الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فإن خير طريق يسلكه الدعاة هو طريق النبيين عليهم صلوات الله وسلامه، ومن هذا المنطلق نقلت فوائد وعبر لطلب النصرة على طريق الحق. فهما كانت قوة الداعية يحتاج لنصير بل لأنصار.
ولقد أرشدتنا هذه الطريقة لفوائد عدة أهمها:
1- الإعلامُ بأنَّ الآياتِ الكونيَّة وإنْ كثُرت وعظُمت ليست مُفضِيَةً إلى الإيمان حتمًا، وإنَّما يكونُ الإيمان باستعداد المدعُوِّ إليه، وحُسن بيان الدَّاعي بعد توفيقِ الله تعالى وهدايتِه؛ كما في قوله سبحانه: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) (26) .
2- طلبُ النَّصر لإظهارِ الدَّعوة لله، موقفٌ من مواقفِ الرُّسل، وسُنَّةُ اللهِ في أنبيائه وأوليائه؛ كما في قوله: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ (27) ).
3- مِن قوله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} يُؤخذُ أنَّه ينبغي على الدَّاعيَة إذا اشتبه الأمرُ أنْ يَطلُبَ المخلِصين، وأنْ ينتدبَ الصَّفوةَ من القوم (28) .
4- لا بدَّ لحصول النَّصرِ مِن تحصيلِ سببِه، كما هي سُنَّة الله (29) ؛ كما في قول عيسى عليه السلام: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ).
1- لا بدَّ لكلِّ صاحبِ عقيدة ودعوةٍ مِن أنصارٍ ينهَضون معه، ويحمِلون دعوتَه، ويُحامون دونها، ويُبلِّغونها إلى مَن يَليهم، ويقومون بعده عليها (30) .
2- النَّصر لا يستلزم القتالَ؛ فالعملُ بالدِّين والدَّعوة إليه نصرٌ له (31) .
3- في قولِ الحواريِّين: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) بيانُ أنَّهم انخلَعوا وانفصَلوا من التَّقاليد السَّابقة, وأخَذوا بالتَّعليم الجديد، وسيَبذُلون مُنتهَى الاستطاعةِ في تأييده؛ فالنَّصر للهِ لا يكونُ إلَّا بذلك (32) .
4- يُؤخذُ من قوله تعالى: (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) أنَّ إشهادَ الإنسانِ على نفسِه بالإيمان أو بالإسلام أو ما أَشْبَه ذلك لا يُعَدُّ مِن الرِّياء، لا سيَّما في الاتِّباع؛ لأنَّ في ذلك فائدةً، وهي تقويةُ المتبوع (33) .
5- في توجُّههم لعقدِ البَيعةِ مع الله مباشرةً لَفْتَةٌ قيِّمة, وهي أنَّ عهدَ المؤمن هو ابتداءً مع ربِّه، ومتى قام الرَّسولُ بإبلاغه، فقد انتهتْ مَهمَّةُ الرَّسول من ناحيةِ الاعتقاد، وانعقدتِ البَيْعةُ مع الله (34) .
6- في قوله تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ) بيانُ أنَّه يجبُ أنْ يكونَ الإيمانُ شاملًا لكلِّ ما أنزَل الله (35) .
7- على المرءِ أنْ يُعلِنَ اتِّباعه للرَّسولِ بين أئمَّة الكفر؛ كيلَا يداهنَ في دِين الله؛ فالمداهنة في دِين الله والتَّقيَّةُ نِفاق في الواقع (36) ؛ كما في قوله: (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ).
8- في ذِكر الاتِّباع بعد الإيمان في قوله تعالى حِكايةً عن الحواريِّين: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 53]، بيانُ أنَّ العِلم الصَّحيح يستلزم العملَ، والعِلم الَّذي لا أثرَ له في العمل يُشبِهُ أنْ يكونَ مجمَلًا وناقصًا لا يقينًا وإيمانًا، وكثيرًا ما يظنُّ الإنسانُ أنَّه عالمٌ بشيء، حتَّى إذا حاول العملَ به لم يُحسِنْه، فيتبيَّن له أنَّه كان مخطئًا في دعوى العِلم (37) .
9- العِلم بالشَّيء يظلُّ مجمَلًا مبهَمًا في النَّفس حتَّى يعمل به صاحبُه، فيكون بالعمل تفصيليًّا, فذِكر الحواريِّين الاتِّباعَ بعد الإيمان يفيد أنَّ إيمانهم كان في مرتبةِ اليقين التَّفصيليِّ، الحاكم على النَّفس، المصرِّف لها في العمل، كما قال تعالى عن الحواريين أنهم قالوا: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 53] (38) .
10- يُؤخذُ من قوله تعالى: (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) الحرصُ على صُحبةِ الأخيار (39) .
11- في قوله تعالى: (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) بيانُ أنَّ المسلمَ المؤمن بدِين الله لا بدَّ أنْ يؤدِّيَ شَهادةً لهذا الدِّين تؤيِّد حقَّه في البقاء، وتؤيِّد الخيرَ الَّذي يحملُه هذا الدِّين للبشر.. وهو لا يُؤدِّيها حتَّى يَجعلَ من نفْسه صورةً حيَّةً لهذا الدِّين, ويَجعل منه قاعدةَ حياتِه، ونظامَ مجتمعِه، وشريعةَ نفسِه وقومِه (40) .
12- المكرُ في مقامِ المكرِ مَدْحٌ، وصفةُ كمال كما قال تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران: 54]، والمكرُ في غير موضعِه صفةُ نقص؛ لأنَّ المكرَ في غير موضعِه خيانةٌ، والخيانة صفةُ ذمٍّ (41) .
13- يَنبغي أنْ يُذكِّر الإنسانُ النَّاسَ بأحوال الأنبياء السابقين؛ لِما في ذلك من محبَّتِهم، والثَّناءِ عليهم، ومعرفةِ أحوالهم، وإبقاءِ ذِكراهم، وغير ذلك مِن المصالحِ العظيمة؛ كما في قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى) أي: واذكُرْ إذ قال الله
تعليق