يا مؤخر التوبة
عباد الله إن العبد في هذه الحياة عمره فيها لحظات، إن قضاها في طاعة مُنَّ عليه بخير، ورُزِق نعيم الأبد، وإن تغافل وأعرض، مُنِىَ بشقوة الأبد، ولذلك كان لزاماً على العبد أن يعقل عمره، وأن يعرف قدره، وأن يعلم أن مكانه عند الله عز وجل عظيم، إن اتقاه، وأن مكانه عند الله مهين، إن عصاه، فالطاعات تشرف العبد في الدنيا والآخرة، والمعاصي تُنَكِّسُ الرؤوس، وتذل العباد.
كم من عبد كان في ستر من الله عز وجل؟ فلما عصى الله هتك الله ستره، وفضح أمره، وكشف حاله، إما في الدنيا وإما في الآخرة، ومن ثم كان لزاماً على العبد أن يقف مع نفسه وقفة، إلى متى العصيان؟؟ إلى متى الذنوب؟ إلى متى التفريط في طاعة رب البريات؟ لو عقل العبد عن نفسه لعلم أن الحياة لحظة.
روى الإمام مسلم من طريق خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِى فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا وَوَاللَّهِ لَتُمْلأَنَّ أَفَعَجِبْتُمْ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ. < مسلم (2967)، أحمد "مسند" (174/4) >.
"فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ" (( صرم )) الانقطاع والذهاب، أوشكت الدنيا على الانتهاء، كما ترى السنبل في الأرض أخضر، ثم يصفار، علامة الصفار علامة الحصاد، فالدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ.
"وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا" باقي من الدنيا شفطة، تَبُل بها ريقك، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا.
"فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِى فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا وَوَاللَّهِ لَتُمْلأَنَّ أَفَعَجِبْتُمْ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ".
فأيها العبد إلى متى نُسَوِف؟ والذنوب تتعاظم، والمعاصي تتكاثر، ولا نفيق، أعند الموت نفيق؟! لا والله: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}. [ق/22].
والتوبة مفتوح بابها ، ما لم تصل الروح إلى الحلقوم، حينما يعاين العبد أنه يقيناً من الدنيا خارج، فَيُعْلِن التوبة، وهيهات ثم هيهات.
روى الأمام أحمد عَنْ بُسْرِ بْنِ جَحَّاشٍ الْقُرَشِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَصَقَ يَوْمًا فِي كَفِّهِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ اللَّهُ : بَنِي آدَمَ ، أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ ، حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ ، مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ ، وَلِلأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتَ : أَتَصَدَّقُ ، وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ. < ابن ماجة (2707)، أحمد "مسند" (210/4) >.
من نطفة، أنت ابن ماء مهين، هذا خلقك فلا تغتر بصنعة الله فيك، ولا تغتر بحلم الله بك، أنت لا شئ، إلا بطاعة الله عز وجل، أنت لا شئ، إلا بعبادتك لربك، بغير هذا لا شئ، صورة ظاهرة، ثم عند الموت سيعاين العبد الحقيقة.
"ثُمَّ قَالَ : قَالَ اللَّهُ : بَنِي آدَمَ ، أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ" ثم أمرك ربك ونهاك، قال عز وجل: حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ ، مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ ، وَلِلأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتَ : أَتَصَدَّقُ ، وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)}. [القيامة/32/31/30/29/28/27/26].
دنيا آثرها على طاعة رب البريات، كنت في غفلة، هل نعقل هذه الغفلة؟ ونعلن توبة نصوحاً لله عز وجل، أن نعقل عن الله، وأن نعلم أن الله سبحانه أسبغ علينا النعم، وأَتَانَا من كل شئ، والله الذي لا إله غيره، ولو تأملنا في حلم الله بنا، وفي تَعَطُّفِهِ علينا، وتودده لنا لكفانا، لكفانا أن لا نعصيه طرفة عين.
نِعَمٌ سألنا وبلا سُئْل، وعلى الرغم من هذا نتمادي كل لحظة في معاصي وذنوب، في غفلات تثقل الجبال.
أيها الحبيب التوبة واجبة، لما لا نتوب؟ لما لا نصدق مع الله عز وجل مرة؟ بتوبة نصوح، والتوبة أمرنا بها ربنا تبارك وتعالى عند أعظم الطاعات، وأجل القربات، فكان النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم يقول « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى وَإِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ». < مسلم (2702)، أبو داود (1515)، أحمد "مسند" (260/211/4)عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِىِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ >.
والغين هو السحاب الخفيف.
وكان صلي الله عليه وعلى آله وسلم دبر كل صلاة ليس قبل الصلاة، بعد انتهاء الصلاة، إذا فرغ وقال السلام عليكم، يقول أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، يستغفر الله بعد صلاة، بل ربنا تبارك وتعالى أمرنا بالاستغفار بعد أجل شعيرة: {فَإِذَاأَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}. [البقرة/198].
ذكر الله عز وجل، وإعلان التوبة والاستغفار أصل عند كل قربة، فكيف بالمفرط؟ كيف بالمذنب؟ كيف بالعاصي المُسَوِّف؟ وهو يقول أتوب غداً.
أيها الحبيب لك أجل مُغَيَّب لا تعلمه، ولا يعلمه أحد، ولكن الله عز وجل يعلم، فأقبل على الله بقلبك، وأعلن توبة نصوح، ربما يقول البعض مما أتوب، لأن الغفلة حينما تخيم على القلب يخال العبد أن لا ذنوب، « إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ » . فَقَالَ بِهِ هَكَذَا. < البخاري (6308)، الترمذي (2497)، أحمد "مسند" (383/1) >.
"إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ" يرى ذنوبه، بل يرى صغار الذنوب كجبل فوق رأسه.
"وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ » . فَقَالَ بِهِ هَكَذَا " لا يتأثر إلا تأثراً ظاهراً، الذنب إن لم يَكْسِر القلب، ويُلِين الجوارح، ويجعلك مستقيماً مع الله عز وجل، فلا توبة منه، كيف يتوب؟ وهو يتوب ثم يعود، يعود ثم يعود، يتوب ثم يعود، لا.
نعم إن تبت إلى الله عز وجل توبة نصوح، وكسر الذنب سويداء قلبك، ولا يزال الذنب أمامك، تراه كأنه جبل عظيم، يهدم كيانك، هذه علامات التوبة، فإن وقعت في ذنب آخر، بفطرتك الدنية، وبطبع الإنسان الذي هو الدون، ثم تيقظ وانتبه، فإن الله يتوب على هذا.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ». < البخاري (7507)، مسلم (2758) واللفظ له >.
"ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ" فارق هذا الذنب، وظل هذا الذنب أمامه يراه، لا يقاربه أبدًا، لأنه تاب منه، ولكن سقط في ذنب أخر، فرأى أن الذنب نكت في سويداء القلب، فجئر إلى الله عز وجل، وقال ربي اغفر لي.
"فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ". قد غفرت لك.
"ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ" فالذنوب في حق العباد قَدَر، والتوبة ملزمة وهي قَدَر، فالذنب قَدَر كوني شرعي، والتوبة أيضا قَدَر كوني شرعي، ويتوب الله على من تاب.
فكلما تاب من ذنب وسد بابه، ترآئى له ذنب أخر فسقط فيه، فأسرع بالتوبة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}. [الأعراف/201].
عندها يقول الرب سبحانه أي عبدي "اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ". طالما أن القلب معلق بالله عز وجل، وأن العبد إن سقط قام، فالله معه يغفر له ويتوب عليه، أما علمت يا عبد الله أن الذنب مهما تعاظم وأقبلت على الله عز وجل، غفره لك.
أسلم أقوام كانوا على الشرك والكفر والزنا والقتل، فلما أسلموا قالوا أيغفر الله لنا، فنزلت الآيات قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. [الزمر/53].
ماذا بعد هذا يا مؤخر التوبة؟! ما الذي يؤخرك؟ يا معطل التوبة ما الذي يعطلك؟ ولك رب كريم جواد، عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». < مسلم (2759)، أحمد "مسند" (404/395/4) >.
"يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ" وأنت غافل، وأنت لاهي، وأنت مفرط، وأنت قائم على معاصيه، متى ستتوب؟؟ متى سترجع؟؟.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ فَقَالَ لاَ. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ». < البخاري (3470)، مسلم (2766) واللفظ له >.
"قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا" أسرف إلى درجة أنه قتل ما يقارب المائة.
"فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ" كأنه يريد أن يتوب، يريد أن يرجع.
"فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ" فذهب إليه فعرض مسألته، فهو راهب بلا علم، ما يعلم استبشع الأمر، رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، كيف يتوب!! وأنى له التوبة!!.
"فَقَالَ لاَ" وفي رواية أن العابد كاد أن يسقط مغشياً عليه، "قَالَ: بَعْدَ قَتْلِ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَفْسًا؟" وسكت ما أعطاه جواب. < ابن ماجة (2622)، أحمد "مسند" (20/3) >.
وفي رواية "قَالَ : لا أَرَى لَكَ تَوْبَةً". < أمالي أبي مطيع المصري (57) >.
عندها الرجل آيَس، فأتم به المائة، قتل مائة نفس منهم عابد، ولكن في قلبه الروح، ما زالت عنده حياة.
"ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ" من؟ رب كريم جواد، يغفر الذنوب مهما تعاظمت، ويستر العيوب مهما تعاظمت، ولكن إن هتك العبد الستر، واسْتَمْرَأَ المعصية، وتغافل عن أمر الله عز وجل، لأبد من الهتك، إما أن يهتك الستر في الدنيا، أو في الاخرة.
قال له العالم: "انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ" وافته المنية تلطفاً وتكرماً وجوداً من الله عز وجل، أن وفقه الله لتوبة في أخر لحظة، وقد جنت يداه، وقتل مائة منهم عابد، قُبِض.
"فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ" أي حكماً بينهما، فتش في قلبك، واعلم أن لك رب كريم، رب جواد، يتودد إليك بالنعم، وأنت غافل، كأن الله يقول لك أي عبدي ما أطعمتك، ولا سقيتك، ولا أصححت بدنك، إلا لتكون لي، إلا لتكون له، لا للشيطان، ولا لنفسك الغَوِيَّة، ولا لأحد من خلق الله عز وجل، كن لله عز وجل يكن الله عز وجل معك، ويعطيك في الدنيا والآخرة، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
"فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ." إن كان أقرب إلى أهل المعصية فخذوه، أي ملائكة العذاب، وإن كان إلى أهل الطاعة، فأهل الرحمة.
"فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ " وفي رواية وقد أدركت العبد الرحمة، "فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِى . وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِى . وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا . فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ ، فَغُفِرَ لَهُ". < البخاري (3470)، مسلم (2766) >.
رب كريم جواد، جميع الذنوب عنده مغفورة، إن صَدَقْتَ معه، كل الخطايا مُمْحَاه إن حَسَّنْتَ الظن به.
روى الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». < الترمذي (3540) >.
"قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى" هو الذي خلقك، ورزقك وأنعم عليك وأنت مذنب، فإن عدت غفر لك،
"إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ" كل ذنوبِك وصلت إلى السحاب، ملئت الكون.
"ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً".
أيها الحبيب الذنوب مُنَكِّسَات للرؤوس، كم من أقوام كانوا في ستر من الله عز وجل؟ حالهم مستور في الدنيا، فلما عصو الله عز وجل، أذل الله رقابهم، وهتك أستارهم، وفضحهم على رؤوس الأشهاد.
وكم من أقوام ما زالوا في الستر والله يحلم عليهم، يتودد إليهم عسى أن ينيبوا أو يرجعوا، فإن غُلِّقَ الباب، وجاء يوم المعاد، فلا تسل عن الفضيحة، قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)}. [فصلت/20/19].
كان في ستر، ولكنَّ العينان ما تخلت عن النظر إلى الحرام، كان في ستر ولكنَّ الأذنان لا تزال تسمعان الحرام، واللسان ينطق بالحرام، وهو منغمس في الحرام، ولكن أحد لا يعلم بأمره، مستور الحال، فكشف الله ستره، وأبان عواره على رؤوس الخلائق، في يوم عظيم، آخذ كتابه بيمينه، وآخذ بشماله.
الأول:ـ في حالة من الغبطة والسرور، ينظر إلى الخلائق بعد طول قيام: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}. [الحاقة/24/23/22/21/20/19].
الثاني:ـ كل الخلائق ينظرون إليه، بأي اليَدِ آخذ، باليمين أم بالشمال، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}. فضيحة عار وشنار، كان في ستر، فهتك الستر، ففضح الله أمره على رؤوس الخلائق: {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)}. [الحاقة/27/26/25].
لا والله، لا والله إنك لأبد أن تصل إلى المنتهى، إما جنة وإما نار، لا والله إن بعد الدنيا قبر موحش أو مضيء، وبعد القبر حشر وزحام وضجيج، وبعد الحشر لقاء بين يدي الملك، آخذ بيمينه أو بشماله.
قَدِّر قبل موتك وقوفك بين يدي الملك، في أرض المحشر قدر خمسين ألف سنة، بلا طعام ولا شراب، الكل خائف وجل، حتى الأنبياء جثوا على الركب، كل نبي يقول: نفسي نفسي، الأنبياء خائفون وجلون، من هول اللقاء مع الله عز وجل، فكيف بك يا مذنب، يا مفرط، لما لا تُعَجِّل؟ ما الذي يعطلك؟ لما لا تقف مع نفسك وقفة من الآن أتوب، كنت مقصر في طاعات، عد إلى الطاعات، كنت مسرف في ذنوب وبليات، أقلع فإن الكرب عظيم، وإن الهول شديد، آخذ بشماله يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)}. [الحاقة/27/26/25].
ما الذي شغله؟ المال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)}. [الحاقة/28].
ذهب المال فلا مال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)}. [الحاقة/29/28].
الجاه، السلطان، المنصب ما نفعه، وبينما هو يتحسر، بعد أن أخذ الكتاب، فإذا بالنار تلوح، وإذا بملائكة غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يأمرون، يأتي الأمر: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)}. [الحاقة/30].
قال العلماء: الغل رباط في الرقبة، مع قلب الأيدي والأرجل في غل أخر، هما غلان، رباط في العنق، ورباط للأيدي والأرجل من خلف:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)}. [الحاقة/ 31/30].
والتصليه غمس، لا أن يلقى في النار، يُغمس في النار: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)}. [الحاقة/32/31].
قال قتادة: والله ما قيدهم خشية أن يعجزوه، ما قيدهم خشية أن يهربوا، ويفروا، ولكن لما عصى الله من قدام بكل جوارحه، بعينيه، ومنخريه، وفمه وأذنيه، وكل جارحة فيه، كان العذاب أن يمس كما قال عز وجل: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}. [القمر/48].
"ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ" قال ما قيدهم خشية أن يعجزوه ولكن لترسى وجوههم في النار، ثم يتعاقب البلاء، البلاء.
أيها الحبيب لما نُسَوِّف التوبة؟ لما نتأخر؟ لما نتعطل؟ وربك الكريم ينادي عليك، عَجِّل قبل أن تأتي السكرة، فيفيق العبد فيرى نفسه قد أسرف: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي}. [المؤمنون/99].
ولعل تفيد الترجي: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا}. ما عاد هناك رجوع: {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}.
عودوا إلى ربكم واستغفروه.................
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
عباد الله مما أتوب؟ التوبة قد تكون من النزول عن الأعلى، فقد تكون مقصراً مفرطاً في أعلى الطاعات، وفي المسابقة إلى رب البريات، ترى أن غيرك سبقك إلى الله، فتشعر بانكسار في القلب، وبذلة في النفس، لما سبقني أبو بكر؟ لما سبقني عمر؟ لما سبقني عثمان؟ لما سبقني على؟ لما سبقني الصحابة؟ بما سبقوا؟.
فأن ينكسر قلبك، وأن تشعر برغب أن تزاحم هؤلاء القوم، فإن لم تستطع فانزل درجة، لمن هم ساروا على نهجهم، واتبعوا مسلكهم كيف كانوا مع الله عز وجل؟ كيف ساروا؟ كيف سابقوا؟ بل كان منهم من قَصَّرَ في أمر، وقد يكون هذا تقصير جبلي، إن وُعِظَ وذُكِّر، سابق وسارع.
روى البخاري ومسلم وأحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا ، فَأَقُصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزَبًا ، فَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي ، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ ، فَقَالَ لِي : لَنْ تُرَاعَ ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً. < البخاري (7028)، مسلم (2479)، أحمد "مسند" (146/2) >.
"وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزَبًا ، فَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ" لأنه كان ثقيل النوم، فلما تزوج انتقل إلى بيته، فربما كان لا يقوم من الليل إلا القليل، أي كان القيام الدائم مع أهل الصفة، ربما الليل كله، وربما جزء من الليل، فلما تزوج قَصَّرَ في قيام الليل، قال: فرأيت رؤيا فأفزعتني.
قال: "فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وقصتها عليه وهي أن عبد الله بن عمر رأى رؤيا، "قَالَ : فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي ، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ" (( والقرنان )) هما الشادوف أو الحبل الذين يستعملان في إخراج الماء.
" قَالَ : فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي ، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ" كم من فزع أصاب ابن عمر الصحابي الجليل؟.
"فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ ، فَقَالَ لِي : لَنْ تُرَاعَ" لا تخف.
"وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ" أفزعته الرؤيا واستحى أن يقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعها النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ : نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ" النار منه بعيد، صحابي تقي ورع، شاب جليل، ولكن وقع عنده تقصير، نزل درجة.
"فَقَالَ : نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ" وقع قصور فلو جبر هذا التقصير لكن هو.
"قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً." انظروا إلى صدق التوبة، إلى صدق الرجوع، قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً.
فالتوبة من الأدنى إلى الأعلى، أن ترى نفسك عاجز أن تسابق القوم، أن تنافس في الطاعات والقربات، ترى الدنيا قد أكلت من قلبك، وفتت من بدنك، تراك في الدنيا نشيط جاد، وعند قراءة آيتين تتثاءب، وعندما تصلي مع إمام قد قرأ بخمس آيات، يصيبك ملل، هذا يحتاج إلى توبة، تحتاج أن تحي قلبك، وأن تعود إلى الله عز وجل فتنافس.
قال الحسن: من نافسك في دنياك، أي منافسة في الدنيا، إنسان أفضل منك وأعلى منك في الدنيا، فألقها في نحره، لا تنشغل به، ومن نافسك في أخرتك، ترى لك صاحب أكثر منك قراءة للقرآن، أعلم منك، أقرب إلى الله منك، أكثر صلاة منك، فنافسه. < بتصرُّف >.
ألا ترون حال نبي الله موسى لما خرج ومعه أسباط بني إسرائيل، إلى أين؟ لِلُقْيَا الله عز وجل عند جبل الطور، موعد حدده الله عز وجل لموسى، فلما اقترب اشتاق القلب، فما استطاع أن يصبر مع الأسباط، فأسرع وعَجَّل حتى وصل إلى المكان قبل أن يصلوا، فقال عز وجل: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83)}. [طه/83].
لِما أسرعت وتركت هؤلاء الأخيار من أمتك وقومك؟: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}. [طه/84/83].
أراد موسى أن لا يسبقه إلى الله أحد.
أين قلوبنا؟ ما الذي شغلنا عن الطاعات؟ لما لا يكون في هذه الأمة كأمثال أبي بكر وعمر، وعثمان وعلى، وابن عمر وهؤلاء الأخيار، لما أن الكل غلبت عليه الدنيا؟ لما نرى أن الكل انغمس في الدنيا؟ والمنغمس ربما ليس عنده توازن، لو توازن لكان خيراً، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، ولكن ننغمس وننسى كل شئ.
.متى سنتوب؟
متى سنرجع؟
متى سنقف وقفة بين يدي الله عز وجل؟
قطرة من دمع في خلوة قد تلين هذا القلب وتعدله، وتسيره إلى الله عز وجل، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ». < البخاري (660)، مسلم (1031) >.
من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا" في أي شئ نظر في النعم، والعطايا التى من الله عز وجل ولا تعد ولا تحصى، بل نظر في ذنوبه وخطاياه، وأنها كأمثال الجبال، فإن لقي الله عز وجل بها أدخله النار، فخاف "فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" بقطرة من الدمع، إما محبة ورجاء، وإما خوف وفزع.
عباد الله إن العبد في هذه الحياة عمره فيها لحظات، إن قضاها في طاعة مُنَّ عليه بخير، ورُزِق نعيم الأبد، وإن تغافل وأعرض، مُنِىَ بشقوة الأبد، ولذلك كان لزاماً على العبد أن يعقل عمره، وأن يعرف قدره، وأن يعلم أن مكانه عند الله عز وجل عظيم، إن اتقاه، وأن مكانه عند الله مهين، إن عصاه، فالطاعات تشرف العبد في الدنيا والآخرة، والمعاصي تُنَكِّسُ الرؤوس، وتذل العباد.
كم من عبد كان في ستر من الله عز وجل؟ فلما عصى الله هتك الله ستره، وفضح أمره، وكشف حاله، إما في الدنيا وإما في الآخرة، ومن ثم كان لزاماً على العبد أن يقف مع نفسه وقفة، إلى متى العصيان؟؟ إلى متى الذنوب؟ إلى متى التفريط في طاعة رب البريات؟ لو عقل العبد عن نفسه لعلم أن الحياة لحظة.
روى الإمام مسلم من طريق خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِى فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا وَوَاللَّهِ لَتُمْلأَنَّ أَفَعَجِبْتُمْ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ. < مسلم (2967)، أحمد "مسند" (174/4) >.
"فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ" (( صرم )) الانقطاع والذهاب، أوشكت الدنيا على الانتهاء، كما ترى السنبل في الأرض أخضر، ثم يصفار، علامة الصفار علامة الحصاد، فالدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ.
"وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا" باقي من الدنيا شفطة، تَبُل بها ريقك، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا.
"فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِى فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا وَوَاللَّهِ لَتُمْلأَنَّ أَفَعَجِبْتُمْ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ".
فأيها العبد إلى متى نُسَوِف؟ والذنوب تتعاظم، والمعاصي تتكاثر، ولا نفيق، أعند الموت نفيق؟! لا والله: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}. [ق/22].
والتوبة مفتوح بابها ، ما لم تصل الروح إلى الحلقوم، حينما يعاين العبد أنه يقيناً من الدنيا خارج، فَيُعْلِن التوبة، وهيهات ثم هيهات.
روى الأمام أحمد عَنْ بُسْرِ بْنِ جَحَّاشٍ الْقُرَشِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَصَقَ يَوْمًا فِي كَفِّهِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ اللَّهُ : بَنِي آدَمَ ، أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ ، حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ ، مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ ، وَلِلأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتَ : أَتَصَدَّقُ ، وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ. < ابن ماجة (2707)، أحمد "مسند" (210/4) >.
من نطفة، أنت ابن ماء مهين، هذا خلقك فلا تغتر بصنعة الله فيك، ولا تغتر بحلم الله بك، أنت لا شئ، إلا بطاعة الله عز وجل، أنت لا شئ، إلا بعبادتك لربك، بغير هذا لا شئ، صورة ظاهرة، ثم عند الموت سيعاين العبد الحقيقة.
"ثُمَّ قَالَ : قَالَ اللَّهُ : بَنِي آدَمَ ، أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ" ثم أمرك ربك ونهاك، قال عز وجل: حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ ، مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ ، وَلِلأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتَ : أَتَصَدَّقُ ، وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)}. [القيامة/32/31/30/29/28/27/26].
دنيا آثرها على طاعة رب البريات، كنت في غفلة، هل نعقل هذه الغفلة؟ ونعلن توبة نصوحاً لله عز وجل، أن نعقل عن الله، وأن نعلم أن الله سبحانه أسبغ علينا النعم، وأَتَانَا من كل شئ، والله الذي لا إله غيره، ولو تأملنا في حلم الله بنا، وفي تَعَطُّفِهِ علينا، وتودده لنا لكفانا، لكفانا أن لا نعصيه طرفة عين.
نِعَمٌ سألنا وبلا سُئْل، وعلى الرغم من هذا نتمادي كل لحظة في معاصي وذنوب، في غفلات تثقل الجبال.
أيها الحبيب التوبة واجبة، لما لا نتوب؟ لما لا نصدق مع الله عز وجل مرة؟ بتوبة نصوح، والتوبة أمرنا بها ربنا تبارك وتعالى عند أعظم الطاعات، وأجل القربات، فكان النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم يقول « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى وَإِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ». < مسلم (2702)، أبو داود (1515)، أحمد "مسند" (260/211/4)عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِىِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ >.
والغين هو السحاب الخفيف.
وكان صلي الله عليه وعلى آله وسلم دبر كل صلاة ليس قبل الصلاة، بعد انتهاء الصلاة، إذا فرغ وقال السلام عليكم، يقول أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، يستغفر الله بعد صلاة، بل ربنا تبارك وتعالى أمرنا بالاستغفار بعد أجل شعيرة: {فَإِذَاأَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}. [البقرة/198].
ذكر الله عز وجل، وإعلان التوبة والاستغفار أصل عند كل قربة، فكيف بالمفرط؟ كيف بالمذنب؟ كيف بالعاصي المُسَوِّف؟ وهو يقول أتوب غداً.
أيها الحبيب لك أجل مُغَيَّب لا تعلمه، ولا يعلمه أحد، ولكن الله عز وجل يعلم، فأقبل على الله بقلبك، وأعلن توبة نصوح، ربما يقول البعض مما أتوب، لأن الغفلة حينما تخيم على القلب يخال العبد أن لا ذنوب، « إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ » . فَقَالَ بِهِ هَكَذَا. < البخاري (6308)، الترمذي (2497)، أحمد "مسند" (383/1) >.
"إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ" يرى ذنوبه، بل يرى صغار الذنوب كجبل فوق رأسه.
"وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ » . فَقَالَ بِهِ هَكَذَا " لا يتأثر إلا تأثراً ظاهراً، الذنب إن لم يَكْسِر القلب، ويُلِين الجوارح، ويجعلك مستقيماً مع الله عز وجل، فلا توبة منه، كيف يتوب؟ وهو يتوب ثم يعود، يعود ثم يعود، يتوب ثم يعود، لا.
نعم إن تبت إلى الله عز وجل توبة نصوح، وكسر الذنب سويداء قلبك، ولا يزال الذنب أمامك، تراه كأنه جبل عظيم، يهدم كيانك، هذه علامات التوبة، فإن وقعت في ذنب آخر، بفطرتك الدنية، وبطبع الإنسان الذي هو الدون، ثم تيقظ وانتبه، فإن الله يتوب على هذا.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ». < البخاري (7507)، مسلم (2758) واللفظ له >.
"ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ" فارق هذا الذنب، وظل هذا الذنب أمامه يراه، لا يقاربه أبدًا، لأنه تاب منه، ولكن سقط في ذنب أخر، فرأى أن الذنب نكت في سويداء القلب، فجئر إلى الله عز وجل، وقال ربي اغفر لي.
"فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ". قد غفرت لك.
"ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ" فالذنوب في حق العباد قَدَر، والتوبة ملزمة وهي قَدَر، فالذنب قَدَر كوني شرعي، والتوبة أيضا قَدَر كوني شرعي، ويتوب الله على من تاب.
فكلما تاب من ذنب وسد بابه، ترآئى له ذنب أخر فسقط فيه، فأسرع بالتوبة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}. [الأعراف/201].
عندها يقول الرب سبحانه أي عبدي "اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ". طالما أن القلب معلق بالله عز وجل، وأن العبد إن سقط قام، فالله معه يغفر له ويتوب عليه، أما علمت يا عبد الله أن الذنب مهما تعاظم وأقبلت على الله عز وجل، غفره لك.
أسلم أقوام كانوا على الشرك والكفر والزنا والقتل، فلما أسلموا قالوا أيغفر الله لنا، فنزلت الآيات قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. [الزمر/53].
ماذا بعد هذا يا مؤخر التوبة؟! ما الذي يؤخرك؟ يا معطل التوبة ما الذي يعطلك؟ ولك رب كريم جواد، عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». < مسلم (2759)، أحمد "مسند" (404/395/4) >.
"يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ" وأنت غافل، وأنت لاهي، وأنت مفرط، وأنت قائم على معاصيه، متى ستتوب؟؟ متى سترجع؟؟.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ فَقَالَ لاَ. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ». < البخاري (3470)، مسلم (2766) واللفظ له >.
"قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا" أسرف إلى درجة أنه قتل ما يقارب المائة.
"فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ" كأنه يريد أن يتوب، يريد أن يرجع.
"فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ" فذهب إليه فعرض مسألته، فهو راهب بلا علم، ما يعلم استبشع الأمر، رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، كيف يتوب!! وأنى له التوبة!!.
"فَقَالَ لاَ" وفي رواية أن العابد كاد أن يسقط مغشياً عليه، "قَالَ: بَعْدَ قَتْلِ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَفْسًا؟" وسكت ما أعطاه جواب. < ابن ماجة (2622)، أحمد "مسند" (20/3) >.
وفي رواية "قَالَ : لا أَرَى لَكَ تَوْبَةً". < أمالي أبي مطيع المصري (57) >.
عندها الرجل آيَس، فأتم به المائة، قتل مائة نفس منهم عابد، ولكن في قلبه الروح، ما زالت عنده حياة.
"ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ" من؟ رب كريم جواد، يغفر الذنوب مهما تعاظمت، ويستر العيوب مهما تعاظمت، ولكن إن هتك العبد الستر، واسْتَمْرَأَ المعصية، وتغافل عن أمر الله عز وجل، لأبد من الهتك، إما أن يهتك الستر في الدنيا، أو في الاخرة.
قال له العالم: "انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ" وافته المنية تلطفاً وتكرماً وجوداً من الله عز وجل، أن وفقه الله لتوبة في أخر لحظة، وقد جنت يداه، وقتل مائة منهم عابد، قُبِض.
"فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ" أي حكماً بينهما، فتش في قلبك، واعلم أن لك رب كريم، رب جواد، يتودد إليك بالنعم، وأنت غافل، كأن الله يقول لك أي عبدي ما أطعمتك، ولا سقيتك، ولا أصححت بدنك، إلا لتكون لي، إلا لتكون له، لا للشيطان، ولا لنفسك الغَوِيَّة، ولا لأحد من خلق الله عز وجل، كن لله عز وجل يكن الله عز وجل معك، ويعطيك في الدنيا والآخرة، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
"فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ." إن كان أقرب إلى أهل المعصية فخذوه، أي ملائكة العذاب، وإن كان إلى أهل الطاعة، فأهل الرحمة.
"فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ " وفي رواية وقد أدركت العبد الرحمة، "فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِى . وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِى . وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا . فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ ، فَغُفِرَ لَهُ". < البخاري (3470)، مسلم (2766) >.
رب كريم جواد، جميع الذنوب عنده مغفورة، إن صَدَقْتَ معه، كل الخطايا مُمْحَاه إن حَسَّنْتَ الظن به.
روى الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». < الترمذي (3540) >.
"قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى" هو الذي خلقك، ورزقك وأنعم عليك وأنت مذنب، فإن عدت غفر لك،
"إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ" كل ذنوبِك وصلت إلى السحاب، ملئت الكون.
"ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً".
أيها الحبيب الذنوب مُنَكِّسَات للرؤوس، كم من أقوام كانوا في ستر من الله عز وجل؟ حالهم مستور في الدنيا، فلما عصو الله عز وجل، أذل الله رقابهم، وهتك أستارهم، وفضحهم على رؤوس الأشهاد.
وكم من أقوام ما زالوا في الستر والله يحلم عليهم، يتودد إليهم عسى أن ينيبوا أو يرجعوا، فإن غُلِّقَ الباب، وجاء يوم المعاد، فلا تسل عن الفضيحة، قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)}. [فصلت/20/19].
كان في ستر، ولكنَّ العينان ما تخلت عن النظر إلى الحرام، كان في ستر ولكنَّ الأذنان لا تزال تسمعان الحرام، واللسان ينطق بالحرام، وهو منغمس في الحرام، ولكن أحد لا يعلم بأمره، مستور الحال، فكشف الله ستره، وأبان عواره على رؤوس الخلائق، في يوم عظيم، آخذ كتابه بيمينه، وآخذ بشماله.
الأول:ـ في حالة من الغبطة والسرور، ينظر إلى الخلائق بعد طول قيام: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}. [الحاقة/24/23/22/21/20/19].
الثاني:ـ كل الخلائق ينظرون إليه، بأي اليَدِ آخذ، باليمين أم بالشمال، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}. فضيحة عار وشنار، كان في ستر، فهتك الستر، ففضح الله أمره على رؤوس الخلائق: {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)}. [الحاقة/27/26/25].
لا والله، لا والله إنك لأبد أن تصل إلى المنتهى، إما جنة وإما نار، لا والله إن بعد الدنيا قبر موحش أو مضيء، وبعد القبر حشر وزحام وضجيج، وبعد الحشر لقاء بين يدي الملك، آخذ بيمينه أو بشماله.
قَدِّر قبل موتك وقوفك بين يدي الملك، في أرض المحشر قدر خمسين ألف سنة، بلا طعام ولا شراب، الكل خائف وجل، حتى الأنبياء جثوا على الركب، كل نبي يقول: نفسي نفسي، الأنبياء خائفون وجلون، من هول اللقاء مع الله عز وجل، فكيف بك يا مذنب، يا مفرط، لما لا تُعَجِّل؟ ما الذي يعطلك؟ لما لا تقف مع نفسك وقفة من الآن أتوب، كنت مقصر في طاعات، عد إلى الطاعات، كنت مسرف في ذنوب وبليات، أقلع فإن الكرب عظيم، وإن الهول شديد، آخذ بشماله يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)}. [الحاقة/27/26/25].
ما الذي شغله؟ المال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)}. [الحاقة/28].
ذهب المال فلا مال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)}. [الحاقة/29/28].
الجاه، السلطان، المنصب ما نفعه، وبينما هو يتحسر، بعد أن أخذ الكتاب، فإذا بالنار تلوح، وإذا بملائكة غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يأمرون، يأتي الأمر: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)}. [الحاقة/30].
قال العلماء: الغل رباط في الرقبة، مع قلب الأيدي والأرجل في غل أخر، هما غلان، رباط في العنق، ورباط للأيدي والأرجل من خلف:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)}. [الحاقة/ 31/30].
والتصليه غمس، لا أن يلقى في النار، يُغمس في النار: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)}. [الحاقة/32/31].
قال قتادة: والله ما قيدهم خشية أن يعجزوه، ما قيدهم خشية أن يهربوا، ويفروا، ولكن لما عصى الله من قدام بكل جوارحه، بعينيه، ومنخريه، وفمه وأذنيه، وكل جارحة فيه، كان العذاب أن يمس كما قال عز وجل: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}. [القمر/48].
"ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ" قال ما قيدهم خشية أن يعجزوه ولكن لترسى وجوههم في النار، ثم يتعاقب البلاء، البلاء.
أيها الحبيب لما نُسَوِّف التوبة؟ لما نتأخر؟ لما نتعطل؟ وربك الكريم ينادي عليك، عَجِّل قبل أن تأتي السكرة، فيفيق العبد فيرى نفسه قد أسرف: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي}. [المؤمنون/99].
ولعل تفيد الترجي: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا}. ما عاد هناك رجوع: {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}.
عودوا إلى ربكم واستغفروه.................
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
عباد الله مما أتوب؟ التوبة قد تكون من النزول عن الأعلى، فقد تكون مقصراً مفرطاً في أعلى الطاعات، وفي المسابقة إلى رب البريات، ترى أن غيرك سبقك إلى الله، فتشعر بانكسار في القلب، وبذلة في النفس، لما سبقني أبو بكر؟ لما سبقني عمر؟ لما سبقني عثمان؟ لما سبقني على؟ لما سبقني الصحابة؟ بما سبقوا؟.
فأن ينكسر قلبك، وأن تشعر برغب أن تزاحم هؤلاء القوم، فإن لم تستطع فانزل درجة، لمن هم ساروا على نهجهم، واتبعوا مسلكهم كيف كانوا مع الله عز وجل؟ كيف ساروا؟ كيف سابقوا؟ بل كان منهم من قَصَّرَ في أمر، وقد يكون هذا تقصير جبلي، إن وُعِظَ وذُكِّر، سابق وسارع.
روى البخاري ومسلم وأحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا ، فَأَقُصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزَبًا ، فَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي ، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ ، فَقَالَ لِي : لَنْ تُرَاعَ ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً. < البخاري (7028)، مسلم (2479)، أحمد "مسند" (146/2) >.
"وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزَبًا ، فَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ" لأنه كان ثقيل النوم، فلما تزوج انتقل إلى بيته، فربما كان لا يقوم من الليل إلا القليل، أي كان القيام الدائم مع أهل الصفة، ربما الليل كله، وربما جزء من الليل، فلما تزوج قَصَّرَ في قيام الليل، قال: فرأيت رؤيا فأفزعتني.
قال: "فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وقصتها عليه وهي أن عبد الله بن عمر رأى رؤيا، "قَالَ : فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي ، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ" (( والقرنان )) هما الشادوف أو الحبل الذين يستعملان في إخراج الماء.
" قَالَ : فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي ، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ" كم من فزع أصاب ابن عمر الصحابي الجليل؟.
"فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ ، فَقَالَ لِي : لَنْ تُرَاعَ" لا تخف.
"وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ" أفزعته الرؤيا واستحى أن يقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعها النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ : نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ" النار منه بعيد، صحابي تقي ورع، شاب جليل، ولكن وقع عنده تقصير، نزل درجة.
"فَقَالَ : نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ" وقع قصور فلو جبر هذا التقصير لكن هو.
"قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً." انظروا إلى صدق التوبة، إلى صدق الرجوع، قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً.
فالتوبة من الأدنى إلى الأعلى، أن ترى نفسك عاجز أن تسابق القوم، أن تنافس في الطاعات والقربات، ترى الدنيا قد أكلت من قلبك، وفتت من بدنك، تراك في الدنيا نشيط جاد، وعند قراءة آيتين تتثاءب، وعندما تصلي مع إمام قد قرأ بخمس آيات، يصيبك ملل، هذا يحتاج إلى توبة، تحتاج أن تحي قلبك، وأن تعود إلى الله عز وجل فتنافس.
قال الحسن: من نافسك في دنياك، أي منافسة في الدنيا، إنسان أفضل منك وأعلى منك في الدنيا، فألقها في نحره، لا تنشغل به، ومن نافسك في أخرتك، ترى لك صاحب أكثر منك قراءة للقرآن، أعلم منك، أقرب إلى الله منك، أكثر صلاة منك، فنافسه. < بتصرُّف >.
ألا ترون حال نبي الله موسى لما خرج ومعه أسباط بني إسرائيل، إلى أين؟ لِلُقْيَا الله عز وجل عند جبل الطور، موعد حدده الله عز وجل لموسى، فلما اقترب اشتاق القلب، فما استطاع أن يصبر مع الأسباط، فأسرع وعَجَّل حتى وصل إلى المكان قبل أن يصلوا، فقال عز وجل: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83)}. [طه/83].
لِما أسرعت وتركت هؤلاء الأخيار من أمتك وقومك؟: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}. [طه/84/83].
أراد موسى أن لا يسبقه إلى الله أحد.
أين قلوبنا؟ ما الذي شغلنا عن الطاعات؟ لما لا يكون في هذه الأمة كأمثال أبي بكر وعمر، وعثمان وعلى، وابن عمر وهؤلاء الأخيار، لما أن الكل غلبت عليه الدنيا؟ لما نرى أن الكل انغمس في الدنيا؟ والمنغمس ربما ليس عنده توازن، لو توازن لكان خيراً، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، ولكن ننغمس وننسى كل شئ.
.متى سنتوب؟
متى سنرجع؟
متى سنقف وقفة بين يدي الله عز وجل؟
قطرة من دمع في خلوة قد تلين هذا القلب وتعدله، وتسيره إلى الله عز وجل، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ». < البخاري (660)، مسلم (1031) >.
من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا" في أي شئ نظر في النعم، والعطايا التى من الله عز وجل ولا تعد ولا تحصى، بل نظر في ذنوبه وخطاياه، وأنها كأمثال الجبال، فإن لقي الله عز وجل بها أدخله النار، فخاف "فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" بقطرة من الدمع، إما محبة ورجاء، وإما خوف وفزع.
تعليق