الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والإيمان وكفى بها نعمة، الحمد لله الذي أرسل رسوله للعالمين هاديًا ورحمة..
الحمد لله الذي أنزل على نبيه العدنان، كتاب فيه من الحجة والبيان والبرهان، هداية للعباد بفضله سبحانه العزيز الرحمن،
صلَّى عليك الله وسلَّم يا حبيبي يا رسول الله، يا من بلَّغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وكشفت الغمة، وعلى آلك وصحبك وسلَّم.
وبعد..
فإنَّ ربنا سبحانه وتعالى قد حذَّرنا يوم الدِّين، وذكَّرنا قيام الساعة، وقال:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ *
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} الحـج:1-2.
ذلك يوم الدين، الواقعة، الحاقة، الطامة، القارعة، يوم الفصل، يوم الدين، يوم الحساب والجزاء، يأخذ الناس حقوقهم، ويحاسبون على أعمالهم،
فويل لمن حوسب الحساب العسير، وهنيئاً لمن كان حسابه يسير.
إنَّ المؤمن قوَّام على نفسه، يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنَّما خفَّ الحساب يوم الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا،
وإنما شقَّ الحساب على قوم أخذوها من غير محاسبة. *
فهيا معًا نتطرق إلى الكلام عن ثاني أركان الإسلام، عماد الإسـلام وأحـد أركانـه العظام،
نحاسب أنفسنا أولًا بأول؛ أملًا في النجاة يوم الحساب. قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
(أولُ ما يحاسبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ؛ الصَّــلاةُ ، فإنْ صَلَحَتْ ، صَلَحَ سائِرُ عَمَلِه ، و إنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سائِرُ عَمَلِه) [1]
فالصلاةُ صِلَةٌ بين العبد وربِّه؛
إِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَنَجَا يَوْمَ الْقِيَامَة، وإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَـابَ وخَسِرَ وَنَدِمَ أَشَدَّ النَّدَامَة.
أعاذنا الله وإياكم من الخيبة والخسران.
لذا فمن الآيات الواجب الوقوف عندها -فهمًا جيدًا وتدبرًا وعملًا- فورًا دون تأخر؛ آيات فرضِيّة الصلاة وثوابها.
ولاشك أن كلنا يعي هذا الأمر بفضل الله ويعمل به؛
لكن دعونا نقرأ بعض الآيات -كمثال- بتأمُّل وتفكُّر أكثر؛ لفهمٍ أَسْعَى بلوغه معكم بأمر الله تعالى، ولنقرأ معًا قوله تعالى:
{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} النساء: 103
هذه الآية خلاصة معناها:
إنَّ الصلاة كانت على المؤمنين فرضًا مُحدَّدًا بأوقاتٍ لا يجوزُ مُجاوُزتِها؛ بل لا بُدَّ من أدائها في أوقاتها سفرًا وحَضَرًا، وأمنًا وخوفًا.
والآن أطلب من حضراتكم فتح المصاحف عند سورة النساء بدءًا من الآية: 101 وحتى آواخرها -هذه الآية (103)-،
وقراءئتها بتدبر؛ فقد تضمنت هذه الآيات أمر الله بالصلاة في الثلاثة أحوال الآتية:
1- عند مشقة السفر، صلاة القصر................................................... .........................
2- أثنـــاء الحــــرب، صلاة الخـــــوف................................................... .........................
3- عند الاطمئنان والسكون، في أماكن الإقامة -دون سفر أو حرب-،
..........بأداء الصلاة على وجهها، وإتمام أركانها وشروطها وآدابها وخشوعها.
ومعلوم أن آيات فرضية الصلاة كثيرة ومتعددة؛ حيث أمرنا الله بأدائها في كل أحوال العباد، إلَّا من رُفِع عنهم القلم.
وأكرر لكم قولي بأننا جميعًا -ولله الحمد- نعلم جيدًا فرضيَّة الصلاة التي عليها مدار قبول الأعمال من عدمه؛
لكن ما أرمي إليه -وهذا معلوم أيضًا- أنَّ أداء الصلاة واجبٌ وفرضٌ على الجميع في جميع الحالات:
في السكون، وفي المرض، وفي الســــفر، وفي أشد الأحوال وأصعبها أثناء الحرب؛
فالأمر الإلهي هو المحافظة على الصلاة، المحافظة عليها وإقامتها في أوقاتها؛
أولًا، وكما أمر في قوله سبحانه، بأنها كتابًا موقوتًا،
أي: مفروضا في وقته، فدلَّ ذلك على فرضيتها، وأنَّ لها وقتا لا تَصِحُّ إلا به،
وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:
"صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي" [2]
..
.ودلَّ قوله تعالى:{عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} على أن الصلاة ميزان الإيمان.
وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته وتتِمّ وتكْمُل.
ثانيًا: المحافظة على أدائها دون تفريط، والتشديد على ذلك؛
كما تدبرنا قوله سبحانه في الآيات السابقة من سورة النساء. والآيات التي أمر الله فيها بالمحافظة على الصلاة كثيرة؛ نأخذ منها كمثال، قوله تعالى:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} البقرة: 238
يأمر سبحانه بالمحافظة على الصلوات عمومًا وعلى الصلاة الوسطى، والمحافظة على أدائها بوقتها وشروطها وأركانها وخشوعها،
وجميع ما لها من واجب ومُسْتَحبّ، وبالمحافظة على الصلوات تَحْصُلُ المحافظة على سائر العبادات، وتُفيد النهيِّ عن الفحشاء والمنكر خصوصًا إذا أكملها؛
كما أمر بقوله {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أي: ذليلين خاشعين، ففيه الأمر بالقيام والقنوت والنهي عن الكلام، والأمر بالخشوع، هذا مع الأمن والطمأنينة.
وقد أكثر العلماء على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصــر، لأنها تقع في وسط الصلوات الخمس،
إذ قبلها اثنتان وبعدها اثنتان، ولأنها وسطٌ بين صلاتي النهار، وصلاتي الليل،
فمعنى التوسط فيها واضح، ولأنها مظنَّة التقصير لمجيئها بعد وقت الظهيرة الذي يكون في الغالب وقت كسل.
واستدَلّوا في ذلك-كمثال-؛ بما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
كُنَّا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الخَندَقِ، فقال:
"ملَأ اللهُ قبورَهم وبيوتَهم نارًا، كما شغلونا عن الصلاةِ الوُسطى حتى غابَتِ الشمسُ". وهي صلاةُ العصرِ. [3]
و بما رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال:
حَبسَ المشركونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن صلاةِ العصرِ. حتَّى احمرَّتِ الشمسُ أوِ اصفرَّتْ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
"شغلونا عن الصلاةِ الوُسطى صلاةِ العصرِ. ملأ اللهُ أجوافَهم وقبورَهم نارًا، أو قال:"حشا اللهُ أجوافَهم وقبورَهم نارًا". [4]
أمَّا الإمام القرطبي؛ فقد قال في تفسيره:
..
واختلف الناس في تعيين الصلاة الوسطى على عشرة أقوال. [5]
ثم استعرض هذه الأقوال بأسانيدها، فقال:
..
( الأول ) أنها الظهر
( الثاني ) أنها العصر
( الثالث ) إنها المغرب
( الخامس ) إنها الصبح
( السادس ) صلاة الجمعة
( السابع ) إنها الصبح والعصر معا
( الثامن ) إنها العتمة -العشاء-، والصبح
( التاسع ) أنها الصلوات الخمس بجملتها
( العاشر ) إنها غير مُعيَّنَة، فخبأها الله تعالى في الصلوات،
كما خبأ ليلة القدر في رمضان، وكما خبأ ساعة يوم الجمعة، وساعات الليل المستجاب فيها الدعاء؛ ليقوموا بالليل في الظلمات لمناجاة عالم الخفيات.
وإذا راجعنا هذه الأقوال جيدًا؛ فكلُّ ما يجب علينا الأخذ به بأعلى درجات الإهتمام والتيقظ ومداومة العمل عليه؛
القول التاسع والقول العاشر،
ذلك أنَّ مراد الله من عباده المؤمنين هو المحافظة على الصلاة في أوقاتها، وأن الصلاة هي ميزان الإيمان، وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته وتَتِمّ وتَكْمُل.
فما يهمنا ويجب علينا فرضًا؛ هو أداء الصلاة على أوقاتها، كما أمر ربنا تبارك وتعالى، وكما بلَّغنا رسوله صلى الله عليه وسلَّم:
"أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ الصلاةُ لوقتِها ، ثم بِرُّ الوالدَينِ ، ثم الجهادُ في سبيل اللهِ" [6]
ولنتأمل أمر الله لعباده بالمحافظة على الصلاة، ثم نتأمل ثواب الله للمؤمنين بما شاء لهم من خيري الدنيا والآخرة.
فعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته وتتِمّ وتكْمُل.
إنَّه الإيمـَـــــــان يا عباد الرحمن..
فلنتأمَّل ما افتتح الله به صفات المؤمنـين الواردة في سورة المؤمنون، بقولـه سبحانه وتعالى:
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ،
واختتمهـا بقوله عـز وجـل:
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} ،
ثـمَّ عقَّـبَ علـى هـذه الصِفـات بقولـه سـبحانه:
{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
ولنتأمَّل أيضًا -بكل الحذر- جزاءُ من يُقَصِّر في المحافظة على الصلاة، في قوله تعالى:
{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ﴿٤﴾ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿5﴾} الماعون
أي:فهلاك شديد، وعذاب عظيم للملتزمون لإقامة الصلاة، ولكنَّهم عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ
أي: مُضيِّعون لها، تاركون لوقتها، مُفوِّتون لأركانها، وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضَيَّعوا الصلاة، التي هي أهمُّ الطَّاعات وأفضل القُرُبات،
والسَّهْوُ عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذَمُّ واللَّوْم؛ وأما السَّهْو أثناء الصلاة، فهذا يحدث مع الجميع؛ ولاحرج.
سُئِلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عنِ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ؟ قال: "إضاعَةُ الوَقتِ" [7]
هذا ما أودُّ الإشارة إليه؛ أهمية فهم النصوص الشرعية جيدًا، والجمع بينها؛ قرآنًا وسُنَّة،
بما يوصلنا بتوفيق الله للإمتثال لأوامره سبحانه وتعالى؛ في جميع أوقاتنا، سكناتنا وحركاتنا
نمتثل له سبحانه بدون ذرَّة تفريط؛ بداية من أهم العبادات دون البحث والتحري عن أي صلاة مكتوبة نحافظ عليها أكثر من غيرها؛
فالفروض الخمس لها أهمية في آدائها جميعها على أوقاتها، والمحافظة عليها مادمنا نتنفس ونحيا.
فلنحذر عباد من التكاسُلِ والكَسلِ والتَّهاوُنِ في أداءِ فرضٍ واحدٍ فيما تبقى من أعمارنا بأمر الله تعالى؛
فالتَّهَاوُنُ أشدُّ الأدْوَاء مُصيبة على العبد؛ مِثالًا لذلك ما تدَبَّرناهُ في سورة الماعون، وأيضًا -كمثال- مَا قالهُ النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
"مَن ترَكَ ثلاثَ جُمعٍ ، تَهاونًا بِها طبعَ اللَّهُ علَى قلبِه" [8]
قال المناوي رحمه الله:
" (طبع الله على قلبه) أي: ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه، وجعل فيه الجهل والجفاء والقسوة، أو صيَّر قلبه قلب منافق ". [9]
لذلك لو دققنا وتدبرنا قوله تعالى:
{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} الجمعة: 9
فهذا أمر صريح للمؤمين؛ مشروط بالنداء لصلاة الجمعة -الأذان والإعلام بوقت حلولها-،
وجواب الشرط: السعي للصلاة، وترك البيع
(وَذَرُوا)؛ أي: اترُكوا، فالنهي عن البيع وقت صلاة الجمُعة للتحريم.
وعموم المعنى هو: ترك البيع والشراء وسائر أنواع المعاملات، وفي الآية دليل على وجوب حضور الجمعة واستماع الخطبة.
فالواجب على كل مسلم أن يحافظ على الصلاة بشروطها وأركانهـا وواجباتها ، وأن يتجنب ما يبطلها أو ينقص منها.
فعجبًا لعباد يحافظون على الخمس صلوات ويقَّصِرون في الخروج لصلاة الجمعة!!
وعجبًا لعباد يحافظون على صلاةِ الجُمَعِ بشدَّةٍ ولا يحافظون على الصلوات الخمس!!
والعجبُ كُلّ العجب في عبادٍ لا يؤدُّونها مُطلقًا!!
عافانا الله وإياكم من التفريط.
وجعلنا وإياكم من المؤمنين المقيمين للصلاة المحافظين عليها، والمؤدِّين لجميع ما فرضه الله علينا.
__________________________________________________ ______________
* مقدمة: كيف نحاسب يوم القيامة، للشيخ محمد صالح المنجد
مراجع التفسير:
السعدي
الوسيط
_____________
[1] الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني-المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 376
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره
[2] صححه الإمام الذهبي في تنقيح التحقيق-الصفحة أو الرقم: 1/164
[3] أخرجه البخاري - الصفحة أو الرقم: 6396
[4] أخرجه الإمام مسلم-الصفحة أو الرقم: 628
[5] فضلًا؛ راجعوا كلام الإمام القرطبي في تفسيره، واقرأوا التفاسير الأخرى للإفادة إن أمكنم ذلك بتوفيق الله لكم.
[6] صححه الإمام الألباني في: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 164
[7] الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث: البيهقي-المصدر: السنن الكبرى للبيهقي-الصفحة أو الرقم: 2/215
خلاصة حكم المحدث: صحيح موقوف و[فيه] عكرمة بن إبراهيم ضعفه ابن معين.
[8] صححه الإمام الألباني في صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 1368
[9] إقـــــــرأ حكم من ترك ثلاث جمع عمدا (متن الحديث وتخريجه وشرحه)
تعليق