الثبات والمرونة في الدعوة
• ثبات على الغايات والأهداف.
• ومرونة في الوسائل والأساليب.
• وثبات على الأصول والكليات.
• ومرونة في الفروع والجزئيات.
• وثبات على القيم الدينية والأخلاقية.
• ومرونة في الشؤون الدنيوية والعلمية[1].
وبتدبر أحداث الفتح يظهر عدة مواقف برزت فيها هذه الخصيصة، وهي الجمع في التعامل مع المدعوين بين الثبات والمرونة، والتي إذا تأملها الداعية تبين له كذلك حدود مراعاته لأحوال المدعو، وتردد ذلك بين الثبات الذي لا مجال للتغيير فيه، وبين المرونة وسعة الأمر، ومن تلك المواقف التي تمثل الثبات:
• المبادرة إلى إزالة الأصنام المحيطة بالكعبة، وإزالة معالم الشرك، فعقيدة التوحيد هي الأساس الثابت الذي لا تردد فيه، وتمثلت المرونة في تركه صلى الله عليه وسلم حرية الدخول في الإسلام وعدم إكراه الناس عليه، كما سمح بذلك لصفون بن أمية رضي الله عنه مدة أربعة أشهر[2].
• موقفه من المرأة المخزومية، ورفضه تعطيل حدود الله وقد وجبت إقامتها، ببلوغها الإمام، رغم علمه بحرص قريش على عدم القطع،( خوفا من لحوق العار وافتضاحهم بها بين القبائل)[3].
وتمثلت المرونة في حثه صلى الله عليه وسلم على العفو عن الحدود قبل بلوغها الإمام، ومحاولة درئها([4])، فقد روي: (أن صفوان بن أمية رضي الله عنه قيل له: إنه إن لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن أمية المدينة، فنام في المسجد، وتوسد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده. فقال صفوان: إني لم أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( فهلا قبل أن تأتيني به))[5].
وهذا يدل على جواز عفوه عنه، بل وأفضلية ذلك بشرط عدم وصولها للإمام، قال ابن عبد البر رحمه الله: ( لا أعلم خلافًا أن الشفاعة في ذوي الذنوب، حسنة جميلة، ما لم تبلغ السلطان، وأن على السلطان إذا بلغته أن يقيمها)[6].
إن المرونة في دعوة الناس لحملهم على الالتزام بمبادئ الإسلام، وترغيبهم في ذلك بشتى الوسائل، شيء مرغوب فيه، أما إذا تعلق الأمر بالمساومة على مبادئ الدعوة، وتغيير حقائقها، فينبغي حينئذ للداعية أن يقف وقفة صارمة صحيحة، وإفهام المدعوين أن الله غني عن العالمين، وأن دخولهم في الدعوة تكريم لهم، وتشريف لمقامهم، وليس تشريفا للدعوة، وقد قال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [7]،[8]والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتنازل أمام المبادئ الثابتة، لكنه صلى الله عليه وسلم يبين الرخصة إذا كان في الأمر متسع لها.
[1] بتصرف، الخصائص العامة للإسلام ص 204.
[2] سبق تخريجه ص 138.
[3] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 14/ 231 ح 6788.
[4] كما في الحديث: (( تعافوا الحدود بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) سنن أبي داود كتاب الحدود باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان 4/ 133 ح 4376، ومما أثر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله:( لو لم أجد للسارق، والزاني، وشارب الخمر، إلا ثوبي، أحببت أن أستره عليه) المصنف: عبد الرزاق الصنعاني 10/ 227 ح 18931.
[5] سبق تخريجه ص 319.
[6] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 14/ 232 ح 6788.
[7] سورة الكهف جزء من آية 29.
[8] بتصرف، مباحث في التفسير الموضوعي ص 236.
المصدر: الألوكة
تعليق