عاشوراء بين زوال الطغاة ونجاة الدعاة
خميس النقيب
شبكة الألوكة
مع بزوغ هلال المحرم من كل عام، يقف أهل الحق يأخذون العبرة، ويستلهمون النصرة، ويسترشدون المعنى، في طريقهم إلى الله يتعلمون الدرس، فيجدد فيهم النشاط، ويبعث فيهم الحماس، ويزرع فيهم الأمل، ويحثهم على العمل، ينير لهم الطريق، ويمنحهم ثبات عميق،
ويدفعهم إلى السير الحثيث إلى الله... يهون عليهم مشاق الدنيا وأهوال الحياة..!!
في اليوم العاشر من المحرم كتب الله النجاة لموسى عليه السلام الداعي إلى الله واحد اولياء الله من أولي العزم من الرسل وهلاك فرعون أكبر أعداء الله من الطغاة والذي أفسد الحياة، ذهب ومن معه غرقًا ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 92]
كيف؟ أسرى موسى بقومه من بني إسرائيل ليلاً هربًا وفرارًا من بطش فرعون وتنكيله حتى وصل البحر، فأتبعهم فرعونُ بجنوده بغيًا وعدوًا، فكان البحر من أمامهم والعدوُّ من خلفهم، حتى أوشك اللحاق بهم والقضاء عليهم، حتى ظنَّ أصحابُه أنهم لمُدركون،
لكنَّ استشعارَ المعية الإلهية والثقة العالية ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]
فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه البحر فانفلق حتى جمد الماء واتخذ موسى من البحر طريقًا يبسًا، سار عليه هو وقومه فنجوا جميعا. ثم استعرض فرعون البحر بجيشه الجرَّار العتيد، حتى إذا جاوزه موسى وقومه..!!
وأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر ثانية حتى يذهب يبسه لكن الله نصحه "اترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون" وكانت إرادة الله أفضل بكثير من إرادة موسى عليه السلام، حيث أراد موسى أن يفصل البحر بينهما فقط
وأراد الله أن يغرق فرعون ومن معه فيخلص البلاد من فساده وينجي العباد من عناده واستبداده،
وإذا فرعون وسط البحر تحول الماء رهوا وغرق هو وجنوده، الماء الذي نجى الله به موسى أغرق به فرعون، إنما نجَّاه الله ببدنه فقط ليكون عبرةً لمن يعتبر وذكرى لمن يتذكر وعظة لمن يتعظ بها كلُّ جبارعنيد متكبِّر في الأرض.
واتخذ اليهودُ هذا اليوم (العاشر من المحرم عيدًا) تعبيرًا عن فرحتهم بنجاتهم من فرعون وبطشه، وتخلصهم من ظلمه وفساده، وذلك بصيامهم هذا اليوم يوم عاشوراء، وكان من هدْي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أن أمر المسلمين بصيامه "نحن أولى بموسى منكم"؛ وتمييزًا للأمة الإسلامية كان من هدي النبي أن يُصام يومٌ قبله أو بعده.
وفي عهد النبوة المحمدية، لما رأت قريش أمر رسول الله - أعظم الدعاة إلى الله - يعلو، وصيته - صلى الله عليه وسلم - يتصاعد أجمعوا على أن يتعاقدوا على بنى هاشم، وبني عبد المطلب، وبني عبد مناف، أن لا يبايعوهم ولا يناكحوهم،
ولا يكالموهم، ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم محمد، وكتبوا بذلك الصحيفة وعلقوها في سقف الكعبة. طغيان غائر وعصيان غادر وحصار سافر...
حُبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه في الشعب - شعب ابى طالب - ليلة هلال محرم سنة سبع من البعثة، وبقوا محبوسين، مضيقا عليهم جدا، مقطوعا عنهم المؤنة نحو ثلاث سنين، حتى بلغوا الجهد حتى أكلوا أرواق الشجر، وسمع أصوات بكاء صبيانهم من وراء الشعب. وعمل أبو طالب قصيدته اللامية المشهورة،
لكن فرج الله كان قريبا وأمر الله كان عجيبا حيث أرسل الله سبحانه وتعالى الأرضة على الصحيفة، فأكلت جميع ما فبها من جور، وقطيعه، وظلم، إلا ذكر الله عز وجل لم تمسه،
وانتهى الحصار بعد أن ظهرت آية الله وتدخل أصحاب المروءة والنخوة من قريش حتى ولو لم يكونوا مسلمين، فكوا هذا الحصار وازدهرت بعدها دولة الاسلام وملكت الشرق والغرب بفضل الله تعالى، فهل من مروءة ونخوة بقيت مع مسلمي اليوم لينصروا المظلومين ويجبروا المستضعفين؟!!.
الفراعنة الطغاة - إذن - يتسلحون بالطغيان ويمنحون الأذون؟ ﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71]
لكن هل قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف؟ هل صلبهم في جذوع النخل؟ هل بقي هو ومن معه؟!!
كلا وإنما ذهب مع حاشيته ملعونا في دنياه مقبوحا في أخراه مطرودا من رحمة الله ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ [القصص: 42]
أما الدعاة إلى الله فيتسلحون بالإيمان، وهو إلى بقاء وأصحابه دائما في نعماء كيف؟ سحرة فرعون حولهم الإيمان من عبيد له إلى أسياد يتحدونه قائلين ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 72، 73] ونحن نتعبد بموقفهم في القرآن تلاوة وترتيلا، عزا ونصرا، حياة وثباتا، حفظا ونجاة..!! شهر المحرم يأتينا ليعلمنا أن أصحاب الحق أسياد بحقهم وسينتصرون بإذن الله،
أما أهل الباطل فهم عبيد لباطلهم سيزهقون مع باطلهم ويهزمون مع عنادهم ويولون الدبر.. ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]..
الطغاة إلى زوال والدعاة إلى الله إلى نعيم لا ينفد وجنان لا تنتهي وفضل من الله لا يحول ولا يزول
تعليق