الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن بعض الدعاة للأسف الشديد يتعامل مع الشباب بسذاجة شديدة ، ويظن أنه بنصيحة عابرة يمكنه أن ينجب لنا صلاح الدين الأيوبي ، والواقع الأليم يشهد بأن مشكلات الشباب صارت من التعقيد بمكان بحيث لا تحتمل الدور الدعوي الهزيل الذي كنا نقوم به أيام كانت الفتن تمشي الهوينى ، بل يحتاج الأمر إلى معاجلة خاطفة ومعالجة راقية تتناسب طردا مع حجم الفتن التي يتعرض لها الشباب ، وقد قال الكثير من الشباب بأنهم كانوا على شفير جرف هار ، وكانوا يحتاجون إلى يد قوية وعزم أكيد يجتث لوثة الفجور من قلوبهم ولكنهم وجدوا برودة من بعض الدعاة في فهم حجم مشكلاتهم ، بل برودة في علاجها ، إلى القدر الذي حملهم على تفضيل المضي في الفجور عن أن يخوض تجربة نسك غير واضحة المعالم .
نعم .. إنه واقع أليم يجب أن نعترف به قبل أن نبدأ العلاج ، وإلا فلا علاج ، إننا على وشك الدخول في قول الله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } ، إن لم نكن دخلنا بالفعل .
وفي دعوة الشباب يجب أن يحدد المربي المراحل التربوية التي سيقوم بها مع الشاب ، ويحدد كل مرحلة متطلباتها ويتوقع مشكلاتها ، ولا يظل أسير ردود الأفعال والظروف ، ثم إن ذلك المربي يطور نفسه ويبحث كل يوم عن أفضل السبل للرقي بمستوى من يربيه ويعنى بشأنه .
ومن صفات المربي الصادق أن يعتقد أبوته لكل من يربيه ، فيسبغ عليهم من الشفقة والحرص مثل ما يسبغ على نسله بل أكثر ، وليس بمرب من يرى أبناءه صرعى الفتن والشهوات وهو عن ذلك عَمٍ وغافل .
إن المربي الصادق من يأرق في الليل من حال من أسرته فتنة ، ويضنيه رهق إيماني ألم ببعض من يربيه ، وتَهْمِي عبراته إذا رأى شبيبة الإسلام يتخنثون وعن نهج محمد صلى الله عليه وسلم يتنكبون .
وبإزاء أهمية وجود الطرح الإسلامي الموثّق يبرز دور الداعية المباشر في التربية ، وحرفته في التعرف على مشكلات الشباب وعلاجها وإثمار الطاقات الهائلة لديهم بما يعود بالنفع على الإٍسلام والمسلمين .
ومن المهم جدا أن يكون الداعية على بصيرة بواقع الشباب وبحقيقة مشكلاتهم وأسبابها والعلاجات المقترحة ، حتى لا يتعرض لمحاولات فاشلة أثناء أدائه الدور الدعوي مع الشباب .
ومن مقتضيات هذه البصيرة أن يكون الداعية المتصدر لدعوة الشباب لين المعشر واسع الصبر ، ذا شفقة بالغة وتحنان مؤثر ، عليما بمشكلات فترة المراهقة إجمالا ، خبيرا بما يدور في كواليس الشباب تفصيلا ، دقيق الملاحظة لما يسمعه ويراه ،
ماهرا بأساليب الاستنباط والتحليل لما لديه من معلومات ، لديه حظ وافر من فراسة المؤمن وإحساس الصادق المرهف الذي نادرا ما يخطئ له توسـم .
قد تداعب أيها القارئ وتقول : إنها صفات ساحر وليست صفات مرب ، فأقول :
أجل إن المربي أشبه ما يكون بساحر ، ولكنه السحر الحلال الذي أودعه الله في قدرات من امتلأ قلبه شفقة على حال المسلمين .
وجل الصفات المؤثرة التي في المربي تحصل بالاكتساب والدربة والخبرة والتجربة المتكررة ، والقليل هو الذي يحصل بالقواعد والعلوم – نظريها وعمليها – لأن المربي ليس كالطبيب الذي تعامل مع أدواء وأدوية معروفة ، وجسد يمكنه أن يكتشف ما فيه عبر الأشعات والتحاليل ، بل إنه يتعامل مع نفس وروح لا يمكن لأحد أن يزعم الإحاطة بما فيها ، لذلك فإن المربي يحتمي بأوامر الشرع التي هي زكاة للنفوس ولا ريب ، ويتسلح بالوحي المطهر دواء من كل داء روحي ، وحلا لكل مشكل اجتماعي نفسي ،
ولعل هذه الصفة هي التي تكسب المربي مصداقية لدى الخلق أكثر من مصداقية الطبيب ، لدرجة أن المربي قد يكتسب الأبوة الروحية بممارسة ذلك الدور الإصلاحي ، وإنها ولا شك منزلة هو حري بها ، فالمربي هو الذي يقود الإنسان إلى الله ،
ويعرفه به ، ويعالج له وساوس الصدر ، ويجمع عليه شتات الأمر ،
ولذلك اعترف السلف بفضل المربي ودوره في تبيين الدرب والطريق إلى الله فقال : لولا المربي ما عرفت ربي .
ولا شك أن هذه القضية تحتاج مصنفا خاصا بل مصنفات ، ولكننا نمر هنا على بعض القضايا المهمة والقواعد العامة التي ترشد إلى المطلوب ، وعلى الحصيف أن يقيس الغائب على الشاهد والخفي على الجلي ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
ونحب أن نشير هنا إلى ما يجب أن يهتم به المربي والداعي الذي يمارس دورا تربويا أو دعويا ما مع الشباب:
(1) وضوح فكرة الدعوة والتربية لدى الداعية والمربي ، وذلك عبر تصور واضح للمراحل التي سيمر بها مع المدعو ، ولا مانع أن تحتاج بعض تفاصيل العملية التربوية لتعديلات على حسب شخصية المدعو ، ولكن المهم أن ينبذ الدعاة الطريقة الارتجالية في التربية ، وذلك يستتبع بالضرورة تكثيف التحصيل العلمي حول شأن التربية ، ومشاورة أهل الخبرة ،
وتلقي النصيحة من المتخصصين .
وتلقي النصيحة من المتخصصين .
(2) إن أهم نقطة ترتكز إليها العملية التربوية هي فهم المُرَبى ، أي فهم شخصيته ، وسبر أغوارها ،
ومعرفة ميولاته ، وتشخيص عيوبه ، وحصر خصاله وأخلاقه الحميدة ،
والمقصود وضع خريطة نفسية له بحيث يسهل على المربي تناول هذه الشخصية بالتربية على بصيرة وهدى ، ولا يكون كالذي يخبط خيط عشواء ويجري التجارب تلو التجارب دون أن يكون هناك أساس علمي أو اتجاه تربوي أو خط دعوي معين يسير عليه . وكمثال نقول : إن كثيرا من الدعاة يبدأ عملية التربية الإسلامية دون أن يتعرف على مشكلات الشاب المدعو ، فيتعرض في مسيرته التربوية لأزمات انتكاس ، أو مصاعب كثيرة منشؤها أن مشكلات الشاب لم تعالج من البداية . فقد يكون ذلك الشاب يعاني أزمة أسرية مع أبيه أو أمه أو أخيه ، أو أنه يعاني قلقا نفسيا معينا ، أو أنه يعاني مشكلة الشهوة مثلا ،
فلا يستساغ أن نبادر إلى تحميله هم الإسلام والمسلمين دون أن نوجد الشخصية السوية التي تستطيع على الأقل أن تواجه مثل تلك المصاعب بإيمان واثق ويقين راسخ . إن عملية فهم شخصية الشاب معقدة جدا ، وقد تبنت بعض الدراسات النفسية عقد اختبارات نفسية لمعرفة مشكلات الشباب ، ولكنها ستبقى عديمة الفائدة إذا قام بها غير متخصص ، وستظل هذه الاختبارات في كل الأحوال ظنية النتائج لكثير من الاعتبارات التي لا يتسع المقام لذكرها . ولكن المربي الذي يتبنى نهجا إسلاميا يستغني عن هذه الاختبارات النفسية المعقدة بالاخوة الإيمانية ومبدأ المناصحة الذي يتسم بالشفافية من المنظور الشرعي . ولا شك أن الاخوة والنصيحة لن تتم على الوجه المطلوب إلا عبر اكتساب ثقة الشاب ، ويستلزم ذلك القيام بدور سابق على الدور التربوي وهو ما يمكن أن نسميه تأليف القلب ، وجذب الثقة ، وإزالة الحواجز النفسية . وبعض الدعاة يتعامل مع مشكلات الشباب بشيء من الغلظة والجفاء ، مما لا يناسب والدور التربوي الذي يقوم به ، والذي يستلزم عطفا وحنانا وشفقة . إن بعض الشباب قد يحتاج أبا فقده في البيت ،
أو صديقا وفيا لم توفره له المدرسة أو صحبة الجيران . قد يحتاج قلبا يحمل عنه بعض الهموم ، قد يحتاج عقلا ليفكر معه في بعض الحلول لبعض المشكلات . وقد يكون حل مشكلة أو بعض من عطف أو حنان أو صحبة صادقة كفيلة بأن تجعل ذلك الشاب كالظل للمربي ، والقاعدة : أن يتعرف المربي على الباب الذي يستطيع أن يدخل منه إلى قلب الشاب .
(3) تأجيل معركة المدعو مع أهله ، في شأن المنكرات التي قد تعترض طريق التزامه بالدين ، وهي معركة قد تكلفه الكثير إذا أصر على خوضها ، ونحن نعلم أن المجتمع المسلم يحوي الكثير من المنكرات التي صارت كالموروثات والعادات والتقاليد المقدسة ، ونعرف أن مثل هذه التقاليد لا يمكن أن تلتقي مع أحكام الشرع في طريق ، فناسب أن يقتنع بها المدعو كمرحلة أولى ، مع توفير بعض الوظائف الإيمانية لتثبيت كراهية المنكر في قلبه ، ومناصحته بالصبر على أهله ، وعدم التسرع في محاربة المنكرات التي تلبسوا بها . وقد تكون هناك بعض المنكرات التي لا تحتمل السكوت أو الصبر ، فيجب على المدعو أن يتخذ قرارا مصيريا في حياته ، ويجب أن يساعده المربي ومن ورائه الدعوة ، فنحن ملتزمون أمام الله تعالى بمناصرة المؤمنين ، ومد يد العون لهم والذب عنهم والمصابرة معهم في طريق الإيمان .
(4) إن من أهم ما يجب أن يتلقنه الشاب من أصول : طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واحترام أهل العلم . وهذه الأسس الثلاثة التي يجب أن يقوم عليها إيمان الشاب واجتهاده في الطاعة والدعوة . ويتأكد ذلك في عصرنا هذا الذي اضطربت فيه الأفكار ، وماجت المناهج بأهلها ، واختلط الحابل بالنابل ، فلا عاصم من هذا الهيجان الفكري إلا تلمس خطا العلماء المعتبرين ،
الذين شهدت الأمة لهم باستقامة النهج ، وكتب الله لهم القبول بين الخلق ، وذاع صيتهم بين الناس بالصلاح والتقوى ،
واستقر إجماع أهل المعرفة على علمهم وتمكنهم من تخصصات الشريعة .
(4) إن من أهم ما يجب أن يتلقنه الشاب من أصول : طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واحترام أهل العلم . وهذه الأسس الثلاثة التي يجب أن يقوم عليها إيمان الشاب واجتهاده في الطاعة والدعوة . ويتأكد ذلك في عصرنا هذا الذي اضطربت فيه الأفكار ، وماجت المناهج بأهلها ، واختلط الحابل بالنابل ، فلا عاصم من هذا الهيجان الفكري إلا تلمس خطا العلماء المعتبرين ،
الذين شهدت الأمة لهم باستقامة النهج ، وكتب الله لهم القبول بين الخلق ، وذاع صيتهم بين الناس بالصلاح والتقوى ،
واستقر إجماع أهل المعرفة على علمهم وتمكنهم من تخصصات الشريعة .
(5) يظن بعض الدعاة أن فترة ما بعد الالتزام ( التنسك ) أسهل مما قبلها ،
والحق أنها من أدق مراحل حياة الإنسان على الإطلاق ، وفيها يقول أهل السلوك : إن فساد النهايات من فساد البدايات .
وبداية حياة الإنسان يوم أن تتم معرفته بالله ، ويبدأ في سلوك طريق الآخرة . وأشد ما يكون الشاب محتاجا إلى الإرشاد والمعونة عندما يبدأ هذه المرحلة ، فليس الإشكال أن يصلي الشاب في جماعة ، ولكن أن يداوم على صلاة الجماعة ،
وليس الإشكال أن يحب الشاب سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويحرص على اتباع أحكامها ، ولكن الصعب هو أن يتعلق بها طوال حياته ، متمسكا بأهدابها ، منافحا عنها . إن وظيفة المربي الحقيقية تبدأ منذ أن وضع الشاب قدمه الأولى في طريق الالتزام .
إنه البناء الإيماني الجاد الذي يجب أن نحكم إعلاءه حتى نصون ذلك الشاب من خطر احتمالات الانتكاس . وهي الحال التي يشكو من انتشارها الكثير من الدعاة ، ويتساءلون عن سببها ، وعن علة تكررها في هذه الآونة .
وتبيان هذا الخطب أن الدور التربوي قد ضعف في هذه الآونة لقلة المربين ، وكثرة الملتزمين ، ولم يكن لنرَ هذه الانتكاسات في العقود السابقة ، أي بدايات الصحوة الإسلامية ، حيث وجد الكثير من القائمين بالدور التربوي ،
ولقلة عدد الملتزمين ، فكان الالتزام يحظى بالوفرة الكيفية لا الوفرة الكمية ، والعكس من ذلك هو الذي أحدث هذا الخلل الذي نراه ، فعلاجه إذا أن تحاول الدعوة توفير المربين القادرين والكافين للقيام بالدور التربوي التي تحتاجه الجموع الغفيرة من الشباب الذين ينتمون للصحوة المباركة يوما بعد يوم . ثم إنه يجب أن يقوم الدعاة بدور إصلاحي جذري للعملية التربوية التي يقومون بها ، وأن ترتكز عمليتهم التربوية إلى التجارب السابقة ، كما يجب على الدعاة أن ينحو بالتربية جانبا علميا ، فإننا لا ندعو العصاة للصلاة وحسب ،
بل إن دعوتنا ستواجه الشاب الملحد والعلماني والشيوعي والشهواني والمنبهر بالثقافة الغربية ، وستحتاج إلى غزو قلوب من يظنون أنفسهم مثقفين ومتنورين ، وسلاح الدعاة حينئذ علم قاهر ويقين ظافر ، والتعمق في معرفة طبيعة النفس البشرية ،
وطبيعة المجتمعات التي ندعو فيها تستلزم توسعا معرفيا فائقا ، قوامه البحث والتحليل والاستنتاج ، ولا مجال لأن نجفل أمام زحف الجاهلية ، وقد طرقت أفكار المدنية الغربية حصون الصحوة بجرأة ، وفرضت بعض النظريات العلمانية نفسها على الأطر الفكرية لكثير من المثقفين الإسلاميين ، حتى صرنا نسمع منهم من ينادي بدولة إسلامية تتبنى تعدد الأحزاب حتى لو كان منها أحزاب علمانية وشيوعية . إن أي خرق يتسع في سربال الصحوة فمنشؤه الفرار من الزحف الدعوي والفكري الذي يخوضه دعاة الصحوة ومفكروها ، وأي انهيار أو ثلم في جدار الصحوة فمأتاه من تقصير حماتها والمدافعين عنها من الرد على مدافع الجاهلية العتيدة . إن حالات الانتكاس المتكررة التي نشاهدها هي في نظري رد فعل بدهي لحالة الإفلاس التي يعانيها بعض الدعاة ، فأفلس معهم ذووهم ، وكان عاقبة أمرهم خسرا . وأي علاج نغفل فيه جانب العلم الرصين والمعرفة الواسعة والتحصين الثقافي الراقي يعد ترقيعا ببال وجبرا بمنكسر . والله الهادي إلى طريق الرشاد .
والحق أنها من أدق مراحل حياة الإنسان على الإطلاق ، وفيها يقول أهل السلوك : إن فساد النهايات من فساد البدايات .
وبداية حياة الإنسان يوم أن تتم معرفته بالله ، ويبدأ في سلوك طريق الآخرة . وأشد ما يكون الشاب محتاجا إلى الإرشاد والمعونة عندما يبدأ هذه المرحلة ، فليس الإشكال أن يصلي الشاب في جماعة ، ولكن أن يداوم على صلاة الجماعة ،
وليس الإشكال أن يحب الشاب سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويحرص على اتباع أحكامها ، ولكن الصعب هو أن يتعلق بها طوال حياته ، متمسكا بأهدابها ، منافحا عنها . إن وظيفة المربي الحقيقية تبدأ منذ أن وضع الشاب قدمه الأولى في طريق الالتزام .
إنه البناء الإيماني الجاد الذي يجب أن نحكم إعلاءه حتى نصون ذلك الشاب من خطر احتمالات الانتكاس . وهي الحال التي يشكو من انتشارها الكثير من الدعاة ، ويتساءلون عن سببها ، وعن علة تكررها في هذه الآونة .
وتبيان هذا الخطب أن الدور التربوي قد ضعف في هذه الآونة لقلة المربين ، وكثرة الملتزمين ، ولم يكن لنرَ هذه الانتكاسات في العقود السابقة ، أي بدايات الصحوة الإسلامية ، حيث وجد الكثير من القائمين بالدور التربوي ،
ولقلة عدد الملتزمين ، فكان الالتزام يحظى بالوفرة الكيفية لا الوفرة الكمية ، والعكس من ذلك هو الذي أحدث هذا الخلل الذي نراه ، فعلاجه إذا أن تحاول الدعوة توفير المربين القادرين والكافين للقيام بالدور التربوي التي تحتاجه الجموع الغفيرة من الشباب الذين ينتمون للصحوة المباركة يوما بعد يوم . ثم إنه يجب أن يقوم الدعاة بدور إصلاحي جذري للعملية التربوية التي يقومون بها ، وأن ترتكز عمليتهم التربوية إلى التجارب السابقة ، كما يجب على الدعاة أن ينحو بالتربية جانبا علميا ، فإننا لا ندعو العصاة للصلاة وحسب ،
بل إن دعوتنا ستواجه الشاب الملحد والعلماني والشيوعي والشهواني والمنبهر بالثقافة الغربية ، وستحتاج إلى غزو قلوب من يظنون أنفسهم مثقفين ومتنورين ، وسلاح الدعاة حينئذ علم قاهر ويقين ظافر ، والتعمق في معرفة طبيعة النفس البشرية ،
وطبيعة المجتمعات التي ندعو فيها تستلزم توسعا معرفيا فائقا ، قوامه البحث والتحليل والاستنتاج ، ولا مجال لأن نجفل أمام زحف الجاهلية ، وقد طرقت أفكار المدنية الغربية حصون الصحوة بجرأة ، وفرضت بعض النظريات العلمانية نفسها على الأطر الفكرية لكثير من المثقفين الإسلاميين ، حتى صرنا نسمع منهم من ينادي بدولة إسلامية تتبنى تعدد الأحزاب حتى لو كان منها أحزاب علمانية وشيوعية . إن أي خرق يتسع في سربال الصحوة فمنشؤه الفرار من الزحف الدعوي والفكري الذي يخوضه دعاة الصحوة ومفكروها ، وأي انهيار أو ثلم في جدار الصحوة فمأتاه من تقصير حماتها والمدافعين عنها من الرد على مدافع الجاهلية العتيدة . إن حالات الانتكاس المتكررة التي نشاهدها هي في نظري رد فعل بدهي لحالة الإفلاس التي يعانيها بعض الدعاة ، فأفلس معهم ذووهم ، وكان عاقبة أمرهم خسرا . وأي علاج نغفل فيه جانب العلم الرصين والمعرفة الواسعة والتحصين الثقافي الراقي يعد ترقيعا ببال وجبرا بمنكسر . والله الهادي إلى طريق الرشاد .
(6) إن المربي يجب أن يكون له دور مؤثر في توجيه المرَبى إلى العملية التعليمية التي تتخلل فترة التربية ، ويجب أن يهتم المربون بأمرين :
(1) كبح جماح الشباب في شراء الكتب والمراجع العلمية ، وحثهم على استشارة المتخصصين لدى الرغبة في شراء أي كتاب جديد .
(2) تنمية المهارات البحثية لدى الشباب ، ومساعدتهم في إجراء البحوث الميدانية النافعة ، بالتوازي مع الاهتمام بجانب العلوم الشرعيـة ، والتركيز على الجوانب التطبيقية .
(3)الاهتمام بجانب حفظ النصوص ، وبخاصة القرآن الكريم ، فالملاحظ تقصير الدعاة مع الشباب في هذه الناحية ،
مع أن المأمول من هؤلاء الشباب أن يكونوا خطباء الغد ودعاة المستقبل ، ولا شك أن عدة الداعية في محفوظاته المختلفة .
(7) إن الطاعة والعبادة من آكد القضايا التي يتأسس عليها التزام الشاب ، ويجب أن يعلم الشباب الملتزم أن النسك لا يتم لهم إذا تكاسلوا في جانب العبادات ، وأن اجتهادهم في العبادة دليل صدق السلوك ، ومن هنا وجب على الدعاة أن يلقنوا هؤلاء الشباب أسس العبادة الصحيحة وفقه الاجتهاد في العبادة ، وسياسة النفس عند الملال والتعب ، وأرحب ميدان يمكن تطبيق هذا المنهج من خلاله ميدان الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ، أو في المخيمات الصيفية التي يختلط الشباب فيها بالدعاة عن كثب ، وتكون التربية بالقدوة حينئذ من أكثر أساليب التربية تأثيرا .
(8) التربية على العزائم ، والحذر من مسلك المترخصين ، فالدعاة قادة المجتمع ،
واجتهادهم محل نظر العامة والخاصة ، فلزم أن يُرَبَّوا على معالي الأمور ، وتوطن نفوسهم على الصعب لا الذلول ،
وذلك في كل مجال يسلكه المربي مع من يربيه . ففي مجال العلم يجب أن يدرب الشاب على بعض العزمات في طلب العلم مثل الإقلال من الطعام والنوم ، وفي مجال العبادة يجب أن يتعاهد نفسه ببذل أقصى الطاقة في الاجتهاد ، ويكون ذلك بمثابة تمارين يلين بها قسوة قلبه بين الحين والحين ، ولا يليق أن يكون داعية المستقبل كثير الشكاية من طول صلاة التراويح في رمضان ، أو دائم التململ من كثرة الأبحاث التي أُلزم بإعدادها . بل ينبغي أن يتمرس على تلقي المهام الصعبة وتنفيذها دون شكاية .
(8) التربية على العزائم ، والحذر من مسلك المترخصين ، فالدعاة قادة المجتمع ،
واجتهادهم محل نظر العامة والخاصة ، فلزم أن يُرَبَّوا على معالي الأمور ، وتوطن نفوسهم على الصعب لا الذلول ،
وذلك في كل مجال يسلكه المربي مع من يربيه . ففي مجال العلم يجب أن يدرب الشاب على بعض العزمات في طلب العلم مثل الإقلال من الطعام والنوم ، وفي مجال العبادة يجب أن يتعاهد نفسه ببذل أقصى الطاقة في الاجتهاد ، ويكون ذلك بمثابة تمارين يلين بها قسوة قلبه بين الحين والحين ، ولا يليق أن يكون داعية المستقبل كثير الشكاية من طول صلاة التراويح في رمضان ، أو دائم التململ من كثرة الأبحاث التي أُلزم بإعدادها . بل ينبغي أن يتمرس على تلقي المهام الصعبة وتنفيذها دون شكاية .
(9) طاعة المربي من الصفات المهمة التي يجب أن تغرس في الشاب أول النسك ، ومنشأ هذه الطاعة الاحترام والتعظيم لمقام شيخه ومربيه ، وهذا مما يدعو له الإسلام ويحث عليه . ولا يليق بالملتزم أن يعامل مربيه معاملة العوام والسوقة ، واحترام العالم والشيخ والمربي مما يجلب البركة في العلم ويحدث عظيم الأثر في الانتفاع من الشيخ . ومن لوازم ذلك أن يفهم الشاب أن الشيخ بشر ككل البشر ، وليس بكامل في الصفات والأعمال ، وبالتالي فليس متصورا أن يكون معصوما من أي خطأ ، وأنه متى رأى خطأ فإن أمكن التأويل الشرعي السائغ تأول ، وإلا لزم أن يدعو الله بستر عيوب شيخه عنه ، وأن ينفعه بعلمه وقدوته .
(10) التوازن في المقاصد من أهم ما ينبغي مراعاته طوال فترة التربية الأولى ، فيجب على المربي أن يعنى بالجوانب التي ترطب القلب ، وتمنع عنه الإياس والقنوط ، فليس مشينا أن يمنح المربي من يربيه بعض الوقت للهو المباح ، وليس قادحا في المروءة أن يشاركهم الضحك والتبسم فيما لا يوقع في مأثم أو مغرم ، بل إن ذلك أدعى إلى انصهار المربَّى مع المربِّي ، وإفضائه لأسراره ومشكلاته لشيخه فيمكنه التداول معه في حلها وعلاجها . وكثير من المشايخ يقيم سياجا منيعا من الوقار والحشمة الزائدة التي تنقلب مع مرور الأيام إلى عتو ونفور . لقد كانت في أخوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبوته الحانية على الصحابة مثلا لكل مرب في منهج التربية ، وحري بكل مرب أن يهجر التكلف ويربي الشباب على عدم التكلف أيضا ، فالتكلف في كل أمر مذموم ، والمناسب أن يتعامل المربي مع الشباب من منطلق الأبوة الروحية التي تكسبه احتراما ووقارا تلقائيا ، ويبقى على المربي أن يزيل الجليد بعد ذلك بمداخلاته ومناقشاته ومحاولته لفهم الشاب الذي يريد أن يربيه .
المصدر:
إلى الهدى ائتنا
التربية على منهج أهل السنة والجماعة
رحلة مع أحبائي الشباب
علو الهمة
30 طريقة لخدمة الدين
تعليق