الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
معاشر دعاة الإصلاح:
إن من المعلوم أن هذا الدين قد قام بعد توفيق الله تعالى وعونه على أيدي أناس قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ونذروا أنفسهم، ابتغاء مرضات الله وطاعته، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولذا فتحوا الأمصار، وتشرّف التاريخ بتخليد ذكرهم ومآثرهم على مر العصور.
وأغلب أولئك طائفة من الشباب الذين نشؤوا وترعرعوا على طاعة الله، تدفق الإيمان في قلوبهم تدفق الدم في العروق، والنبي معهم بقلبه وقالبه، يعلمهم ويوجههم، حتى استطاع بفضل الله تعلى ثم بجهاده وجهادهم أن يبلّغ رسالة ربه أتم بلاغ، فبلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلى الله وسلم وبارك عليه وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
يامعاشر الدعاة
لما كان الشباب هم عماد الأمم، وعليهم أو بسببهم تقوم الأمم أو تهبط، حرص عليهم النبي ، واهتم بشأنهم، وخصّهم بالذكر في أحاديث كثيرة، فأوصاهم بحفظ الفروج وصيانتها عما حرّم الله تعالى فقال: { يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء } [أخرجه الشيخان عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه] وجاء الأمر بذلك؛ لأن في الزواج عفة للطرفين، وفيه الاستغناء بالحلال عن الحرام، وفيه تكثير لأمة محمد .
ومن وصايا النبي لشباب أمته: حثه على النشأة في طاعة الله ثبت في الصحيح عنه أنه قال: { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله } ومن ضمن أولئك { شاب نشأ في طاعة الله }.
ومن حرصه على شباب أمته أنه حذرهم من التفريط في ذلك العمر؛ لأنه زمن القوة والاكتمال، أخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : { اغتنم خمساً قبل خمس ـ وذكر منها ـ وشبابك قبل هرمك } فعدّ رسول الله زمن الشباب غنيمة، وحث على تداركها قبل فواتها؛ وذلك لأن تلك المرحلة يستطيع العبد أن يحصّل فيها ما يعجز بعد فواته.
ومن حرص الشارع الحكيم على تلك المرحلة أنه بين أن العبد مسؤول عنها بعينها، لعظم شأنها. عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : { لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟.. } إلخ الحديث، [أخرجه الترمذي].
يامعاشر الدعاة
لما كانت مرحلة الشباب أخصب مراحل العمر، ومنها يبني المرء شخصيته، ويشق طريقه في معترك الحياة، اغتنم الصحابة شبابهم في خدمة الإسلام وإعلاء كلمته، والمتأمل في مجتمع شباب الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعجب من صادق عزمهم وعلو همتهم، فلقد كان الواحد لا يدخر وسعاً في تقديم النفع للإسلام على حسب طاقته وقدرته.
فمعاذ وابن مسعود وسالم رضي الله عنهم كانوا من القرآء، فكانوا مدارس لإقراء القرآن وتعليمه.
وزيد بن ثابت كان من كتاب الوحي وممن يجيد فهم لغة اليهود فكان ترجماناً لهم.
وعمرو بن سلمة على صغر سنه كان إذا حضرت الصلاة يَؤُم قومه ولا يُؤَم، لضبطه وحفظه كثيراً من آي القرآن الكريم.
وتميز عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما بشدة عنايته بكتابة السنة وتحريرها.
ومالك بن الحويرث يقول: أتينا إلى النبي ونحن شببه متقاربون.. إلى أن قال: فقال :
{ ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم.. } جاؤوا فتعلموا وعلموا، فكانوا رسل تعليم إلى أقوامهم.
وأما في مجال الجهاد والقتال فشجاعة ورباطة جأش لا مثيل لها، فقد فعلوا أموراً تسبق أعمارهم بمراحل كثيرة ولكن:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسامقال سعد بن أبي وقاص رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله يوم بدر يتوارى، فقلت: مالك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج؛ لعل الله أن يرزقني الشهادة.
قال: فعرض على رسول الله فاستصغره فرده، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ست عشرة سنة.
ولم يقف الحد عن مشاركتهم في الغزو فحسب، بل وصل بهم الأمر أن يكونوا رؤوساء في البعوث والسرايا بأمر النبي . فكان عكاشة بن محصن أميراً على أربعين رجلاً في سرية إلى الغمر، وزيد بن حارثه أميراً على سرية الحموم، وعمرو بن العاص أميراً على ثلاث مائة من المهاجرين والأنصار في ذات السلاسل، وأما أسامة بن زيد فكان من القادة الأفذاذ، فعلى صغر سنه إلا أنه تولى قيادة جيش فيه من يفوقه علماً وعمراً.
شاهد المقال: أن أولئك كانوا صغار الأعمار كبار الأقدار، علم الله صدق إيمانهم وإخلاصهم فرفع شأنهم وأعلى مكانتهم.
فكانوا مُثُلاً عُلياً يحتذي بهم المسلمون عامة وناشئهم خاصة، فرضي الله عنهم وجمعنا بهم في دار كرامته، إنه تعالى سميع مجيب.
تعليق