قد عمل المسلمون على تطوير نظم البريد، حتى كانوا أول من ابتكر نقل الرسائل عن طريق طائر الحمام مما أحدث ثورة في سرعة نقل الرسائل ووصول المعلومات المهمة إلى كل الأصقاع.
-وما زالت المراسلات البريدية حتى عصرنا تلعب دورا اتصاليا مهما بين كل الشعوب، بل ما زالت البشرية تعتمد على نظام البريد العادي وسيلة في كثير من التعاملات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في عصر البريد الإلكتروني والهاتف النقال.
والمظنون أن البريد العادي سيظل متربعا على عرش وسائل الاتصال العادية، باعتباره الوسيلة التي تتيح للناس التعبير عما يجيش في قلوبهم بسهولة عبر سطر الكلمات.
ومع تطور نظم البريد العادي بين الدول أصبح بإمكان كل إنسان أن يراسل اي فرد أو هيئة في العالم متى توفر العنوان الصحيح، كما أن كثيرا من الدول والشركات الاستثمارية أشأت هيئات لنقل البريد السريع يضمن وصول الخطاب أو الطرد في مدة يسيرة جدا حتى لو كان المرسل إليه يسكن في أقصى العالم.
ولقد وجدت منظمة عالمية تسهل على الشباب من الجنسين التراسل عبر البريد، بحيث توفر العناوين والمعلومات المطلوبة بين الطرفين، وفي الغالب ما يتم التعارف بين فتى وفتاة من ذوي المراهقة، وفي الغالب أيضا ما يتم التعارف لأسباب تتنافى مع الشرائع السماوية، فما أشبه دور هذه المنظمة بدور القواد الذي يسهل الفجور لراغبيه.
وقد ظهر ان وراء هذه المنظمة هيئات دولية وأجهزة مخابرات تخطط لاصطياد الجواسيس وتجميع المعلومات عن دول معينة، ولا نريد أن نغالي -فنتهم بالشطط- فنقول: إنه مخطط عالمي لنشر الفجور بين شباب المسلمين.
وقد تنبه لخطورة المراسلات ودورها في توسيع دائرة التعارف مع الناس كل الكنائس العالمية، فأسست في هيئاتها الدعوية مكاتب خاصة للمراسلات، مهمتها مخاطبة الناس عن طريق الخطابات، وتجميع العناوين بكل السبل الممكنة، والتجاوب مع الشخصيات الفضولية، واستخدام طريقة الطعم في صيد الفريسة.
ولن نتمادى في سرد تفاصيل المكائد التي تحيكها الكنائس عبر المراسلات، فهو جزء من كيد التنصير الذي يعلمه كل داعية متتبع للواقع، ولكننا سنؤكد على الفائدة المستوحاة من هذه الطريقة، وهي ان قطاعا عريضا ممن يتخذون المراسلة هواية يمكنهم أن يسمعوا كلمة الحق إذا وجد من يحسن استغلال هذه الوسيلة.
كما أن المراسلة أضحت خير وسيلة للتبادل العلمي بين الأفراد، وعن طريق البريد الإلكتروني تستطيع الهيئات العلمية أن تتعاون في كل المجالات عبر التواصل المستمر والسريع على صفحات الإنترنت، وليس يخفى أن كثيرا من الجامعات والمعاهد صارت تمنح الدرجات العلمية للدارسين عن طريق المراسلة.
وفي البلدان الرأسمالية: تلجأ شركات الدعاية إلى الحصول على أسماء المواطنين بكل وسيلة ممكنة، كما أنها تنتقي الشرائح ذات الدخل المرتفعن ثم تقوم بإرسال خطابات تتضمن الدعاية لمنتجات معينة أو أسواق تجارية معينة مع إرفاق الصور الإيضاحية المطبوعة بأعلى مستوى من طرق الطباعة.
ولا يمكن لتلك الشركات الدعائية أن تلجأ لهذه الوسيلة ما لم تكن قد أجرت دراسات إحصائية دقيقة على أساسها استعملت وسيلة المراسلات في الدعاية.
وقد فطن اللاعبون في المجال السياسي هذه الأهمية، فصارت الأحزاب التي تتنافس على الحكم في الأنظمة الديمقراطية التي تتبع نظام الانتخاب الحر تقوم بإرسال الخطابات إلى كل المواطنين في الدوائر التي يتنافسون فيها لأجل كسب أصواتهم.
ويبرز دور المراسلة في إشعار الجهات التي يتم مراسلتها بوجود رأي عام موحد في مسألة معينة، وتتبلور أهمية تكوين هذا الرأي العام الموحد في تصعيد موقف الدعوة الإسلامية تجاه استنكار بعض الممارسات الإعلامية بما يشعر تلك الأجهزة أن ممارستها لا تغضب فئة المتدينين فقط، بل إنها بالإصرار على ممارساتها ستغضب الرأي العام الذي تخدم اتجاهاته ومشاعره.
وقد قامت بعض الهيئات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية بحملة مراسلة ضد شركة مشروبات استخدمت الكعبة المشرفة في إحدى إعلاناتها التسويقية، فما كان من تلك الشركة إلا أن قدمت اعتذارها للمسلمين وسحبت هذا الإعلان ولم تجز عرضه بعد ذلك. ومن المواقف المشابهة ما حدث من بعض الصحفيين ذوي الاتجاه العلماني أنهم بمجرد أن تصلهم رسائل احتجاج على بعض الممارسات اللادينية في المجتمع من جهات مختلفة فإنهم يسارعون إلى المشاركة في استنكار تلك الممارسات لشعورهم أن ذلك يستجلب ود الرأي العام لهم، ومن سبر الممارسة الصحفية لكثير من الجرائد والمجلات لاحظت أن الإعلام الصحفي يتأثر كثيرار بالتجاوب الذي يبديه القراء مع تلك الصحيفة أو المجلة، وذلك عبر الرسائل التي تصل إليهم بالبريد.
لذلك، فإن مما يجدر بالدعوة الإسلامية أن تهتم به وتوليه عناية جليلة: وسيلة المراسلات الدعوية؛ فبها يمكن توسيع مستوى الشرائح التي تخاطبها الدعوة، وخلخلة أي حصار يمكن أن يفرض عليها من قوى الطغيان. وبإمكان الدعوة أن توجد رأيا عاما إذا استطاعت أن تجعل من هذه الوسيلة نمطا دعويا مدروس الأبعاد.
وغن أهم خطوة يجب أن تتخذ لتطبيق هذه الوسيلة أن يوجد الأفراد المهتمون بهذه الوسيلة والمستعدون لمواجهة كل مصاعبها، إذ لا شك أنها وسيلة تتطلب جهدا وتفرغا واسع المدى.
والدعوة الإسلامية إذا كانت تقوم بها هيئة منظمة ذات إمكانيات مادية، فأحرى بها أن تؤسس مكتبا للمراسلات يتبعها يقوم بالدور الدعوي المنوط به، بحيث يتفرغ هذا المكتب كليا لهذه الوسيلة.
أما على مستوى المناطق التي لا تسعفها الظروف في إيجاد دعوة منظمة، فليس من العسير حينئذ أن يتعاون على أداء هذا الدور بعض الدعاة، بحيث يتناوبون في توزيع المهمات والدوار فيما بينهم.
تعليق