يقال: "دخل خارجة بن زيد على ابن سيرين زائراً له فوجد ابن سيرين جالسا على الأرض إلى وسادة فأراد أن يجلس معه وقال: قد رضيت لنفسي ما رضيت لنفسك ، فقال ابن سيرين : إني لا أرضى لك في بيتي بما أرضى به لنفسي ، فاجلس حيث تؤمر ".
• استعمال الهاتف لايكون إلا بإذن صاحب الدار فلعل من النساء من تكون شاغلة لخط الهاتف ، ولاتأخذ الهاتف وتضرب الرقم فإذا أطل عليك صاحب البيت قلت له : عن إذنك فهذا ليس استئذانا.
• و لا تفتح مغلقا ليس لك من درج أو باب ونحوه فإن هذا من الذوق النابي ، واعلم أن طول المكث في الزيارة غير صحيح بل تكون الزيارة خفيفة وبقدر الحاجة خشية الإثقال، وربما كان لدى صاحب البيت مواعيد مهمة عقل الحياء لسانه أن يبوح بها.
ذوق المخالطة:
مما يحسن التنبيه له في هذا المقام مجموعة من الأمور ومنها
: تجنب العطاس بصوت مرتفع فإنه مما يفزع الجليس ويقزز نفسه
،وكذا التثاؤب بصوت مرتفع ،
وإياك ومسارقة النظر إلى أوراق الآخرين المجاورين لك في مقعد الطائرة ، أو كراسي الانتظار في المستشفى فإن هذه المسارقة خصلة ذميمة.
ارجع المستعار أحسن مما كان:
في استعارة الكتب تجنب أموراً منها:
1- تأخير الكتاب عن وقت الإعارة (أعرف رجلا من الزملاء لا يعيد الكتاب المستعار حتى يكلم خمس مرات أو أكثر ، وقد أخر كتبا لأحد زملائه ما يزيد عن خمس سنين ، ومن الطريف أنه إذا جاء للاستعارة جاء في هيئة السائل الذي تحل له الصدقة.
2-
التهميش والتعليق على كتاب ليس لك.
3-
إهمال العناية بالكتاب وتركه للأولاد ليمزقوه (أحدهم: أعار غيره كتابا فأرجعه المستعير وعليه آثار طعام ، ثم استعار منه كتابا آخر فأعطاه المعير الكتاب وأرفق معه صحنا ، فقال :ما هذا ؟ قال (الكتاب للقرآءة ، والصحن للأكل).
لاتضحك على غيرك:
لاتضحك على غيرك:
إذا سأل أحد الحاضرين سؤآل الجاهل أو المستفهم فلا تضحك عليه ، فإن ذلك خلاف المروءة ، وذلك يوغر صدر المضحوك عليه ، وربما منعه ذلك عن سؤآل يحتاج إليه في أمر دينه خشية أن يُضحك عليه . والله أمر بسؤآل أهل العلم عند الجهل "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون "(13)،
إنزال الناس منازلهم
: مثل الأب ، والمعلم ، والكبير ، وهذا خلق نبوي كريم ، ومن أحق الناس بالإكرام العلماء، وذوي الفضل ، ومن له مكانة وشرف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم وجهاء الناس وفضلائهم ، ويلبس لاستقبالهم أحسن اللباس.
ذوق المائدة:
وفي هذا الذوق لاتجعل يد تطيش في الصحن ،
ولاتتكلم وأنت تأكل فإنه خلق ذميم يجعل الأكل يتطاير، والجليس يتقزز ،
وإياك والشره ، ومتابعة اللقم ، ولهذا نهينا عن القران في التمر كما في صحيح البخاري (3/445- المطبعة السلفية ) والقران هو أكل تمرتين معا ، وهو يدل على النهم ، والشره.
وقد وصف الرصافي (الديوان 151) أكولا نهما في مقطوعة جميلة صدّرها بقوله:
أكب على الخوان وكان خـفا فلما قــــام أثقلـــه القـيـــــام
ووالى بينها لقــما ضخــــاما فما مرئت لـه اللقم الضخــام
وعــاجـل بلعهن بغير مضــــغ فهن بفــيه وضـــع فالتهـــــام
فضـــاقت بطنه شبعا وشـالت إلى أن كـاد ينقطع الحـــــزام
والنظر للآكلين من قلة الذوق ،فهو يحرج الآكل.
ووالى بينها لقــما ضخــــاما فما مرئت لـه اللقم الضخــام
وعــاجـل بلعهن بغير مضــــغ فهن بفــيه وضـــع فالتهـــــام
فضـــاقت بطنه شبعا وشـالت إلى أن كـاد ينقطع الحـــــزام
والنظر للآكلين من قلة الذوق ،فهو يحرج الآكل.
قيل (حضر أعرابي مأدبة أحد خلفاء بني أمية ، فأنشأ يأكل ، والخليفة ينظر إليه ، فرأى الخليفة في لقمة الأعرابي شعرة ، فنبهه إلى ذلك . فقال الأعرابي : أتنظر إلى نظر من يرى الشعرة في اللقمة ، والله لا أصبت من طعامك بعد هذا . فقال الخليفة : أسترها علي يا أعرابي ، ولك ألف دينار).
وكذلك استعمال الخلال يحتاج إلى ذوق لايخفى عليك.
– الذوق في استعمال السيارة:
البعض لايهتم بموقف سيارته فتجده حينا يقف خلف سيارة ، ويسد عليها الطريق ، وربما كان صاحبها في عجلة من أمره . وصاحبنا شغله شاغل ، فتأخر ، فأحنق صاحب السيارة ، فنال من السباب أو العتاب ماكان سبباً فيه ، وربما أوقف سيارته أمام بيت أوباب فضيق على الناس وهو لايشعر .
–والسفهاء في الطريق كثر وربما نالك منهم شيئا ، فلا تجاريهم ،فمن الخطأ مجاراة السفيه ، فقد يتطور الأمر ، وربما أفضى إلى ما لا تحمد عقباه
قال أبو تمام:
إذا جاريت في خلــــق دنيئا فأنت ومن تجــاريه ســــواء
فليتحمل الإنسان وليصبر . واسمع لقول القائل:
لاترجعن إلى السفيه خطـــابه إلا جـــــواب تحـــية حياكها
فمتى تحركـــه تحرك جيـــفة تزداد نتناً إن أردت حراكـها(14)
• والتفرج على الزملاء وهم يعملون ، والاشتغال عنهم بعمل شخصي آخر، من قلة الذوق ، وقد يتحملون ، ولايمتعضون ، ولكن يجب عليه أن يقدر مشاعرهم ، وبأي حق ينقسم الزملاء إلى فريقين : فريق يخدم إخوانه ويتعب نفسه من أجلهم ، والفريق الآخر متكىء ، لايشارك إلا في القيام إلى الوجبة ، ولايشارك في إعداد طعام ولارفعه من الأرض ، ففي أي عقل أو شرع ،أوذوق هذا . لكن إذا ألحوا عليه في ترك مساعدتهم ، تقديرا منهم ، فلا بأس.
• كثرة التعليق الساخر على أحد الزملاء والتغامز بين البعض من قلة الذوق، وربما كان هذا الأخ مبتلى بعادة يصعب عليه الفكاك منها ، فيكون ذلك من مداخل الشيطان في إيغار صدره ، وقد رأينا بعض آثار هذا الأمر في نماذج لاتخفى ، ومراعاة حال النفوس أمر لازم.
• كثرة التمحل بالسؤال عن الخصوم والأقران،من فساد ذوق الداعية،فتراه يسأل ؟ماذا قالوا وهل أحدثوا اليوم شيئاً ، وهل قالوا في ّ بالذات كلاماً ، ويظل هذا ديدنه وهجيراه ، وربما أورث هذا لتلاميذه فأصبحت أنفسهم عدوانية ، ونشأ لديهم مايسمى بنفسية الصراع ، فلا يعيش الواحد منهم إلا في هذه الأجواء الساخنة ، ويذهب في هذا الخضم هدوء المؤمن وسكينته ، حتى لكأن هذا الداعية من أصحاب الصراع الدنيوي في مكاتب العقار، أو صراع الساسة من أهل الأحزاب والتكتلات السياسية .وما أجمل قول أبي العلاء الحضرمي الصحابي المعروف :
وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم *** تحية ذي الحسنى فقد يرقع النقـل
فإن دحسوا بالشــر فاعف تكـرما *** وإن كتموا عنك الحـديث فلا تسل
فإن الذي يؤذيك منــه سمــاعـــه *** وإن الذي قــالوا ورائـك لم يقـــل
• ونفس المؤمن الصافية لاتحبذ العيش في هذه الأجواء المحتدمة ، فضلاً عن تطلبها ، قال بعض السلف كما نقله النووي في (الأذكار ص 330 ) " قال بعضهم : مارأيت شيئاً أذهب للدين ، ولا أنقص للمروءة ، ولاأضيع للذة ، ولاأثقل للقلب من الخصومة" وكم من كلمات الغيبة التي يزينها الشيطان ، تحت رونـق النصح ومعرفة الواقع ، بينما هي في الحقيقة نفثات مصدور ، وتمضمض بالأعراض ، يكر على الحسنات فيفنيها . والله المستعان .
• ومما يلاحظ على بعض الدعاة ، عدم مراعاتهم لوقارهم وأعراف مجتمعاتهم فيأتون مايستهجن في بلدهم ، وإن لم يكن حراماً ، لكن الداعية الذي هو قدوة لغيره يأبى أن يكون مضغة في أفواه الناس ، ولايقولن لنفسه طالما أن هذا الفعل ليس بحرام فلا علىّ من الناس ! فإن الداعية قدوة ، وقد قال بعض السلف : لقد كنا نفعل أفعالا ، فلما أصبحنا قدوة للناس تركناها.
•والتفسخ في المجالس من ذوق الداعية
: فإذا أقبل أحد ، ولم يجد مكانا في المجلس ، فعلى من كان لديه مكان مناسب أن يفسح له في مجلسه " ياأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم "(15)
.
قال الأصمعي "كان الأحنف إذا أتاه إنسان وسّع له ، فإن لم يجد موضعاً تحرّك ليـريه أنه يوسّع له"(16).
وللزوجات نصيب من ذوق الداعية فهي صاحبته في طريق الدعوة ، فلنحسن التعامل معهن ، وتثني على حسن صنيعهن ، ونقلل معاتبتهن ، ونسرق الأوقات للبقاء معهن ومع الأولاد ، ونشعرهن بأنهن يشاركن في هذا الطريق ، بخدمة الضيوف ، والخلف في البيت وتربية الأولاد ، ومن الجفاء أن يظل الزوج يهدد زوجته دائما بالزواج عليها ، فليس ذلك من شأن الكرام .
وللأولاد نصيب من وقت الداعية فإن بعض أولاد الدعاة غير مهذبين ، وبلا ذوق أوحياء أو احترام للكبير حتى لكأنهم أولاد عوام ويتضح ذلك في القاموس الذي تحويه ألسنتهم من السباب والشتائم ، وربما تساهل الداعية في الزيارات لبعض الأقارب الذين لايربون أولادهم ، فيقبس منهم أولاد الداعية الخلق الرذيل ، وأبوهم مشغول بأولاد المسلمين ، وشبابهم.
• والداعية نسّاء للهفوات من إخوانه، ينسى الإساءة ، ويستغفر لإخوانه فإن بقي في صدره شيء صارح بها إخوانه ، والعجيب من بعض دعاة الإسلام حين ينقب عن زلات إخوانه ويحفظ هناتهم ، ويخزنها في صدره ، فما أن تأتي مناسبة حتى يخرج كشف الحساب بالتواريخ والأرقام ، يتذكر التفاصيل التي يترفع عن ذكرها كل ذي مروءة ، مما يشف عن نفس غير صافية.وفيه يصدق قول القائل :
فإن دحسوا بالشــر فاعف تكـرما *** وإن كتموا عنك الحـديث فلا تسل
فإن الذي يؤذيك منــه سمــاعـــه *** وإن الذي قــالوا ورائـك لم يقـــل
• ونفس المؤمن الصافية لاتحبذ العيش في هذه الأجواء المحتدمة ، فضلاً عن تطلبها ، قال بعض السلف كما نقله النووي في (الأذكار ص 330 ) " قال بعضهم : مارأيت شيئاً أذهب للدين ، ولا أنقص للمروءة ، ولاأضيع للذة ، ولاأثقل للقلب من الخصومة" وكم من كلمات الغيبة التي يزينها الشيطان ، تحت رونـق النصح ومعرفة الواقع ، بينما هي في الحقيقة نفثات مصدور ، وتمضمض بالأعراض ، يكر على الحسنات فيفنيها . والله المستعان .
• ومما يلاحظ على بعض الدعاة ، عدم مراعاتهم لوقارهم وأعراف مجتمعاتهم فيأتون مايستهجن في بلدهم ، وإن لم يكن حراماً ، لكن الداعية الذي هو قدوة لغيره يأبى أن يكون مضغة في أفواه الناس ، ولايقولن لنفسه طالما أن هذا الفعل ليس بحرام فلا علىّ من الناس ! فإن الداعية قدوة ، وقد قال بعض السلف : لقد كنا نفعل أفعالا ، فلما أصبحنا قدوة للناس تركناها.
•والتفسخ في المجالس من ذوق الداعية
: فإذا أقبل أحد ، ولم يجد مكانا في المجلس ، فعلى من كان لديه مكان مناسب أن يفسح له في مجلسه " ياأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم "(15)
.
قال الأصمعي "كان الأحنف إذا أتاه إنسان وسّع له ، فإن لم يجد موضعاً تحرّك ليـريه أنه يوسّع له"(16).
وللزوجات نصيب من ذوق الداعية فهي صاحبته في طريق الدعوة ، فلنحسن التعامل معهن ، وتثني على حسن صنيعهن ، ونقلل معاتبتهن ، ونسرق الأوقات للبقاء معهن ومع الأولاد ، ونشعرهن بأنهن يشاركن في هذا الطريق ، بخدمة الضيوف ، والخلف في البيت وتربية الأولاد ، ومن الجفاء أن يظل الزوج يهدد زوجته دائما بالزواج عليها ، فليس ذلك من شأن الكرام .
وللأولاد نصيب من وقت الداعية فإن بعض أولاد الدعاة غير مهذبين ، وبلا ذوق أوحياء أو احترام للكبير حتى لكأنهم أولاد عوام ويتضح ذلك في القاموس الذي تحويه ألسنتهم من السباب والشتائم ، وربما تساهل الداعية في الزيارات لبعض الأقارب الذين لايربون أولادهم ، فيقبس منهم أولاد الداعية الخلق الرذيل ، وأبوهم مشغول بأولاد المسلمين ، وشبابهم.
• والداعية نسّاء للهفوات من إخوانه، ينسى الإساءة ، ويستغفر لإخوانه فإن بقي في صدره شيء صارح بها إخوانه ، والعجيب من بعض دعاة الإسلام حين ينقب عن زلات إخوانه ويحفظ هناتهم ، ويخزنها في صدره ، فما أن تأتي مناسبة حتى يخرج كشف الحساب بالتواريخ والأرقام ، يتذكر التفاصيل التي يترفع عن ذكرها كل ذي مروءة ، مما يشف عن نفس غير صافية.وفيه يصدق قول القائل :
احــــذر مـــودة مــاذق شاب المرارة بالحلاوة
يحصي العيـــوب عليك أيام الصداقة للعـــداوة(17)
أما نفس الداعية صاحب ذي النفس السوية والذوق الرفيع فهي تقول :
يحصي العيـــوب عليك أيام الصداقة للعـــداوة(17)
أما نفس الداعية صاحب ذي النفس السوية والذوق الرفيع فهي تقول :
لاأنت قلت ولاسمعــــــت أنـــا هــــذا كــــــلام لا يليــــق بنــا
إن الكــــــرام إذا صحبتهمــــوا ستروا القبيح وأظهروا الحسنا
• والبعض يدير مجالسه كإدارة المؤسسات التجارية الربحية ، فيحاسب على القنطار والقطمير ، ولايقبل عذراً ولايتغاضى عن هفوة ، بل ربما تعمد إحراج بعض إخوانه ، وألجأه إلى الكذب حتى يخرج من بعض المواقف ، والكريم يتحاشى إحراج الأبعدين ، بله الأقربين :
إن الكــــــرام إذا صحبتهمــــوا ستروا القبيح وأظهروا الحسنا
• والبعض يدير مجالسه كإدارة المؤسسات التجارية الربحية ، فيحاسب على القنطار والقطمير ، ولايقبل عذراً ولايتغاضى عن هفوة ، بل ربما تعمد إحراج بعض إخوانه ، وألجأه إلى الكذب حتى يخرج من بعض المواقف ، والكريم يتحاشى إحراج الأبعدين ، بله الأقربين :
تســامـــح ولاتستــوف حقك كله *** وأبق فلم يستـــــوف قــــــط كــريم
ولاتعدفي شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصــــد الأمــــور ذميم
قال ابن الأثير عن صلاح الدين " بلغني أنه كان جالساً وعنده جماعة ، فرمى بعض المماليك بعضهم بسرموز (قشر موز) فأخطأته ، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته ، ووقعت بالقرب منه ، فالتفت إلى الجهة الأخرى ، يكلم جليسه ، ليتغافل عنها(18)"
.
وقد تفحم غيرك وتعلوه بالحجة لكنك لاتقنعه ، ومع ذلك فقد تملأ قلبه غيظا وحَنَقاً ، ويزداد الأمر شدة ، والجرح نكآءة ، حين يكون ذلك بمحضر من الآخرين ، ويظل الأمر يكبر في نفسه ، والشيطان يؤزه حتى يظهر هذا المخزون في أقرب فرصة على شكل نافورة تمج غلاً وكراهة وصاحبنا القاسي ، يفتح فمه ، دهشة وأسفاً.
• وكثرة الحديث عن النساء من الذوق النابي ، والمقصود كثرة مايدور في مجلس بعض النبلاء من ذكر التعدد ، والتفاخر به ، والتحدي لمن لم يعدد .قال الأحنف " جنبوا مجالسنا ذكر النساء و الطعام ، فإني أبغض أن يكون الرجل وصافا لبطنه وفرجه"
• والسخرية من أعمال الآخرين _خاصة _ الدعوية ، واستعمال كلمات مثل هذا العمل ،لعب ، وعبث ، ومضيعة للوقت ، سقطة لا تليق بالداعية. ولعل الله عز وجل قد اطلع إلى نية هذا المستهزأ به فقبل عمله القليل ، ويخشى على الآخر أن يكون ممن يدل بعمله ، فإن الشيطان يأتي للإنسان من طريق العجب أحياناً ، ثم إن المحافظة على مشاعر الآخرين واجب شرعاً ليس لأحد أن يتخفف من ذلك ، والتوجيه يكون برفق ومحبة ، يشعر بها الآخر ، وليس لأحد أن يقول : هذا أنا وهذه طباعي ، فلا تؤآخذوني ، أو يكون كما قال الشيخ الطنطاوي- على لسان (صلبي) - عن أهل الحضر:أنهم يسيئون إساءة العدو ، ويعتذرون اعتذار الصديق .(صور وخواطر ، مقالة:أعرابي في سينما).
قال د.عبد الله الرحيلي : وقد يزهد بعض الناس في التزام حسن الأدب والخلق مع أخيه ، بحجة أنه أخوه ، وليت شعري مع من يلزمه حسن الخلق إذن .(الأخلاق الفاضلة)
وهاك أخي القارىء كلمة عظيمة لابن حزم يحسن إيرادها في هذا المقام ، قال رحمه الله " لم أر لإبليس أصيد ولا أقبح ولا أحمق ، من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته :
إحداهما:
اعتذار من أساء بأن فلانا أساء قبله .
والثانية :
استسهال الإنسان أن يسيء اليوم لأنه قد أساء أمس . أو أن يسيء في وجه ما لأنه قد أساء في غيره (19)".
وهناك صنف من الناس يصوب نظره إلى عنصر الخير في الناس ، ويتعامل معهم على أساسه ، وينشره فيهم ، فهو كالنحل ، وهذا ممكن جداً فإن الخير مركوز في الفطر ، وربما كانت عليه غشاوة رقيقة ، من جهل أو سوء خلق . وصنف آخر يصوب نظره إلى عنصر الشر في الناس وإلى الرذائل فيهم ويتعامل معهم على أساسه وينشره فيهم ، فيؤذي نفسه ويؤذي الآخرين ، فهو كالذباب .فكن كالأول ، ولاتكن كالثاني.
وأخيرا فإن من الأمور المعينة على تحصيل هذه الذوقيات وأمثالها ما يلي
:1. المطالعة في كتب الأخلاق الإيمانية ، والطرق الإحسانية. مثل : مدارج السالكين ، ,وتهذيبها لعبد المنعم العزي، وصيد الخاطر لابن الجوزي، وإحياء علوم الدين مهذباً . وتلمس مثل هذه المعاني في دواوين السنة وسيرة المصطفي ، وسير النبلاء من أصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
.
2. المطالعة الأدبية في كتب الأدب ، والنظر في دواوين الشعر ، قديما وحديثاّ ، فإن أكثر الأدباء لهم أحاسيس رقيقة ، مكنتهم من اكتشاف الأذواق الرفيعة .
3. المخالطة الاجتماعية لأهل الفضل ، وأبناء العوائل الأصيلة ، والعلماء والكتاب ، وذوي الذوق حتى من غير أهل الالتزام ، والخروج من مجتمع الدعاة إلى المجتمع الواسع ، فإن في أشراف الناس بقية خير وافر ، وإن قصروا عن إدراك معنى الدعوة ، ولم يسلكوا درب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.والله الموفق.
--------------------------------------أهــم المراجـــع
1.من أدب الإسلام ، لعبد الفتاح أبو غدة،مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب.
2.فنون الذوقيات والاتيكيت الإسلامي،عبد الله البوسعيدي، دار ابن حزم.
3.تقرير ميداني ، محمد أحمد الراشد،سلسلة رسائل العين.
4.الأخلاق الفاضلة، د.عبد الله الرحيلي، دار المسلم.
5. مجتمع الذوق الرفيع ،د. يوسف العظم.دار القلم
--------------------------------------الهوامش
(1)- المصباح المنير،للفيومي.
(2)- مجتمع الذوق الرفيع ، د.يوسف العظم.
(3)- فنون الذوقيات ، البوسعيدي،ص8.
(4)- نزهة الفضلاء، د.محمد الشريف 2/835.
(5)- أنظر:الأخلاق الفاضلة، د.عبد الله الرحيلي.
(6)- رواه الترمذي ، وهو حديث حسن صحيح.
(7)- رواه الترمذي.
(7)- أخرجه الترمذي وأحمد.
(9)- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
(10)- من أدب الإسلام،لأبي غدة ص66 .
(11)- رواه البخاري في الأدب المفرد.
(12)- سورة النور:28.
(13)- سورة النحل:43.
(14)- الحلم ، لابن أبي الدنيا ص 32، وأخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ، للحمد ص 23.
(15) - المجادلة:11.
(16)- عيون الأخبار 1/306.
(17)- العزلة، للخطابي ص 193،194.
(18)- الكامل 9/225.
(19)- "الأخلاق والسير ص31.
المصدر : الإسلام اليوم
ولاتعدفي شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصــــد الأمــــور ذميم
قال ابن الأثير عن صلاح الدين " بلغني أنه كان جالساً وعنده جماعة ، فرمى بعض المماليك بعضهم بسرموز (قشر موز) فأخطأته ، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته ، ووقعت بالقرب منه ، فالتفت إلى الجهة الأخرى ، يكلم جليسه ، ليتغافل عنها(18)"
.
وقد تفحم غيرك وتعلوه بالحجة لكنك لاتقنعه ، ومع ذلك فقد تملأ قلبه غيظا وحَنَقاً ، ويزداد الأمر شدة ، والجرح نكآءة ، حين يكون ذلك بمحضر من الآخرين ، ويظل الأمر يكبر في نفسه ، والشيطان يؤزه حتى يظهر هذا المخزون في أقرب فرصة على شكل نافورة تمج غلاً وكراهة وصاحبنا القاسي ، يفتح فمه ، دهشة وأسفاً.
• وكثرة الحديث عن النساء من الذوق النابي ، والمقصود كثرة مايدور في مجلس بعض النبلاء من ذكر التعدد ، والتفاخر به ، والتحدي لمن لم يعدد .قال الأحنف " جنبوا مجالسنا ذكر النساء و الطعام ، فإني أبغض أن يكون الرجل وصافا لبطنه وفرجه"
• والسخرية من أعمال الآخرين _خاصة _ الدعوية ، واستعمال كلمات مثل هذا العمل ،لعب ، وعبث ، ومضيعة للوقت ، سقطة لا تليق بالداعية. ولعل الله عز وجل قد اطلع إلى نية هذا المستهزأ به فقبل عمله القليل ، ويخشى على الآخر أن يكون ممن يدل بعمله ، فإن الشيطان يأتي للإنسان من طريق العجب أحياناً ، ثم إن المحافظة على مشاعر الآخرين واجب شرعاً ليس لأحد أن يتخفف من ذلك ، والتوجيه يكون برفق ومحبة ، يشعر بها الآخر ، وليس لأحد أن يقول : هذا أنا وهذه طباعي ، فلا تؤآخذوني ، أو يكون كما قال الشيخ الطنطاوي- على لسان (صلبي) - عن أهل الحضر:أنهم يسيئون إساءة العدو ، ويعتذرون اعتذار الصديق .(صور وخواطر ، مقالة:أعرابي في سينما).
قال د.عبد الله الرحيلي : وقد يزهد بعض الناس في التزام حسن الأدب والخلق مع أخيه ، بحجة أنه أخوه ، وليت شعري مع من يلزمه حسن الخلق إذن .(الأخلاق الفاضلة)
وهاك أخي القارىء كلمة عظيمة لابن حزم يحسن إيرادها في هذا المقام ، قال رحمه الله " لم أر لإبليس أصيد ولا أقبح ولا أحمق ، من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته :
إحداهما:
اعتذار من أساء بأن فلانا أساء قبله .
والثانية :
استسهال الإنسان أن يسيء اليوم لأنه قد أساء أمس . أو أن يسيء في وجه ما لأنه قد أساء في غيره (19)".
وهناك صنف من الناس يصوب نظره إلى عنصر الخير في الناس ، ويتعامل معهم على أساسه ، وينشره فيهم ، فهو كالنحل ، وهذا ممكن جداً فإن الخير مركوز في الفطر ، وربما كانت عليه غشاوة رقيقة ، من جهل أو سوء خلق . وصنف آخر يصوب نظره إلى عنصر الشر في الناس وإلى الرذائل فيهم ويتعامل معهم على أساسه وينشره فيهم ، فيؤذي نفسه ويؤذي الآخرين ، فهو كالذباب .فكن كالأول ، ولاتكن كالثاني.
وأخيرا فإن من الأمور المعينة على تحصيل هذه الذوقيات وأمثالها ما يلي
:1. المطالعة في كتب الأخلاق الإيمانية ، والطرق الإحسانية. مثل : مدارج السالكين ، ,وتهذيبها لعبد المنعم العزي، وصيد الخاطر لابن الجوزي، وإحياء علوم الدين مهذباً . وتلمس مثل هذه المعاني في دواوين السنة وسيرة المصطفي ، وسير النبلاء من أصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
.
2. المطالعة الأدبية في كتب الأدب ، والنظر في دواوين الشعر ، قديما وحديثاّ ، فإن أكثر الأدباء لهم أحاسيس رقيقة ، مكنتهم من اكتشاف الأذواق الرفيعة .
3. المخالطة الاجتماعية لأهل الفضل ، وأبناء العوائل الأصيلة ، والعلماء والكتاب ، وذوي الذوق حتى من غير أهل الالتزام ، والخروج من مجتمع الدعاة إلى المجتمع الواسع ، فإن في أشراف الناس بقية خير وافر ، وإن قصروا عن إدراك معنى الدعوة ، ولم يسلكوا درب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.والله الموفق.
--------------------------------------أهــم المراجـــع
1.من أدب الإسلام ، لعبد الفتاح أبو غدة،مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب.
2.فنون الذوقيات والاتيكيت الإسلامي،عبد الله البوسعيدي، دار ابن حزم.
3.تقرير ميداني ، محمد أحمد الراشد،سلسلة رسائل العين.
4.الأخلاق الفاضلة، د.عبد الله الرحيلي، دار المسلم.
5. مجتمع الذوق الرفيع ،د. يوسف العظم.دار القلم
--------------------------------------الهوامش
(1)- المصباح المنير،للفيومي.
(2)- مجتمع الذوق الرفيع ، د.يوسف العظم.
(3)- فنون الذوقيات ، البوسعيدي،ص8.
(4)- نزهة الفضلاء، د.محمد الشريف 2/835.
(5)- أنظر:الأخلاق الفاضلة، د.عبد الله الرحيلي.
(6)- رواه الترمذي ، وهو حديث حسن صحيح.
(7)- رواه الترمذي.
(7)- أخرجه الترمذي وأحمد.
(9)- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
(10)- من أدب الإسلام،لأبي غدة ص66 .
(11)- رواه البخاري في الأدب المفرد.
(12)- سورة النور:28.
(13)- سورة النحل:43.
(14)- الحلم ، لابن أبي الدنيا ص 32، وأخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ، للحمد ص 23.
(15) - المجادلة:11.
(16)- عيون الأخبار 1/306.
(17)- العزلة، للخطابي ص 193،194.
(18)- الكامل 9/225.
(19)- "الأخلاق والسير ص31.
المصدر : الإسلام اليوم
تعليق