بر الوالدين
أبدأ بالصلاة مسلما على محمد خير نبي أرسل، أما بعد:
من سنة الله في هذه الأرض أن خلق من كل شيء زوجين اثنين سواء كان ذلك في الإنسان أو الحيوان؛ قال الله تعالى : "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
ومن ثم تتكاثر المخلوقات وتصير شعوبا وقبائل، وكان آدم وحواء عليها السلام أول زوجين في هذه الأرض، بعدما أراد الله أن يجعل خليفة فيها.
ويعتبر بذلك آدم أبونا الأول وحواء أمنا الأولى لأن البشرية إبتدأت من نسلهما.
فكان لكل طفل أب وأم، لا يعرف سواهما منذ أن فتح عينيه في هذه الدنيا، فكان أول طعام تغذى به هو حليب أمه، وأول يد أمسكت يده هي يد أمه أو أبيه، وأول صدر ضمه هو صدر أمه.
أما الحيوان فإن ماتت أمه مات هو أيضا، لأنه لن يجد من يرعاه ويتكفل بتربيته حتى يبلغ أشده.
ومذ أن يأتي هذا المخلوق الصغير الضعيف إلى هذا العالم، تتغير حياة الزوجين ويصبح كل اهتمامهما طفلهما، لا راحة... ولا نوم، وتبدأ صفة التضحية تظهر عليهما، تضحية بالمال... بالصحة... بالوقت... فقط لأجل إبتسامة ترسم على وجه هذا الصغير.
وما أن يكبر هذا الطفل يسلك مع هذين الوالدين أحد الطريقين؛ إما سيكون بارا بهما مُقرا بفضلهما حريصا على راحتهما يحاول أن يرد ولو جزءا صغيرا من الجميل والتضحية التي كانت لأجله.
وإما عاقا مُنكرا جاحدا، يقابل الحسنة بالسيئة، لايرحم ضعفهما ولا كبر سنهما، كَبُرَ شبرا فأصبح يرى نفسه محقا في كل شيء... معتمدا على نفسه... لا يحتاج إليهما... أصبح مستقلا ينظر إلى الأمام متجاهلا أساسه الذي بُني عليه... متناسيا فضل من أطعمه وسقاه وعلمه بعد الله تعالى ليصبح شخصا ناضجا متعلما سليما.
يالها من صفة !!!!!!!!
أولم يعلم هذا الإنسان أنه كما تدين تدان ،وسيأتي يوم يفعل أبناؤه مثلما فعل هو بوالديه، فإن كان خيرا وجد خيرا وإن كان شرا فلن يُجزى إلا مثله.
وأما ديننا الحنيف فقد حث على معاملة الوالدين بالإحسان والمعاملة الحسنة في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
فقد أوجب بر الوالدين وحرم العقوق وجعله من الكبائر والعياذ بالله.
قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...) [متفق عليه].
وجعل للبَارّ بوالديه أجرا عظيما:
فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة قلت من هذا ؟ فقالوا : حارثة بن النعمان ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كذلكم البر كذلكم البر [ وكان أبر الناس بأمه ] )
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: ( الصلاة على وقتها) قال: ثم أي؟ قال: ( بر الوالدين ) قال ثم أي؟ قال: ( الجهاد في سبيل الله )
وقصة إسماعيل عليه السلام من القصص العظيمة التي عكست لنا بره بوالده إبراهيم عليه السلام، وقد كان ذلك إبتلاءا عظيما لكليهما:
كان إسماعيل -عليه السلام- غلامًا صغيرًا، يحب والديه ويطيعهما ويبرهما.
وفي يوم من الأيام جاءه أبوه إبراهيم -عليه السلام- وطلب منه طلبًا عجيبًا وصعبًا؛ حيث قال له: { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102] فرد عليه إسماعيل في ثقة المؤمن برحمة الله، والراضي بقضائه: { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }
[الصافات: 102].
وهكذا كان إسماعيل بارًّا بأبيه، مطيعًا له فيما أمره الله به، فلما أمسك إبراهيم -عليه السلام- السكين، وأراد أن يذبح ولده كما أمره الله، جاء الفرج من الله -سبحانه- فأنزل الله ملكًا من السماء، ومعه كبش عظيم فداءً لإسماعيل، قال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [الصافات: 107].
وعلى المسلم البار بوالديه أن يبرهما في حياتهما وبعد موتهما أيضا؛ ويكون ذلك :
بأن يدعو لهما بالرحمة والمغفرة، وينَفِّذَ عهدهما، ويكرمَ أصدقاءهما.
يحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: (نعم. الصلاة عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) [ابن ماجه].
فما أجمل أن يتحلى الولد بطاعة والديه وأن يرحم ضعفهما في كبرهما ويرعاهما، وكأنهما طفل صغير يعاملان بكل لطف ورقة بعدما بلغا الكبر وشاب شعر الرأس ووهن العظم وكثرت الأمراض وانتكست الصحة، فمن بهما غير طفلهما الذي ضاع العمر والصحة والمال لأجله.
أفلا يستحقاان بعض الرعاية منك وهما في أشد الحاجة إليك !!!!!!!!!
تعليق