الموضوع منقول
قال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله فى كتاب مفتاح دار السعادة
ولما كانت طريق الاخرة وعرة على أكثر الخلق؛ لمخالفتها لشهواتهم ومباينتها لارادتهم
ومألوفاتهم،قل سالكوها، وزاهدهم فيها قلة علمهم، اوعدمه بحقيقة الامر.
وعاقبة العباد ومصيرهم
وما هيئوا له وهيء لهم فقل علمهم بذلكزواستلانوا مركب الشهوة والهوى على
مركب الاخلاص والتقوى وتوعرت عليهم الطريق، وبعدت عليهم الشقة، وصعب عليهم مرتقي عقابها وهبوط اوديتها، وسلوك شعابها. فاخلدوا الى الدعة والراحة،
وآثروا العاجل على الاجل. وقالوا: عيشنا اليوم نقد وموعودنا نسيئة.
فنظروا الى عاجل الدنيا، واغمضوا العيون عن آجلها، ووقفوا مع ظاهرها،
ولم يتأملوا باطنها، وذاقوا حلاوة مباديها وغاب عنهم مرارة عواقبها. ودر لهم ثديها فطاب لهم الارتضاع واشتغلوا به عن التفكر في الفطام، ومرارة الانقطاع. وقال مغترهم بالله،
وجاحدهم لعظمته وربوبيته متمثلا في ذلك
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... وأما القائمون لله بحجته خلفاء نبيه في امته: فانهم لكمال علمهم وقوته نفد بهم الى حقيقة الامر، وهجم بهم عليه. فعاينوا ببصائرهم ما عشيت عنه بصائر الجاهلين فاطمأنت قلوبهم به وعملوا على الوصول اليه لما باشرها من روح اليقين، رفع لهم علم السعادة فشمروا اليه واسمعهم منادي الايمان النداء فاستبقوا اليه واستيقنت انفسهم ما وعدهم به ربهم فزهدوا فيما سواه ورغبوا فيما لديه علموا ان الدنيا دار ممر لا دار مقر ومنزل عبور لا مقعد حبور وانها خيال طيف او سحابة صيف وان من فيها كراكب قال تحت ظل شجرة ثم راح عنها وتركها وتيقنوا انها احلام نوم او كظل زائل :
ان اللبيب بمثلها لا يخدع وان وصفها صدق في وصفها اذ يقول
ارى اشقياء الناس لا يسأمونها ... على انهم فيها عراة وجوع اراها وان كانت تحب فإنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع ... فرحلت عن قلوبهم مدبرة كما ترحلت عن اهلها موليه واقبلت الآخرة الى قلوبهم مسرعة كما اسرعت الى الخلق مقبلة، فامتطوا ظهور العزائم،وهجروا لذة المنام،
وما ليل المحب بنائم علموا طول الطريق وقلة المقام في منزل التزود؛ فسارعوا في الجهاز وجد بهم السير الى منازل الاحباب. فقطعوا المراحل، وطووا المفاوز.
وهذا كله من ثمرات اليقين فان القلب إذا استيقن ما أمامه من كرامة الله، وما أعد لأوليائه بحيث كأنه ينظر اليه من وراء حجاب الدنيا، ويعلم انه إذا زال الحجاب رأى ذلك عيانا زالت عنه الوحشة التي يجدها المتخلفون ولان له ما استوعره المترفون وهذه المرتبة هي أول مراتب اليقين، وهي علمه وتيقنه وهي الكشاف المعلوم للقلب؛ بحيث يشاهده ولا يشك فيه. كالكشاف المرئي للبصر.
ثم يليها المرتبة الثانية، وهي: مرتبة عين اليقين،
ونسبتها إلى العين كنسبة الأول إلى القلب. ثم تليها المرتبة الثالثة، وهي:
حق اليقين، وهي مباشرة المعلوم، وإدراكه الإدراك التام.
فالأولى كعلمك بأن في هذا الوادي ماء، والثاني كرؤيته، والثالثة كالشرب منه.
ومن هذا ما يروى في حديث حارثة وقول النبي صلى الله عليه و سلم
"كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا حقا قال إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا وشهواتها فاسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكاني انظر الى عرش ربي بارزا وكاني انظر الى اهل الجنة بتزاورون فيها والى اهل النار يتعاوون فيها فقال عبد نور الله قلبه"
الراوي : - | المحدث : ابن تيمية | المصدر : الاستقامة
الصفحة أو الرقم: 1/194 | خلاصة حكم المحدث : مرسل
فهذا هو هجوم العلم بصاحبه، على حقيقة الأمر ومن وصل إلى هذا استلان ما يستوعره المترفون، وأنس مما يشتوحش منه الجاهلون. ومن لم يثبت قدم إيمانه على هذه الدرجة؛ فهو إيمان ضعيف وعلامة هذا انشراح الصدر لمنازل الإيمان وانفساحه، وطمأنينة القلب لأمر الله، والإنابة إلى ذكر الله ومحبته،
والفرح بلقائه والتجافي عن دار الغرور. كما في الأثر (المشهور):
إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قيل: وما علامة ذلك؟
قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود،
والاستعداد للموت قبل نزوله. وهذه هي الحال التي كانت تحصل للصحابة عند النبي -صلى الله عليه و سلم- إذا ذكرهم الجنة والنار كما في الترمذي وغيره من حديث الجريري عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الاسدي -أنَّهُ مرَّ بأبي بَكْرٍ وَهوَ يَبكي ، فقالَ : ما لَكَ يا حَنظلةُ ؟ قالَ : نافَقَ حنظلةُ يا أبا بَكْرٍ ، نَكونُ عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ كأنَّا رأيَ عينٍ ، فإذا رجَعنا إلى الأزواجِ والضَّيعةُ نسينا كثيرًا قال فواللَّهِ إنَّا لكذلِكَ انطلِقْ بنا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه و سلَّمَ فانطلقْنا فلما رآهُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ : ما لَكَ يا حنظلةُ ؟ قالَ : نافقَ حنظلةُ يا رسولَ اللَّهِ ، نَكونُ عندَكَ تُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ كأنَّا رأيَ عينٍ ، رجَعنا عافَسنا الأزواجَ والضَّيعةَ ونسينا كثيرًا ، قالَ : فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : لَو تدومونَ على الحالِ الَّتي تقومونَ بِها من عندي لصافحَتكمُ الملائِكَةُ في مجالسِكُم ، وفي طرقِكُم ، وعلى فُرُشِكُم ، ولَكِن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً ساعةً وساعةً .
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي الترمذي أيضا نحوه من حديث أبي هريرة
نتابع ....
ولما كانت طريق الاخرة وعرة على أكثر الخلق؛ لمخالفتها لشهواتهم ومباينتها لارادتهم
ومألوفاتهم،قل سالكوها، وزاهدهم فيها قلة علمهم، اوعدمه بحقيقة الامر.
وعاقبة العباد ومصيرهم
وما هيئوا له وهيء لهم فقل علمهم بذلكزواستلانوا مركب الشهوة والهوى على
مركب الاخلاص والتقوى وتوعرت عليهم الطريق، وبعدت عليهم الشقة، وصعب عليهم مرتقي عقابها وهبوط اوديتها، وسلوك شعابها. فاخلدوا الى الدعة والراحة،
وآثروا العاجل على الاجل. وقالوا: عيشنا اليوم نقد وموعودنا نسيئة.
فنظروا الى عاجل الدنيا، واغمضوا العيون عن آجلها، ووقفوا مع ظاهرها،
ولم يتأملوا باطنها، وذاقوا حلاوة مباديها وغاب عنهم مرارة عواقبها. ودر لهم ثديها فطاب لهم الارتضاع واشتغلوا به عن التفكر في الفطام، ومرارة الانقطاع. وقال مغترهم بالله،
وجاحدهم لعظمته وربوبيته متمثلا في ذلك
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... وأما القائمون لله بحجته خلفاء نبيه في امته: فانهم لكمال علمهم وقوته نفد بهم الى حقيقة الامر، وهجم بهم عليه. فعاينوا ببصائرهم ما عشيت عنه بصائر الجاهلين فاطمأنت قلوبهم به وعملوا على الوصول اليه لما باشرها من روح اليقين، رفع لهم علم السعادة فشمروا اليه واسمعهم منادي الايمان النداء فاستبقوا اليه واستيقنت انفسهم ما وعدهم به ربهم فزهدوا فيما سواه ورغبوا فيما لديه علموا ان الدنيا دار ممر لا دار مقر ومنزل عبور لا مقعد حبور وانها خيال طيف او سحابة صيف وان من فيها كراكب قال تحت ظل شجرة ثم راح عنها وتركها وتيقنوا انها احلام نوم او كظل زائل :
ان اللبيب بمثلها لا يخدع وان وصفها صدق في وصفها اذ يقول
ارى اشقياء الناس لا يسأمونها ... على انهم فيها عراة وجوع اراها وان كانت تحب فإنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع ... فرحلت عن قلوبهم مدبرة كما ترحلت عن اهلها موليه واقبلت الآخرة الى قلوبهم مسرعة كما اسرعت الى الخلق مقبلة، فامتطوا ظهور العزائم،وهجروا لذة المنام،
وما ليل المحب بنائم علموا طول الطريق وقلة المقام في منزل التزود؛ فسارعوا في الجهاز وجد بهم السير الى منازل الاحباب. فقطعوا المراحل، وطووا المفاوز.
وهذا كله من ثمرات اليقين فان القلب إذا استيقن ما أمامه من كرامة الله، وما أعد لأوليائه بحيث كأنه ينظر اليه من وراء حجاب الدنيا، ويعلم انه إذا زال الحجاب رأى ذلك عيانا زالت عنه الوحشة التي يجدها المتخلفون ولان له ما استوعره المترفون وهذه المرتبة هي أول مراتب اليقين، وهي علمه وتيقنه وهي الكشاف المعلوم للقلب؛ بحيث يشاهده ولا يشك فيه. كالكشاف المرئي للبصر.
ثم يليها المرتبة الثانية، وهي: مرتبة عين اليقين،
ونسبتها إلى العين كنسبة الأول إلى القلب. ثم تليها المرتبة الثالثة، وهي:
حق اليقين، وهي مباشرة المعلوم، وإدراكه الإدراك التام.
فالأولى كعلمك بأن في هذا الوادي ماء، والثاني كرؤيته، والثالثة كالشرب منه.
ومن هذا ما يروى في حديث حارثة وقول النبي صلى الله عليه و سلم
"كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا حقا قال إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا وشهواتها فاسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكاني انظر الى عرش ربي بارزا وكاني انظر الى اهل الجنة بتزاورون فيها والى اهل النار يتعاوون فيها فقال عبد نور الله قلبه"
الراوي : - | المحدث : ابن تيمية | المصدر : الاستقامة
الصفحة أو الرقم: 1/194 | خلاصة حكم المحدث : مرسل
فهذا هو هجوم العلم بصاحبه، على حقيقة الأمر ومن وصل إلى هذا استلان ما يستوعره المترفون، وأنس مما يشتوحش منه الجاهلون. ومن لم يثبت قدم إيمانه على هذه الدرجة؛ فهو إيمان ضعيف وعلامة هذا انشراح الصدر لمنازل الإيمان وانفساحه، وطمأنينة القلب لأمر الله، والإنابة إلى ذكر الله ومحبته،
والفرح بلقائه والتجافي عن دار الغرور. كما في الأثر (المشهور):
إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قيل: وما علامة ذلك؟
قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود،
والاستعداد للموت قبل نزوله. وهذه هي الحال التي كانت تحصل للصحابة عند النبي -صلى الله عليه و سلم- إذا ذكرهم الجنة والنار كما في الترمذي وغيره من حديث الجريري عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الاسدي -أنَّهُ مرَّ بأبي بَكْرٍ وَهوَ يَبكي ، فقالَ : ما لَكَ يا حَنظلةُ ؟ قالَ : نافَقَ حنظلةُ يا أبا بَكْرٍ ، نَكونُ عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ كأنَّا رأيَ عينٍ ، فإذا رجَعنا إلى الأزواجِ والضَّيعةُ نسينا كثيرًا قال فواللَّهِ إنَّا لكذلِكَ انطلِقْ بنا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه و سلَّمَ فانطلقْنا فلما رآهُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ : ما لَكَ يا حنظلةُ ؟ قالَ : نافقَ حنظلةُ يا رسولَ اللَّهِ ، نَكونُ عندَكَ تُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ كأنَّا رأيَ عينٍ ، رجَعنا عافَسنا الأزواجَ والضَّيعةَ ونسينا كثيرًا ، قالَ : فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : لَو تدومونَ على الحالِ الَّتي تقومونَ بِها من عندي لصافحَتكمُ الملائِكَةُ في مجالسِكُم ، وفي طرقِكُم ، وعلى فُرُشِكُم ، ولَكِن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً ساعةً وساعةً .
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي الترمذي أيضا نحوه من حديث أبي هريرة
نتابع ....
تعليق