الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده، إمام المرسلين وسيد الأولين والآخرين وصاحب الخلق العظيم، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أمـــا بعـــد..
فيا أمة الإسلام، ويا أمة القرآن؛ أين ذهبت أخلاقنــا؟!
فَأَخْــلاقنــا في أزمــة، وأزمتُنــا هِيَ سُـــوءُ الْأَخْــلَاق
أخلاقنا في عِلَّةٍ، وكَمْ مِنَ الْعِلَلِ تُدَاويهَا الْأَخْلَاق
فأين ذهبت أخلاقنا؟!
أين ذهبت أخلاقنا الحسنة؛ امتثالا لأمر الله تبارك وتعالى، واقتداءً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم؟!
أين نحن من قول الله تعالى:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} النحل: 90
وقوله تعالى:
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف: 199
وقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} الحجرات: 6
فتلك بعضٌ من الآيات القرآنية الدَّالَّة على وجوب التخلق بالأخلاق الحسنة.
وكذلك فقد أنزل الله سبحانه آيات تنهى عن الأخلاق المذمومة، منها قوله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿١١﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ
وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴿١٢﴾ } الحجرات
ولو لم يكن للخُلُقِ الحسن ومكارم الأخلاق أهمية بالغة في حياة المسلم وسلوكه، بل هو الأساس تأصيلًا؛
لَمَــا زكَّىَ الله تعالى سيد الأولين والآخرين بالخُلق العظيم في قوله جلَّ وعلا:
{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }
صلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يارسول الله.
و لَمَــا قال صلى الله عليه وسلم:
"إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالحَ الأخلاقِ" [1]
و لَمَــا قال صلى الله عليه وسلم:
"إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" [2]
ولأننا أمة اتباع وليس ابتداع، ولأننا خير أمة أخرجت للناس؛
حَريٌّ بنا ولِزامًا علينا الخضوع لأوامر الله، واتباع رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
نقتدي به، ونهتدي بهديه، ونسير على هدي صحابته رضوان الله عليهم.
أحري بنا أخوة الإيمان والإسلام أن نُهذِّبَ أخلاقنا ونُحسِّنها، وأول من يجب عليه ذلك هم الـدُعـــــاة؛
لأنَّ الدعوة إلى الله تعالى عنوانها الأخلاق!!
فالدعوة إلى الله طريقنا، نخطوه بحسن أخلاقنا
وإلَّا؛ كيف ندعو الناس وأخلاقنا لا تستقيم مع دعوتنا لهم؟!
كيف نُحفِّزَهُم للعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وخَـالِــقِ النَّــاسَ بِخُـلُـــقٍ حَـسَــــنْ"، و أخْلاقُنا عكس ذلك؟!!
لذا فإنَّ أول خطوة لصلاح أحوال الأمة يجب أن تكون بالدعوة الخالصة إلى الله تعالى، على يدِ دُعَاة يعرفون هذه القيمة وقدرها تمام المعرفة.
فيجب على كل داعية البدء بتهذيب أخلاقه أولا، ثم دعوة الناس بأفعاله الظاهرة ثانيًا،
وأخيرًا بقوله لهم وتبليغهم ما أمر الله تعالى به، وما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم به.
فكم سمعنا وقرأنا عن سلفنا الصالح الذين أثَّروا في غير المسلمين بتصرفاتهم وأفعالهم المُبيّنه تمامًا لحسن الأخلاق،
فدخل كثير من الناس الإسلام طواعية وحبًا في هذه الأخلاق واقتناعا بأنها مرتبطة فقط بالإسلام والمسلمين.
و من هنا، من هذا القسم الطيب العطر بأخلاق الإسلام، والذي نزداد ونتزود منه بالخيرات،
من هنا.. من قسم زاد الداعية.. هذه دعوة إلى الجميع وإلى كل داعية..
هَيـَّــــا بِـنـَــا نُرَسِّخ في نفوسنا قواعد العمل الدعوي بأهم قاعدة، ألا وهي التخلق بالأخلاق الحسنة.
فكلنا دعاة إلى الله تعالى، كما قال ربنا تبارك وتعالى:
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ} آل عمران: 110
وكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:
"بلِّغوا عنِّي ولو آيةً" [3]
هَيـَّــــا بِـنـَــا نُخَطِّط معًا تخْطِيطًا إيمانيًا يتضمَّن كيفيَّة تعلُّم ومعرِفَة الأخْلَاقِ الحَسَنَة، شَامِلَةً ومُتكَامِلةً؛
لنصِلَ جميعا بأمر الله تعالى إلى هذه الغاية السامية:
العــــودة إلى أخــلاقنـــا الإســلاميـــة
فلنبدأ بعون الله المستعان، ونستعين به سبحانه على ذلك؛ لنتعرف أولا على هذه الأخلاق، وكأننا نقرأ عنها من جديد!!
نتعلمها جيدا، ونُطبقها على أنفسنا، ثم نُعلِّمها للناس بقدر ما نستطيع.
لكن جمع أنواع الأخلاق الإسلامية والحديث عنها في موضوع واحد ليس بيسير، والأمر سيطول بنا؛
إنما أسلوب التعرف والمعرفة سيوفقنا الله له بفتحٍ من عنده، وبحوله وقوته ومشيئته وقُدرته، الذي يُيسِّر بفضله طريق العلم لِمَن طَلَبَهُ..
ولأنَّــه مَنْ أرَادَ العِلَمَ فَلْيَتعَلَّمْ؛ فَدَعُونِي أعْرِضُ عَليْكُمُ الْخُطُوط الْعَرِيضَة لأسْلُوبِ الحَدِيثِ عَنِ الْأَخْلَاقِ الإسْلَامِيَةِ، وحَصْرِ أنْوَاعِهَا:
أولًا: عرض بعض الكتب التي شملت الحديث عن الأخلاق الإسلامية؛ لنقرأها ونستفيد منها بأمر الله تعالى،
تجدونها مُجمَّعة للتحميل بصيغة الوورد في هذا الموضوع: دعوة للتزود والتعرف على أخلاقنا الإسلامية
ثانيا: ما سأنقله لحضراتكم بأمر الله تعالى من بعض المراجع، وذلك بتصرف شديد؛
لتحصيل أكبر قدر من الفائدة في عناوين رئيسية وشرح يسير؛ نستجمع منها الخطوط العامة إن شاء الله.
وأبدأ مع حضراتكم بعرض الخطوط الرئيسية للمعرفة، مُفهرسَةً كالآتي، في المشاركات القادمة بإذن الله:
تبدأ أولا: بمقدمة وتمهيد،
ثم بداية الحديث عن سوء الخلق، من حيث:
التعريف بسوء الخلق
________________________
علاج سوء الخلق
______________________
1- حسن الخلق وفضائله
2- أسباب اكتساب حسن الخلق
ثانيا: عرض شامل للأخلاق الإسلامية، يبدأ:
..
ثم تصنيف الأخلاق بأنواعها إلى:
____________________________________
1- الأخلاق المحمودة؛ للتخلق بها.
2- الأخلاق المذمومة؛ للابتعاد عنها.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، ورزقنا وإياكم التخلق بالأخلاق الإسلامية،
ووهبنا ورزقنا وإياكم علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وعملًا صالحًا متقبلًا،
ورزقنا وإياكم الإخلاص في القول وفي العمل.
[1] صححه الإمام ابن باز في: مجموع فتاوى ابن باز-الصفحة أو الرقم: 215/2
[2] صححه الإمام الألباني في: السلسلة الصحيحة-الصفحة أو الرقم: 45
[3] صححه الإمام ابن تيمية في: مجموع الفتاوى-الصفحة أو الرقم: 30/205
تعليق